«كأس آسيا».. فقــيرة المكافآت غنية الموارد

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يختلف اثنان على التطور التنظيمي لبطولة كأس آسيا، والقفزة الكبيرة التي حدثت لها خاصة في النسخة الـ17 الحالية بعد وصول عدد المنتخبات المشاركة إلى 24 منتخباً وهو أكثر من ثلثي عدد منتخبات كأس العالم، ولكن رغم هذا التطور الذي جعل نصف دول القارة تشارك في النهائيات، إلا أن هناك نقطة سلبية تبدو واضحة وهي المكافآت المالية المخصصة للمنتخبات بما فيها أصحاب المراكز الأولى، فهي لا تعبر عن حجم العائدات التسويقية والطفرة الكبيرة في موارد الاتحاد الآسيوي.

ومع التأكيد على أن الاتحاد الآسيوي قام بخطوة إلى الأمام في ملف المكافآت التي خصصها للبطولة الحالية، ولكن مع زيادة العدد، لا تبدو ذات أثر يعكس وضعية اتحاد القارة الصفراء من ناحية الواردات فقبل هذه البطولة بشهر واحد وقع الاتحاد الآسيوي لكرة القدم اتفاقية حقوق تجارية كبرى مع وكالة «دي دي إم سي فورتيس» للتسويق الرياضي، بهدف تأمين الاستقرار المالي للأعوام المقبلة.

وبموجب الصفقة، حصلت الوكالة وهي مشروع مشترك بين مجموعات صينية وسويسرية، على الحقوق الحصرية للاتحاد بين 2021 و2028 بداية من التصفيات المؤهلة لمونديال 2022، ولم يكشف الاتحاد الآسيوي عن قيمة الصفقة بيد أن تقارير قدرتها بـ 3.4 مليارات دولار، وهي قيمة ضخمة كان من المفترض أن تعزز مشهد كرة القدم في القارة الشاسعة.

من 10 إلى 15

نعم لقد نجح الاتحاد الآسيوي في تحقيق أعلى رقم من المكافآت ابتداءً من النسخة الحالية وهو 14:8 مليون دولار، بزيادة حوالي 5 ملايين دولار عن النسخة الماضية في أستراليا، ولكن مع زيادة 8 منتخبات أخرى في النهائيات وتضاعف صفقات التسويق وعائد البث التلفزيوني المرافق لزيادة عدد المباريات، يعتبر مبلغ الـ5 ملايين دولار غير مناسب لحجم البطولة ومستوى تنظيمها فهي تماثل الآن كأس العالم بشكله القديم «24 منتخباً». وإذا تمت المقارنة بين ما صرفه أي منتخب سيحصل على اللقب في مشوار إعداده فإن حافز البطل لا يساوي نصف هذه الميزانية، وفي عالم الاحتراف الذي طرق الاتحاد الآسيوي أبوابه قبل سنوات عديدة، أصبحت للغة المال كلمتها سواء على صعيد بطولات الأندية أو المنتخبات، فالعائدات الكبيرة التي حصل عليها الاتحاد الآسيوي في الفترة الأخيرة كانت مقابل «منتج» جيد وهذا المنتج تتمثل عناصره الأساسية في التنافس داخل الملعب.

المقارنة مع أفريقيا

ويتضح من الرقم الذي تحدد لمكافآت البطولة الحالية «حوالي 15 مليون دولار»، أن الاتحاد الآسيوي نظر إلى أرقام الاتحاد الأفريقي الذي وصلت مكافآت بطولته الأولى «كأس الأمم الأفريقية» إلى 16:4 مليون دولار وهو رقم كبير بالنسبة لـ«الكاف» الذي لا تتوافر له عائدات كنظيره الآسيوي، زيادة على أن تطبيق الاحتراف الذي حدث في آسيا قبل 11 سنة، لا زال بعيداً عن الاتحاد الأفريقي، علماً بأن القفزة المالية التي حدثت في الاتحاد الآسيوي كانت بفعل تطبيق الاحتراف، ولكن برغم هذا التطور التنظيمي والتفوق في العائدات من الاحتراف على الاتحاد الأفريقي، ظل ملف المكافآت في البطولات متقارباً، بل إن بطولة الأمم الأفريقية تزيد مكافآتها عن كأس آسيا بنحو مليوني دولار كما تثبت ذلك لغة الأرقام.

