قراءة في كتاب

نماذج لنساء ضربن أروع الأمثلة في صدر الإسلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

كرس الشيخ محمود المصري جهوده لتقديم نماذج النساء الذين عايشوا عصر النبوة ، فالمرأة المسلمة في صدر الإسلام لم تكن أقل ثباتاً في دينها من الرجل، ولا أقل تضحية وبذلاً في سبيل عقيدتها، فقد ضربت أروع الأمثلة في هذا المجال، إذ ضحت من أجل إسلامها بكل ما تملك، مستهينة بكل ما يصيبها من أذى متحملة عبء الدعوة وشظف العيش.

يقدم للكتاب الشيخ محمد حسان قائلاً: كانت المرأة عند الإغريق والرومان وعند الهنود وعند اليهود وعند العرب في الجاهلية مجرد جرثومة لا تستحق هذه الحياة.. بل والمرأة اليوم في بلاد الغرب يتلهى ويستمتع بها .

وهي شابة فاتنة جميلة وأخيراً يرمي بها في إحدى دور المسنين، وجاء الإسلام ليرفعها من هذا الحضيض إلى تلك المكانة العلياء فجعلها صنو الرجال وجعل بر الأمهات مقدماً على بر الآباء، ولقد آن الأوان أن تعرف المسلمة هذه الحقائق، وذلك من خلال المثل العليا والقدوات الطاهرات الصالحات الطيبات من أمهات المؤمنين والصحابيات والتابعيات الجليلات.

ومن هذا المنطلق، يقدم المؤلف أول كوكبة من كواكب المجموعة النبوية، نلتقي مع رمز الطهر والعفاف والتقى، انها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها أول من آمن بالله من النساء، وأول من صلى مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأول من رزق منها الأولاد، إنها سيدة نساء العالمين وزوجة سيد الأولين والآخرين ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعن مواقف السيدة خديجة رضي الله عنها يحادثنا المؤلف قائلاً:

كانت خديجة رضي الله عنها، ترى ما كان يتعرض له الحبيب صلى الله عليه وسلم من الإيذاء والسخرية فتواسيه وتثبته وتخفف عنه وتهون عليه أمر الناس، فكانت بذلك مثلاً عظيماً ومزيداً بل وقدوة لكل أخت مسلمة زوجها داعية إلى الله تعالى لتخفف عنه ما يراه من الابتلاءات التي تجعل الحليم حيراناً.

وكانت أيضاً رضي الله عنها في غاية الكرم والجود وكانت تحب كل ما يحبه زوجها ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتضحي بكل ما تملك من أجل إسعاد زوجها، فلما كفل الحبيب ابن عمه علي بن أبي طالب وجد في بيت الطاهرة الرحيمة خديجة قلباً حانياً وأماً عطوفاً جعلته يشعر أنه مع أمه التي ولدته فكانت تحسن إليه غاية الإحسان.

ويذكر المؤلف بعد وفاة السيدة خديجة كانت سودة بنت زمعة، أول من تزوج بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومكثت عنده نحو ثلاث سنوات حتى تزوج عائشة رضي الله عنها.

وكانت تعلم يقيناً أنها لن تستطيع أن تملأ الفراغ الذي تركته خديجة رضي الله عنها، لكنها كانت قدر طاقتها أن تملأ هذا البيت المبارك راحة وسعادة وسروراً فكانت تخفف عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ، ولقد كانت سودة رضي الله عنها تجتهد قدر طاقتها لإرضاء الحبيب حتى ولو كان ذلك على حساب سعادتها.

وينتقل الشيخ محمود إلى الحديث عن السيدة عائشة بنت أبي بكر، فيقول: لقد كانت عائشة رضي الله عنها تحتل مكانة عالية في قلب الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن البركات التي تضم إلى سيرة أم المؤمنين، تلك الصفحات ذات الأريج المعطار التي خطتها في ساحات الجهاد مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففي «أُحد» كانت عائشة رضي الله عنها تشارك في حمل الماء على عاتقها لساقية المجاهدين، وكانت لاتزال صغيرة السن، ولكنها شاركت للمرة الأولى في هذه الغزوة.

أما في «غزوة الخندق»، كانت لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها شجاعة نادرة وجرأة مشهودة، حتى أن سيدنا عمر بن الخطاب أنكر جرأتها لما رآها تقترب من الصفوف الأولى للمجاهدين، وعندما خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى «غزوة بني المصطلق»، كانت عائشة ممن خرج سهمها، فخرجت لتؤدي واجبها.

وفي هذه الغزوة امتحنت أمنا عائشة محنة من أشد وأقصى المحن، ولكن الله سبحانه أدركها بعنايته، وخرجت من هذه المحنة بشهادة ربانية مباركة، تُتلى إلى يوم الدين في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه .

وفي كل مكان وبيت علم على وجه الأرض، ومن بركات السيدة عائشة رضي الله عنها، أن الله عز وجل أنزل بسببها آية التيمم تيسيراً على المسلمين، ففرح المسلمون لذلك فرحاً شديداً، فيا لها من أم مباركة فاح عبير بركتها على المسلمين.

