تحقيق

هل يجوز للزوجة طلب الطلاق في حالة عقم الزوج ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

مثلما يلجأ الزوج الى الزواج بأخرى في حالة عقم الزوجة وعجزها عن الإنجاب لجأت زوجة مصرية الى محكمة الأسرة طالبة الطلاق بسبب عقم الزوج وعدم قدرته على الإنجاب وأكدت المحكمة ان عقم الرجل وعجزه عن الإنجاب لا يدخل ضمن العيوب المستحكمة التي حددتها المادة 29 من القانون 25 لسنة 1920 التي توجب الطلاق للزوجة.

وذلك استناداً الى ان محكمة النقض استقرت في أحكامها على ان عقم الرجل لا يدخل ضمن تلك العيوب لأنه لا دخل للزوج في ذلك إلا اذا اقترن ذلك بعيب آخر كالعجز الجنسى أو العنة اما اذا كان الزوج يقوم بجميع واجباته الزوجية تجاه الزوجة وان كل ما يعانيه هو انه عقيم فليس من حقها الطلاق بحجة اثبات انوثتها بالإنجاب أو انها تعيش حلم الأمومة دائماً.

كانت الزوجة قد ذكرت في دعواها ان عدم إنجابها جعل جو الفرحة ورباط الحب بينها وبين زوجها يتبدد بعدما فقدت الأمل في علاج زوجها .

وانه كان من الطبيعى ان تشعر بالحنين الى الأمومة فاضطرت تحت ضغط من أسرتها الى ان تتجه الى القضاء للحصول على الطلاق حتى لا تمر سنوات العمر دون تحقيق حلم حياتها، لكن الزوجة اصطدمت بهذه المادة القانونية وحكم محكمة النقض اللذين يرفضان الطلاق بسبب العقم مما اضطرها الى تحويل دعوى الطلاق الى خلع وقدمت مقدم الزواج لزوجها ثم تنازلت عن جميع حقوقها لتحقيق رغبة اسرتها بالطلاق.

وكانت دار الافتاء المصرية قد أصدرت فتوى حول هذه القضية أكدت فيها انه ليس من حق الزوجة طلب الطلاق بحجة عدم قدرة الزوج على الإنجاب.

من جانبه قال الدكتور لطفى عفيفي استاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر ان الحكم الذي صدر عن محكمة الأسرة صحيح ويتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية مشيراً الى انه لا يجوز للمرأة ان تطلب من زوجها الطلاق بحجة انه لا ينجب لأن عقد الزواج لم ينص على ذلك.

وأضاف أما لو تم تضمين العقد شرطا ينص على انه في حالة عدم الانجاب يكون للزوجة الحق في الطلاق فعندئذ يجب الوفاء بما ورد في العقد وعلى هذا تطلق الزوجة، موضحا انه مادام العقد لم يتضمن مثل هذا الشرط فليس للزوجة الحق في المطالبة بالطلاق بحجة ان الزوج لا ينجب.

وحول قياس حالة هذه المرأة على الزوجة التي لا تنجب ويطلقها زوجها ويتزوج بأخرى أكد الدكتور لطفي أن هذا القياس مع الفارق لأن الرجل يدفع المهر ويقوم بالانفاق ومنوط به امر المعيشة فقياس هذه الحالة على تلك غير صحيح.

ويشير الى ان مثل هذه الزوجة يجوز لها ان تلجأ الى الخلع وذلك لأن الطلاق تترتب عليه آثار وواجبات من الزوج تجاه زوجته اما الخلع فهو على خلاف ذلك حيث تفتدى المرأة نفسها بمبلغ من المال حسب الاتفاق بينها وبين زوجها، مؤكداً ان مثل هذه القضايا جديدة على الفقه الاسلامي نتيجة لما نشهده من تطورات في هذا العصر.

ويخلص الدكتور عفيفي الى القول إن مثل هذه الزوجة بيدها سلاح الخلع لكن ليس من حقها التطليق بحجة عدم انجاب الزوج، مشيراً الى وجود فرق بين القدرة على الانجاب والمعاشرة الزوجية فبالنسبة للاخيرة ان لم تكن هناك معاشرة يحق للزوجة ان تطلب الطلاق للضرر اما عدم الإنجاب فلا يعطيها مثل هذا الحق.

* الرضا والصبر

وأكد الدكتور فرحات عبدالعاطي الاستاذ بكلية أصول الدين جامعة الأزهر ان قضية الإنجاب وعدمه لا يتحكم فيها الرجل وقد اشار الى هذا القرآن الكريم في قوله ـ تعالى ـ:

«لله ملك السموات والارض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء اناثاً ويهب لمن يشاء الذكور او يزوجهم ذكرانا واناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير» موضحاً ان المسألة ليست في يد الرجل الذي لا يستطيع اكتشاف انه غير صالح للانجاب الا بعد الزواج.

