«فلسطين حرة حرة.. والصهيوني بره»

القدس عربية في ضمير الجماهير الرياضية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

نصر القدس على إسرائيل في الملاعب ليس نصر شاعر كاذب، ولا صحافي حالم، بل حقيقة يجهد العدو في تكذيبها، ويشكك فيها بعض منا! ممن تربى على ثقافة الهزيمة والخوف من الآخر، المرعب بسلاحه ودروعه!!

ثقوا أن الإيمان بفوز فلسطين على إسرائيل في الحرب الدبلوماسية الرياضية هو الشحنة المعنوية التي يحتاجها الفلسطيني للتقدم إلى الأمام ومواصلة الكفاح بروح معنوية وقتالية عالية.

فكلما آمنا أن رياضة فلسطين أقوى من سلاح العدو تضاعف الأمل في النصر والتحرير الكامل للأرض. الرياضة سلاح ناعم نجح في الإبقاء على القضية الفلسطينية في الواجهة العالمية.. والكرة مستقبلاً في ملعب السياسة!

على الساسة أن يستلهموا من إنجازات الرياضة في كفاحهم.

شعوب العالم مع القدس.. وإرادة الشعوب لا تقهر..

قبل مونديال 2018 تكبدت إسرائيل خسارة كبرى في فصول الحرب الدبلوماسية الرياضية مع فلسطين، حينما نجح جبريل الرجوب في ثني المنتخب الأرجنتيني بقيادة ميسي عن لعب مباراة ودية مع منتخب الكيان المحتل.. كان اللقاء مقرراً في جدول مباريات «فيفا» الودية، لكن كلمة الرجوب وفلسطين كانت الأقوى، وأجهضت المباراة وذهب اتحاد المحتل لكرة القدم يتظلم ويتباكى على أعتاب «فيفا»، ولكنه لم يجنِ سوى الجراح والدموع.

تسارعت الأيام وجاء المونديال الروسي 2018 بافتتاح مذهل وفوز كبير لأصحاب الأرض.. سقطت ألمانيا منذ الدور الأول وتألقت كرواتيا وتوجت فرنسا باللقب.. هذا مونديال الكرة على المستطيل الأخضر، لكن كان هناك مونديال آخر تدور رحاه بين القدس العربية والكيان الغاصب خارج الملاعب وأحياناً في المدرجات.

ومن المشاهد البارزة والعالقة في الذاكرة كان يوم 25 يونيو 2018 في محيط ملعب سبارتاك موسكو الذي كان يستعد لاحتضان قمة تونس وبلجيكا (2-5 ).. قبل دقائق من انطلاق اللقاء ظهر مشجع من الكيان المحتل في زحام الجماهير أمام بوابات الملعب حاملاً علم الاحتلال.

مشهد استفز الجمهور التونسي والعربي وطيفاً من الأجانب، فطاردوه وقبضوا عليه وانهالوا عليه ركلاً حتى سقط وخطفوا منه العلم وأحرقوه قبل أن يتدخل مشجعون بلجيكيون ليناصروه، ثم تدخّل الأمن الروسي ليسعف المشجع المستفز.

صراع انتهى بنصرة القدس.. فوز مجموعة على فرد، لكنه انتصار الحق على الباطل، وتأكيد على أن القضية الفلسطينية لا تزال تسكن الضمير العربي والعالمي من الأحرار.

والمشهد ذاته تكرر في الساحة الحمراء بموسكو.. عرب يجبرون سليل الاحتلال على إخفاء علمه، وأحياناً انتزاعه.

الصراع الفلسطيني الصهيوني لم يكن خارج الملاعب في مونديال روسيا 2018، بل انتقل إلى المدرجات أيضاً.

ولا يمكن أن أنسى صرخات الجمهور المغربي خلال مباراة «أسود الأطلسي» والبرتغال، فعندما كان مهدي بن عطية وزياش وبوصوفة يقاتلون كريستيانو رونالدو كانت جماهير المغرب تزلزل الملعب: «فلسطين.. فلسطين».

كلمات تدوي في روسيا حبست أنفاس العدو في فلسطين المحتلة.. وارتعدت لها فرائص مناصريه في الملعب.

الغضب الجزائري

حوّل الجمهور الجزائري شوارع القاهرة يونيو الماضي قبل انطلاق «أمم أفريقيا 2019» إلى مهرجان غضب وتضامن مع فلسطين، حيث تجمهروا في الساحات العامة يتزينون بالشالات الفلسطينية ورفع على البلد الشقيق المحتل.. ويصرخون بغضب: «فلسطين حرة حرة والصهيوني على بره».

رسالة جزائرية أثبتت أن القضية لا تزال حية في الوجدان المغاربي، وألهبت حماس المصريين الذي شاركوهم مهرجان الغضب والتضامن.

