تأملوا معي هذه القصة: سقط حصان أحد المزارعين في بئر عميقة ولكنها جافة، صهل الحيوان طويلاً من شدة الألم، والمزارع لا يحرك ساكناً لشدة حيرته، وراح يفكر كيف يمكنه استعادة حصانه، لكن لم يستغرق الأمر طويلاً كي يُقنع المزارع نفسه بأن الحصان قد أصبح عجوزاً، وأن تكلفة استخراجه تقترب من تكلفة شراء حصان آخر، هذا إلى جانب أن البئر جافة منذ زمن طويل وتحتاج إلى ردم بأي شكل.
وهكذا، نادى المزارع جيرانه وطلب منهم مساعدته في ردم البئر كي يحل مشكلتين في آن واحد، التخلص من البئر الجافة ودفن الحصان العجوز. فحمل الجميع معاولهم وبدأوا في جمع التراب والنفايات وإلقائها في البئر.
أدرك الحصان حقيقة ما يجري فأخذ يصهل من القهر، غير أنه انقطع عن الصهيل بعد مدة وجيزة، فدهش الجميع لانقطاع صوت الحصان فجأة، نظر المزارع داخل البئر وقد صعق لما رآه، فقد كان الحصان مشغولاً بهز ظهره كلما سقطت عليه الأتربة فيرميها بدوره على الأرض ويرتفع هو بمقدار خطوة واحدة لأعلى!
وهكذا استمر الحال، الكل يلقي الأوساخ إلى داخل البئر فتقع على ظهر الحصان فيهز ظهره فتسقط على الأرض، حيث يرتفع خطوة تلو خطوة إلى أعلى. وبعد الفترة اللازمة لملء البئر، اقترب الحصان من سطح الأرض، حيث قفز قفزة بسيطة أوصلته إلى سطح الأرض بسلام.
أليست حال الحصان تشبه حال الشعوب التي تُؤكل لحماً وتُرمى عظماً؟ أليست حال الربيع المستيقظ في أرجاء المنطقة؟ المنطقة التي سارت نحو البئر الجافة فلم تسعفها حكمة جلاديها، تلك الحكمة التي ترى مصالحها فقط، فتقتل شعوبها وتدمر بلدانها، وكأن تلك البلدان مجرد مزارع خاصة.
لم تفلح محاولات المزارع في قتل الحصان، لكن الحصان ساعد في ردم البئر، وهنا تكمن قيمة الحكمة، رغم كل المساعدة التي تلقاها المزارع الجحود من جيرانه، لم يدرك أن ما فعله كان خطأً جسيماً، ترى كيف للحصان الطيب أن يقدم ظهره لأثقال المزارع بعد اليوم؟ وكيف للشعوب التي تعرف قاتلها أن تحني ظهرها من جديد؟