أمم أوروبا

وبمقارنة أخرى، ربما يكون طرفها لا يقل عن الاتحاد الآسيوي في ناحية العائدات والتسويق، نجد أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أعلن عن مكافآت ضخمة في النسخة الأولى لدوري الأمم الأوروبية يصل مجموعها إلى 42 مليون يورو تتوزع على 55 منتخباً منذ التصفيات وحتى النهائيات وسيحصل كل فريق من المنتخبات 12 الأعلى تصنيفاً والتي تلعب في الدرجة الأولى المقسمة إلى 4 مجموعات على 2.25 مليون يورو كدفعة تضامن بزيادة 750 ألف يورو عن القيمة التي أعلنت في البداية، كما يحصل كل منتخب يتصدر مجموعته في الدرجة الأولى على 2.25 مليون يورو إضافية بدلاً من 1.5 مليون.

وسيتنافس متصدرو المجموعات الأربع في الدرجة الأولى على لقب دوري الأمم في يونيو 2019 وسيحصل البطل على 6 ملايين يورو ليصل أعلى مجموع يمكن الحصول عليه 10.5 ملايين يورو.

درس «الفيفا»

الفكر الاحترافي في كرة القدم لا ينحصر فقط في تنظيم المنافسات بشكل دقيق، بل يقوم على حقوق وواجبات، ترتكز على الإمكانيات المادية، وعلى هذا الأساس بدأ الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، تنفيذ خطة تبناها كل 4 سنوات لمنح الأندية التي يشارك لاعبوها في نهائيات كأس العالم حوافز مالية إضافية في صورة مكافأة مالية يتم صرفها قبل انطلاق كأس العالم مباشرة، وبدأ هذه الخطة منذ مونديال روسيا الماضي بميزانية تجاوزت 75 مليون دولار لكافة اللاعبين، ووفقاً لهذه الخطوة الدقيقة في عالم الاحتراف فإن «الفيفا» أرسى مبدأً جديداً، قفز به فوق المكافآت المحددة مسبقاً للمنتخبات التي تشارك في منافساته، قناعة منه بأن الأندية لها حقوق فيما يقدمه لاعبها مع منتخب بلاده، وهذه الحقوق يسددها «الفيفا» نفسه باعتباره مَن يحصل على عائد المنتج.

و«الفيفا» بهذه الخطوة غير المسبوقة يقدم درساً في ضرورة مكافأة المنتخبات بما يناسب العائدات من البطولات، فالكرة أصبحت «بيزنس» بحسب الصفقات التي تُبرم وبحسب حقوق النقل والتلفزة، وجميعها عائدات مالية تنتظر منها المنتخبات الكثير.

حوافز مالية

أكد ناصر اليماحي رئيس نادي الفجيرة وعضو مجلس إدارة اتحاد الكرة الأسبق، أن الحوافز المالية التي توزعها الاتحادات سواء الدولية أو القارية على نظيرتها الأهلية مرتبطة بالدخل التسويقي، وخلال السنوات الماضية ارتفع الدخل التسويقي للاتحاد الدولي والاتحادات القارية بشكل كبير، لذلك حدثت ظفرة في توزيع الحوافز على الاتحادات الأهلية، لكونها مرتبطة بعوامل النسب والتناسب، مما انعكس على مستوى المنتخبات لأن الصرف على إعدادها تزايد هو الآخر.

