الإرهاب والرياضة.. حكايات الدم والنار (03-03)

الإرهاب والرياضة.. غسيل أموال وشراء لاعبين

ت + ت - الحجم الطبيعي

الرياضة التي طالما شكلت عنواناً للالتقاء بين الحضارات المختلفة، ومنصة تتنافس فيها الدول والشعوب تحت شعارات المحبة والسلام والتفاعل الإيجابي، استهدفتها الجماعات الإرهابية، خلال العقدين الأخيرين بمشاريعها الخبيثة، حيث تحولت التظاهرات الرياضية بما هي مكان للحشود الجماهيرية إلى أهداف لهجماتها الإجرامية، أو منابرلإيصال رسائلها السياسية وأفكارها التخريبية التي تزرع الفتنة بين المجتمعات المسالمة.

وبموازاة ذلك، استغلت الحركات والتنظيمات الإرهابية عشق العالم للرياضة لتحقيق مخططاتها التدميرية، سواء عبر بسط نفوذها على الأندية والمراكز الرياضية، وتمرير عمليات «غسيل الأموال» وترويج الفكر المتطرف، كما حصل في مصر والسودان، أو باستخدام الإرهاب الأسود وتجنيد الرياضيين لمصالحها الظلامية، كما حصل مع تنظيمي «القاعدة» و«داعش».

«البيان الرياضي» تفتح الملف الأسود للجماعات الإرهابية، واستغلالها عالم الرياضة لتحقيق مآربها الفكرية والتمويلية واللوجستية والتحشيدية، وتحويلها الميادين الرياضية إلى مساحات مرعبة تغطيها نيران التفجيرات والدخان الأسود، وتستباح فيها دماء الأبرياء في مشاريع «طيور الظلام» العبثية.

الإرهابيون يستغلّون «الساحرة المستديرة»

حرام علينا.. حلال عليكم

(حرام علينا .. حلال عليكم) لم أجد أفضل من هذه الكلمات في وصف ما يقوم به زعماء الإرهاب وأذنابهم من تحريف الدين الإسلامي وإصدار فتاوى غريبة تحرم ممارسة كرة القدم والرياضة بشكل عام، بينما يمارسونها هم وبطريقتهم الخاصة.

ولع مثير

أول الأسماء التي كانت تعشق كرة القدم، هو أسامة بن لادن الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، إذ كان مشجعاً قوياً لنادي «آرسنال» الإنجليزي، حيث أورد الكاتب الإنجليزي آدم روبنسون، في كتابه الذي رصد فيه السيرة الذاتية لمؤسس التنظيم أسامة بن لادن، أنه كان مشجعاً متيماً بنادي «آرسنال» الإنجليزي، قائلاً: «إن زعيم «القاعدة» أثناء زيارة له للعاصمة الإنجليزية لندن في بداية التسعينيات، أُعجب بالنادي اللندني، والأجواء التشجيعية الساخنة التي يحييها أنصاره».

كما تحدثت «نجوى بن لادن» (الزوجة الأولى لزعيم تنظيم القاعدة المقتول)، عن ولع زوجها بكرة القدم، وحرصه على ممارسة هذه الرياضة، منذ أن كان شابّاً صغيراً؛ قبل أن يصبح زعيماً للإرهاب العالمي، كما كشف «عمر» (الابن الثالث لابن لادن)، عن حرص عناصر التنظيم العرب، الذين كانوا يوجدون في معسكرات أفغانستان على اصطحاب كرة القدم معهم في كل مكان، إلا أنهم كانوا يلعبونها بضوابط محددة، ومن بينها تغطية العورات وعدم الالتزام بقوانين الكرة المتعارف عليها.

في كتابه البروج المشيدة.. القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر يقول لورانس رايت: مع جنوح أفكاره نحو التشدد توقف أسامة عن ارتداء السروال القصير المعهود وكان يلعب بالسروال الطويل، ويقسم أصدقاءه إلى فرق بأسماء الصحابة.

مارادونا الإرهابي

أما أبو بكر البغدادي، الزعيم السابق لتنظيم «داعش» الإرهابي، فكان بدوره من محبي لعبة كرة القدم، إذ يصفه رفقاؤه بأنه أفضل لاعب كرة قدم ضمن فريق المسجد الذي كانت بدايته بإمامته في حي الطبجي في بغداد، نقلاً عن أحد المصلين في ذلك المسجد.

