الإمارات والخليج ثقافياً في نصف قرن

العلاقات الثقافية مع دولة قطر

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكن مؤسسات المجتمع المدني بمنطقة الخليج قد تبلورت كما هو الحال الآن، فكانت ثمة جهود ومحاولات لكن عودها لم يشتد في جميع بلدان المنطقة بالقدر الذي يسمح بتكوين علاقة لها علامات بارزة في الحياة العامة. لذا فان العلاقات بين دول منطقة الخليج كانت ترتكز على الجانب الاجتماعي حيث تم التواصل بين شعوبها عبر مجتمع البحر إما الغوص او صيد الأسماك.

أو السفر الذي اوجد روابط اجتماعية بين الناس، وبالتنقل بين هذه البلدان، برزت علاقات أسرية حيث تم التزاوج بين بعض الأسر. ولعل مرحلة انكسار مهنة الغوص.

واستخراج البترول في بعض البلدان بكميات تجارية ساعدا على تنامي العلاقات الاجتماعية التي تحولت إلى علاقات اقتصادية حيث سافر الكثيرون من المناطق التي تأخر استخراج البترول فيها إلى الدول الأخرى بحثاً عن فرص عمل بها.

وفي الوقت نفسه كانت هناك محاولات تجارية قام بها البعض بين دول المنطقة، نتج عنها اقامة بعض اولئك التجار بمنطقة الإمارات.كان متنورو ذلك العصر بشوق لالتقاء نظرائهم في البلدان الأخرى فكلما سنحت الفرصة لهم للالتقاء فيما بينهم يحدث تواصل مشهود له أثر في خلق روابط ثقافية متينة ولكنها تكون دائماً فردية.

وقد مثل مجتمع بومباي نقطة التواصل حيث أن تجار ومثقفي المنطقة كانوا يلتقون هناك سواء المقيمون منهم أم الذين يسافرون ويعودون، وساعد وجود بعض المثقفين العرب هناك على إيجاد بيئة ثقافية مهمة.

ويؤرخ لنا الشعر بعضاً من وجوه الحالة التي كانت عليها منطقة الخليج وخاصة الإمارات بعد كساد سوق اللؤلؤ فهذا الشاعر راشد بن علي بن مكتوم من إمارة أم القيوين يرثي حال الفقر التي مرت بها البلاد وسفر الناس الى بلدان الخليج الأخرى في منظومة يقول فيها:

إني نفرت من الفقر

حقاً لمن قال كفر

انظر إلى سكاننا

الحي منهم قد طفر

شدوا الرحيل لفقرهم

والماكثون على الأثر

أضحت تشمرت البلاد

إلى الكويت وثم قطر

وللشعر النبطي في هذا الجانب دور وحضور كذلك، فهذان الشاعران سالم الجمري ومحمد بن سوقات يتشاوران حول الأوضاع ويتبادلان الرأي في السفر

فالجمري يقول في مداعباته:

وأشوه رأيك إن عبرنا

في مركب في سيره مجد

لكويت ولبصرة سفرنا

وإلا جدا مدارس والهند

ويبادله ابن سوقات الرأي قائلاً:

أولى لنا نسافر سويه

وشغل السفر بالخير مذكور

لكويت وإلا لقطريه

والرزق عند الله ميسور

وعندما اشتاق أحد الشعراء الى بلاده وأحس بالحنين قال:

لو لي بخت ما سرت الكويت

ولا بعد فارقت الأوطان

اسميك يا حظي ترديت

وابعدتني عن ساحل عمان

فرد عليه آخر مذكراً إياه بما حصل عليه من أموال في سفره الى الكويت التي لولاها لهلك.

لولا لكويت جان وليت

ولا بعد جمعت نيطان.

دولة قطر حظيت بنعمة البترول قبل الإمارات، فعملت على استقطاب بعض أبناء الإمارات للإقامة أو العمل، وجاء بعض رجالها وتزوجوا من الإمارات واصطحبوا نساءهم وأقرباءهم للإقامة هناك.. فدرس بعض الأبناء في المدارس القطرية.

