الإدارة الرياضية.. تأهيل الكوادر قبل «تذكرة السفر»

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيراً ما نسمع عن برامج تدريبية ودورات صقل للمدربين والمعايشات التي يقوم بها المدربون في الأندية الخارجية، وكذلك بعض اللاعبين المتميزين سعياً لاكتساب مزيد من الخبرات والصقل من مدارس رياضية مختلفة، ولم نسمع يوماً عن منح «تذكرة سفر» من أجل دورات إدارية أو معايشة للكوادر العاملة في اتحاداتنا الرياضية أو مسؤول إداري من مسؤولي الاتحادات، بهدف اكتساب مزيد من الخبرات وتعلم فنون الإدارة من تجارب احترافية أكثر خبرة.

ودائماً ما نلجأ للحل السهل وهو استقدام المدربين المحترفين من الخارج بمرتبات مادية كبيرة، وعلى الرغم من كل هذه السنين الطويلة التي مرت حتى الآن، فإننا مازلنا في نقطة الصفر نبارحها قليلاً، سرعان ما نلبث أن نعود إليها بسرعة، ونتساءل أين الخلل ولماذا لم يحدث التطور المأمول على الرغم من الجهد والوقت والمال الذي ينفق على رياضتنا في مختلف مجالاتها.

نماذج للدول

عندما ننظر إلى بعض نماذج الدول المتقدمة في مجال كرة القدم نجد أن هناك خططاً طويلة المدى تؤتي بثمارها بصورة مذهلة وفي الغالب تكون بعد تجارب غير موفقة، فنجد النموذج الانجليزي الذي ارتكز على مشروع الحمض النووي الجديد لانجلترا بهدف تطوير وإصلاح الكرة الإنجليزية، كان الهدف من المشروع تحويل منتخب الأسود الثلاثة، من فريق فاز بجائزة «الأكثر إحباطًا في العالم» في مجلة تايم في عام 2012 إلى فريق يعود لرفع كأس العالم مرة أخرى.

تأهيل

من جانبه، أشار محمد عبدالله هزام الظاهري الأمين العام لاتحاد الكرة إلى أن اتحاد الكرة أقدم على خطوة مهمة لإعداد الكوادر الإدارية، حيث استضاف الاتحاد لدورة تطويرية مهمة للكوادر التنفيذية بالاتحادات الأعضاء، تسهم في الارتقاء بالعمل الإداري، وتُنمّي الخبرات اللازمة لمواكبة تطور نشاط ومسابقات كرة القدم المحلية والقارية.

وأشار الأمين العام إلى أن برنامج الدبلوم التنفيذي في الإدارة الرياضية الذي يشرف عليه الفيفا ويدعمه، سيسهم بشكل ملحوظ في تطوير العناصر المشاركة، ويقلل الفجوة بين الاتحادات الأعضاء في هذا المجال، لأن الجانب الإداري يشكل جوهر العملية الرياضية وله أهمية كبيرة في رياضة اليوم.

وأكد الظاهري، أن فعاليات البرنامج منحت المشاركين فرصة لاكتساب خبرات جديدة، من خلال المناقشات التي دارت بين المحاضرين والمشاركين، وأيضاً بين المشاركين أنفسهم، وتعد هذه المحطة مهمة لتبادل الأفكار والخبرات.

وأضاف بن هزام: «إن استراتيجية ورؤية 2038 للكرة الإماراتية التي أطلقها مجلس إدارة الاتحاد برئاسة الشيخ راشد بن حميد النعيمي، رسمت خريطة واضحة لتطوير جميع التخصصات بما فيها الجانب الإداري، وبالتالي يُعد تطوير هذا التخصص من أهم الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها، وحرصنا على توقيع مذكرة تفاهم مع المركز الدولي للدراسات الرياضية (CIES) وجامعة السوربون في أبوظبي في شهر يونيو الماضي من أجل هذا الهدف الحيوي». وتأهيل كوادر نعول عليها كثيراً في المستقبل.

منهاج إداري

وقال عبدالله حسن مدير إدارة التدريب والتطوير السابق في اتحاد الكرة: قبل أن نطالب بمعايشة خارجية للإداريين لابد أن يكون لدينا أولاً منهج لتأهيل الكوادر الإدارية، لأن من غير المعقول أن نطلب معايشة إداري للتجارب والممارسات الإدارية الخارجية دون أن يكون هذا الإداري مؤهلاً محلياً، في السابق كان لدينا مركز إعداد القادة التابع لهيئة الرياضة ويقوم بتأهيل وتدريب الإداريين، أما الآن فالمركز خارج الخدمة ولا يعمل، وكل إداريينا يعملون بناء على خبراتهم الميدانية واحتكاكهم بكوادر إدارية سابقة، دون تأهيل علمي يهيئهم لمهمة العمل الإداري.

