قراءة في كتاب

إنسانية الحضارة الإسلامية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتعرض الإسلام في عصرنا الحاضر لحملة تشهير ظالمة من جانب الإعلام الدولي ومن بعض أصحاب المصالح الذين يروجون لنشر صورة زائفة عن الإسلام، متهمين إياه بالعدوان والإرهاب والدموية.

ويساعد على نشر هذه الصورة المغلوطة عن الإسلام ـ للأسف الشديد ـ بعض من ينتسبون له، وذلك عن جهل بتعاليمه السمحة وقيمه السامية، انسياقا وراء تفسيرات خاطئة وأفهام سقيمة.

وإزاء ذلك كله لا يجوز أن تظل المؤسسات الإسلامية مكتوفة الأيدى، مغلولة الحركة، مكتفية بالشجب والإدانة والاستنكار، بل عليها أن تتحمل مسؤوليتها في الدفاع عن الإسلام، وإبراز صورته الصحيحة للمسلمين وغير المسلمين على السواء.

حول هذا الموضوع المهم يقدم لنا المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية كتاب «إنسانية الحضارة الإسلامية»، الذي يتضمن مجموعة مختارة من الأبحاث والدراسات الإسلامية القيمة.

تحت عنوان: «نحن والآخر» يؤكد المفكر الإسلامي الدكتور أحمد كمال أبوالمجد أن المسلمين عزلوا أنفسهم عن العالم وضربوا بينه وبينهم بسور غير ذي باب فعلوا ذلك في ديارهم وفعلوه في غربتهم.

فعلوه في ديارهم، انكفاء على الماضي وحده واعتذاراً عن عجز الحاضر بتحميل الآخرين المسؤولية فأقنعوا أنفسهم وهماً بأن كل ما خارج الإسلام التاريخي والجغرافي لا نفع ولا فائدة وأن الانشغال به لا يجوز، ولا حاجة بنا إليه.. تقدم الناس وتأخرنا، وتحرك الناس وجمدنا، وانطلق الناس يتسابقون إلى المستقبل ونحن منكفئون نتحدث عن أمجاد ذهب كثير منها، ونجتر خلافات لا معنى لها، وتوقع كوارث لأفراد أو لطوائف، بينما الكارثة ستحل بالأمة كافة.

حتى المسلمون في الغربة عزلوا أنفسهم أيضا. ويضيف أبوالمجد إن المسلم المعاصر إن لم يراجع أحوال الدنيا، كل الدنيا عشر مرات في اليوم، فهو معزول لا يسمع له رأي، لأن الحواجز ألغيت والمسلمين لا يعيشون في جزيرة منعزلة.

ولو توهموا ذلك وجعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا! فالعالم متفتح، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية والشاردة، ففي الغربة انحاز المسلمون إلى حوزات واغلقوا على أنفسهم أبوابا وصاروا هم الغير، وصار اليهود في المناطق الأخرى جزءاً من النسيج الاجتماعي، ومن الأنا الجماعية يتعرفون ويتزاورون ويتوادون ويقتربون على بعدهم.

وفي الحضارة الغربية من يقول إن الغير هو الجحيم، ماذا ننتظر؟ لابد وأن ينحاز الرأي العام العالمي إلى هذا الذي هو جزء منه ولو كان ظالما.

ويتساءل د. أبوالمجد أرأيتم ما حدث ويحدث للمسلمين في فلسطين والعراق ولا يتحرك الضمير العالمي، ويجيب لأنه رسمت صورة استقرت في الأذهان، أننا نحن الغير، وأننا مشوهو العقيدة، مشوهو الثقافة، عدوانيون، وأن الآخرين ضحايا مجني عليهم، في ظل هذا التصور الذي استقر عند حسن النية، يزداد الخطر وتزداد الحاجة إلى فتح سريع لملف علاقتنا بالدنيا وبالعالم.

* أصل واحد

ويتحدث الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق عن: «وحدة الأصل الإنساني»، موضحا أن أساس الخليقة يرجع إلى أصل إنساني واحد، وإلى أب واحد، وأم واحدة، وهذا الأساس ينهض عليه التضامن، بل إن رب العزة سبحانه وتعالى خلق الناس من أصل واحد ومن ذكر وأنثى.