وحيث أن حاكم قطر الأسبق (الشيخ عبدالله بن قاسم) كان قد استدعى في بدايات القرن الماضي فضيلة الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع العالم السعودي الذي تلقى تعليمه في العراق والأزهر، فقد غادرت الإمارات مجموعة من الطلبة للدراسة على يديه. واختلفت الرواية حول عدد الطلاب فهناك رواية على أنهم (خمسة وعشرون) طالباً وروايات ترى أنهم أقل. ومن الذين درسوا هناك الشيخ محمد بن غباش، الشيخ عبدالله بن علي بن سلمان ـ الشيخ عبدالله بن محمد الشيبة، الشيخ حميد بن فلاو، الشيخ مبارك بن مبارك الناخي، الشيخ محمد خلفان بو خاطر، الشيخ عبدالله بن علي المحمود، الشيخ حمد بن المشغوني، الشيخ حميد بن راشد الكندي، الشيخ حسن بن محمد المشغوني، الشيخ حميد بن راشد الكندي، الشيخ حسن بن محمد بن صالح، السيد أحمد بن عبدالرحمن الجرمن، السيد سيف بن ماجد بن سالم، السيد عبدالله بن حميد بن ثاني وغيرهم. وكل أولئك عادوا وتحملوا مسؤولية التعليم والقضاء والأعمال العامة. فكانوا باكورة متنوري الإمارات.

وفي حوالي الأربعينات غادرت مجموعة من أهالي الإمارات للإقامة هناك. فدرس أبناؤهم بمدارس قطر، وحصلوا فيما بعد على بعثات دراسية لاستكمال دراساتهم الجامعية ضمن البعثات التعليمية القطرية. منهم معالي أحمد خليفة السويدي ومعالي محمد حبروش السويدي، معالي د. مانع سعيد العتيبة وغيرهم. وبعد أن أنهت مجموعة من طلبة الإمارات دراساتها المتوسطة غادرت لاستكمال الدراسة الثانوية هناك.

؟ مثقفو الإمارات يعملون في قطر

ذكرنا أن مجموعة من أبناء الإمارات تلقت تعليمها بقطر وبعد أن أكملوا هذه المرحلة عادوا للعمل بالإمارات غير أن بعضهم فضل العودة للعمل بقطر والإسهام في الحياة الثقافية والعامة.

أ-فالشيخ محمد بن غباش بعد أن أنهى دراسته بقطر غادر للدراسة بالأزهر الشريف وأكمل دراسته فيه عام 1930م ثم عاد للعمل بالإمارات بالقضاء والتدريس، بعدها انتقل إلى السعودية ثم غادرها للعمل بقطر حيث تولى التدريس فترة من الزمن تولى مسؤولية رقابة الكتب الدينية بدار الكتب الوطنية حتى وفاته عام 1969م.

ب-الشيخ حميد بن فلاو بعد أن اشتغل بالتدريس والقضاء بالإمارات ذهب إلى قطر وتولى التدريس فيها لمدة 17 عاماً.

ج- الشيخ أحمد بن حجر البنعلي من علماء رأس الخيمة كان صاحب مجلس علم له مكتبة تتلمذ عليها بعض من طلبة العلم، ثم غادر إلى قطر، واشتغل فيها بالتدريس والتأليف، وقدم مجموعة من الكتب الدينية، وأقام بها حتى وفاته قبل أعوام.

د- الشيخ محمد بن علي المحمود صاحب ومؤسس مدرسة الإصلاح بالشارقة غادر في أواخر الأربعينات إلى قطر في عام 1365هـ 1948م وافتتح بها مدرسة باسم المدرسة الحمدية. كما عين مديراً للمدرسة الليلية (المسائية).

ه- أحمد بن علي المحمود شقيق الشيخ عبدالله ومحمد وسالم أبناء علي المحمود غادر إلى قطر وعمل بالتدريس والأعمال الإدارية وكان مهتماً بالأدب والشعر وقد اشترى إحدى المخطوطات الشعرية في الشعر النبطي في الخليج من تركة عبدالله بن زيد العثمان، وأضاف إليها شيئاً من مختاراته، وتعد من أهم المخطوطات في هذا الجانب.

وفي عام 1957 غادر وفد من معارف الشارقة لزيارة قطر والتعرف على النهضة الثقافية والتعليمية فيها.

؟ قطر والمكتبة العامة بدبي

في إحدى زيارات المغفور له بإذن الله حاكم قطر الأسبق الشيخ أحمد بن علي آل ثاني إلى دبي أحضر معه المستشار الثقافي الشيخ عبدالبديع صقر، الذي اقترح إنشاء مكتبة عامة فأرسلت قطر مجموعة من الكتب من مطبوعات دار الكتب الوطنية بقطر وغيرها وبناء على ذلك قامت بلدية دبي بتأسيس المكتبة العامة عام 1963م في منطقة الرأس. وبعد أعوام افتتحت قطر مكتباً تعليمياً لرعاية أمور البعثات التعليمية التي أرسلتها للتعليم بالإمارات، وقد ضم المكتب مكتبة مهمة، وقاعة للاستذكار، استفاد منها بعض الطلبة في مراجعة دروسهم.

Email