فلسطين في القلب

تكرر مشهد التضامن العربي والدولي مع فلسطين في البطولات الرياضية خلال نسختي مونديال الأندية في الإمارات 2017 و2018، واللقطة الأروع كانت في ديسمبر 2017 عندما زلزل جمهور الوداد المغربي مدرجات ملعب مدينة محمد بن زايد في أبوظبي خلال مواجهة نادي استوديونتس المكسيكي بصرخات مدوية: «فلسطين.. فلسطين»، وكانت المفاجأة أن الجمهور المكسيكي أجاب هو الآخر: «فلسطين.. فلسطين»!!

تحدٍ صارخ لـ«فيفا» الذي يمنع الشعارات السياسية في الملاعب.

تحدٍ يكشف أن ما يسكن تحت الضلوع أقوى من الدروع.

نصر في بلاد الكانغارو

تصنع الرياضة ما تفشل فيه السياسة أحياناً..

المنتخب الفلسطيني لكرة القدم حقق إنجازاً دبلوماسياً رائعاً خلال مشاركته في نهائيات كأس آسيا أستراليا 2015..

إذ نقل قضيته العادلة من القدس إلى آسيا وأستراليا والعالم..

كان حديث الصحافة العالمية.. كيف لمنتخب بلد تحت الاحتلال يعاني الويلات والحصار والعراقيل أن يتأهل إلى نهائيات أمم آسيا!!.. ويقدم ذاك المستوى المتميز؟!

كانت صحف سيدني وملبورن تحتفي كل صباح بـ«الفدائي»، وتنقل قصص بطولاته وملحمة تحديه للكيان المحتل.

تحوّل الفندق الذي يقيم فيه منتخب فلسطين إلى خلية نحل من الإعلاميين من مختلف القنوات والإذاعات العالمية جاؤوا لرصد آراء وانطباعات المنتخب البطل.

من المشاهد التي لا تنسى الحضور الجماهيري الغفير خلال مباراة فلسطين والأردن في ملبورن وكانت حناجر 60 ألف مشجع تهتف باسم القدس.

قصص وحكايات لافتة نقلتها وسائل الإعلام إلى شعوب العالم، رسائل بصوت المظلوم لا شك أنها نجحت في تغيير الفكرة النمطية للملايين عن القضية.

البرازيل معنا

ما كنت أعتقد أن البرازيل معنا.. وأن السامبا ترقص للقدس!!

كانت الأيام الأولى لتغطيتي لمونديال البرازيل 2014 عادية جداً وخالية من العرب والمسلمين.. ولا صدى بالتالي لقضية فلسطين.. حتى حدث ما خالف ذلك.. ففي صباح 22 يونيو 2014 استقللت طائرة تابعة لشركة رحلات داخلية للسفر من ريو دي جانيرو إلى مدينة بيلو هوريزنتي ( 2000 كلم) لحضور مباراة الجزائر وكوريا الشمالية.. كان 50% من المسافرين جزائريين.. والبقية برازيليون وكوريون، مع عدد من الجنسيات الأخرى.

وبعد الإقلاع بدقائق أشعل الجزائريون بحماسهم المعتاد أجواء الطائرة الصغيرة بالغناء والأهازيج والرقص.. وفجأة وقف مشجع أوروبي الملامح واستل من حقيبته علم الكيان المحتل..!! عازماً على الاحتفال مع المحتفلين..!! فاقتنصه مشجع جزائري ودفعه بقوة ليسقط بين الكراسي، وينتزع منه العلم الذي طاردته الأيادي العربية الثائرة ومزقته في ثوان.. أمام مباركة من الجمهور البرازيلي.

وتحولت الطائرة إلى ساحة صراع وصراخ ليتدخل طاقم الطائرة بلهجة حادة ويهدد بالعودة إلى ريو دي جانيرو، والاحتكام إلى الأمن، فهدأت العاصفة حتى لا تضيع فرصة حضور مباراة الجزائر وكوريا.. وليس احتراماً للمشجع المستفز.

وتكرر المشهد أمام الملعب، حيث لمحت مشجعاً يحمل علم الكيان المحتل، فاتبعت خطاه للتعرف على مصيره.. فلم يكد يتقدم أمتاراً من البوابات حتى تجمهر حوله جزائريون وتونسيون وسعوديون وفلسطينية مهاجرة في أمريكا، كانت تصرخ وتبكي مما أثار تعاطف الجمهور البرازيلي الذي تدخل وحكم بإجبار المشجع على إخفاء العلم المستفز في حقيبته.. وانصهر شباب السامبا مع أبناء العرب في الرقص على أنغام فلسطينية ثورية..

قلت في نفسي: «البرازيل معنا.. يا قدس»!!

رد الاعتبار

وهبني الله يوماً لأشهد رد الاعتبار فيه من بريطاني تطاول على القدس..

لنثلج صدرنا أمام شاب سليل للإمبراطورية التي زرعت الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي..

