إقالة المدرب.. الإطاحة بالرأس بدلاً من علاج الجسد

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

واحد من الأشياء المتكررة والملاحظة في كل مواسم كرة القدم في الإمارات، وأيضاً في الدول العربية هو ظاهرة إقالة المدرب أو الاستغناء عنه، التي أحياناً تصل إلى أكثر من نصف عدد المدربين العاملين في المنافسة الواحدة، وكثيراً ما يتردد السؤال، ما السبب الجوهري لإقالة المدرب؟ هل هو عدم التوفيق في تحقيق النتائج ليدفع ثمن ذلك؟ أم إن سبب الإقالة هو تغطية الفشل الذي يلازم بعض الإدارات في التعاقد مع المدرب أو حتى اللاعبين؟ بينما هناك من يعتقد أن الإقالة يمكن أن تأتي فقط لإرضاء الجمهور الغاضب على المستوى الفني للفريق رغم الفوز في المباريات.

والمدرب يأتي دائماً كرأس بارز يطاح به للتهدئة، وامتصاص الغضب، رغم أن المدرب ما هو إلا عنصر من عناصر الفريق، وعلاج الجسد الواهن يأتي بدراسة أوجه القصور والبحث عن الدواء، بدلاً من مجرد إطاحة برأس، وترك الجسد العليل على علته.

ويشهد الدوري الإماراتي والدوريات العربية تغييرات المدربين باستمرار، وهي ظاهرة تنتشر أكثر في دورياتنا العربية مقارنة بدوريات في مناطق وقارات أخرى في العالم، ويستدل على ذلك بإحصائيات يمكن رصدها كمثال في موسم 2022-2021، من خلال دوريات من مختلف الدول، فالظاهرة هي عالمية، وإن كانت أكثر تأصلاً وانتشاراً في الملاعب والدوريات العربية.

حيث شهد دوري أدنوك للمحترفين في الموسم الأخير، 9 تغييرات للمدربين على مدار الموسم الطويل، والذي امتد من 19 أغسطس 2021 إلى 26 مايو 2022، وجاءت إقالات المدربين أو تغييرهم بأشكال متعددة، سواء بالإقالة أو بفسخ التعاقد أو بالتراضي، وشملت التغييرات المدربين محمد قويض وروجيرو ميكالي من الظفرة، عبد العزيز العنبري من الشارقة، وتين كات من الوحدة، وطارق السكتيوي وأيمن الرمادي من نادي الإمارات، وكايو زاناردي وكالديرون من نادي خورفكان، ورامون دياز من النصر.

ولم يكمل الموسم سوى فتحي العبيدي مع العروبة، مهدي علي مع شباب الأهلي، جوران مع عجمان، مارسيل كايزر مع الجزيرة، سيرجي ريبروف مع العين، خورخي دا سيلفا مع اتحاد كلباء، دانييل إيسايلا مع بني ياس، وأودير هيلمان مع الوصل.

أي إن أكثر من نصف مدربي أندية دوري «أدنوك» تم تغييرهم، ورحلوا عن أنديتهم في محاولة لتحسين النتائج أو النجاة من الهبوط.

أدلة أخرى

في حين، شهد دوري كأس الأمير محمد بن سلمان بالمملكة العربية السعودية، تغيير 17 مدرباً في 11 نادياً.

وهو رقم ضخم على دوري مستقر وقوي مثل الدوري السعودي.

مصر والعراق

بينما شهد الدوري العراقي، ظاهرة تغيير أكثر من 30 مدرباً، من خلال إعادة التعيين أو الإقالة، وكذلك الحال في الدوري المصري، والذي لا يعرف معنى الاستقرار الفني، ويلعب المدربون فيه الكراسي الموسيقية بالتنقل بين الأندية، وفي الموسم الواحد قد ترى مدرباً واحداً يدرب ثلاثة أندية وأكثر، بل ويقال ويعود، ثم يقال ويعود، دون مبررات واضحة لأسباب رحيله، ولا داعٍ أو أسباب لعودته.

ودائماً ما تشهد أنديته، تغييرات عديدة للمدربين، ويشمل الأمر أندية القمة، ومنها الأهلي الذي يعرف دائماً بالاستقرار الفني مع المدربين، إلا أنه بات ينصاع لخلافات مواقع التواصل الاجتماعي، وآراء المشاهير وبرامج التحليل، لينهي عقد مدربه الجنوب أفريقي بيتسو موسيماني، بعد رحلة استمرت عاماً و8 أشهر، وحصد الفريق خلالها 5 ألقاب، بالإضافة إلى برونزية كأس العالم للأندية مرتين.