كما وصلت موهبة البغدادي وتفوقه في كرة القدم، إلى أن أطلق عليه الجهاديون داخل أحد أشهر السجون العراقية، في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، لقب مارادونا معسكر بوكا، حيث تم إيداعه مجمع السجون الشهير، جنوبي العراق.

فتاوى التحريم

وإذا كان زعماء الإرهاب يعشقون كرة القدم، إلا أن منظري الفكر الإرهابي الأصولي، اختلفوا في ما بينهم، فمنهم من حرم كرة القدم ومنهم من عدّها وسيلة لجذب الشباب نحو الفكر الضال.

ولطالما كان ضخ الخطاب الأصولي بترسيخ نمط الرياضة الشرعية «كآلة معينة على الجهاد»، وما دون ذلك إنما يقع ضمن قائمة المحظورات الشرعية، وبحسب فتاوى الأصوليين: «لا يستثنى من هذا التحريم إلا المسابقات التي فيها التدريب على الجهاد في سبيل الله، أو التشجيع على طلب العلم ورد شبهات المشركين، فلا سبق سوى بسهم، أو إبل أو خيل، وهي كلها من آلات الجهاد».

قوانين غريبة

وفي ظل هذا التناقض المثير، كان حكم «داعش» الإرهابي الذي سيطر لسنوات على مناطق شاسعة في سوريا والعراق مثالاً بارزاً، في التحول بين ليلة وضحاها من التحريم إلى محاولة تجنيد الشباب للانضمام إلى التنظيم عبر الرياضة، ففي البداية أفتى التنظيم الإرهابي، بتحريم مشاهدة مباريات كرة القدم نظراً لأنها مستوردة من الغرب ولا علاقة لها بـقيم المجتمعات الإسلامية، وأنها لهو مضر بروح الجهاد، وهدد التنظيم المخالفين من أعضائه بعقوبات تصل للجلد والسجن والطرد من صفوفه.

بعدها استغل التنظيم الشعبية الجارفة لكرة القدم، في تجنيد مزيد من المقاتلين، فنظم ما أطلق عليه «أولمبياد الجهاد» في المناطق التي كانت تقع تحت سيطرته في سوريا والعراق، مع وضع قوانين «شرعية» تحكم كرة القدم، وأبرزها تحريم قواعد الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» باعتبارها مخالفة لأصول الشريعة الإسلامية، بل استبدالها بقوانين تمكن اللاعبين المصابين في المباراة من المطالبة بالتعويض أو الانتقام من قبل خصومهم، كما قام التنظيم باستبدال هذه القوانين بأخرى مع إدراج القصاص في ظل أحكام الشريعة الإسلامية.

بلا رحمة

كما قام التنظيم الإرهابي بقطع رؤوس 4 لاعبين لكرة القدم في سوريا، فيما تجلت أبشع صورة الإرهاب عندما أعدم التنظيم الإرهابي 13 مراهقاً، لمشاهدتهم كأس آسيا لكرة القدم والتي أقيمت في أستراليا 2015، بين العراق والأردن، بعد أن تم إمساكهم وهم يشاهدون المباراة في الموصل بالعراق.

الجماعات الإرهابية

غسيل أموال وشراء لاعبين

يرى الدكتور جمال عبد الخضر مدير مكتب الجرائم المالية والتجارية - الولايات المتحدة الأمريكية -، أن هناك تأثيراً كبيراً من قبل الجماعات الإرهابية والمنظمات غير المعلومة في عالم الرياضة هذا الأمر أصبح في الآونة الأخيرة ظاهراً للجـــميع، وذلك من أجل تحقــيق أهدافهم في السيطرة على قطاع مهم وهو الشباب لاعتناق أفكارهم.

وأضاف الخضر: الرياضة تعد هدفاً من عدة أهداف للجماعات الإرهابية للتواجد والسيطرة على القطاعات الفـــعالة في الدول، كما أن عالم الرياضة مجال خصب لهم لإجراء عمليات غسيل الأموال من خلال شراء اللاعبين والأندية العـــالمية والمـــلاعب ومن ثم بيعها في الوقت المناسب لجمع الأموال لتمويل العمليات الإرهابية التي تحدث حول العالم.