وأضاف رئيس نادي الفجيرة: يلاحظ كذلك أن التوزيع أصبح بشكل تصاعدي وفق الأدوار التي تصل إليها المنتخبات في البطولات، ومثل هذه الحوافز تشكل عاملاً إيجابياً للاتحادات الأهلية لكونها تتكبد مصاريف باهظة في إعداد منتخباتها، كما تشكل حافزاً للمنتخب نفسه لأنها تزداد كلما ارتقى المنتخب لمرحلة من مراحل البطولة، ويهم كل اتحاد أن تزداد حوافزه لذلك يسعى للتقدم خطوات للأمام، كما يستفيد الاتحاد من تلك الحوافز في دعم مختلف أنشطته خاصة منتخبات المراحل السنية، موضحاً أن الاتحادات التي تستضيف البطولات تتكبد مصاريف مالية كبيرة، خاصة مع اشتراط الاتحادات الدولية والقارية لشروط تنظيم محددة، وأمور إدارية تحتاج إلى صرف مالي كبير، مما يشكل ضغطاً على الاتحادات الأهلية التي تستضيف الحدث، وأحياناً عديدة يتكبد الاتحاد المنظم مصاريف باهظة ولا تتناسب مع ما يتقدم له من حوافز، ولكن كما سبق وقلت، إن الحافز مرتبط بالتسويق.

11

هناك نماذج واقعية في القارة الآسيوية تثبت التناقض الكبير بين ما يخصصه الاتحاد الآسيوي من مكافآت لبطولاته الكبرى، لا سيما بطولة الأمم الحالية، وما يحصل عليه من موارد تعتبر بكل المقاييس ثاني أعلى موارد للاتحادات القارية بعد قارة أوروبا، ومنذ إقرار نظام الاحتراف الكامل في دوريات القارة الآسيوية قبل 11 سنة، تضاعفت الموارد بشكل مستمر نتيجة للاهتمام الكبير من الأندية التي انضمت لمنظومة الاحتراف وانعكس ذلك إيجاباً على سمعة الكرة الآسيوية من ناحية تسويقية وعائدات للبث التلفزيوني.

ومن الأمثلة الحية أن الدوري السعودي في آخر إحصائية رقمية عالمية، بات سادس دوري في العالم من حيث القيمة المالية للانتقالات بعد الدوري الإنجليزي والدوري الإيطالي الذي حل ثانياً، والدوري الإسباني ثالثاً، والفرنسي رابعاً، والألماني خامساً.

4

القيمة الكلية للدوريات في قارة آسيا، تتضاعف أرقامها كثيراً مع الدوريات في قارتي أفريقيا وأمريكا الجنوبية وهناك 4 دول فقط تفوق قيمة دورياتها في آسيا أكثر من مليار يورو وهي حسب الترتيب، الصين والسعودية واليابان والإمارات، ولكن برغم هذا التميز والإنفاق الذي تقابله عائدات ضخمة يستفيد منها الاتحاد الآسيوي، إلا أن مكافآت بطولته الكبرى تعتبر شحيحة للغاية، لا سيما بعد ارتفاع عدد المنتخبات المشاركة إلى 24 منتخباً.

13

من بين المفارقات الكبيرة عند مقارنة الحوافز والمكافآت التي يخصصها الاتحاد الآسيوي لمنتخبات قارته المشاركين في البطولة، نجدها شبه متساوية مع حوافز ومكافآت البطولة العربية للأندية «كأس زايد» التي قفزت هذا العام لنحو 13 مليون دولار، علماً بأن بطل البطولة العربية يحصل على مكافأة أعلى من المنتخب الفائز بكأس آسيا. هذه القفزة الكبيرة التي أحدثها الاتحاد العربي لكرة القدم، وضعت الاتحاد الآسيوي في حرج كبير، خاصة أن للأخير عائدات كبيرة، تضاعفت فيها الأرقام بعد زيادة عدد المباريات حالياً.

2

العائدات المالية في بطولات كل من بطولتي أفريقيا وكوبا أمريكا أقل بكثير من الموجودة في البطولات الآسيوية على صعيد الأندية أو المنتخبات، ورغم ذلك نجدهما أن بطولة كأس آسيا تقل مكافآته عن البطولة المماثلة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، علماً بأن كأس آسيا يتم تنظيمه كل 4 سنوات بينما كأس أفريقيا يُنظم كل عامين، ما يعني أن الاتحاد الأفريقي يخصص حصة معتبرة من عائداته في مكافأة أصحاب المنتج الحقيقيين.

Email