مسافة الإفطار في رمضان

ت + ت - الحجم الطبيعي

* ما هي المسافة التي يجوز للمسافر إذا قطعها أن يفطر هل هي حقاً 84 كيلومتراً؟ وهل يجوز له ألا يفطر إذا لم يواجه مشقة في سفره؟

- أما المسافر فله أن يفطر بنص القرآن الكريم: (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) والمسافة قد اختلف فيها الفقهاء ولكن هذه المسافة التي يسأل عنها السائل وهي أكثر من 80 كيلومتراً أعتقد أن الجميع يوافقون عليها وقد قدرت المسافة لقصر الصلاة ولإباحة الفطر عند أكثر المذاهب بنحو 84 كيلومتراً وهذه التقديرات تقريبية.. ولم يجيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه التقدير بالمتر ولا بالكيلومتر، فهذه المسافة كافية. وإن كان بعض العلماء لا يشترط مسافة أصلاً، فإن كل سفر يسمى سفراً لغة وعرفاً يجيز فيه قصر الصلاة، كما يجيز فيه للمسافر أن يفطر.. هذا ما قرره القرآن الكريم وما قررته السنة، وهو مخير في ذلك، فقد كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يسافرون مع النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب المفطر على الصائم ولم يعب الصائم على المفطر.

ولكن المسافر الذي يشق عليه الصوم مشقة شديدة يكره له أن يصوم عليه بل ربما حرم عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في رجل قد ظل عليه من شدة مشقة الصوم عليه فسأل عنه فقالوا: صائم. فقال صلى الله عليه وسلم: ليس من البر الصيام في السفر وذلك فيمن اشتدت المشقة عليه، ومن لم يشق عليه فهو بالخيار كما قلنا يصوم أو يفطر ولكن ما أفضلهما؟

اختلف العلماء، بعضهم فضل الصيام، وبعضهم فضل الفطر، وقال عمر بن عبد العزيز: أيسرهما أفضلهما. فبعض الناس يكون أيسر عليه أن يصوم مع الصائمين، لئلا يقضي بعد ذلك أياماً والناس مفطرون فهذا نقول له: صم. وبعض الناس يرى أن الفطر عليه أيسر في رمضان ليقضي أموراً ويقضي حاجات ويتحرك بسهولة في قضاء ما شرع الله له وما أباح له، فهذا نقول له: افطر واقض عدة من أيام أخر.

فأيسرهما على صاحبه فهو أفضل. وروى أبو داود عن حمزة ابن عامر الأسلمي قال: قلت يا رسول الله إني صاحب ظهر (أي صاحب ركوبة) أعالجه وأسافر عليه، وإنه ربما صادفني هذا الشهر وأنا أجد القوة، وأنا شاب، وأجدني أن أصوم يا رسول الله أهون علي من أن أؤخر فيكون ديناً علي أفأصوم يا رسول الله؟ أعظم لأجري؟ أم أفطر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي ذلك شئت يا حمزة. أي اختر ما يتيسر لك.

وفى رواية عن النسائي عنه: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أجد قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح؟ قال: هي رخصة الله لك فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه. هذا هو شرع الله في المسافر.

وليس من الضرورة ولا من الشرط في هذه الرخصة أن تكون المشقة شديدة أو أن تتحقق المشقة بل السفر نفسه مبيح للفطر لم يعلق الله الرخصة على المشقة وإنما علقها على السفر. فإن المشقة لو علق بها الحكم لاختلف الناس فيها اختلافاً شديداً فالمتزمت يعاني أصعب المشقات ومع هذا يقول: ليست هذه مشقة فيكلف نفسه ما يرهقها وما يعنتها والله لا يريد إعنات عباده. والمترخص يعتبر أدنى جهد مشقة عليه.

لهذا علق الله حكم الإفطار في السفر على السفر نفسه، فلو سافر الإنسان في طائرة أو في قطار أو في سيارة فله أن يفطر فإن المسألة أن عليه الدين عليه أن يقضى عدة من أيام أخر، لا يسقط عنه الصوم سقوطاً أبدياً إنما هو سقوط مؤجل سقوط إلى بدل آخر إلى القضاء فهو مخير في هذه الحالة ولو لم يجلب السفر له المشقة. والذي جرب الأسفار يعلم أن السفر في نفسه قطعة من العذاب سواء أسافر الإنسان على الدابة أم سافر على الطائرة فمجرد ابتعاد الإنسان عن محل استقراره، ومجرد بعده عن أهله يشعر شعوراً نفسياً بأنه غير طبيعي

استعمال معجون الأسنان للصائم

* ما حكم استعمال السواك للصائم، وخاصة غسل الأسنان بمعجون الأسنان؟

السواك قبل الزوال مستحب كما هو دائماً وبعد الزوال اختلف الفقهاء فقال بعضهم: يكره الاستياك للصائم بعد الزوال. وحجته في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) فهو يرى أن ريح المسك هذا لا يحسن أن يزيله المسلم أو يكره له أن يزيله ما دامت هذه الرائحة مقبولة عند الله ومحبوبه عند الله، فليبقها الصائم ولا يزيلها وهذا مثل الدماء.. دماء الجراح.. التي يصاب بها الشهيد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الشهداء: (زملوهم بدمائهم وثيابهم فإنما يبعثون بها عند الله يوم القيامة) اللون لون الدم والريح ريح المسك ولذلك يبقى الشهيد بدمه وثيابه لا يغسل ولا يزال أثر الدم.