وواصل: لذلك لابد أن تقوم الاتحادات الرياضية بتأهيل كوادرها الإدارية وتنمية مهاراتهم من خلال دورات تدريبية وكورسات علمية على غرار ما يتم مع المدربين، أو التعاون مع عدد من الجامعات المحلية لتنظيم دورات إدارية متخصصة لتدريس كوادرنا التي نعول عليها في العمل الإداري، حتى يمكن تخريج إداري ملم بقواعد العمل الإداري، حينها يمكن ابتعاث الموهوبين منهم إلى معايشة أوروبية مع اتحادات متقدمة من أجل اكتساب خبرات إضافية تفيدهم في الارتقاء بعملهم، ولابد أن نعي أن بعض التجارب التي تطبق في عدد من دول أوروبا ربما لا تتواكب مع خصوصية مجتمعنا وهنا تبرز قيمة تأهيل الكوادر محلياً لإكساب الإداري خبرة انتقاء التجارب والممارسات التي تفيدنا في مجتمع لايزال ناشئاً يخطو خطواته الأولى في عالم الاحتراف الإداري والفني.

أين الخطأ

ويتساءل كامل محمد المدير الفني والرياضي لأكاديمية ريتش تارجت، هل نحن لدينا خطأ في التطبيق أم في نوعية الأفراد، فنحن دائماً ما نأتي بمشاريع رياضية كبيرة ولكن نخفق في التطبيق دائماً ما نأتي بالمدرب ثم بعد ذلك نطلب منه خطته مع انه من المفترض العكس أن نضع الخطط والرؤى، وبعد ذلك ننظر للأشخاص المناسبين لتنفيذ هذه الرؤية المستقبلية

ويضيف قائلاً: ما أسهل أن تأتي برؤية خارجية لإحدى الدول المتقدمة في مجال كرة القدم على سبيل المثال، بل أيضاً أن تأتي بالشخص صاحب الرؤية نفسه ومع ذلك المحصلة تكون الإخفاق أو نجاحاً غير ملموس لفترة مؤقتة، والسبب في ذلك أن غالبية هذه الأفكار تصمم بطريقة تناسب الإمكانيات البشرية والموارد اللوجستية المتاحة لهذه الدول، ولمسنا مدى نجاح هذه الدول في الفترة الأخيرة على مستوى المنتخبات بتقديم منتخبات قوية وأجيال واعدة أعادتهم إلى منصات التتويج أو المنافسة بقوة حتى الرمق الأخير من البطولات.

النموذج الألماني

ويشير كامل محمد إلى نجاح التجربة الألمانية في إصلاح منتخبها بعد خروجهم المرير من دور المجموعات في يورو 2000 لإنتاج أفضل الفرق بالعالم، من خلال برنامج تعزيز المواهب ونقاط الدعم وبرنامج تعليم المدربين سياسة التعليم المستمر، وإذا ذهبنا للنموذج البلجيكي وكيف تمكن من إنتاج جيل ذهبي يضم أفضل اللاعبين في العالم على الرغم من عدم فوزهم ببطولات لكنهم كانوا رقماً صعباً في جميع البطولات وأحرزوا المركز الثالث في كأس العالم 2018 نجد أنها انتهجت المنهج العلمي في التحليل والتطوير بالإضافة إلى مدارس التفوق الرياضي الثماني التي كان قد افتتحها الاتحاد في جميع أنحاء بلجيكا بين عامي 1998 و2002

وأخيراً نتجه للنموذج الفرنسي ونجاحه في حصد كأس العالم 1998 بعد الاستفادة من أكاديمية التدريب الفرنسية كليرفونتين، التي خرجت العديد من المواهب الفرنسية مثل «تيري هنري، ويليام جالاس، أنيلكا، حاتم بن عرفة، أبو ديابي، جيرو، ماتويدي، كيليان مبابي، نجد جميع هذه النماذج تتفق على المقولة الشهيرة الحمض النووي لكرة القدم ولكن التطبيق يختلف على حسب كل دولة عن الأخرى.

معايشه التجارب

وأضاف كامل محمد: كل هذه التجارب إفرازات عمل إداري كبير، وفكر احترافي في الإدارة، كنا نتمنى أن تكون هناك معايشة لبعض الإداريين لدراسة مثل تلك التجارب والاستفادة منها بما يواكب واقعنا، وهنا لا تعني الاحترافية أننا نأتي بمدرب صاحب سيرة ذاتية كبيرة وبقيمة مالية كبيرة والنتيجة بالنهاية الإخفاق، لذلك كان يجب على الاتحادات أن توفر هذه الأموال لصالح تطوير الاتحاد نفسه من خلال عمل معايشات لهذه التجارب الناجحة ونأخذ المناسب منها الذي نستطيع تطبيقه بما يتناسب مع إمكانياتنا المادية ومواردنا البشرية، ليس الهدف أن نطبق تجارب الآخرين كما هي أو نأتي بأشخاص فقط أصحاب هذه الأفكار الذين بالعادة ما يملون ولا يقدمون الجديد على العكس نجد منهم من يتأثر بثقافتنا الخاطئة ويفقد هويته الرياضية بعد فترة.

وواصل: المعايشة لهذه التجارب من خلال الاتحادات نفسها عن طريق بعض كوادرها، والاطلاع على طريقة العمل في هذه الاتحادات لمده لا تقل عن 6 أشهر ،مما يسهم بشكل أفضل في التطوير المنشود، وأعتقد في النهاية فكرة المعايشات للاتحادات الناجحة ستكون من الأفكار الإيجابية لتطوير اتحاداتنا المحلية وبالتالي تطوير منتخباتنا على المدى البعيد، وتواجد كوادر قادرة على وضع الخطط والرؤى الجيدة وسنجني ثمار ذلك بكل تأكيد.

Email