في بلادهم

رمضان يحتفظ بطقوسه في دمشق القديمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يرتبط رمضان في أذهان السوريين بمجموعة من المظاهر لا يمكن التفكير بشهر الصوم من دونها، فبالإضافة إلى تحول دمشق إلى سوق كبرى هناك مشكلة الاختناقات المرورية وتعطل حركة السير، وظهور مهن مرتبطة بالشهر الفضيل تنتهي مع نهايته وتعود للظهور مع عودته.

نكهة رمضان في أحياء دمشق القديمة مازالت كما هي منذ مئات السنين، قبل الإفطار تنتشر على جوانب الطرق طاولات باعة الخبز «المعروك» ورقائق «الناعم» المرشوشة بدبس العنب، وبائعو شراب العرق سوس والتمر هندي والتوت الشامي، أما مطاعم الحمص والفول فتعمل بأقصى طاقتها لأن طبق الفول والفتة الشامية هما المفضلان بعد صوم يوم كامل.

من الأكلات الأثيرة في رمضان سلطة الفتوش التي تتفنن النساء بصنعها ووضع الأعشاب المناسبة بمقاديرها الصحيحة، حتى إذا غادر الشهر المبارك لم يعد لهذه السلطة من وجود على الموائد رغم بساطة صنعها وتوفر المواد اللازمة لخلطتها، ولكن لابد من الاحتفاظ بشيء خاص للشهر الكريم والفتوش إحدى هذه الخصوصيات.

وشهر رمضان في دمشق موسم ينتظره الباعة ويستعدون له جيداً، فتجار الأطعمة يخرجون أحسن ما عندهم وباعة الألبسة يعرضون جديدهم لأن المشترين يبدأون بالتسوق مع مطلع الشهر استعداداً لعيد الفطر المبارك الذي تقتضي الأعراف أن يرتدي فيه الناس ثيابا جديدة.

طقوس رمضان في دمشق قديمة قدم الإسلام في هذه المدينة العريقة، وقد احتفظت بها إلى سبعينيات القرن المنصرم قبل أن يغزو التلفزيون البيوت ويستحوذ على اهتمام الجميع.

يذكر الكاتب منير كيال في كتابه «ياشام» أنه في ليلة الثلاثين من شعبان كان القضاة والعلماء والوجهاء يجلسون في المسجد الأموي خلال الساعات التي يتوقع فيها ظهور هلال شهر رمضان لإعلان الصيام، وكان القاضي الشرعي .

مجلسه في دمشق يبقيان في المحكمة الشرعية حتى ساعة متأخرة من الليل بانتظار من يثبت مولد هلال الشهر، فإن كان الإثبات فإن القاضي يتأكد من الشهود عن حقيقة مولد الهلال من حيث شكله وحجمه واتجاهه ومكان المشاهدة ووقتها، فإن توافق ذلك مع الميقات والشكل الفلكي للهلال يجري التشاور في مجلس القاضي ويعمم ذلك، وتنار المساجد ويخرج المسحرون للبشارة، وينفض الوجهاء كل إلى حيه ليبادر المنادون بقرع الطبول وإعلان الصوم.

ويذكر الكيال أنه بعد ثبوت الشهر يتوافد العلماء ومشايخ الطرق الصوفية والوجهاء إلى دار نقيب الأشراف للمباركة، ويتزاور أفراد العائلة الدمشقية للتهاني والتبريك ويكون أول لقاء لهم عند إعلان مولد الهلال لدى مجلس عميد الأسرة، فيقبلون مهنئين مباركين يلي ذلك المباركة لبقية الأهل والجوار والصحب.

أما النسوة فيتبادلن التهاني عصر كل يوم إلى قبيل المغرب ويقمن ليلة إثبات مولد الهلال بزيارة الأسر المنكوبة بوفاة عزيز عليها ويذهبن إلى المقابر لزيارة الموتى عصر اليوم الأول من شهر رمضان.

ومع إعلان الشهر تظهر أنواع الخبز «المعروك» و«المنقوش» و«مشطاح الجمل» و«الجرادق» وتحفل موائد الإفطار بالأكلات الدمشقية العريقة مثل «الباسمشكات» و«الششبرك» ويتبادل الجيران الأطعمة فتغنى الموائد بأنواع عديدة من الأطعمة.

وكان الدمشقيون القدماء يضعون التمر هندي والعرق سوس ومنقوع قمر الدين والتوت الشامي واللبن العيران في أباريق شفافة حول «البحرة» في صحن الدار، في جو ممزوج بعبق أشجار الليمون والكباد والنارنج وينتظر الجميع موعد الإفطار حيث كان ينطلق من ساحة المهاجرين صوت مدفع الإفطار الذي كان يحمل على عربة عسكرية ليستقر في سفح قاسيون طيلة الشهر المبارك.

هذه المظاهر والعادات لم تختف كليا ولكن حلت محل بعضها عادات جديدة نتجت عن تطور الحياة، فالحكواتي الذي كان رجال الحي يتحلقون في المقهى حول روايته للسير الشعبية تم استبداله بالتلفزيون حيث بات يستعد هو الآخر لشهر رمضان على مدار السنة.

دمشق ـ تيسير أحمد

Email