حكايات المجد عزفها رجال أحبوا الخير

12 عاماً على رحيل سلطان العويس

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يمكن تغطية الحديث عن سلطان بن علي العويس بشقيه، الأدبي والاجتماعي، من خلال دراسات متنوعة، كتبها العديد من الأدباء والنقاد وأصدقاء الراحل، إلا أن جانباً إنسانياً من شخصية الراحل، قلما قرأنا عنه أو وقعنا على دراسة متخصصة في إطاره، تضي ء على اهتمامه الفريد، بمنجزات اقتصادية ذات قيمة وجدوى حيويتين، كونها جسدت أعمالاً رائدة أفضت إلى تشكيل وتأسيس بنية تحتية عالية التأهيل، لمؤسسات كثيرة، لا تزال تشتغل بنجاح منقطع النظير، حتى بعد دخولنا العقد الثاني على رحيله والذي كان في الرابع من يناير عام 2000م .

 يرتبط تناول موضوع الإسهامات الإنسانية للراحل سلطان العويس، بجدلية طبيعة الإنسان في المراحل الأولى لتأسيس دولة الإمارات، أو بالجانب التاريخي لها. إذ اتسم ذلك العصر بوجود بناة عمالقة غير تقليديين، قهروا ظلام تلك الأزمنة، وتعاونوا على بناء دولة تميزت بتوازناتها وانفتاحها، بل وفي أيديولوجيتها وفلسفتها وتوجهاتها، وارتباطاتها بالمحددات الدينية وبالثوابت المنضوية في مجموعة القيم والأخلاق.

 قادة عظام

لعل من أبرز رجال تلك الفترة، مؤسس الدولة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي عرف بحكمته وببعد نظره وبتوجهاته الاستراتيجية، وأخاه ورفيق دربه، المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، المخطط الاستراتيجي والمؤسس لدبي المستقبل، الذي كان يحلم بها رائدة على كافة الصعد، وشامخة دائماً. وفي هذه المرحلة من البناء، ظهر رجال بناة، ساعدوا في إرساء دعائم ومقومات عمل ورفعة الدولة، وتحصين بنيتها التحتية، وتقوية اقتصادها وعمرانها، حتى أصبحت حضارية من الدرجة الأولى، ذلك في وقت قياسي.

 بناة حقيقيون

نذكر بعضاً من هؤلاء البناة، الذين عاصروا المغفور لهما، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، إذ وضعوا سواعدهم في خدمة الدولة، أمثال: جمعة الماجد، سعيد لوتاه، سعيد سلمان، عبد الغفار حسين، محمد سعيد الملا، غانم غباش، عبد الله مراد، عبدالله النويس.

كما يضاف إليهم، الراحل سلطان بن علي العويس، الذي كان، مبادراً فريداً على صعيد الأعمال الخيرية والإنسانية، إلى جانب كونه شاعراً متميزاً، يتسم بروح التجديد والتطوير في نهجه الإبداعي، وذلك حتى غيابه في الرابع من شهر يناير عام 2000.

 شاعر محب وحر

ومما يقوله سلطان العويس، في خصوص رؤاه وتوجهاته الفكرية والحياتية العامة : "لا فرق عندي بين الحرية والحب، إنهما لا ينفصلان، كلاهما في الصميم من كيان الإنسان، إذا أردت أن تكون حراً، فينبغي لك أن تحب، وإذا أردت أن تحب ينبغي أن تكون حراً".

 نموذج لامع

يجسد سلطان العويس، مثالاً لامعاً لعصر البناة، من زملائه ورفاق دربه، الذين كانوا رجالاً بمعنى الكلمة، بينما لم يتجاوزوا العقد الأول من أعمارهم. فكأنهم مجبولون على الجسارة والصبر والقوة، وكذا مكتوب عليهم أن يعملوا صغاراً. وفعلياً، لم يكن ترفاً في الحقيقة، أن يشتغل طفل، في التاسعة أو العاشرة من عمره، طواشاً.

