الدوري المصري.. «الشركات» تلتهم الجماهيرية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما ينشغل العالم بتطوير صناعة كرة القدم، وتعزيز موارد الأندية بعد تحولها إلى شركات استثمارية قائمة بذاتها، وهي خطوة تأخرت كثيراً في مصر، ازداد وجود أندية الشركات والهيئات في الدوري المصري الممتاز، وبعد صعود أندية غزل المحلة وسيراميكا كليوباترا والبنك الأهلي، تخطت أندية الشركات نسبة 60 بالمئة من قوام جدول المسابقة.. فهل تلتهم أندية الشركات نظيرتها الجماهيرية؟ ولماذا لم تتحول الأندية لشركات استثمارية بدلاً من أندية الشركات؟!

11 نادياً من أصل 18، هل يفيد الأمر الدوري المصري؟، يرى معارضون أن هذه الظاهرة ستؤثر على الأندية الشعبية وتفقد المسابقة روح المنافسة، فيما يرى مؤيدون أنها تعمل على ضخ الأموال وتقلل احتكار الإعلانات.

لم تقتصر كرة القدم على كونها لعبة لها ملايين المتابعين، بل أنها تحولت إلى صناعة كبيرة، وكان المتابعون سبباً في جني الأندية لأموال كثيرة، والتحول إلى صبغة تجارية وصلت إلى العالمية، لذا كان النداء بتأسيس شركات لكرة القدم دعماً جيداً لتطور اللعبة الشعبية الأولى، يعززها جماهير بالملايين، وتنوعت الشركات إلى قابضة ومساهمة ومغلقة ومدرجة.

والأمثلة كثيرة على مستوى العالم، فنادي بلنسية الإسباني هو شركة مساهمة مدرجة، أما مانشستر سيتي الإنجليزي فشركة عمومية ذات مسؤولية محدودة، بينما مواطنه مانشستر سيتي شركة قابضة، وبايرن ميونيخ الألماني شركة مساهمة مغلقة، وفي هذه الدوريات الكبرى، لم يكن للحكومات أي دور في دعم الأندية مادياً أو حتى التدخل في القرارات.

في مصر وفي الوقت الذي ينادي فيه البعض بتأسيس شركات لأندية كرة القدم، وتحويل أندية الدوري الممتاز إلى شركات مساهمة، على غرار أندية أوروبا، لزيادة الاستثمارات في مجال كرة القدم، يكثر الحديث عن زحف أندية الشركات والمؤسسات، وحالياً يشهد جدول مسابقة الدوري 11 نادياً هي، بيراميدز ومصر المقاصة ووادي دجلة والجونة والبنك الأهلي وسيراميكا كليوباترا والإنتاج الحربي وطلائع الجيش والمقاولون العرب وغزل المحلة وإنبي.

هذا العدد عزّز مخاوف البعض ممن رأوا أن توافر الأموال في هذه الأندية، يمثل تهديداً لبقاء الأندية الشعبية، فضلاً عن تراجع الحضور الجماهيري في المباريات - في حالة عودة الجمهور، خصوصاً وأن العائد المادي من تذاكر المباريات، هو أحد الأرباح المهمة بالنسبة للأندية الشعبية الفقيرة، حتى أنها في بعض الأندية تفوق حقوق البث وعائد الإعلانات.

يرى الناقد الرياضي حسن المستكاوي، التصدي لهذه الظاهرة والبحث عن شركات كبرى لرعاية الأندية الجماهيرية في مختلف محافظات مصر، لأن الأندية الجماهيرية التي تمثل محافظات مصر مثل، بورسعيد والمحلة والمنصورة، لديها الجماهير العريضة، لكنها تفتقد الداعم المادي.

ويعتبر المستكاوي أن انخفاض عدد الأندية الشعبية، سيلحق الخسارة الكبيرة بالدوري الممتاز، كونه سيؤدي إلى تراجع التواجد الجماهيري في المدرجات، وتراجع نسب المشاهدة أيضاً، وهو ما يؤثر على قوة المسابقة، لأن جمال الكرة وجمال مسابقة الدوري العام المصري، يكمن في وجود جمهور لكل فريق كما يحدث في الدوري الإنجليزي مثلاً.

ومنذ صعود أندية الشركات والهيئات إلى الدوري الممتاز، بل ومنذ انطلاق المسابقة للمرة الأولى عام 1948، لم يشهد الدوري وجود بطل جديد، والاستثناء الوحيد لثلاثة أندية، وعلى الرغم من أنها أندية شركات لكنها تتمتع بشعبية وجماهيرية عريضة، مثل نادي غزل المحلة الذي حقق لقب الدوري موسم (1972-1973) ووصل إلى نهائي دوري أبطال أفريقيا في نسخة عام 1974.

وكذلك نادي المقاولون العرب، المملوك لشركة مقاولات كبرى وهو أيضاً صاحب التاريخ الكروي الكبير، كونه أول نادٍ مصري يحقق لقب بطل أفريقيا للأندية أبطال الكؤوس (الكونفيدرالية حالياً)، أعوام 1982 و1983 و1996، إضافة إلى لقب الدوري موسم (1982-1983)، إضافة إلى نادي الترسانة الذي حقق لقب الدوري موسم (1962-1963)، لكن تراجع به الحال ويلعب حالياً في دوري الدرجة الثالثة.

