السياحة المفرطة «تهديد وجودي» للسكان المحليين


باتت السياحة المفرطة ظاهرة عالمية تهدد حياة وأمن ورفاهية السكان المحليين في تلك المدن وخاصة التي يزيد فيها عدد السياح عن السكان المحليين وهناك مدن تشهد تزايداً كبيراً في عدد السياح يفوق عدد سكانها، مثل إسطنبول ولندن، اللتين استقبلتا ملايين الزوار الدوليين، ما يؤدي إلى تحديات مثل الاكتظاظ وتأثيرات على جودة الحياة بحسب CNN Travel.

تزايد كبير في عدد السياح
واحتلت إسطنبول المرتبة الأولى في قائمة المدن الأكثر زيارة في العالم، حيث استقبلت 20.2 مليون زائر دولي في عام 2023. تليها لندن التي جاءت في المرتبة الثانية بعدد 18.8 مليون وافد دولي في عام 2023. وهذه الأرقام الكبيرة في عدد السياح قد تعطل الحياة اليومية للسكان وتضعف أصالة الثقافة المحلية، ما يؤدي إلى توترات بين السكان المحليين والزوار.
وردات الفعل العنيفة ضد السياحة المفرطة هي ظاهرة معقدة تتجاوز مجرد الاكتظاظ. إنها تتعلق بالحفاظ على الهوية الثقافية، وحماية البيئة، والقدرة على تحمل التكاليف بالنسبة للسكان المحليين.

حظر ورسوم على السياحة
وفي عام 2024، أصبحت البندقية أول مدينة في العالم تفرض رسوم دخول على الزوار. تبلغ الرسوم 5 يورو (حوالي 4.20 جنيهات إسترلينية) وتُفرض على الزوار الذين يقضون يوماً واحداً فقط في المدينة خلال أوقات الذروة. الهدف هو تشجيع الزوار على المجيء في أوقات أقل ازدحاماً وتقليل الضغط على البنية التحتية للمدينة.
فيما حظرت الحكومة الإيطالية في عام 2021، دخول السفن السياحية الكبيرة إلى حوض «سان ماركو» وقناة «جوديكا» الشهيرة، وأعادت توجيهها إلى موانئ صناعية بعيدة. جاء القرار بعد سنوات من الاحتجاجات من السكان المحليين والمنظمات البيئية الذين حذروا من الأضرار التي تسببها الأمواج العملاقة.

خطر على أمستردام
وأعلنت حكومة أمستردام عن استراتيجية تهدف إلى فرض «حظر كامل» على الزيادة في أعداد السياح بحلول عام 2035. تسعى المدينة إلى تقليل عدد الزوار إلى 15 مليون زائر سنوياً، وهو ما يعد الحد الأقصى للمدينة. وأطلقت المدينة حملات إعلامية تستهدف السياح غير المرغوب فيهم (وخاصة الشباب القادمين لحفلات الصخب)، بهدف ثنيهم عن القدوم مثل حملة «ابقَ بعيداً».

غضب في إسبانيا واليونان
وفي برشلونة خرج آلاف السكان في مظاهرات حاشدة تحت شعارات مثل «لا للسياحة المفرطة» و«السياحة تقتل الأحياء». تُعزى هذه الاحتجاجات بشكل رئيس إلى ارتفاع أسعار الإيجارات بسبب تأجير المنازل للسياح (Airbnb)، ما يجعل من الصعب على السكان المحليين العثور على مسكن بأسعار معقولة. فيما يشتكي السكان من أن وسط أثينا يتحول إلى ما يشبه «منتجعاً كبيراً» بسبب انتشار فنادق وفنادق الإيجار قصيرة الأجل.
وتتجاوز هذه الاحتجاجات مسألة الاكتظاظ في الشوارع. فهي تعكس قلقاً أعمق حول مستقبل
المسكن حيث تحولت العديد من المنازل السكنية إلى وحدات للإيجار السياحي، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الإيجارات وتهجير السكان المحليين. كما تتسبب السفن السياحية الكبيرة في تلوث الهواء والماء، بينما تضغط الأعداد الهائلة من السياح على البنية التحتية وموارد المدن. بجانب فقدان الهوية الثقافية حيث تُجبر المتاجر والمطاعم المحلية على إغلاق أبوابها لتُستبدل بمتاجر سياحية، ما يؤدي إلى فقدان الهوية الثقافية والاجتماعية الفريدة للأحياء.