ولا بد من التوضيح هنا، خصوصاً وأن الكثيرين يجهلون ما تعني الطواشة، فمع مستلزماتها وأعرافها، كان الصبي من هؤلاء، مضطراً إلى أن يرحل بسفينة صغيرة، إلى "مغاصات" اللؤلؤ، بغرض أن يشتريه، وكذا ليبيع الغواصين، ما يحتاجون من مواد تخص قوتهم اليومي، من خبز وماء، وحلويات، وغيرها.

وحدث مرة، أن سألت المذيعة في قناة "إل بي سي" ( L. B. C)، سلطان العويس عن فترة عمله في الطواشة، خلال مقابلة خاصة. فأضافت مبتسمة: "لابد أنك كنت تستمتع وأنت طواش تجمع اللؤلؤ...". ثم أردفت:" ما معنى الطواشة...؟". فأجابها، بعصبية، غير معروفة عنه: "الطواشه أكل تبن ليست مهنة سهلة، لكن المرأة لا تجد أمامها إلا اللؤلؤ البراق، فتفتن به، من دون أن تدرك المخاطر التي كان يتعرض لها الباحثون عن اللؤلؤ، من الغيص حتى الطواش، وكل العاملين في سفينة البحث عن اللؤلؤ، الحالمين بدانة كبيرة تعوضهم كل معاناتهم في بحر غادر، قد لا يعود منه العديد ممن سلكوه".

 معاناة فتصميم ونجاح

سرعان ما حقق الطواش سلطان العويس، الذي كان يحلم بامتلاك سيارة فارهة وفيلا أنيقة، وعيش حياة سفر وتنقلات، الكثير من أمنياته وأهدافه، والتي لم تنته إلا برحيله الجسدي. وكان يقول، رحمه الله، ما معناه، إن الرصيد في البنك يتضخم بالأصفار. وهكذا فإنه لم يكن يشعر بهذه الأرقام التي تصله عند كل كشف للحساب، في نهاية كل شهر، من البنك. وأراد أن يتمتع بالثروة التي يمتلكها، بشكل خاص ومغاير، ترجمه بالعطاء والإحسان ودعم مشروعات الفكر والثقافة.

وهكذا، ومهما كانت تزداد وتتنامى مستويات فوائد الأموال لديه، التي تعب وعمل بشكل استثنائي لتوفيرها، بقي يحس بحاجة إلى شيء مغاير، مع تحولها إلى أرقام وأصفار، لذا فكر في طريقة نوعية في التمتع بها. وبناء عليه، بدأ في فتح مدرسة للتعليم، ثم أخذ يسهم في بناء السدود..

وطالما استمتع بمنظر المياه المخزنة في تلك السدود، أكثر من الأرقام البنكية. كما أن مشروعاته الخيرية لم تقف عن حد أو لون معينين. وبذا وجد نفسه، رحمة الله عليه، معطاء وباذلاً للخير، خارج الإمارات، إذ شرع يقدم طاقات وإمكانات ضخمة، لنشر العلم والثقافة. واللافت أنه لم يحب يوماً، مظاهر الأبهة والفخفخة، أو الإعلان عن تبرعاته وأعماله الخيرية. فهو لم يعتد إلا العمل بصمت، بعيداً عن بقعة الضوء الإعلامية.

 شمولية وتنوع

ربما لا نستطيع، حين نعدد إنجازات سلطان العويس، على صعيد الأعمال الخيرية ودعم مشروعات الفكر والثقافة، أن نجمعها في هذه الأسطر، كونها تجسدت في مظاهر وحقول لا حصر لها، شاملة مجالات التعليم وقطاعات بناء السدود والمستشفيات. علاوة على تزويد المدارس بالحاسبات الإلكترونية، وكذا تشييد المدارس.