بخلاف الأندية السابقة، كان أكثر طموح لأندية الشركات هو مركز الوصيف أو التواجد في المربع الذهبي، مثل أندية مصر المقاصة والمقاولون العرب وبيراميدز، أما بعضها فكان يهبط أو يصارع الهبوط.

قبل ثلاثة أعوام، أثارت تجربة نادي بيراميدز المخاوف لدى جماهير الأندية الشعبية الكبرى، على رأسها الأهلي والزمالك، بعد أن تم بيع نادي الأسيوطي إلى تركي آل الشيخ، مالك نادي الميريا الإسباني، وضخ الرجل أموالاً كثيرة لدعم الفريق بلاعبين من الطراز الأول، وجلب أفضل المدربين، وهو ما مكن الفريق من التواجد بين المراكز الثلاثة الأولى بجدول ترتيب الدوري، منذ صعوده في موسم (2017 - 2018)، وهو ما ترتب عليه مشاركته في بطولة كأس الكونفيدرالية الأفريقية.

وعلى الرغم من أن البعض انتقد تجربة بيراميدز والتي تسببت في اشتعال أسعار الصفقات التي وصلت إلى حد الجنون، دون النظر إلى المستوى الفني للاعبين، لم يتحدث آخرون عن هذه الظاهرة عندما كان الأهلي والزمالك هما أصحاب السيطرة على سوق الصفقات، خصوصاً وأن قانون الرياضة لم يحدد سقفاً مادياً لشراء اللاعبين.

ولكل اتحاد قاري الحق في وضع اللائحة المناسبة في هذا الشأن، فالاتحاد الأوروبي (ويفا) وضع قانون «اللعب المالي النظيف»، لمواجهة ظاهرة الصفقات الجنونية، بعد أن تم شراء بعض اللاعبين من قبل أندية أوروبية بأسعار تتخطى ميزانية بعض الأندية، أبرزها صفقة انتقال البرازيلي نيمار من برشلونة الإسباني إلى باريس سان جيرمان الفرنسي، قبل ثلاثة أعوام، مقابل 222 مليون يورو، ليصبح بذلك اللاعب الأغلى في تاريخ الساحرة المستديرة.

وكانت الأموال سبباً في رحيل نجوم الأهلي إلى بيراميدز منهم عبدالله السعيد وأحمد فتحي ورمضان صبحي والحارس شريف إكرامي، وهو ما سبّب أزمات بين الناديين، وخلق حالة احتقان لدى جماهير الأهلي تجاه بيراميدز، لكن أيضاً لم تفلح هذه الأموال في فوز النادي باللقب، أو حتى سحب البساط من تحت قدمي قطبي الكرة المصرية، الأهلي والزمالك، كونهما أكبر الأندية الجماهيرية في الوطن العربي، وهما أصحاب النصيب الأكبر من نسبة البث التلفزيوني وكوتة الإعلانات وحقوق الرعاية.

ويعتبر عدد البطولات وشعبية النادي هي التي تميزه عن أي نادٍ آخر، وتمنحه عقود رعاية بالملايين، وهو ما يتفوق فيه الأهلي عن باقي أندية مصر، وقبل نحو عامين، نجح مجلس إدارة النادي، برئاسة محمود الخطيب، في الحصول على 520 مليون جنيه قيمة عقد رعاية، و400 مليون جنيه قيمة حقوق بث المباريات، ليجمع إجمالي 920 مليون جنيه في أربع سنوات، أي أن الموسم الواحد يحصل خلاله الأهلي على 130 مليون جنيه عقد رعاية سنوي، و100 مليون بث فضائي.

في الوقت نفسه عانت أندية شعبية من نقص الموارد المالية مثل، الإسماعيلي والاتحاد السكندري والمصري البورسعيدي، ولعل الموسم الماضي (2019 – 2020) هو أكبر مثال على معاناة هذه الأندية، فبسبب الأزمات المالية، أنهى الإسماعيلي الملقب بـ «دراويش مصر» الموسم في المركز العاشر، بينما جاء الاتحاد السكندري في المركز الحادي عشر.

أيضاً قلة الموارد المالية كانت سبباً في فشل أندية الشركات، منها نادي جولدي الذي أنشئ بغرض الترويج لمنتج معين، ويكشف إيهاب صالح مالك النادي، إنه بعد 4 مواسم فقط بالدوري الممتاز، كان حجم الخسائر أكبر من المكاسب، لذا قرر التخلص من النادي وبيعه لإحدى شركات الدعاية والإعلان في عام 2010، قبل أن يختفي النادي تماماً ويتواجد بالدرجة الثالثة، وكذلك نادي مزارع دينا، المملوك لرجل الأعمال محمد حسين عثمان، والذي اضطر لتجميد النشاط الكروي بعدما وجد أن الإنفاق على الكرة بلغ حد الإسراف.