وتشير الأرقام، إلى أن الأهلي كان النادي رقم 16 الذي يرحل عنه مدربه في الموسم الحالي، من أصل 18 نادياً، بينما فيوتشر والبنك الأهلي، الوحيدان اللذان لم يقوما بتغيير المدربين، ويعتبر الإسماعيلي، أكثر الأندية التي تعاقب عليها مدربون هذا الموسم بـ4 مدربين.

شارع رياضي

والحقيقة أن بعض الإدارات تستمع كثيراً لآراء الشارع الرياضي دون دراسة واضحة، فيأتون بمدربين لإرضاء الجماهير، ويطيحون بآخرين ليريحوا أنفسهم من ضغط مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي يفقد عملية الاختيار أو قرار الاستغناء، للأسانيد والدراسات.

واعتبر عبد الله موسى حارس مرمى منتخب الإمارات في مونديال 1990، أن تغييرات الأجهزة الفنية ظاهرة واضحة في ملاعبنا العربية، وأرجع سببها إلى محاولة الكثير من إدارات الأندية، التغطية على فشلها في اختياراتها، سواء للمدربين أو اللاعبين، ويكون إقالة المدرب، الوسيلة الوحيدة لإسكات الجماهير الغاضبة. وقال: «للأسف العديد من إدارات الأندية العربية، تسعى بكل جهدها لإرضاء الجمهور، ولا تعمل وفق خطة واضحة المعالم، ولذا يكون الحل الأسرع لإرضاء المدرجات وإسكاتها، إقالة المدرب، وهو عكس المفروض أن يحدث، إذ يجب على إدارات الأندية العمل وفق خطة واضحة المعالم، ومحددة المدة، ويصل في نهايتها الفريق إلى تحقيق عدد من الأهداف الحيوية المهمة، وأبرزها الألقاب، وبالتالي إسعاد الجماهير».

ظاهرة عالمية

وأنهى موضحاً: «تغيير المدربين ظاهرة عالمية، لكنها تزداد في وطننا العربي، وفي بعض البلدان في أمريكا الجنوبية، وهناك العديد من الدراسات التي جرت على صعيد تغيير المدربين، وآخرها دراسة أجرتها جامعة كولن الرياضية في ألمانيا، وكشفت تلك الدراسة عن بلوغ معدل تبديل المدربين 37.1% لدى الأندية البرازيلية، مقابل 21% في الأرجنتين، 10% في إنجلترا و4,9% في فرنسا».

نظرة فنية

وظاهرة الإطاحة بالمدربين ليست قاصرة على العالم العربي فقط، وإنما هي ظاهرة واضحة في ملاعب العالم، وإن كانت غير بارزة في الملاعب الأوروبية، إلا أن ملاعب آسيا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا تشهد هذه الظاهرة بكثرة.

ويقول المدرب الوطني عيد باروت: «تغييرات المدربين، ظاهرة موجودة في العالم، وهي أقل في القارة الأوروبية، وتزداد في أمريكا الجنوبية والدول العربية، والسبب النظرة الفنية من قبل إدارات الأندية للمدرب، بمعنى إذا نجح المدرب في قيادة الفريق إلى تحقيق بطولة، ولكنه تراجع إلى المركز الثاني في الموسم التالي، تقوم الإدارة على الفور بإقالته، وتعتبره فاشلاً». وأضاف: «للأسف التقييم الصحيح، والنظرة الفنية غير موجودة لدى أغلب إدارات أنديتنا العربية، والبعض يتعامل مع المدربين من باب المنفعة والاستفادة، بالحصول على مكاسب ما من وراء تغييرات المدربين، وفي العموم، تغيير المدربين بكثرة، ظاهرة غير صحية، إلا إذا كان التغيير لهدف فني».

من فشل لفشل

وأردف قائلاً: «هناك مدربون يتنقلون بين أنديتنا العربية، رغم فشلهم مع الأندية التي عملوا معها، وهي ظاهرة أخرى تثير الجدل، خاصة وأن بعض هؤلاء المدربين، ينالون تكريماً رغم فشلهم، خلافاً للمدرب الوطني، الذي لا يلقى الدعم في عالمنا العربي، ولدينا العديد من تلك الأمثلة، وأرى أن وسائل الإعلام في بلداننا العربية، لديها دور مهم في دعم المدرب الوطني ومساندته للحصول على فرصته كاملة».