قاسوا هذا على ذلك. والصحيح لا يقاس هذا على ذلك فذلك له مقام خاص وقد جاء عن بعض الصحابة أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتسوك مالا يحصى وهو صائم فالسواك في الصيام مستحب في كل الأوقات في أول النهار وفى آخره كما هو مستحب قبل الصيام وبعد الصيام.. فهو سنة أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ولم يفرق بين الصوم وغيره.

أما معجون الأسنان فينبغي التحوط في استعماله بألا يدخل شيء منه إلى الجوف وهذا الذي يدخل إلى الجوف مفطر عند أكثر العلماء ولذا فالأولى أن يجتنب المسلم ذلك ويؤخره إلى ما بعد الإفطار ولكن إذا استعمله واحتاط لنفسه وكان حذراً في ذلك ودخل شيء إلى جوفه فهو معفو عنه والله سبحانه وتعالى يقول: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه والله أعلم.

صيام الصغار

* بالنسبة للولد.. متى يصوم؟ وكذلك البنت؟ وهل هناك سن محدودة شرعاً لذلك؟

جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاث: عن الصغير حتى يكبر وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق ومعنى رفع القلم: امتناع التكليف ــ أي ليسوا مكلفين ــ غير أن الإسلام وهو دين يراعي طبيعة البشر أراد أن يأخذ الأولاد من الصغر بهذه العبادات والطاعات ليمارسوها ويتدربوا عليها. فجاء في الحديث عن الصلاة: مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر والصيام أيضاً عبادة وفريضة كالصلاة.

فالواجب أن يدرب عليها الأولاد ولكن من أي سن؟ ليس من الضروري لسبع، لأن الصيام اشق من الصلاة إنما يرجع الأمر إلى طاقة الصبي. فكلما رأى الوالد أو أي ولي أمر الطفل أنه يطيق الصيام ولو أياماً معينة في كل شهر، فليدربه على ذلك يدربه على الصيام سنة بعد سنة، سنة يصوم ثلاثة أيام وأخرى يصوم أسبوعاً والتي بعدها يصوم أسبوعين .

والتي بعدها يصوم الشهر كله فإذا جاء وقت البلوغ وهو وقت التكليف كان قد زاول ومارس عملية الصيام فلا تشق عليه فهذه هي التربية الإسلامية أن يؤخذ الصبي من صغره ومنذ نعومة أظفاره بآداب الإسلام وفرائضه حتى يتعود عليها.فعلى الآباء وعلى أولياء أمور الصبيان والبنات أن يعودوهم الصيام والصلاة، الصلاة منذ سن السابعة والضرب عليها عند العاشرة والصيام منذ أطاق الصبي ولو بعد السابعة بسنة أو بأكثر عندما يطيق يأمره الأب بالصيام.

التلفزيون والصيام

* ما رأي الشرع الحنيف في مشاهدة التلفزيون للصائم في رمضان ؟

التلفزيون وسيلة من الوسائل فيه خير وفيه شر، والوسائل لها حكم المقاصد دائماً فالتلفزيون كالإذاعة.. وكالصحافة.. فيها ما هو طيب وما هو خبيث. وعلى المسلم أن ينتفع بالطيب وأن يتجنب الخبيث سواء كان صائماً أم غير صائم.. ولكن في الصيام على المسلم أن يحتاط أكثر، حتى لا يفسد صومه، وحتى لا يذهب أجره ويحرم من مثوبة الله عز وجل.

فمشاهدة التلفزيون لا أقول فيها حلال مطلق ولا حرام مطلق. وإنما يتبع ذلك الشيء الذي يشاهد في هذا الجهاز: فإن كان خيراً جازت رؤيته، وسماعه كبعض الأحاديث الدينية ونشرات الأخبار والبرامج الموجهة إلى الخير.. وإن كان شراً كبعض المشاهد الراقصة الخليعة ونحو ذلك فهذا يحرم رؤيته في كل وقت ويتأكد ذلك في شهر رمضان.

وبعض المشاهد تكره رؤيتها وإن لم تصل إلى درجة الحرمة. وكل وسيلة من الوسائل تصد عن ذكر الله فهي حرام.فإذا كانت مشاهدة التلفزيون أو سماع الراديو وغير ذلك يلهي عن واجب أوجبه الله على عباده كالصلاة.. ففي هذه الحالة يحرم.. يحرم الإشغال عن الصلاة بأي شيء.. فالله سبحانه وتعالى حينما علل تحريم الخمر والميسر جعل من هذه العلة (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون).

وعلى المسؤولين عن برامج التلفزيون أن يتقوا الله فيما ينبغي أن يقدم للجمهور دائماً وفي رمضان خاصة رعاية لحرمة الشهر المبارك وإعانة للناس على طاعة الله، والاستزادة من الخيرات حتى لا يحملوا إثم أنفسهم وإثم المشاهدين معهم كالذين قال الله فيهم: (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون).

Email