ويواصل المؤلف حديثه عن الصحابيات الجليلات، فيذكر حفصة بنت عمر رضي الله عنهما، أنها كانت تحتل مكانة عالية في قلب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل وكانت منزلتها بين أزواجه أيضاً عالية، ولقد عاشت حفصة رضي الله عنها مع الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم، أجمل أيام عمرها فكانت كل يوم تزداد علماً وفقهاً وطاعة لله جل وعلا وكانت تتسابق مع أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى مرضاته.

وعرفت أمنا حفصة رضي الله عنها بالعلم والفقه والتقوى، وهذه الصفات جعلتها تحتل محلاً كريماً لدى رسول الله الكريم، وظلت تحتفظ بالمكانة نفسها في عهد الخلافة الراشدة وخصوصاً في خلافة والدها، فكثيراً ما كان يركن إلى آرائها وأحكامها الفقهية، أضف إلى ذلك أن سيدنا أبا بكر الصديق اختار أم المؤمنين حفصة من بين زوجات النبي لتكون حافظة القرآن الذي جمعه، ولعل اختيار سيدنا أبي بكر لها لتلك الصفات التي اجتمعت فيها من التقى والعلم والصوم ناهيك أنها كانت تتقن القراءة في عهدها، فقد كان قليل من الرجال من يعرف القراءة والكتابة.

لذا فقد كانت أم المؤمنين حفصة التلميذة النبوية النجيبة التي نقلت كثيراً من الأحكام النبوية للناس، وعن مواقف أم سلمة يحادثنا الشيخ قائلاً:

ومن المواقف التي تظهر رجاحة عقلها ما حدث في يوم الحديبية، لما صالح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهل مكة وجاء سهيل بن عمر ليكتب معه كتاب الهدنة والصلح وكان من بنود الصلح أنه إذا جاء رجل من المشركين يريد أن يسلم فعلى النبي أن يرده إلى المشركين، وإذا ذهب رجل مسلم يريد أن يلحق بالمشركين فعلى المشركين أن يقبلوه، فحزن أصحاب الحبيب، وهنا جاء دور أم سلمة العاقلة اللبيبة التي أنقذت الصحابة بفضل الله وحده من الوقوع في معصية رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقالت أم سلمة، يا نبي الله أتحب ذلك؟

أخرج، ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فتحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً.

وبذلك نجا الصحابة الكرام من مخالفة الحبيب، وذلك ببركة رأي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها ويأتي الكتاب إلى صفحة ناصعة نتعايش من خلالها مع أم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الرضاع حليمة السعدية رضي الله عنها انها السيدة الفاضلة التي نبت من لبنها المبارك أطهر جسد في الدنيا كلها إلا وهو جسد الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام.

ويذكر المؤلف أنه قد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، إذ قيل لها: إنه يتيم، قالت: فذهبت إليه فأخذته، وما حملني على أخذه إلا أنني لم أجد غيره، قالت:

فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي، وكان بشرة خير فكانت غنمي تروح على حين قدمنا به معنا شباعاً لبناً فنحلب ونشرب، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم، ويلكم أسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب ، فتروح أغنامهم جياعاً ليس فيها قطرة لبن.

وتروح غنمي شباعاً لبناً، فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شباباً لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً، وفي ذلك الحين حملته حليمة لأهله وانصرفت رضي الله عنها وقد امتلأ قلبها حزناً وأسى على مزاق الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم.

وعاشت حليمة السعدية حتى رأت الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسولاً للبشرية كلها ومعلماً للكون كله، فامتلأ قلبها فرحاً وسروراً، وفي يوم من الأيام تذهب حليمة رضي الله عنها، إلى الحبيب وأقدامها تسابق الريح، وما إن رآها الحبيب حتى خلع رداءه وبسطه تحتها وأكرم وفادتها أبلغ الكرم، فتعجب بعض الصحابة الذين لا يعرفونها فسأل واحداً منهم وقال لمن حوله، من هذه؟ فقالوا: أمه التي أرضعته هكذا كان وفاء الحبيب لأمة التي أرضعته، وهكذا كان حبه لها وتقديره لتلك الأم الرحيمة الحليمة.

ويختتم الشيخ محمود كتابه قائلاً: لقد كانت كل صحابية بمثابة زهرة نبتت في حقل الإسلام فلما جاءت سحابة الإيمان وسكبت ماءها في هذا الحقل وإذا بتلك الزهرة النقية التقية تتغذى من خلال النبعين الصافيين كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا بها تنشر عطرها وعبيرها ليملأ الكون كله بعطر الإيمان والتوحيد.

فأولئك هن الأمهات اللواتي ابتهج بزغ فجر الإسلام، وسمت بهن عظمته، وصرعت بقوتهن قوته، وعنهن ذاعت مكارمه، ورسخت قوائمه وهكذا كانت الأم في عصور الإسلام الزاهية.

القاهرة : أيمن رفعت

Email