ذكر الله تبارك وتعالى المرأة في كتابه الكريم مرات كثيرة وحدثنا عنها سبحانه وتعالى في مراحل عدة تعكسها السطور التالية والتي تعرض لمختلف النساء اللائي جاء ذكرهن في القرآن الكريم.
قال تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) آل عمران 42-43.جاء اسم مريم في القرآن الكريم حوالي 34 مرة منها 11 مرة جاء الحديث فيها عن مريم نفسها و23 مرة عن المسيح عيسى بن مريم.. إذن مريم فقط قد تم تكرارها 11 مرة، وجاءت كلمة مريم في عدد 12 سورة وكان آخرها تكرارا في سورة التحريم الآية 12 ايضا حيث يقول ربنا جل وعلا:(ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين) التحريم آية 12.وسورة مريم وقصتها وسياقها تحيطها الإعجاز من كل نواحيها وهي المرأة الوحيدة التي سميت سورة في القرآن الكريم باسمها وهي المرأة الوحيدة أيضا التي جاء اسمها تصريحا في القرآن الكريم وليس تلميحا كما عهدنا في الأسلوب القرآني في ذكر سيرة النساء المؤمنات.ويفسر لنا العلماء ذلك بأن قصة السيدة مريم ليست كغيرها من القصص التي يمكن تكرارها أو حدوثها مره أخرى، بل هي تعتبر من الخوارق التي لا تحدث على مر الزمان إلا مرة واحدة..
واسم مريم لم يكن شائعا في ذلك الوقت ومعناه «العابدة» ويا لها من مصادفة أن يأتي اسمها مطابقا لشخصها فقد تفرغت طول حياتها للعبادة.ومنذ أن وهبت السيدة حنة والدة مريم ابنتها لخدمة بيت المقدس كفلها زوج خالتها زكريا حتى شبت ووعت فتهيأ لها غرفة صغيرة ملحقه ببيت المقدس بنيت لمريم خصيصا، وبنى لها سلما خشبيا بناه لها نبي الله زكريا الذي عرف عنه أنه كان نجارا.
ويقال ان مريم عندما وهبت لخدمة بيت المقدس وانقطعت عن أهلها كانت صغيرة في السن فأحضر لها زوج خالتها زكريا خادمة ترعاها حتى تكبر وكان سيدنا زكريا يتعهدها بالطعام والشراب ولا يدخل عليها محرابها حتى يستأذنها.
وبدأت مريم تتدرج في سلم الإيمان والعبادة لله فكانت تقضي جزءاً من نهارها في خدمة بيت المقدس والاعتناء به وتنظيفه ثم ما تلبث أن تتفرغ لعبادة ربها فتتوجه إليه في خشوع وتضرع وكانت أغلب عبادتها الصلاة وكانت تقيمها بخشوع وتأن وكانت تتبع صلواتها بالدعاء والتسابيح والابتهال إلى الله الخالق الرازق الوهاب.
ذاعت شهرة السيدة مريم في بني إسرائيل وضرب المثل بتقواها وصلاحها وتمنى كثير من الصالحين أن تربي بناتهن وتنشأن مثلما نشأت السيدة مريم.
واعتاد سيدنا زكريا عليه السلام أن يحمل إلى مريم الطعام والشراب تكريما ولعدم انشغالها بشيء من أمور الدنيا. فإذ به يجد معجزة ربه عند هذه العابدة المبتهلة فيجد عندها فاكهة الصيف في فصل الشتاء ويجد فاكهة الشتاء في فصل الصيف فتعجب من ذلك أشد العجب ولما سألها قالت:(هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) آل عمران 37.
وفي هذه اللحظات وبعد أن رأى سيدنا زكريا من يقين مريم بربها لهذه الدرجة وتلك الثقة أحيا الأمل في نفسه أن يكون له ولد صالح حتى وإن كان قد بلغه الكبر..!!
ويأتي اختيار الله سبحانه وتعالى للسيدة مريم ليهيئها لدور هائل يظل حيا في نفوس المؤمنين فيرزقها طفلا نبيا يتكلم في المهد وينطق أول ما ينطق بعبوديته لله وتتنزل الملائكة على مريم في خلوتها تبشرها وتشد من أزرها وتعينها على القيام بمهمتها الجديدة مهمة الأمومة التي يعدها الله سبحانه وتعالى من أرقى وأجمل المهن وتطوي صفحة مريم الفتاة وتبدأ صفحة جديدة لمريم أم النبي تعلمه وتربيه وتفقهه في دينه حتى يأتي الله بأمره ويرفع نبي الله عيسى إليه منجيا إياه من عذاب بني إسرائيل وتعيش السيدة مريم بعد رفع ابنها حياة قصيرة عابدة زاهدة حتى تلقى الله وترتقي أعلى درجات الجنة التي وعد الله بها المتقون.
جيهان محمود

