السينما السعودية أعمال توهن حبوس الإبداع

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما أن تذكر السينما السعودية، حتى تثار جملة من القضايا والهموم، المتعلقة بهذه الصناعة التي تعاني التهميش والغياب في البلاد، رغم وجود مجموعة مواهب إبداعية تعمل جاهدة على تأسيس صناعة سينمائية جيدة، بمقدورها أن تكون حاضرة مؤثرة، بأفكارها وأفلامها الجيدة.

 لا تسكن أو تغيب حالة "النقاش" الحاد، في أحيان كثيرة، حول ملف السينما في السعودية. إذ نجدها تثار من جديد، بشكل لافت، مع كل تميز أو إنجاز يحققه صناع الأفلام السعوديون. ويبدو أن فوز فيلم (وجدة) للمخرجة هيفاء المنصور، أخيراً، بجائزة أفضل فيلم في المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة في الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي الدولي، أثار موجه من الجدل كبير، حول صناعة السينما السعودية، وإشكالية عدم وجود صالات عرض في البلاد.

15% ارتفاعاً

حازت السينما السعودية، وبحسب التقرير السنوي الصادر عن "رواد ميديا" للإنتاج والتوزيع الصوتي والمرئي، خلال عام 2012، على سبع جوائز عربية وعالمية.. كما ما قدمت السعودية في العام نفسه، 25 فيلماً سعودياً، لتتعزز بذلك، القائمة التراكمية السابقة، بمجموع قدره 230 فيلماً سعودياً، يتنوع في فئاته ومضمونه. وبذا يصبح حصاد الإنتاج السينمائي السعودي، في نهاية العام الماضي، 255 فيلماً سعودياً. وعلى هذا الاساس، يكون الإنتاج السينمائي السعودي، قد ارتفع بنسبة 15%، مقارنه بعام 2011، الذي شهد إنتاج 22 فيلماً.

مبادرة وطموحات

تكاد السعودية، في الوقت الحالي، أن تكون الدولة الوحيدة التي تغيب فيها السينما، بقرار رسمي، ذلك رغم وجود مشاركة سعودية بأفلام مهمة، يغلب عليها طابع: الروائي القصير، باتت تعد فاعلة في مختلف المهرجانات السينمائية، في منطقة الخليج وبقية دول العالم. ويمكن لنا أن نلمس تجليات هذا الواقع من خلال حجم المشاركات التي تلقاها مهرجان الأفلام السعودية الذي نظمته قناة روتانا، في العام الماضي.

والذي فتح الباب لإعادة ترميم بنية السينما السعودية، خاصة وأن المهرجان حظي بمتابعة واسعة من قبل المهتمين بصناعة السينما في السعودية، فضلاً عن أن البعض رأى فيه فرصة مبادرات ممكنة لانطلاق مشروعات سينمائية سعودية، تفي بغرض إذكاء آفاق تجديد الدعم الإنتاجي للأعمال السينمائية المحلية في المملكة.

 إحصاءات وحقائق

اضطر عشاق سينما سعوديون، كثيرون، في الاعوام السابقة، ومع عدم وجود صالات سينما في البلاد، للتوجه إلى المنامة لمتابعة أفلامهم المفضلة.

ووفقا لإحصاءات غير رسمية، نشرت في العام 2010، فإن 95% من رواد دور عرض السينما في البحرين، من السعوديين. إذ اعتاد عدد كبير منهم، عبور جسر الواصل بين المملكتين، ليشكل بذا، وبالنسبة للأفراد في السعودية، أقرب نقطة سينمائية. وتشير تقديرات الى أن ما ينفقه السعوديون من بوابة السينما البحرينية، يتجاوز نصف مليار دولار.

برزت في بداية العام الماضي، مجموعة أخبار تفيد بنية بعض الجهات الحكومية السعودية، دراسة فتح صالات عرض سينمائية في السعودية. وهو الأمر الذي لا يزال حتى اللحظة، حبيس الأدراج، وهنا يثار السؤال حول مدى تأثير غياب صالات العرض السينمائية على صناع السينما في السعودية؟ وكذلك : إلى أي حد يمكن أن يشكل وجودها حافزاً لهم؟

 " من الشباك"

يجيب المخرج محمد باشا، صاحب فيلم "نعال المرحوم"، المشارك في مهرجان الخليج السينمائي الخامس، عن تلك التساؤلات، طارحا في حديثه ل"مسارات"، جملة رؤى ومقترحات : "قبل الخوض في هذا الحديث، علينا أن ندرك أن السينما تختلف عن الدراما التلفزيونية، لأن الجرعة تكون أكثر تركيزاً في الأفلام من المسلسلات.

وبالتالي فتأثير الفيلم في الجمهور يكون أكبر، خاصة إذا توفرت له طقوس العرض المناسبة.. ولا شك أن غياب دور السينما في السعودية، أثر كثيراً على تطور صناعة السينما فيها، والتي انطلقت مع بداية أرامكو. وأدى ذلك إلى توقف مجموعة من المواهب السينمائية عن العطاء في هذا المضمار".

ويضيف: "رغم أن عدم توفر الدعم لصناعة السينما يمثل عقبة أمام صناع الأفلام السعوديين، إلا أن الأهم برأيي، توفير صالات عرض سينمائية. وهذه ليست رغبتي وحسب، وإنما رغبة الكثير من العاملين في المجال. وأعتقد أنه يمكن أن نحقق ذلك في السعودية طالما وجد الفيلم الذي لا يسيء للأخلاق العامة". لا يتردد باشا في الإشارة إلى أن منع السينما في السعودية جاء بناءً على أمر تنظيمي ليس أكثر.