وإنشاء أقسام كليات دراسية متخصصة، خارج الدولة، في العديد من البلدان العربية. ولا شك أننا مهما حاولنا، حصر منجزات الشاعر الراحل، لن تسعفنا الذاكرة، لأنها كثيرة ومتنوعة، وهناك أيضا العديد منها، الذي يتعذر ذكره في جسد وحجم هذا المقال. ولكن بمقدورنا الإشارة، بوجه عام، إلى أن سلطان العويس، كان مستمراً في دعم ومساعدة الكثير من المحتاجين..

وأعرف شخصياً، حالات لا تحصى، كنت طرفاً في إيصال المعونة لها من قبل سلطان العويس، وذلك عبر إرسال مبالغ مهمة، لحاجيات العلاج لأدباء عرب، كانوا يحتاجون، حينذاك، إلى علاج مكلف مادياً واستثنائياً. واستشهد بقول لسلطان العويس، يتسق مع روحية توجهه ومواقفه على هذا الصعيد:

 أرض العروبة أرضي وهي لي وطن

وأنتم هاهنا والهم مُتّسَمُ

أرض الإمارات تلقاكم مرحبة

فيها السلام وفيها العدل والقيم

 

باع طويل وإسهامات لم تتوقف

نتبين في بحثنا واستقصائنا حول شخصية سلطان العويس، وطبيعة منجزاته، بعيداً عن فرادة تجربته الشعرية الإبداعية، أنه كان طويل الباع في الإسهام والعطاء، ضمن مختلف الميادين. فشارك بذلك في تعزيز أرضية البناء والتطوير في الدولة. ولعل من أهم أعماله، والتي تسجل له في الحياة الاقتصادية، دوره في تأسيس بنك دبي الوطني، ورئاسته مجلس إدارته سنوات طويلة حقق البنك خلالها، أرباحاً ومواقع متقدمة في عوالم الاقتصاد العالمي. وكذا أصبح أحد أبرز البنوك، على المستوى الدولي. وبات ذا شهرة عالمية، ففتح فروعاً له في عشرات الدول.

 .. الحلم حقيقة واقعية

لا أظنني أبالغ أو أجانب الصواب في إطلاق تسمية: عصر البناة العمالقة على تلك المرحلة. ولعلي أضرب أمثلة بسيطة، تدلل على هذا، وتوازي في طبيعة رفعتها وقيمتها، النجاح في بناء بنك دولي كبير ( بنك دبي الوطني). فالمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كان له من الإنجازات ما لا يتسع كتاب لحصرها، إلا أنه غيّر، حقيقة، وجه الأرض في الدولة، فصبغها باللون الأخضر، بعد أن كانت صفراء. ومن مئات قليلة لنخلات متفرقة، أوجد غابات من النخيل اكتسحت صحراء الإمارات وحولتها إلى واحات وارفة الظلال، تضم النخيل ومزروعات وأشجار أخرى، متنوعة، عرفتها المنطقة للمرة الأولى.

وأما المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، فكان بحق، يمثل البناء المثالي، الذي كان يبدأ يومه مع أذان الفجر، ليخطط ويرسم مستقبل دبي، ليفلح، نهاية، في بناء المركز التجاري، بطوابقه الـ39، وذلك في فترة صعبة، لم يكن في دبي أثناءها، أي بناء يتجاوز الطوابق الثلاثة.

إن المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، لم يكن، في جميع ما يصوغه ويرسمه، يعمل ليومه فقط، إنما كان يؤسس، فعلياً، لمستقبل أبنائه وأحفاده في دانة الدنيا: دبي. وكأني به كان يرى ما الذي سيحيط بالمركز التجاري، بعد أن كان وحيداً مزروعاً في الصحراء.

كما أنه، رحمة الله عليه، أوقع كل من يعرفه، أيضاً، في حيرة، عندما أمر ببناء مركز دناتا في وسط دبي.. وأظنه في تلك اللحظات، كان مفعماً بروح التخطيط الثر الذي يحدد أفق نهضة المستقبل كترجمة واقعية، وبذا أراد أن يكون المركز ذاك، بحق، رئيسياً وعالمياً، يوفر الخدمة لكافة شركات الطيران الكبرى، في العالم أجمع.

