«اللاعب الأسطورة».. غياب مؤلم!

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما أكثر الحقائق والمعطيات التي أفرزها تطبيق الاحتراف في كرة القدم الإماراتية منذ عام 2008 وحتى الآن، وربما إلى أجل غير مسمى، حقائق ومعطيات يبرز من بينها، الغياب المؤلم لما ذاع وعُرف بين جماهير الأندية بـ «اللاعب الأسطورة» أو «ابن النادي» الذي يبدأ مداعبة كرة القدم ويُنهي مشواره معها مرتدياً قميص ناد واحد لا ثاني له مهما تكالبت الإغراءات وتصاعدت المغريات، حتى باتت تلك الجماهير «تتحسر» على أيام حضر فيها «اللاعب الأسطورة» بقوة، قبل أن يخرج من الشباك عندما دخل الاحتراف من الباب!

ثمن باهظ

ولا شك في أن الغياب شبه التام لما عُرف بـ «اللاعب الأسطورة» أو «ابن النادي» عن حاضر ملاعب المستديرة بالدولة، قد شكل حقيقة مؤلمة تدفع ثمنها الباهظ كرة القدم الإماراتية، أندية ومنتخبات على السواء لما يُشكله ذلك اللاعب من قيمة معنوية لا تقاس إلا بوحدات الوجدان والعاطفة والعشق والارتباط والانتماء المعنوي المتبادل بين الجماهير واللاعب نفسه.

واقع الاحتراف

ومع الإقرار بحقـــيقة الاختلاف الجذري بين بيئة ومتطلبات وفرضيات وحتى إشكاليات اللعب في زمن الهواية والاحتراف، فإن المنطق يفرض أن نشير إلى أن تجسيد مفهوم الاحتراف إلى واقع معاش في كرة القدم الإماراتية، قد صنع الكثير من السلبيات، وهذا باعتراف كوكبة من المعنيين، ونخبة من النقاد والمهتمين، وجموع من جماهير الأندية، ومن بين تلك السلبيات، غـــياب «اللاعب الأسطورة».

قميص واحد

ودرجت جماهير أندية الإمارات على الارتباط الوجداني والتعلق العاطفي بـ «اللاعب الأسطورة» طوال عقود سبقت عام 2008، كونه «الابن البار للنادي» ونظراً لمستوى الإبهار الذي يقدمه ذلك اللاعب بمهاراته وفنونه، فتتعلق به ويتعلق هو بها منذ اللحظة التي يرتدي فيها قميص ناد واحد لا ثاني له، حتى يصبح أمر انتقاله إلى ناد آخر، نوعاً من الخيال إن لم يكن ضرباً من «الجنون» الذي يكلف «اللاعب الأسطورة» دفع ثمن باهظ، خصوصاً إذا ما انتقل إلى ناد منافس ليس على صعيد البطولات فحسب، بل على مستوى القواعد الجماهيرية وحجم تأثيرها على قرارات الإدارات في تلك الأندية!

تأثير المغريات

ومع دخول كرة الإمارات عالم الاحتراف في عام 2008، ونتيجة تأثير المغريات الهائلة، خصوصاً المالية، واختلاف بيئة اللعب بين زمنين، برزت ثقافة انتقال اللاعبين بين الأندية بحجة الاحتراف وتأمين المستقبل، لتبدأ فترة تلاشي نجومية «اللاعب الأسطورة» شيئاً فشيئاً حتى وصلت كرة الإمارات إلى حافة الندرة في «اللاعب الأسطورة»، ما جعل جماهير غالبية الأندية تستعيد شريط الماضي، وتتغنى بأيام «كانت» زاخرة بفنون نجوم ينطبق عليهم وصف «اللاعب الأسطورة» قولاً وفعلاً.

النادي الأم

ولا بد هنا من ذكر كوكبة من الأسماء التي ينطبق عليها وصف «اللاعب الأسطورة» أو «ابن النــادي»، لاعـــبون لم تجــرفهم المغريات في زمن الهواية بعيدا عن ناديهم الأم، فبدأوا واعـــتزلوا كرة القدم بقميص وشعار ناد واحد، ما منحهم صيتاً وشهرة وذكرى ستبقى راسخة إلى عقود طويلة قادمة.

الطلياني والحزانة

ومن بين أبرز الأسماء التي ينطبق عليها وصف «اللاعب الأسطورة» أو «ابن النادي»، عدنان الطلياني الذي وضع بصمة لا يمكن أن تُنسى أو تُمحى في منطقة الحزانة بالشارقة، حيث مقر نادي الشعب «سابقاً»، بصمة لا يتذكرها ويشتاق إليها «الشعباوية» فحسب، بل كل جماهير كرة القدم الإماراتية التي لم تتردد لحظة في تتويج الطــلياني لاعب القرن الإماراتي.