ويقول في هذا الصدد: "أعتقد أن منع السينما في السعودية سيستمر لفترة زمنية معينة، ثم يحدث التراجع عنه بعد ذلك، حتى وإن طال الأمد، لأن السينما ستدخل السعودية من جديد، إن لم يكن من الباب فمن الشباك، كون قرار منعها تنظيميا بشكل أساسي، ولا يوجد نص ديني يمنع ذلك، فالمحرم الثابت في الدين واضح أصلاً من قبل المشرع، والسينما لا تعد محرما ثابتا. وبالتالي فهذا القرار يمكن تغييره في أي وقت".

 تهميش مقصود

يرى عبد الرحمن عايل، مخرج فيلم (نكرة)، أن الأمر لا يقتصر على أرضية مسببات وعوامل، وجود قرار في شأن منع السينما في السعودية، من عدمه. إذ إن قاعدة وبنية رعايتها والعمل على إذكاء مفاعيلها، قضايا غائبة عن ساحة الابداع في المملكة. ويشرح ذاك : "المملكة لا تولي أي اهتمام او اعتبار للسينما، فإلى جانب غياب صالات العرض السينمائية، لا يوجد هناك أي جمعية أو نقابة للسينمائيين. و

لا حتى جهة تعمل على دعم صناع الأفلام السعوديين، وهو ما يقودني إلى الاعتقاد أن السينمائي مهمش بفكرته التي يحملها، وهو ما دعاني إلى تسميه فيلمي ب: "نكرة"، والذي أحاول من خلاله، عكس الواقع الذي أعيشه تماماً. كما جهدت عبره، لتصدير رسالة مهمة. ولذلك اعده فيلماً شخصياً وواقعياً، يحمل رسالة قوية".

لا يرتضي أو يستسيغ عايل، فكرة أو طرح وجود خصوصية للمجتمع السعودي، كحجة لمنع أو أفول السينما، وذلك حسب ما يعتقد الكثيرون في هذا الإطار، ويفسر رأيه في هذا الخصوص:

"لا يوجد هناك شيء اسمه "خصوصية" للسعودية، وأرفض هذه الكلمة لأنه لا خصوصية معينة لأي مجتمع في العالم، ولكن الموجود في السعودية حالياً، في ساحة الابداع، عبارة عن تيار أحادي الرأي، تمكن من السيطرة على الاتجاه الثقافي والفكري وصادر البقية الأخرى. ولا يرى إلا ما يعتقد أنه الصواب، وهو ما مكنه من فرض وصايته على المجتمع".

ويتابع: "صناعة السينما في السعودية موجودة منذ سنوات بعيدة، ولكن حالها توقف بسبب الظروف. وأخيرا، بدأت تبعث فيها الروح من جديد، ولنا في النسخة الأخيرة من مهرجان الخليج السينمائي مثلاً جيداً، إذ شارك فيه 11 مخرجا ومخرجه من السعودية، وأعتقد أن هذا العدد جيد، في ظل انعدام توفر أي داعم أو حتى صناعة سينمائية لهؤلاء".

ويحكي مخرج " نكرة"، عن تصوره لدور صالات العرض السينمائية في السعودية، في تحفيز صناع الأفلام السعوديين: "هذه القضية لم تكن بعيدة عن صناع الأفلام السعوديين. فهم تناولوها في فيلمين: الأول : "سينما 500 كم" للمخرج عبد الله آل عياف، ويتحدث عن مشكلة السفر من السعودية إلى المنامة لمشاهدة السينما.

والثاني : "سينمانيوس"، يتناول في أحداثه أبعاد هذا القضية. وبلا شك، فإن عدم وجود صالات سينما في السعودية، أمر محبط، لأن السينما من أهم مصادر المعرفة والتنوير للشعوب في العالم أجمع..

وفي الحقيقة، لا أتمنى، أنا شخصياً، دخول السينما إلى السعودية، في ظل وجود رقابة صارمة ربما تؤدي الى اسقاط ماهية الفيلم وتشويهه، وكذا في أجواء متخمة بالحديث عن الاختلاط. والأمر الثالث، المؤثر سلبيا، التحكم في الأعمار المسموح لها بارتياد السينما، بمعنى أن يمنع الأطفال مثلاً، من دخولها".

كما يؤكد المخرج السعودي، أنه مؤيد بقوة لوجود سينما في السعودية، على غرار ونمط الموجودة في الإمارات والبحرين، بحيث يكون هناك رقابة فنية تمنع أي شيء في هذه الأفلام، يخدش الحياء، لافتا في الوقت عينه، إلى أنه ضد نموذج سينما الكويت التي تتحكم في الأفلام. وهــو ما اعتبره اعتـــداءً صارخاً على السينما.

يشير عايل، في طرحه وتعليقاته، في هذا الشأن، إلى أن السعوديين يعملون على تعويض غياب صالات السينما، من خلال انشاء مواقع الكترونية خاصة بالأفلام، مبينا أن هؤلاء لا يكتفون بالمشاهدة فقط، إنما يعملون على تقديم قراءاتهم لهذه الأفلام، بطريقة نقدية جميلة.

ولا يتغفل، هنا، تشديده على ضرورة إيجاد نقابة أو جمعية للسينمائيين في السعودية، قبل التفكير بفتح صالات السينما فيها، على أن تكون هذه النقابة أو الجمعية، تابعة لجهة حكومية تتولى الاشراف عليها، ذلك حتى تتمكن بدورها، من مقتضيات ولوازم اعمالها في الاشراف وتنظيم عمل صالات السينما، حتى لا يحدث الاعتداء على الفكرة بحد ذاتها.

Email