وقد تحقق جميع هذا مثلما أصبح المركز نفسه، جزءاً من أسطول دبي التجاري الضخم، وطيران الإمارات، الذي سيطر بجناحيه، على سماوات الأرض، شرقاً وغرباً.

 نظرة ثاقبة

يقول الشاعر الراحل محمد مهدي الجواهري :

من الإمارات عن شطآن شارقة

على الخليج تعالى صاعداً قمر

يدور في فلك الآداب محوره

فتى عويس وأخدان له غرر

 نستنتج في قراءاتنا لأبعاد وعمق الأعمال والمنجزات التي حاز فيها سلطان العويس، قصب السبق والريادة، أن الراحل كان ذا نظرة ثاقبة. وهكذا فلا عجب أن يبني، في مطلع الستينيات من القرن الـ20، معملاً للبيبسي كولا، وذلك يوم لم يكن أحد، يعرف هذا النوع من المشروبات. وآنئذ، استغرب رفاقه وإخوانه، .

هذا المشروع الذي عمد إلى تنفيذه سلطان العويس، وكذا بقي ينتظر أن يصبح أحد أهم المعامل الإنتاجية المربحة. ولا يفوتني، في هذا السياق، الحديث عما أنجزه في مجال صناعات الزيوت. وكذلك إنتاج الخبز من خلال مخابز عملاقة، تسد حاجة دولة الإمارات بكل مدنها ومناطقها. وهذا إلى جانب تعبئة المياه، وغير ذلك من المشروعات، ومن بينها المنشآت العمرانية التي استمر في تنفيذها، حتى اليوم الأخير من حياته.

 أديب عصامي

تميز سلطان العويس، بصفات كثيرة. ولكن كانت سمة التواضع، بارزة لديه، بشكل واضح، وذلك على الرغم من مستواه الاجتماعي والاقتصادي، ورغم ما ملك أو أنجز. وكان تواضعه الشديد، سبباً رئيساً، في محدودية إعلانه عن شاعريته، أو مبادرته لقراءة قصائده أمام الناس. ومن بينهم أصدقاؤه في بلاد الشام، من الشعراء والأدباء في عصره. واستمر غير معروف كشاعر بالنسبة لهم، إلى أن اكتشفوه فجأة وبالصدفة، فاحتفوا به كأديب.

كان سلطان العويس، عصامياً في حياته، وذلك بكل ما تحمل هذه الصفة من مزايا وقيم وأخلاق واجتهاد وطموح. إذ جعلته أحد الأغنياء بين الناس، على المستويين المادي والمعنوي، بما ملكه من أموال منقولة وغير منقولة، وبأعماله الإنسانية، وبتمكنه من ناصية الشعر، والتي امتطاها صغيراً وهاجر بها إلى عوالمه وشموسه، صانعاً الحياة من خلال قصائده الوجدانية والوطنية، وذلك بشكل بارز، حين جعل من المرأة وطناً، بينما ظل مسكوناً بالوطن، في أعماق دواخله. ومن ما يقوله سلطان العويس في هذا السياق:

وطني دمي ينساب بين جوانحي

فكأنه والروح فيّ سواء

لم تكن حياة سلطان العويس، سهلة، إنما امتلأت بالتحديات، وبذا علمته الصبر والمثابرة وضرورة تحقيق ما يريد بإصرار وعزيمة وثبات. كما غرست في نفسه، سمات التواضع والتسامح ومحبة الناس. وتفرد، على الدوام، بسمة لافتة، تتمثل بأنه لم يسع إلى مكانة أو منزلة أو منصب في الحكومة.