وجعلهم شعوبا وقبائل لحكمة ربانية عليا، ألا وهى التعارف والتضامن والتكامل كما قال الله تعالى في سورة «الحجرات»: «يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير».

وفي هذا النداء الإلهي للبشرية جمعاء، وللناس جميعا بيان لأصل خلقتهم من ذكر وأنثى ومن أب واحد وأم واحدة فلا فرق بينهم جميعا.

وأخوة الإنسان لأخيه الإنسان، التي تمثلها وحدة الأصل الإنساني، تستوجب على الجميع أن يكونوا متضامنين في السراء وفي الضراء وفي جميع الأحوال فإن رأى إنسان إنسانا آخر مظلوما سعى لرفع الظلم عنه وإن رأه ظالما كفه عن ظلمه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قال: انصره مظلوما، فكيف انصره ظالما؟ قال: تحجزه عن ظلمه فذلك نصره).

ويضيف د. هاشم أن تأكيد الإسلام على تضامن الناس وتعاونهم بلغ في تأكيده وحرصه مبلغا عظيما، بحيث لا يصح أن يرى الإنسان أخاه الإنسان يظلم أو يضرب أو يساء إليه ويسكت أو يقف الناس مكتوفي الأيدي فإنهم إن لم يدفعوا السوء عن أخيهم ينزل عليهم غضب الله تعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقفن أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضر حين لم يدافعوا عنه).

وهذه اللعنة التي تنزل على من لا يدافع عن أخيه المظلوم تنزل أيضا على الجماعة أو المجتمع الذي لم يدافع عن مجتمع آخر.وكذلك الحال بالنسبة للبلاد والدول، فليس الأمر مقصورا على الأفراد وحدهم، بل يشمل أيضا المجتمعات والدول، حتى تكون الإنسانية جمعاء متضامنة ومتساندة يعين بعضهم بعضا ويدافع بعضهم عن بعض، ليعيش هذا العالم في أمن وسلام.

* صفات مكتسبة

ويستعرض المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة حديث القرآن عن خيرية الأمة الإسلامية، وعن أنها خير أمة أخرجت للناس، مبينا أن الخيرية هنا مشروطة باكتساب هذه الأمة لمجموعات من الصفات المكتسبة، تتوقف خيريتها ومقادير هذه الخيرية على ما حصلت عليه هذه الأمة من هذه الصفات:

«فهى ليست خيرية مطلقة، تقررها هذه الآية بحكم العرق أو الجنس أو الدين أو اللون أو الميراث أو التاريخ أو أية صفة من الصفات اللصيقة التي لا فضل لها في تحديد معايير الخيرية ودرجاتها.

لقد حدد القرآن الكريم للأمة الإسلامية شروطا لابد من تحقيقها وتطبيقها لاكتساب الخيرية.. مثل: أن تكون هذه الأمة أمة مؤمنة، جامعة في إيمانها كل أركان الإيمان. أن ترتقي هذه الأمة كي تحقق الخيرية على غيرها من الأمم على سلم الإيمان، فتحقق مستوى التقوى التي هى الضمير الحي المؤمن.

وألا تكون هذه التقوى مقصورة على ذات الفرد التقي، لأن الإسلام دين الجماعة، وكثير فرائضه وتكاليفه جماعية واجتماعية. أما الشرط الأخير لخيرية الأمة الإسلامية، فإنه شرط عام يشمل سائر فرائض العمل الاجتماعي العام، إنه شرط أن تكون هذه الأمة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر.. مغيرة للمنكر إذا وقع.

فإقامة العدل وإشاعة منهاج الوسطية الإسلامية الجامعة، وإقامة الشورى، والتكافل الاجتماعي، وتحقيق قيمة الحرية، والجهاد لنصرة المظلومين، والتسابق على طريق الخيرات..

كل هذه الفرائض الاجتماعية وأمثالها هى بعض من التكاليف التي وضعها الإسلام تحت الفريضة والنهى عن المنكر»، وبإقامة هذه الفرائض الاجتماعية تتحقق خيرية الأمة الإسلامية.. بل إن غيبة هذه الفرائض الاجتماعية وصفاتها يسلب من الناس حتى معنى «الأمة ـ الجماعة» وليس فقط صفة «الخيرية». لأنهم يكونون عندئذ مجرد أفراد، مبعثرين وليسوا أمة من الأمم.

القاهرة ـ مصطفى علي محمود:

Email