حوار الحضارات من أجل الإنسان

حوار الحضارات من أجل الإنسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

إضافة إلى أن القرآن الكريم يحمل العديد من المواقف الحوارية وإن كان لم يعبر عنها بنفس الألفاظ إنما جاءت كموضوعات مباشرة وذلك مثل الحوار بين المولى عز وجل وملائكته بشأن خلق سيدنا آدم عليه السلام وذلك في قوله عز وجل (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين) أيضاً من المفاهيم التي ارتبطت بالحوار مفهوم التفاوض انطلاقاً من أن الحوار بالنسبة للمسلمين يمثل فريضة واجبة وضرورة شرعية انطلاقاً من الرسالة المحمدية،

كذلك الخطاب القرآني الذي يتوجه في كثير من الأحيان إلى البشر أجمعين موضحاً ومؤكداً في الوقت نفسه على أهمية التعايش والتسامح، والإخاء الإنساني. وتنصح أهمية التفاوض وعلاقته بالحوار بشكل إيجابي من منطلق أن التفاوض يضمن الأخذ والعطاء وتبادل الآراء، لأن من سمات التفاوض ضمان استعداد كل طرف للتنازل عن شيء من مطالبه للطرف الآخر حتى يكون للتفاوض ثمرة جيدة إضافة إلى أنه يجب أن تتوافر للتفاوض مقومات ضرورية لمن يقوم بها سواء كانت هذه المقومات متعلقة بالمؤهلات العلمية أو الثقافية.

صور متنوعة

وترى الكاتبة أن الإسلام حوى العديد من الصفات التي تتناول صوراً متنوعة لأرقى أنواع الحوار خاصة تلك التي كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والتي استندت إلى مختلف العصور والأزمان، ومن هذه الصفات تذكر المؤلفة صلح الحديبية حيث اشتملت هذه المعاهدة على شروط قاسية ضد المسلمين ورغم ذلك التزم بها النبي صلى الله عليه وسلم منها أنه إذا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أحد من قريش دون أن يستأذن إليه رده إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ثانياً أما إذا حدث العكس فلا ترده قريش ،

أيضاً تجلى في هذا الصلح سماحة الإسلام في سلوكه حتى في المواقف التي تشتاق النفس إلى الانتقام فيها حيث كانت تعامل الأمم أسراها معاملة بغيضة أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد عامل أسرى بدر معاملة حسنة رغم أن أهلها من المشركين آذوه وخذلوه.. أيضاً كان النبي صلى الله عليه وسلم يحضر ولائم أهل الكتاب ويواسيهم في مصائبهم وكان يقترض منهم نقوداً ويرهنهم متاعاً. وتنتقل الكاتبة إلى طرح صور متعددة أيضاً من عصر الخلفاء الراشدين،

وكذلك صور من واقع المسلمين بأهل البلاد التي فتحوها تثبيتاً لمبدأ الحوار، كذلك مبدأ التفاوض فعمر بن الخطاب يستعين ببعض أسرى قيسارية كتاباً له، كذلك تولى يوحنا الدمشقي منصباً استشارياً لدى الخليفة عبدالملك بن مروان، وكذلك كان في خدمة الخليفة المعتصم أخوان مسيحيان أحدهما يدعى سلموبة وكانت الوثائق الملكية لا تأخذ صفة التنفيذ إلا من خلال توقيعه هو على حين عهد إلى أخيه أبرزهم بخزانة الأموال في البلاد. الأمر الذي يعني أن هناك تسامحاً يتماشى مع العصر..

أما عن الإسلام ونظرته للإنسان بوجه عام في هذه القضية فترى المؤلفة أن الإسلام ينظر إلى الإنسان نظره سامية خالية من مقولة ووهم بعض الأولين من تطوره شأنه في ذلك شأن الخلية الحيوانية فكشف الإسلام عن جوهر الإنسان وعن مركزه في الكون ورسالته في الحياة فمكانة الإنسان لها حرمتها وصياغتها دون التفرقة بين لون وجنس فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشاً قال لهم لا تقتلوا أصحاب الصوامع.