وذلك على الرغم من أن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كان يعرفه شخصياً، ويرتبط معه بعلاقات مميزة، تتجاوز إطار البروتوكول الرئاسي، لتصل مستوى علاقات الأخوة والصداقة، وتجلى ذلك في جملة مواقف وأحداث جمعتهما.

 شاهد عيان

ليس في جعبتي، في هذه المقالة، سوى إشارات، أظنها فعلياً، تحتاج لدراسة عميقة تؤهلها لتكون قادرة على سبر أغوار حياة البنائين العمالقة، الذين صنعوا تاريخ دولة الإمارات وقهروا ظلام الدرب، ليصوغوا معزوفة ارتقائها وتميزها.

وكذلك ليحققوا ما لم يستطعه الكثير من زعماء وقادة عالميين، طالما ادعوا، من دون أي ترجمة واقعية، السبق والقدرة على حرق المراحل وبلوغ أعلى المستويات.. لا بل وصل الأمر بهم، إلى الذهاب بعيداً في غياهب ومتاهات الإعجاب بالنفس والصلف، وبذا غابوا في قعر النسيان، بعد أن اختفوا من المشهد، وذاك كاستحقاق عادل نالوه على ما قدمت أياديهم بحق شعوبهم، من الإهمال والتدمير عوضاً عن البناء.

لا بد من كلمة هنا، أدلل بها على نصاعة تلك الحقائق التي أوردت، فما أحكيه ليس نقلاً لروايات سمعتها من احدهم، بل إنه تعبير صادق عما خبرته وعايشته، شخصياً، بشأن أعمال ومنجزات رجالات الإمارات المؤسسين، الذين صنعوا المجد وسطروا ملاح الثراء والتميز في تاريخ الإمارات ومستقبلها.

وأنا لم أسمع فقط عن المغفور لهما، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأخيه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. وكذلك عن إخوانهما، حكام الإمارات، بل كنت شاهد عيان، وكان لي شرف العيش في عميم خير هؤلاء القادة، وأيضا التنعم بخيرات هذا الوطن، الذي جعلوه جميلاً، كونهم أحبوه..

وهكذا حولوه إلى قصيدة شعر بديعة وسيمفونية عذبة.. إنهم فعلاً، بناة رائعون يستحقون الثناء والمحبة، على الدوام.

 مظاهر شاملة

 ربما لا نستطيع، حين نعدد إنجازات سلطان العويس، على صعيد الأعمال الخيرية ودعم مشروعات الفكر والثقافة، أن نجمعها في هذه الأسطر، كونها تجسدت في مظاهر وحقول لا حصر لها، شاملة مجالات التعليم وقطاعات بناء السدود والمستشفيات. علاوة على تزويد المدارس بالحاسبات الإلكترونية، وكذا تشييد المدارس، وإنشاء أقسام كليات دراسية متخصصة، خارج الدولة، في العديد من البلدان العربية.

 ميادين متعددة

نتبين في بحثنا واستقصائنا حول شخصية سلطان العويس، وطبيعة منجزاته، بعيداً عن فرادة تجربته الشعرية الإبداعية، أنه كان طويل الباع في الإسهام والعطاء، ضمن مختلف الميادين.

فشارك بذلك في تعزيز أرضية البناء والتطوير في الدولة. ولعل من أهم أعماله، والتي تسجل له في الحياة الاقتصادية، دوره في تأسيس بنك دبي الوطني، ورئاسته مجلس إدارته سنوات طويلة حقق البنك خلالها، أرباحاً ومواقع متقدمة في عوالم الاقتصاد العالمي. وكذا أصبح أحد أبرز البنوك، على المستوى الدولي. وبات ذا شهرة عالمية، ففتح فروعاً له في عشرات الدول.