ثقة المدرب

ويصعب على الأندية التي تملك استراتيجيات واضحة وخطط طويلة المدى أن يصبح قرار الإطاحة بالمدرب سهلاً أو أول الحلول، فدائماً أصحاب الرؤى المستقبلية يبنون مشروعاً، وبناء المشاريع يتطلب صبراً، ولذلك يصبح قرار الإطاحة بالمدرب آخر قراراتهم ولا يعد مطروحاً للنقاش، بينما الذي ينظرون تحت أقدامهم من الإدارات هم الأكثر إطاحة للمدربين والأقل صبراً على النتائج.

وهذا ما تحدث فيه يوسف عبد العزيز لاعب الجزيرة والمنتخب الوطني السابق، والذي قال: «تغيير المدربين، ظاهرة سلبية يجب التصدي لها من الجهات الرياضية المسؤولة في عالمنا العربي، وهي ظاهرة أفرزتها أمور عديدة، وأبرزها أن الجمهور بات المحرك الرئيسي لمنظومة الكرة العربية، ويضع إدارات الأندية والمدربين واللاعبين، تحت ضغوط كبيرة، وعادة ما يدفع المدرب الثمن، إذا كانت إدارة النادي لا تملك خطة واضحة لبناء المستقبل».

وأضاف: «المفترض من إدارات الأندية عند تولي مدرب جديد للمسؤولية، الاجتماع معه ووضع النقاط على الحروف، وتحديد المطلوب تحقيقه، والأهداف المطلوبة من الفريق تحت قيادته، على أن يمنح المدرب الثقة الكاملة، بالاستمرار في منصبه على الأقل موسمين، ويتم تقييمه بعدها، وليس بعد شهور قليلة، وتتم إقالته».

غياب الرؤية

نفس الأمر في غياب الرؤى والخطط المستقبلية وتأثير ذلك على قرارات الإدارات، تحدث عنه محمد مطر غراب الخبير والمحلل الكروي، فقال: «أسباب كثيرة وراء تزايد ظاهرة تغيير المدربين في الأندية العربية، وفي مقدمتها، غياب الرؤية بالأهداف المطلوبة من إدارات الأندية، وهو الأمر الذي يدفعها للتسرع في إتمام التعاقدات، سواء مع اللاعبين أو المدربين، وتلك الإدارات تكون الأكثر تأثراً بالضغوط الجماهيرية، ويكون الحل الأسرع لامتصاص غضب الجماهير، هو إقالة المدرب، رغم أنه في الكثير من الأحيان، لا يكون مسؤولاً بشكل مباشر عن النتائج».

تأثيرات سلبية

وأضاف: «للأسف، تزايد تلك الظاهرة، لها تأثيرات سلبية على تطوير الكرة العربية، وهو ما يظهر واضحاً على الأندية والمنتخبات، والمطلوب أن يحصل المدرب على فرصته كاملة مع النادي، ويتم تقييمه على أساس الطموحات والأهداف المعقولة والمتوقعة، وليس لإرضاء الجمهور».

والحقيقة أنه بالنظر للدوريات الكبرى عالمياً، سنجد أن تغيير المدربين يتم حدوثه في أضيق الحدود، ووفقا لخبراء يبحثون ويحللون الأداء والمستوى، ويكون التغيير مبنياً على دراسة الأزمة التي تعاني منها الفرق، وتكون الإطاحة برأس الجهاز الفني مسببة بأزمة فنية، وليس لمجرد إرضاء الجماهير أو استجابة لآراء لاعبين معتزلين سابقين في برامج التحليل التلفزيونية.

أزمة

تظل عملية الإطاحة بالمدرب أزمة، ليست فقط على المديرين الفنيين وعدم استقرار عملهم، ولكن أيضاً على خزائن الأندية التي تتكبد الملايين في شروط جزائية، بالإضافة إلى أن مدرباً يأتي فيختار لاعبين في سوق الانتقالات، وعندما يرحل يصبح المدرب الجديد برؤية مختلفة، ومجبراً على الاستمرار مع نفس اللاعبين، الذين هم ربما ليسوا متوافقين مع طريقة لعبه، ويتبع ذلك في الموسم التالي إن استمر المدرب، أن يطلب لاعبين جدداً فيكبد الخزائن خسائر أكبر للتعاقد وخسائر في رحيل لاعبين ربما لم يستفد منهم الفريق، لمجرد أن من أتى بهم مدرب ومن طلب رحيلهم مدرب آخر.

Email