العدل والمساواة وعن هاتين الصفتين ذكرت الكاتبة أن الإسلام لا يفرق بين البشر فيهما ولا يجابي أحداً على حساب الآخر حتى وإن كان أحد الخصمين مسلماً ونضرب دليلاً على ذلك تلك الواقعة التي كان فيها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب عندما اشتكى يهودي عليا ابن أبي طالب لعمر بن الخطاب فقال له عمر قم يا أبا الحسن وأجلس بجوار خصمك فتأثر علي وعندما قضيت المسألة قال له أغضبت لأني ساويت بينك وبين اليهودي قال له علي لا ولكني تأثرت لأنك ناديتني بكنيتي،

المعروف أن الكنية للتعظيم حتى لا يقال إن العدل ضاع بين المسلمين.. وتسوق المؤلفة الأدلة التي توضح إلى أي مدى ساوى الإسلام بين البشر في مسألة العدل هذه فتقول إن المسلم سواء في القصاص فالنفس بالنفس، والعين بالعين أيضاً سوى الإسلام في الحرمان من الميراث بين المسلم الذي مثلاً يرث المسلم قريبه الذمي، ولا يرث الذمي قريبه المسلم ولا يرث المسلم زوجته الكتابية ولا الزوجة ترثه.

لذلك أباح الإسلام للمسلمين أن يأكلوا من طعام أهل الكتاب والعكس أيضاً فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل من طعام أهل الكتاب. أيضاً حفظ النبي صلى الله عليه وسلم حق الذمي عندما قال من آذى ذمياً فأنا خصيمه ومن كنت خصيمه خصمته يوم القيامة. كذلك لم يتوقف العدل والمساواة والتسامح عند العقيدة وحماية المال بل امتد إلى مواقف الفقهاء الذين انتصروا لغير المسلمين منها على سبيل المثال ما أكده الفقهاء على أنه لا تجوز الجزية على النساء والصبيان ولا تؤخذ الجزية من المسكين الذي يتصدق عليه ولا من قعيد كذلك الأعمى!!

أي أن الإسلام بآدابه وأخلاقه وضع دستوراً لعلاقة المسلم بغيره من الأمم والديانات الأخرى. تواصل الحضارات وتحت هذا العنوان كتبت المؤلفة تقول إن الحضارة أسلوب الحياة الذي ينشأ بعد أن يبدأ الناس الحياة في المدن والمجتمعات المنظمة، لذلك فإن العلوم والمعارف التي نمت وتطورت عبر مسيرة البشرية يجب التعامل معها في أية مرحلة تبلغها على أنها تراث مشترك للإنسانية كلها، لذا ممكن حق الأمم باختلاف أجناسها وألوانها وثقافاتها أن تنعم بالازدهار الحضاري لأي عصر كان.

وتضرب الكاتبة مثالاً لحالة تواصل الحضارات بما كانت عليه أوروبا قبل الإسلام وكيف استفادت منه فأوروبا قبل الفتح العربي الإسلامي لها كانت يفترسها الفوضى والمحن وتستعين في الوقت نفسه بكتابات جورج سارتون فتتذكر منها أن المعجزة اليونانية وتاريخ أوروبا له أصول هذه الأصول تعود إلى المنجزات الإسلامية القديمة لذلك فلا يوجد بان للحضارات دون أن يستند إلى حضارة سابقيه،

لذلك فمن المناهج الأساسية في الإسلام أن الدين والتدافع الحضاري في حقيقته تدافع في سياق التواصل الحضاري وليس تدافعاً بمفهوم الانفصال المؤدي إلى التعادم لأن الإسلام ينهى عن إثارة النعرات الهمجية، إن من أهم النقاط المضيئة في تواصل الحضارات ما حدث في العمل الأصلي لأرشميدس (المسبع المنتظم) الذي ترجم إلى العربية على يد ثابت بن قرة، أيضاً امتد عطاء المسلمين في ميدان الفلك، الرياضيات وغيرها من العلوم الإنسانية.

وتنتهي الكاتبة إلى أنه مما يساعد على نجاح تواصل الحضارات إرساء قواعد العدل في الجانب التطبيقي بين الأمم، وألا نقف عند النصوص والمواثيق في السجلات دون السعي الجاد في التطبيق العلمي، أيضاً التأكيد على تلاقي الحضارات سيظل عملاً عظيماً وضرورياً في التقريب بين الشعوب، من خلال هذا التلاقي نبحث عما يجمع بين البشر،

وفيما يخص واقع الحوار وآلياته انتهت المؤلفة إلى أنه يمكن أن يقوم حوار حقيقي دون الإيمان بالتنوع البشري، إضافة إلى ضرورة وضع خاصية هامة تتمثل في عدم هدم قيم الإبداع، التنوع مع الإيمان بأن الحوار للمستقبل، إلا أنه الوسيلة الوحيدة التي تليق بالإنسان وأخيه الإنسان وأنه لن يكون هناك حوار حقيقي على أي مستوى دون أن يكون هناك أساس راسخ من الاستخدام المتبادل بين الأطراف مع إدراك أهمية الحوار الحضاري بدرجة كافية.

Email