 أسماء ومنجزات

كثير من الاقتصاديين، ورجالات المجتمع، يعدون من البناة الاساسيين في الدولة، الذين عاصروا المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، إذ وضعوا سواعدهم في خدمة الدولة، وهؤلاء أمثال:

جمعة الماجد، سعيد لوتاه، سعيد سلمان، عبد الغفار حسين، محمد سعيد الملا، غانم غباش، عبد الله مراد، عبدالله النويس. كما يضاف إليهم، الراحل سلطان بن علي العويس، الذي كان، مبادراً فريداً على صعيد الأعمال الخيرية والإنسانية، إلى جانب كونه شاعراً متميزاً، يتسم بروح التجديد والتطوير في نهجه الإبداعي، وذلك حتى غيابه في الرابع من شهر يناير عام 2000.

رجال وقصص

يجسد سلطان العويس، مثالاً لامعاً لعصر البناة، من زملائه ورفاق دربه، الذين كانوا رجالاً بمعنى الكلمة، بينما لم يتجاوزوا العقد الأول من أعمارهم. فكأنهم مجبولون على الجسارة والصبر والقوة، وكذا مكتوب عليهم أن يعملوا صغاراً. وفعلياً، لم يكن ترفاً في الحقيقة، أن يشتغل طفل، في التاسعة أو العاشرة من عمره، طواشاً. ولا بد من التوضيح هنا، خصوصاً وان الكثيرين يجهلون ما تعني الطواشة، فمع مستلزماتها وأعرافها، كان الصبي من هؤلاء، مضطراً إلى أن يرحل بسفينة صغيرة، إلى "مغاصات" اللؤلؤ،

 رؤية استراتيجية

 كان المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، بحق، يمثل البنّاء المثالي، الذي كان يبدأ يومه مع أذان الفجر، ليخطط ويرسم مستقبل دبي، ليفلح، نهاية، في بناء المركز التجاري، بطوابقه الـ39، وذلك في فترة صعبة، لم يكن في دبي أثنائها، أي بناء يتجاوز الطوابق الثلاثة.

إن المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، لم يكن، في جميع ما يصوغه ويرسمه، يعمل ليومه فقط، إنما كان يؤسس، فعلياً، لمستقبل أبنائه وأحفاده في دانة الدنيا: دبي. وكأني به كان يرى ما الذي سيحيط بالمركز التجاري، بعد أن كان وحيداً مزروعاً في الصحراء.

 الصحراء واحة غناء

لا أظنني أبالغ أو أجانب الصواب في إطلاق تسمية: عصر البناة العمالقة على تلك المرحلة التأسيسية من عمر الدولة. ولعلي أضرب أمثلة بسيطة، تدلل على هذا، وتوازي في طبيعة رفعتها وقيمتها، النجاح في بناء بنك دولي كبير( بنك دبي الوطني).

فالمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كان له من الإنجازات ما لا يتسع كتاب لحصرها، إلا أنه غيّر، حقيقة، وجه الأرض في الدولة، فصبغها باللون الأخضر، بعد أن كانت صفراء. ومن مئات قليلة لنخلات متفرقة، أوجد غابات من النخيل اكتسحت صحراء الإمارات وحولتها إلى واحات وارفة الظلال، تضم النخيل ومزروعات وأشجار أخرى، متنوعة، عرفتها المنطقة للمرة الأولى.

رجالات وإنجازات

يرتبط الحديث عن الجانب والإسهامات الإنسانية، للراحل سلطان العويس، بجدلية طبيعة الإنسان في المراحل الأولى لتأسيس الدولة أو بالجانب التاريخي للدولة. إذ اتسم ذلك العصر بوجود بناة عمالقة غير تقليديين، قهروا ظلام تلك الأزمنة، وتعاونوا على بناء دولة تميزت في توازناتها وانفتاحها، بل وفي أيديولوجيتها وفلسفتها وتوجهاتها، وارتباطاتها بالمحددات الدينية وبالثوابت المنضوية في مجموعة القيم والأخلاق.

ولعل من أبرز رجال تلك الفترة، مؤسس الدولة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي عرف بحكمته وببعد نظره وبتوجهاته الاستراتيجية، وأخاه ورفيق دربه المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم.

Email