من أمثال القرآن

الكلمة الخبيثة لا قرار لها ولا استقرار

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول الله تعالى: «ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار{، (إبراهيم: 26).

لقد ضرب الله مثلين مثلاً للكلمة الطيبة، ومثلاً آخر للكلمة الخبيثة، وكما يقال: وبضدها تتميز الأشياء، فالحق ما كان ليعرف إلا إذا عرف الباطل، وما كانت الكلمة الطيبة تعرف إلا بتعريف الكلمة الخبيثة.

ولكل من الصفات ما يجعل الكلمتين متفاوتتين فهما ضدان لا يجتمعان، ونقيضان لا يلتقيان، فلا يصح أن نطلق على الكلمة الطيبة وصفًا غير الذي وصفت به كذلك الكلمة الخبيثة.

والمثل صور الكلمة الخبيثة بأنها شجرة خبيثة في هيئتها ومنظرها وطعمها ومذاقها، ومع ذلك فلا أصل ثابت لها، وليس لها فرع في السماء، وإنما هي مقوضة الجذور، لا قرار لها ولا استقرار، فقد اقتلعت من فوق الأرض، لأن الذي يثبت من له جذور ممتدة، وأغصان ثابتة، ومن هنا افترقت الشجرتان.

وهذا تمثيل لكلمة الإيمان أو للمؤمن في الكلمة الطيبة المشبهة بالشجرة الطيبة، وتمثيل للكفر وللكافر في الكلمة الخبيثة التي تشبه الشجرة الخبيثة في كل أحوالها من منظر وثمر وطعم مرارة، فضلاً عن اهتزازها وعدم ثباتها مما جعلها مقوضة البنيان.

وقد عقد السيوطي مقارنة بين «مثل الكلمة الطيبة، مثل الكلمة الخبيثة» قال: «مثل كلمة طيبة»: ابن عباس وغيره هي لا إله إلا الله، والشجرة الطيبة هي النخلة في قول الجمهور، واختار ابن عطية أنها شجرة غير معينة، إلا أنها كل ما اتصف بتلك الصفات.

والكلمة الخبيثة كلمة الكفر، أو كل كلمة قبيحة، والشجرة الخبيثة هي الحنظلة لمرارتها، ثم أثار تساؤلات عبر عنها بقوله: فإن قلت: لم عبر هنا بالاسم فرفع، وقال في المؤمن: «ضرب الله مثلاً{، فعبر بالفعل ونصب؟، فالجواب أن المؤمن له حالتان، لأنه انتقل من الكفر إلى الإيمان، والكافر له حالة واحدة ثبت عليها، ولم ينتقل عنها، فلذلك عبر عن مثله بالاسم.

فإن قلت: هل الشجرة الخبيثة محصورة على الحنظل أو تطلق على كل ما ليس له ساق كالقثاء والثوم، وفيها منافع جمة، فكيف يشبه بها الكافر، وهو لا منفعة فيه بوجه؟

والجواب: إنما شبه بها من حيث إنها لا تثبت إذ ليس لها ساق، فالتشبيه في اضمحلال العمل الخبيث وذهابه يوم القيامة ولا يبقى إلا العمل الصالح، والحكيم الترمذي في معرض مقارنته بين الكلمتين الطيبة والخبيثة يقول: وقال: «ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة{، وهي كلمة الشهادة، طابت واستنارت، وتفرعت بالأعمال الصالحة، وكلمة الشرك كشجرة خبيثة، وهي الحنظلة، ليس لها قرار ولا قائمة، فهي ساقطة في الأرض.

وعن مثل الكلمة الخبيثة يقول ابن القيم: ثم ذكر سبحانه مثل الكلمة الخبيثة، فشبهها بالشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فلا عرق ثابت، ولا فرع عال، ولا ثمرة زاكية، فلا ظل ولا جني ولا ساق قائم، ولا عرف في الأرض ثابت، فلا أسفلها مغدق، ولا أعلاها مونق، ولا جني لها ولا تعلو بل تعلى، وإذا تأمل اللبيب أكثر كلام هذا الخلق في خطابهم وكسبهم، وجده كذلك فالخسران كل الخسران الوقوف معه والاشتغال به عن أفضل الكلام وأنفعه.

ثم أورد آراء للضحاك وابن عباس والربيع بن أنس، وقتادة في معنى مثل الكلمة الخبيثة والشجرة الخبيثة ولكنها تدور حول تفسير الشجرة الخبيثة بالشرك والكفر.

قال الضحاك: ضرب الله مثلاً للكافر بشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، يقول: ليس لها أصل ولا فرع وليس لها ثمرة، ولا فيها منفعة، كذلك الكافر لا يعمل خيرًا ولا يقوله، ولا يجعل الله فيه بركة ولا منفعة.

وقال ابن عباس: ومثل كلمة خبيثة، وهي الشرك كشجرة خبيثة، يعني: الكافر اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، يقول: الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر، ولا برهان ولا يقبل الله مع الشرك عملاً... وقال الربيع بن أنس: مثل الشجرة الخبيثة مثل الكافر، ليس لقوله ولا لعمله أصل ولا فرع.

وقال سعيد عن قتادة في هذه الآية: إن رجلاً لقي رجلاً من أهل العلم، فقال له: ما تقول في الكلمة الخبيثة؟ قال: ما أعلم لها في الأرض مستقرًا، ولا في السماء مصعدًا إلا أن تلزم عنق صاحبها حتي يوافى به يوم القيامة. (وفي تفسير الطبري جـ 13 ص 141:«يوافى بها»). وقوله: اجتثت أي استؤصلت من فوق الأرض.

ثم شرح ابن القيم بعد هذا فضل الله وعدله في الفريقين على ضوء قول الله تعالى عقب المثلين: «يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء{، وتحدث عن القول الثابت في الدارين وأثره وثمرته في القبور ويوم المعاد.

لكن ما هي الشجرة الخبيثة التي جعلت مثلاً للكلمة الخبيثة؟ اختلف العلماء فمنهم من قال إنه الثوم، لأنه صلى الله عليه وسلم وصف الثوم بأنها شجرة خبيثة، وقيل: إنها الكرات.

وقيل: إنها شجرة الحنظل لكثرة ما فيها من المضار.

وقيل: إنها شجرة الشوك.

هذا ما قاله الرازي في تفسير الشجرة الخبيثة جـ 19 ص 121.

أما الألوسي فقد قال: والمراد بهذه الشجرة المنعوتة «الحنظلة»، وروي ذلك أيضًا مرفوعًا إلى رسول الله»، وعن الضحاك أنها الكشوت، ويشبه به الرجل الذي لا حسب له ولا نسب كما قال الشاعر: فهو الكشوت فلا أصل ولا ورق ولا نسيم ولا ظل ولا ثمر وقال الزجاج وفرقة: شجرة الثوم، وقيل شجرة الشوك، وقيل الطحلب، وقيل: الكمأة، وقيل كل شجرة لا يطيب له ثمر، وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها شجرة لم تخلق على الأرض.

والمقصود التشبيه بما اعتبر به تلك النعوت، وقال ابن عطية: الظاهر أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة جامعة لتلك الأوصاف.

Email