«الزهري» والوصل

وهناك أيضا، زهير بخيت أو «الزهري» كما نادته كثيراً جماهير الفهود، لاعب رسم أسطورته ليس في زعبيل حيث نادي الوصل فحسب، بل أنه بات «أسطورة» إماراتية بامتياز لفنه الراقي وأدائه الساحر الذي طالما أبهر به المحب والمنافس على السواء.

كأس العالم

وبكل تأكيد أن القـــائمة لا تقتــصر على الطلياني و«الزهري» فقط، بل تشمل أسماء راسخة كثيرة ينطبق على أصحابها تماماً وصف «اللاعب الأسطورة» أو «ابن النادي»، خصوصاً من عقدي الثمانينيات والتسعينيات، وهما العقدان اللذان بدأت معهما بـــوادر وفكرة انتقال اللاعبين من ناد إلى آخر بصورة أولية، خصوصا بعد وصول الأبيض الإماراتي إلى نهائيات كأس العالم بإيطاليا 1990 لأول مرة في تاريخـــه، واتساع النشاط الإعلامي، لا سيما الصــحافي الذي ركز كثيرا على «تجذير» وترسيخ فكرة «اللاعب الأسطورة» أو «ابن النادي»، في مخيلة جماهير الأندية إلى يومنا هذا!

مبخوت والجزيرة

وكما يزخر ماضي الكرة الإماراتية بأسماء شهيرة كثيرة من اللاعبين «الأسطورة»، فإن حاضرها يلمع بأسماء مماثلة على قلتها، منها علي مبخوت الذي يبدو أنه ليس أمامه إلا أن يفعلها بترسيخ اسمه في ذاكرة جماهير الجزيرة باعتباره «لاعب أسطورة» لم يغره مال الاحتراف لارتداء قميص ناد ثان غير قميص الجزيرة.

«عموري» وخليل

وفيما الفرصة سانحة أمام مبخوت ليفعلها مع الجزيرة، فإن عمر عبدالرحمن «عموري» كاد أن يكون «لاعب أسطورة» في ذاكرة جماهير العين لو لا انتقاله إلى الهلال السعودي، كما الحال مع احمد خليل الذي أضاع فرصة أن يكون «لاعب أسطورة» في ذاكرة جماهير شباب الأهلي بنقلتين فقط، الأولى عندما غادر أسوار الفرسان إلى الجزيرة، والثانية باحترافه مع العين!

ذاكرة الجماهير

الأسطورة الراسخة في ذاكرة جماهير أندية الإمارات، احمد عيسى أول «كابتن» للأبيض الإماراتي، والنجم الشهير في تاريخ شباب الأهلي، يرى أن انتماء اللاعب للنادي أيام الهواية «كان» انتماء بقاء وارتباط يغلب عليه الولاء والإخلاص، لافتاً إلى أن البيئة مختلفة كثيراً بين الهواية والاحتراف.

الفترة السابقة

وأضاف عيسى قائلاً: الفترة السابقة من تاريخ كرة القدم الإماراتية على صعيد الأندية، أو ما يعرف بزمن الهواية، اتسم بكثرة اللاعبين الذين بدأوا حياتهم مع كرة القدم في ناد وانتهوا فيه، ولم يرتدوا قميصاً غير قميص ناديهم الأم، وكان أولئك اللاعبين هم النسبة الغالبة، حيث ظهرت أسماء كثيرة جدا في غالبية أندية الدولة.

نوعية الانتماء

وشدد عيسى على أن نوعية الانتماء سابقاً كان نوعية بقاء على عكس الحال الآن، حيث يتحكم المال، ومتطلبات الاحتراف في حركة اللاعبين بين الأندية، ما يجعل عدد اللاعبين الذين يغادرون أنديتهم الأم كبيراً في الوقت الحالي، لافتاً إلى ضرورة الالتفات إلى عدم إسقاط اختلاف البيئة عند المقارنة بين زمني الهواية والاحتراف.

اختلاف البيئة

وتساءل عيسى قائلاً: ماذا لو توفرت البيئة الاحترافية ومغرياتها للاعبين في زمن الهواية، هل سيتركون أنديتهم الأصلية أم يتمسكون بالبقاء، أنا شخصياً لا يمكن أن أتوقع ماذا سيكون رد أولئك اللاعبين في الزمن السابق، ولذلك، يتوجب علينا عدم إغفال أهمية النظر إلى اختلاف البيئة كثيرا منذ عام 2008، ما يجعل المقارنة بين لاعبي الزمنين، صعبة جدا وغير واقعية في حال إغفال تأثير اختلاف البيئة بين الزمنين.

Email