وأوضح الخضر: المنظمات الإرهابية تفعل كل شيء طالما هناك هدف لهم وهو السيطرة على كل مفاصل الدول التي يرون من خلالها أنها أرض خصبة لتحقيق الأجندة الخاصة بهم وبأفكارهم، ويبقى الشباب دائماً المحب للرياضة الهدف الرئيسي لهم وطعماً جيداً من أجل اصطياد الكثيرين، وذلك من خلال دعم الشباب الرياضي وتنظيم الندوات التي من خلالها يتم إجراء عمليات «غسيل دماغ» لتحقيق الأجندات المعدة سابقاً.

ومن هنا يقع الدور الكبير على الحكومات والجهات الإشرافية على الأندية المرخصة لضبط ومراقبة تلك الأندية من خلال الإيرادات والمصروفات «الحركة المالية» والداعمين لهم من أصحاب المال والنفوذ الذين يطلق عليهم المعارضون السياسيون، حتى يتم منع وصول تلك المنظمات للتوغل في المجال الرياضي وضرب الشباب الرياضي.

دعاية إعلامية

من جهته، أشار الدكتور فهد الشليمي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية الخبير الأمني المتخصص-، إلى أن المنظمات الإرهابية وغير المعلومة أصبحت خطراً على جميع الأصعدة ومنها مجال الرياضة، فالمناسبات الرياضية صيد ثمين لهم.

وأوضح الشليمي: تنفيذ العمليات الإرهابية خلال التجمعات الرياضية يحدث هزة لصورة البلد رياضياً واجتماعياً ويخلق نوعاً من عدم الطمأنينة لدى الشعوب وهذا هو هدفهم مثل ما حدث في مصر وفرنسا والعديد من البلاد التي يريدون تشويه صورتها وبأنها غير آمنة، وفي الوقت نفسه يحظى العمل الإرهابي خلال التجمعات الرياضية بدعاية إعلامية في كافة الوسائل بتسليط الأضــواء عليه فمن هنا أصبحت الرياضة أرضاً خصبة لتنفيذ أفكارهم.

وبين الليمي، أن الرياضة أصبحت ملعباً خصباً للجماعات الإرهابية من خلال إجراء عمليات غسيل الأموال لدعم أهدافهم من خلال شراء الأندية واللاعبين وإقامة الفعاليات والمهرجانات الكبرى ويتم ذلك من خلال حركة بيع وشراء تذاكر المباريات التي تصب في النهاية لتمويل العمليات الإرهابية مثل ما يحدث في مشاريع زراعية لزراعة المخدرات وبيع الأسلحة لتكون الرياضة منبعاً لهم في غسيل الأموال.

وأضاف الشليمي: الإرهاب والمنظمات الإرهابية في الأساس ضد الرياضة لأنها تنبذ التواصل بين المجتمعات وتبادل الأفكار. والرياضة عكس هذا الأمر تماماً لأنها تؤثر في المجتمعات والشباب الرياضي وهذا الأمر ينبذه الإرهاب، وحتى الآن لم يثبت أن هناك أندية تعاملت مع الإرهاب ولكن هــناك مـــلاك أنديــة لديهم الفكر الأيديولوجي لدعم الإرهاب بغسيل الأموال وتمويل العمليات الإرهابية.

«حزب الله» و«العهد».. علاقة عضوية وتجنيد

بسطت ميليشيا «حزب الله» نفوذها على كل شيء في لبنان، بما فيها الرياضة، إذ تدعم الميليشيا الإرهابية نادي «العهد» الذي توج مؤخراً بلقب الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، إذ يعد أحد الأذرع الرياضية للميليشيا الإرهابية.

ودأب النادي على إهداء ألقاب الدوري اللبناني والكأس إلى الحزب وأمينه العام، كما حملت التهاني التي تقدمها الميليشيا إلى النادي طابعاً مذهبياً خطيراً، إذ تعتبر فوز النادي جزءاً من المقاومة وإنجازاتها.

ولم تكتفِ ميليشيا «حزب الله» بذلك بل قامت بتجنيد لاعبي الفريق للمشاركة في معارك الميليشيات في سوريا، إذ نعى النادي لاعبه قاسم شمخة، الذي قتل أثناء مشاركته مع ميليشيا «حزب الله» في المعارك داخل سوريا، في دليل قوي على تجنيد الميليشيات للرياضيين لخوض معاركها الخارجية.