كان ذلك خلال الألعاب الأولمبية «لندن 2012».. ففي يوم الافتتاح على ملعب ويمبلي الشهير خصصت اللجنة المنظمة حافلة للإعلاميين، في الذهاب كانت الرحلة هادئة وعادية.. أما في الإياب فبرز صحفي إنجليزي شاب لم يكمل عقده الثالث، بملامح ترامب الحالية.. أشقر، كبير الوجنتين... انفجر غضباً منذ صعوده الحافلة مستغرباً: لماذا اعتمد المنظمون خلال حفل الافتتاح اللغة الفرنسية لغة أساسية وأولى قبل الإنجليزية عند تقديم الضيوف وفقرات الحفل الأسطوري؟

كان غاضباً.. هاجم الجميع: المنظمون.. والسلطة.. والإعلام.

ثم قال ساخراً: لم يبقَ سوى أن يكون تنشيط الحفل باللغة العربية!

وبدأ يتحدث في أصول الأشياء من فروعها ويضرب الأمثلة حتى بلغ به الهذيان أن استدل بأن الكيان الغاصب الأصل، وفلسطين فرع دخيل..

عندها استوقفه شهم عراقي وطلب منه أن يتوقف عن الاستهانة باللغة العربية وبالقدس.. وذكره أن بلاده من سهلت احتلال فلسطين وأن القدس الحق، والكيان الصهيوني الباطل، وسانده ثلة من الإعلاميين العرب في الحافلة. فأخرس الشاب الإنجليزي وأعاد خنجره إلى الغمد في صمت.. عندها قلت: إنهم جبناء.

نعم جبناء استقووا بالسلاح فأغرقوا فلسطين في الدماء..

ولكن الوطن المغتصب سيستعيد يوماً الكبرياء...

ويعود من تحت الرماد إلى الحياة.

العدو في كمين

العدو يجند الخلايا ويحشد الجائعين في أفريقيا..

عبقري في التخابر والتآمر.. لكنه يقع في الكمين أخيراً ويخسر المعركة.. كما سيخسر الحرب ذات يوم..

في مونديال جنوب أفريقيا 2010 برزت مجموعة من الشبان تحضر المباريات في كل الملاعب حاملة علم الكيان المحتل.. الوجوه ذاتها.. في ملاعب مختلفة.. شباب ذوو بشرات سمراء يروجون لقضية ليست قضيتهم..

كنت واثقاً أن الوصول إلى الحقيقة يتطلب أولاً إخفاء بطاقة صحفي لأن الظالمين يخشونها.

أخفيت البطاقة وتجاذبت أطراف الحديث مع أحدهم قبل إحدى المباريات بصورة ودية، دون أن أشعره بمدى اهتمامي بحقيقة أمره وصحبه..

فذكر أنهم من إثيوبيا جاؤوا إلى جوهانسبورغ في رحلة مجانية من أكاديمية كرة قدم في بلاده.. وكشف أن الكيان المحتل يمتلك تلك الأكاديمية التي تُعنى في الظاهر بصناعة نجوم الكرة، ولكن في باطنها لها أهداف سياسية عميقة.

وحدثني عن الحياة في الأكاديمية، فقال إنهم يستيقظون في الصباح على السلام الخاص بالكيان الغاصب.. وإنهم يتدربون على تقديس علمه، وإن إدارة الأكاديمية تعد المتميزين بالتسفير إلى فلسطين المحتلة ليعيشوا هناك إلى الأبد ويودعوا الفقر والخصاصة!!

فهمت أن الأكاديمية مركز تجنيد للعدو، وأنها جزء من المعركة الدبلوماسية بسلاح الرياضة.

وبعد أيام علمت أن كتيبة العدو من الشبان المرتزقة وقعوا في كمين الأمن بتهمة إقحام السياسة في الرياضة.. ليتكبد المحتل ضربة أخرى في حلبة الصراع أمام الفلسطيني.

تماماً مثلما انقلب السحر على الساحر في مونديال ألمانيا 2006 عندما سحب مدافع غاني علم الكيان الغاصب محتفلاً بأحد أهدافه ليثور العالم بجماهيره الكروية ضد الاحتلال ويتهمه باستغلال الأفارقة لتبييض جرائمه في حق الإنسانية.. وتكسب فلسطين مرة أخرى تعاطفاً لا حدود له.

بطولات مضت.. مونديالات وكؤوس آسيوية وأفريقية.. ألعاب أولمبية دخلت التاريخ وضاعت نتائجها في زحام الذاكرة، ولكن قصص النصر الفلسطيني على الكيان المحتل بسلاح الرياضة الدبلوماسي من موسكو والبرازيل وأستراليا وجنوب أفريقيا وألمانيا ولندن ظلت وستظل خالدة في ذاكرتي ودفاتري الصحفية إلى الأبد.

مواقف أثبتت في كل مرة أن بصيص أمل لا يزال يسكن في قلب كل عربي والملايين من مختلف الأجناس والأعراق.. لذلك القدس لن تسقط.

 

Email