وقال اذا كان هناك ضرر من الزوج يقع على زوجته أو أصيب الزوج بمرض فإن من حق الزوجة طلب الطلاق اما عدم الانجاب فلا دخل للزوج فيه وبالتالي لا يحق لها التطليق في تلك الحالة مشيراً الى ضرورة ان ترضى الزوجة بقضاء الله وان تعلم ان الخير فيما اختاره لها فربما يكون في الانجاب شقاؤها وهلاكها.

واشار الدكتور عبدالعاطي الى ان المحكمة اصابت في حكمها لأن عدم الإنجاب لا يعتبر مبررا لان تطلب المرأة الطلاق لان الرجل يتعرض للظلم في مثل هذه الحالة وهو لا يملك شيئا حيال الانجاب وعدمه فلا دخل له في ذلك.

مؤكدا ان من حق الزوجة هنا ان تطالب زوجها بالذهاب الى الطبيب المختص لتلقي العلاج فاذا امتنع عن ذلك يعد هذا ضررا لها، لكن اذا ذهب الى الطبيب وبعد الفحص تبين انه غير قادر على الانجاب فهذا ليس مبرراً لها لان تطلب الطلاق.

واضاف قائلا ينبغى الا تنسى هذه الزوجة ان المؤمن يتعرض للابتلاء في هذه الحياة وعدم الانجاب هو نوع من الابتلاء فاذا صبرت فلها الثواب من الله والنبى - صلى الله عليه وسلم - يقول :

«عجبا لامر المؤمن امره كله خير ان اصابته سراء شكرا فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له ولا يكون ذلك لاحد الا للمؤمن» مطالبا هذه الزوجة بالصبر على هذا الابتلاء وبذلك تنال ثواب الصابرين يقول ـ تعالى ـ : «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب» وان ترضى بما قسمه الله لها فالخير كله في الرضا بالقضاء والقدر.

* الخلع

من جانبه أكد الدكتور عبد الله حسن بركات عميد كلية الدعوة الإسلامية جامعة الازهر ان عدم الانجاب ليس من مبررات فسخ عقد الزواج وتطليق الزوجة، مشيراً الى ان الزوجة اذا لم تكن تريد الحياة مع الزوج فإن الإسلام لا يجبرها على ان تعيش مع زوج لا ترتضيه وجعل لها الحق في ان تفتدى نفسها اى تلجأ الى الخلع.

واضاف يجب ان تدرك هذه الزوجة ان الأيام قد تأتي بما لا تتوقع فقد تنجب بعد سنتين اوثلاثا او اكثر وكل شيء غير مستبعد فنبى الله زكريا عليه السلام بلغ من العمر مبلغه وكانت زوجته عاقرا ومع ذلك رزقه الله بنبي الله يحيى عليه السلام وقد تناول القرآن الكريم هذه القضية في قوله ـ تعالى ـ:

«يا زكريا انا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا قال رب انى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا». واشار الدكتور بركات الى ان قضية الانجاب بيد الله وكل الاحتمالات فيها واردة فربما ينجب من يظن انه عقيم بالعلاج وربما يمن الله عليه بالشفاء، مؤكدا ان عدم الانجاب ليس من مبررات التطليق لانه سبب غير مستديم ولا دخل للزوج فيه.

* الأمومة

وفي المقابل أكد الدكتور عبد المعطي بيومي وكيل اللجنة الدينية بمجلس الشعب المصرى ان الزوجة في هذه الحالة مخيرة في طلب التطليق لرغبتها في الأمومة والانجاب او البقاء مع زوجها بارادتها واقتناعها.

مشيراً الى ان بعض الفقهاء اعطوا للمرأة التي تزوجت من رجل لا ينجب الحق في الطلاق في حين ذهب فريق آخر من الفقهاء الى ان عدم الانجاب ليس مبرراً لطلب الطلاق مادام الزوج صالحا للمعاشرة الزوجية ولا يعانى عجزا جنسياً.

وقال اما اذا كان الزوج عاجزا عن المعاشرة فيحق للزوجة طلب الطلاق حتى لا تقع في الحرام في حالة استمرار هذا الزواج، موضحا ان الزوج اذا كان يعلم عجزه عن الانجاب قبل الزواج فيجب ان يخبر الزوجة ولها الحق في ان توافق على الزواج منه او ترفض فاذا تعمد اخفاء هذا العيب فللزوجة الحق في طلب الطلاق.

واشار الدكتور بيومى الى انه يفضل ان تخير الزوجة التي يعانى زوجها من عدم القدرة على الانجاب بين التطليق او البقاء معه حتى لا تحرم من الانجاب والامومة التي هى ثمرة الزواج في الحالات الطبيعية ونحن نعلم اهمية الانجاب لكل من المرأة والرجل.

وان المرأة تجد في اطفالها نفسها وحياتها اما في حالة عدم الانجاب فقد تتعرض لليأس والاحباط فتسيء معاملة الزوج وتفتقد العلاقة الزوجية المودة والرحمة.

Email