الرقة.. من ملعب كرة إلى سجن للتعذيب

لم تسلم البنية التحتية للرياضة من تخريب «داعــش»، إذ قــاموا بتحـــويل الملاعب الرياضية إلى سجون وأوكار للتعذيب، فيما تحولت ساحات اللعب إلى أماكن لتـــفيد أحكام الإعدام لمن يخالف أوامرهـــم، بينما تم تفجير عــدد من الملاعب ومنها الملعب الأولمبي بمديـــنة الرمادي العراقية.

ولكن يبرز الملعب البلدي في مدينة الرقة السورية، كشاهد على فظاعات الإرهاب الأسود لـ «داعش» الذي بنى عناصره تحت مدرجه سجناً كبيراً.

وافتتح الملعب البلدي في الرقة سنة 2006، وكان مخصصاً لمباريات وتدريبات نادي الشباب في الدوري السوري، وبعد سيطرة «داعش» على كامل مدينة الرقة بداية 2014 تعددت أسماؤه، إذ كان يسمى «الملعب الأسود»، في إشارة إلى الحقبة السوداء التي مارسها المتطرفون على سكان المناطق الخاضعة لنفوذهم سابقاً، كما كان يطلق عليه عناصر التنظيم «النقطة الأمنية رقم 11»، ويرجح سكان الرقة وجود 10 نقاط سرية أخرى كانت منتشرة داخل المدينة، خصصت للاحتجاز والاعتقال آنذاك. كما تحول الملعب إلى مقر لغرفة التخطيط للعمليات التي ينفذها التنظيم الإرهابي.

وعقب اندحار التنظيم الإرهابي من الرقة، تم تأسيس «مجلس الرقة المدني» الذي بدوره أعلن تأسيس لجنة الشباب والرياضة لتفعيل جميع الأنشطة الرياضية، وكانت الخطوة الأولى تأهيل ملعــب الرقة البلدي الذي يعتبر أكــبر الملاعب في المدينة، إذ عملت اللجنة على ترميم المظلة الرئيسية والمدرجات ومرافق أخرى.

كما عملت لجنة الشباب على تأهيل ملعبي الفرات لكرة اليد بعد تنظيفهما من الألغام، وملعب الرشيد الذي لقب بـ«الملعب المقبرة» بعد اكتشاف 553 جثة في مقبرة جماعية.

1

تصدرت حركة طالبان المركز الأول في قائمة أكثر جماعة إرهابية دموية في العالم بحسب تقرير «مؤشر الإرهاب العالمي 2019»، إذ تسببت هجماتهم في 38% من إجمالي عدد ضحايا الإرهاب في 2019.

10

عشر دول الأكثر تضرراً من الإرهاب العالمي 2019، وهي: أفغانستان، العراق، نيجيريا، سوريا، باكستان، الصومال، الهند، اليمن، الفلبين، ثم الكونغو الديمقراطية.

71

أشار التقرير إلى أن الإرهاب ما زال يمثل تهديداً أمنياً عالمياً، حيث سجلت 71 دولة على الأقل مقتل شخص واحد، بسبب عمليات إرهابية.

77

رصد التقرير زيادة في الإرهاب اليميني المتطرف للعام الثالث على التوالي في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وأوقيانوسيا، حيث ارتفع عدد الوفيات بنسبة 52% في عام 2018، واستمر هذا الاتجاه حتى عام 2019، مع 77 حالة وفاة نهاية سبتمبر 2019.

%52

انخفضت الوفيات الناجمة عن الإرهاب للعام الرابع على التوالي، بعد أن بلغت ذروتها في 2014، وبلغت نسبة الانخفاض 52% منذ العام 2014، حيث تراجع عدد ضحايا العمليات الإرهابية من 33.555 إلى 15.952.

%38

رافق تراجع العمليات الإرهابية انخفاض التأثير الاقتصادي العالمي للإرهاب، حيث تراجع بنسبة 38% ليصل إلى 33 مليار دولار أمريكي خلال العام 2018.

في ملف البيان المخصص لــ «الإرهاب والرياضة.. حكايات الدم والنار»يمكنك متابعت الحلقات عن طريق الضغط على الرابط ادناه :

الإرهاب والرياضة.. حكايات الدم والنار 03-02

لمشاهدة الملف ...PDF اضغط هنا

الإرهاب والرياضة.. حكايات الدم والنار 01-03

لمشاهدة الملف ...PDF اضغط هنا

 

 حرصا على تعميم الفائدة ننشر لكم الحلقة الثالثة لملف البيان المخصصة بنظام " بي دي إف  " ولمشاهدتها يكفي الضغط  هنا

Email