الاستهزاء والسخرية

الاستهزاء والسخرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاستهزاء بالشيء هو الاستخفاف به، وأصله: الخِفَّةُ، من الهُزْءِ، وهو العَدْوُ السَّريعُ. والرجل تهْزَأُ به ناقتُه. أي: تُسْرِعُ وتخَفُّ. والاستهزاءُ يقتضي تحقيرَ المُسْتَهْزَأِ به، واعتقادَ تحقيره، من غير أن يسبِق منه فعلٌ، يُسْتَهْزَأُ به من أجله. وحَدُّه: أنه عبارة عن إظهار موافقة، مع إبطان ما يجري مَجْرَى السَّوْءِ على طريق السخرية. فعلى هذا قول المنافقين: إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ (البقرة:14). فردَّ الله تعالى عليهم بقوله: اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (البقرة:15) على جهة المقابلة والتشاكل، فهو شبيه بقوله تعالى: وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (آل عمران:54).

فإن قيل: لا يجوز الاستهزاء على الله تعالى؛ لأنه تعالى مُتَعَالٍ عن القبيح. والاستهزاء من باب العيب والجهل. ألا ترى إلى قوله: قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين (البقرة:67)، فما معنى استهزائه سبحانه بهم والجواب: أن معنى استهزائه بهم: إنزال الهوان والحقارة بهم؛ لأن المستهزيءَ غرضُه، الذي يرميه، هو طلب الخفَّة والزِّراية ممن يهزَأ به، وإدخال الهوان والحقارة عليه. فعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ . أي: يجازيهم استهزاء مثل استهزائهم؛ كقوله تعالى: وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا (الشورى:40).

أما السخرية فتدل على فعل يسبق من المسخور منه، بخلاف الاستهزاء. والعبارة من اللفظين تدل عن صحة ما قلناه؛ وذلك أنك تقول: استهزأت به، فتعدِّي الفعل منك بالباء، والباء للإلصاق؛ كأنك ألصقت به استهزاءً من غير أن يدل على شيء وقع الاستهزاء من أجله. وتقول: سخرت منه، فيقتضي ذلك من وقع السُّخْرُ من أجله؛ كما تقول: تعجبت منه، فيدل ذلك على فعل وقع التعجب من أجله. ويجوز أن يقال: أصل سخرت منه: التسخير، وهو تذليل الشيء، وجعلك إياه منقادًا؛ فكأنك، إذا سخرت منه، جعلته كالمنقاد لك، ودخلت(من) للتبعيض؛ لأنك لم تسخره كما تسخر الدابة وغيرها؛ وإنما خدعته عن بعض عقله. والمصدر: السخرية؛ كأنها منسوبة إلى السخرة، مثل: العبودية، واللصوصية.

وقوله تعالى: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً (المؤمنون:110) فقد حمِل على الوجهين: التسخير، والسخرية. ويدل على الأول قوله تعالى: لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً (الزخرف:32). ويدل على الثاني قوله تعالى بعدُ: وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ (المؤمنون:110). ومنه قوله تعالى: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (هود:38). وقال تعالى: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (الصافات:12). وقيل: رجل سُخَرَة، لمن سَخِرَ. ورجل سُخْرَة، لمن يُسْخَرُ منه. والسُّخْرِيَةُ والسُّخْرِيَّةُ لفعل السَّاخِر.. هذا، وقد كثر التهَكُّم في كلام الله تعالى بالكفرة، والمراد به تحقير شأنهم، وازدراء أمرهم، والدلالة على أن مذاهبهم حقيقة بأن يَسْخَر منها الساخرون، ويَسْتَهْزِيءَ بها المستهزئون.

جيهان محمود

Email