المساجد بيوت الله في الأرض وزوارها عمارها، وما أجمل أن يراها الإنسان عامرة بالمؤمنين في كل وقت، وفي شهر رمضان حيث يكثر فيها المصلون الذين يجدون راحتهم وسعادتهم في المكث فيها لأداء صلاة أو لقراءة قرآن أو الإكثار من ذكر الله، الكل يتنافس في عمل الخير في هذا الشهر الفضيل حيث الثواب والأجر العظيم من الله تعالى لعبده المؤمن، وهل يجد المسلم سعادة أكثر من حسن المعاملة مع الخالق عز وجل.

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لبعض أصحابه حديثا قدسيا عن الرب تبارك وتعالى، يقسم الرب جل وعلا بعظمته وجبروته أن الصلاة الكاملة وصلة للجنة ومفتاح للرحمة ودليل القبول، ومجلب الرضا والخيرات.

ألا تحب يا أخي المسلم ان تكون ضيف الله عز وجل؟ لا تقصر في صلاة الجماعة وفي عمارة المساجد ولا تكن كالصائم الذي يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجماعة ولا الجمعة روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل، ولا يشهد الجماعة ولا الجمعة، فقال هذا في النار (رواه الترمذي موقوفا).

بشرى للصائمين المحافظين على الصلاة في المساجد، فقد ضمن الحق سبحانه وتعالى لمن كانت بيوتهم المساجد بالروح والرحمة والجواز على الصراط والنجاة من النار.

روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المسجد بيت كل تقي، وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالراوح (أي بالحياة الصحيحة المشوبة بالسعادة) والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة. (رواه الطبراني في الكبير والأوسط، والبزار، وقال اسناده حسن).

قال قتاده رضي الله عنه: ما كان للمؤمن أن يرى إلا في ثلاثة مواطن، مسجد يعمره، وبيت يستره وحاجه لا بأس بها والمساجد بيوت الله، وينبغي للمؤمن أن يعظمها، فإن تعظيم المساجد تعظيم لله تعالى.

قال بعض الصالحين: ما استندت في المسجد إلى شيء، ولا طولت قدمي فيها، ولا تكلمت بكلام الدنيا فيها.

وقال عمر رضي الله عنه: المساجد بيوت الله في الأرض، والمصلى فيها زائر الله، وحق على المزور أن يكرم زائره ويسعد المصلى عندما يعرف أن الله سبحانه وتعالى يبش بقدومه إلى المسجد للصلاة.

روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما توطن رجل المساجد للصلاة، والذكر إلا تبشبش الله تعالى إليه «أي قابله بالرضا والرحمة» كما يتبشبش أهل الغائب لغائبهم إذا قدم عليهم. (رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين).

ويسعد الإنسان كثيرا عندما يشاهد الاهتمام بالمساجد في شهر رمضان من حيث نظافتها وعمارتها واستكمال ما تحتاجه من إضاءة وغيرها بالإضافة إلى تزويدها بالمصاحف والكتب الإسلامية التي يستفيد منها المسلم.

روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لتميم الدارى لما علق القناديل في المسجد: نورت الإسلام نور الله عليك في الدنيا والآخرة.

ويكفي المسلم سعادة عندما يعلم ان الملائكة تحف به وهو في المسجد وان رحمة الله تنزل عليه وان الله يذكره ويباهي به ملائكته، روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ان للمساجد أوتادا (أي روادا محافظين على الجلوس فيها) الملائكة جلساؤهم ان غابوا يفتقدونهم وان مرضوا عادوهم وان كانوا في حاجة أعانوهم، ثم قال : جليس المسجد على ثلاث خصال: أخ مستفاد أو كلمة حكمة أو رحمة منتظرة. (رواه أحمد).

قال العلائي: ـ الصلاة عرس الموحدين، فإنه يجتمع فيها ألوان العبادات، كما أن العرس يجتمع فيه ألوان الطعام فإذا صلى العبد ركعتين يقول الله تعالى:

مع ضعفك أتيت بألوان العبادة قياما وقعودا وركوعا وسجودا وقراءة وتهليلا وتحميدا وتكبيرا وسلاما، فأنا مع جلالي وعظمتي لا يجمل مني أن أمنعك جنة فيها ألوان النعيم، أوجبت لك الجنة بنعيمها كما عبدتني بألوان العبادة، وأكرمك برزقي كما عرفتني بالوحدانية فإني لطيف أقبل عذرك وأقبل منك الخير برحمتي، فإني أجد من أعذبه من الكفار وأنت لا تجد إلها غيري يغفر لك سيئاتك، عندي لك بكل ركعة قصر في الجنة وحوراء وبكل ركعة نظرة إلى وجهي.

والمسلم في شهر رمضان بل الأسرة كلها يشتركون جميعا في السعادة عندما يحافظون على صلاة التراويح وقيام الليل وصلاة الفجر حيث الكثرة المؤمنة وأصواتها التي تشبه صوت المرجل اثناء غليان الماء الأمر الذي يجعل المسلم يتمنى ان تكون السنة كلها رمضان كي يستمر هذا الشهر الإيماني الذي ان دل على شيء فإنما يدل على عظمة الإسلام والمسلمين.

* في ختام اللقاء.. دعاء ورجاء:

ـ إلهي وسيدي ومولاي.. نحن في شهر رمضان، شهر التسامح والغفران، فأعنا يا رب على أنفسنا واجعل الحب يسود بيننا، واجعلنا نتقارب مع بعضنا واجعلنا مادين أيدينا لبعض في أفراحنا وأتراحنا، اللهم قونا على طاعتك بالنية الحسنة التي لا تكون إلا بتوفيقك، واغفر لنا فيما مضى، وأصلح لنا فيما بقي من عمرنا وارزقنا عملا صالحا ترضى له عنا، ياذا الفضل العظيم.. يا الله.

ـ اللهم إنا أعمالنا بضاعة «مزجاة»، لا يرجى لنا بمثلها النجاه، لكن آمالنا مستمسكة بالعروة الوثقى من كرمك وأنت سبحانك لم تزل كريما، فلا تردنا خائبين اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتيمه وخير أيامي يوم ألقاك وأنت راض عني يا كريم.