تأييد

ومن وجهة نظر اقتصادية، أيّد زهير عمار خبير التسويق الرياضي، تواجد أندية الشركات في الدوري الممتاز، لأنه سيعمل على ضخ الأموال، وأوضح أن أي رأس مال في الرياضة يفيد الصناعة ويرتقي بها، ونفى أن يكون لها تأثير على بيع تذاكر المباريات، كما يزعم البعض، حيث إن هذه الشركات قادرة على شراء كل التذاكر ومنحها للعاملين لحضور المباريات، بالتالي سيتحقق الحضور الجماهيري، وأوضح أن أندية الشركات ستزيد من قاعدة المشاركة في لعبة كرة القدم، حيث إن تواجدها في الدوري الممتاز، سيجعلها تهتم بقطاعات الناشئين بصورة أكبر، وتضع نظاماً احترافياً كاملاً يمكنها من منافسة الأندية الكبرى.

وتستفيد أندية الشركات من تواجدها في الدوري الممتاز، حيث إن ذلك يمنحها دعاية بالمجان، حيث يظهر اللاعبون مرتدين قمصاناً تحمل شعار الشركة، فضلاً عن ترديد اسم الشركة، سيراميكا أو البنك الأهلي أو الجونة مثلاً، آلاف المرات طوال مدة المباراة.

ووفقاً لأسعار الإعلانات التلفزيونية للقنوات الفضائية المصرية، فإن حملة إعلانية لإذاعة إعلان واحد مدته 30 ثانية، بواقع 200 مرة على مدار الشهر، تتكلف نحو 4 ملايين جنيه مصري، وهذه المدة الإعلانية الشهرية تعادل تقريباً زمن مباراة واحدة مدتها 90 دقيقة، والتي تساوي وفقاً لهذه الحسبة 180 إعلاناً.

تصنيف

ويرفض أشرف نصار، رئيس نادي البنك الأهلي، تصنيف الأندية إلى شركات أو غيرها، لأن الكرة لا تعترف إلا بالجهد، وهذا يعني أن أندية الشركات لن تكون صاحبة السيطرة في الدوري بسبب الإمكانات المادية، والدليل أن هناك أندية أنفقت الملايين دون أن تحقق بطولة واحدة، وكشف نصار عن خطة مستقبلية لتكوين شركة استثمارات رياضية، على غرار ما نفذه وزير قطاع الأعمال المصري مع فريق غزل المحلة.

يبقى الحل الأفضل للارتقاء بالكرة المصرية، والخروج من دوامة الصراع بين الأندية الشعبية وأندية الشركات هو قيام أندية الدوري الممتاز بتأسيس شركات لكرة القدم، وقد كان الأهلي سباقاً في هذه الخطوة، وأصدر مجلس إدارة النادي برئاسة محمود الخطيب، قراراً في يوم 15 ديسمبر من العام الماضي، بالبدء في الإجراءات اللازمة لتأسيس شركة الأهلي لكرة القدم.

وقد منح قانون الرياضة الجديد، الذي تم اعتماده في عام 2017، الحق للأندية الشعبية بتأسيس هذه الشركات، وقال المستشار القانوني نهاد حجاج، إن الاحترافية لن تتحقق إلا بفصل نشاط كرة القدم عن نشاط الأندية، وذلك بإقامة شركات لكرة القدم وطرح نسبة 49% من أسهم الشركة للمستثمرين، وهو ما يضخ الأموال في خزائن الأندية، ومن ثم تتمكن من الإنفاق على فريق الكرة سواء في عقد الصفقات أم رواتب اللاعبين، وكذلك الملابس وأدوات التدريب والملاعب.

وأوضح حجاج أن هذه الأسهم المطروحة، تخلق بيئة استثمارية رياضية تجذب المستثمرين العرب، وهو ما يعود بالنفع على قوة المسابقة وقيمة اللاعبين، كما أنه يفيد المنتخب الوطني، فإن ارتفاع مستوى المسابقة يفرز لاعبين جيدين، وبدلاً من التواجد في كأس العام على فترات متباعدة جداً (3 مشاركات خلال قرن كامل) ينجح منتخب مصر في الصعود للمونديال بصورة دائمة.

حجر عثرة

ويبقى حجر العثرة أمام تأسيس شركات لكرة القدم، متمثلاً في رغبة مجالس إدارات الأندية في السيطرة على كعكة فريق الكرة، التي تحقق الشهرة والمال، والتواجد بصورة دائمة على شاشات الفضائيات والبرامج الرياضية، للتحدث عن شؤون النادي، وهو سحر وميزة لن تتحقق إلا في كرة القدم فقط، وقد تسلبهم شركات الأندية هذه الميزة، حيث إن تأسيس هذه الشركات يشترط وجود مجلس إدارة منفصل عن مجلس إدارة النادي نفسه، لذا لا يجب إلقاء اللوم على أندية الشركات، ولابد من تحرك الأندية الشعبية والجماهيرية، بتأسيس شركات لكرة القدم تضعها في المنافسة.

Email