التربية النبوية

أثر الصحبة في نشر الصلاح والفساد

ت + ت - الحجم الطبيعي

روى البخاري ومسلم عن ابي موسى الاشعري، ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك، اما ان يُحذيك، واما ان تبتاع منه، وإما ان تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير، اما ان يحرق ثيابك، واما ان تجد منه ريحاً منتنة».

هذا الحديث الشريف فيه دعوة نبوية كريمة لأفراد الأمة لاختيار الجليس الصالح والصاحب الوفيّ ذي الخلق، وهو في نفس الوقت دعوة للحذر من الجليس السييء والصاحب الخبيث، وهذه الدعوة تنبع من حقيقة مفادها، ان الانسان هو ابن بيئته يتأثر بمن حوله ايجاباً وسلباً، خيراً وشراً، صلاحاً وفساداً،

لذلك رغب الرسول صلى الله عليه وسلم بالجليس الصالح وحذّر من جليس السوء، ضارباً المثل لكل منهما، فالجليس الصالح كحامل المسك ينفع نفسه وينفع غيره، فهو إما ان تشتري منه طيباً، وإما ان يهدي الآخرين من طيبه، وإن لم يحدث شيء من ذلك فإن رائحة الطيب ستنتشر حيثما جلس، وكل ذلك خير،

وهكذا الجليس الصالح فهو كله خير، ينفع من يجالسه بعظة او نصيحة او علم او معروف، او خلق، وكذلك ينفع غيره بمجرد الجلوس معه لما يعكسه من سمعة طيبة لمن حوله. واما الجليس السوء فقد شبهه الرسول صلى الله عليه وسلم بالحداد نافخ الكير فهذا الحداد إما ان يؤذي من حوله بناره فيحرق الثياب او ان يؤذي برائحة كيره النتنة الفاسدة،

وهكذا الجليس السوء، يصيب كل من حوله بالأذى الفعلي عندما يزيّن لجلسائه واصحابه فعل المعاصي وارتكاب المناهي فيفسد عليهم دينهم وآخرتهم، وإما ان يجلب لهم التهمة وسوء السمعة لمجرد جلوسهم معه. لكونه مشبوهاً بين الناس بسبب فسقه وفساد دينه وسوء سمعته.

واللافت في هذا الحديث الشريف ان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ استخدم اسلوب ضرب المثل لغرض النصيحة والإرشاد وبيان اثر الصحبة وفي ذلك التمثيل الرائع بيان للمعاني الفكرية والنفسية من خلال الصور الحسية المدركة لترسيخ المعاني في نفوس السامعين والحديث في الجملة يحمل توجيهاً صريحاً لأفراد الأمة يحثهم فيه على مصاحبة الصالحين،

ويحذرهم فيه من مجالسة الاشرار الفاسدين، لخطورتهم على اخلاق الناس، وافكارهم وسلوكهم، وهذه دعوة نبوية موجهة للآباء وأولياء الأمور ليشاركوا ابناءهم والمسؤولين عنهم في اختيار الاصحاب والجلساء، خاصة في هذا الزمن الغريب الذي شاعت فيه المنكرات وكثرت فيه الانحرافات، وانتشرت فيه المعاصي، وعمّ فيه الفساد،

وانحصر فيه دور المربي الواحد لتعدد المصادر التي تنازع اولياء الامور مسؤولية التربية حتى اصبح جلساء السوء في كل مكان، خاصة وسائل الإعلام من تلفاز وحاسب آلي وما يحتويه من انترنت قد يكون اكثر الجلساء سوء وخطراً ودماراً للتربية والاخلاق، وهنا يبرز دور مراقبة المربين واولياء الامور لجلساء السوء المتربصين بهم في كل مكان.

وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل» ويقول الشاعر في هذا المعنى:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

فكل قرين بالمقارن يقتدي

د. ابو بكر علي الصديق

Email