صيد الأسماك مغامرة تتحدى الطبيعة بسلاح الصبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الصراع مع الطبيعة، ومن ثم انتصار الإنسان، أو خسارته، وتجليات النصر أو الخسارة، ومعان أخرى لا تنتهي، تجتمع برمزيتها عند صيد الأسماك.. تلك المهنة التي تعود ببدايتها، كما يؤكد الباحثون، إلى العصر الحجري، وبقيت كما هي، لكنها اختلفت بضرورتها ما بين الحاجة الملحة للحياة، والمتعة في الوصول إلى نتيجة.

 

يمارس صيادو الأسماك مهنتهم في أنحاء كثيرة من العالم. لكن، ورغم أن الغاية واحدة، وهي الفوز بأكبر كمية من الأسماك، تبقى طرقها ومصادرها مختلفة، فهناك أسماك يمكن اصطيادها من الأنهار والبحيرات والخلجان، والبحار، بواسطة الصنارات والقصبات، والشبكة.

ولكن تعدد الوسائل، لا يمكنه أن يخفي مهارة الصياد وخبرته في ممارسته عملية الصيد، واحترامه قوانين البيئة، خاصة بعد أن ظهرت الكثير من تلك القوانين والقواعد في أنحاء العالم المختلفة بهدف تنظيم عملية صيد الأسماك والحفاظ على الكثير من أنواعها المهددة بالانقراض.

ويعد صيد السمك من أقدم المهن، التي مارسها الإنسان القديم، وقد تعود تاريخياً إلى 40 ألف سنة مضت، وعند تحليل النظائر من بقايا هياكل عظمية تعود إلى ذلك الوقت، وتحديدا من شرق آسيا، ظهر أن الإنسان كان يصطاد أسماك المياه العذبة، ويقال ان نهر النيل القديم كان مليئاً بالأسماك التي كانت غذاء رئيساً لعدد كبير من السكان المصريين.

 

معدات متنوعة

هناك معدات مختلفة تستخدم في الصيد، منها القصبات التي تصنع بأطوال وأوزان وأشكال متعددة، وتصمم كل قصبة لتستخدم مع نوع معين من الصنارات ذات البكرات، فالقصبة التي تستخدم طعم الذبابة الاصطناعية، وتستخدم مع بكرة الذبابة الاصطناعية، وتختلف القصبات أيضاً في مرونتها التي تتراوح بين اللدنة والصلبة، ويستلزم صيد الأسماك الكبيرة قصبات ذات مرونة عالية.

وإلى جانب القصبات هناك البكرات المتعددة الأنواع أيضاً، ومنها البكرة الدوارة التي لها مسلكة مفتوحة مثبتة على مقعد خاص في وضع رأسي مواز للقصبة، ولا تدور المسلكة إلا عندما يتم إلقاء الخيط أو استعادته، فللبكرات الدوارة مقبض لجمع الخيوط، وهناك أداة تسمى القابض تلف الخيط حول المسلكة، وتتحرك المسلكة داخل إطارها وخارجه بحيث يلف الخيط بشكل متساوٍ، ولا تدور المسلكة نفسها إلا عندما تجذب سمكة الخيط في اتجاه معاكس للسحب.

أما البكرات المتعددة فتستخدم بشكل أساسي في صيد الأسماك على شواطئ البحار أو البحار المفتوحة، وهي مجهزة داخلياً بطريقة تجعل المسلكة تدور، من مرتين إلى أربع مرات، عند إدارة مقبض البكرة مرة واحدة. وهذا ما يجعل البكرة ذات مرونة في استعادة الخيط، وتزود البكرات المتعددة بما يسمى بناظم سحب النجمة أو الرافعة.

والذي يمارس ضغطا أكبر أو أقل على السمكة التي تعلقت بالخطاف. والبكرات الملقية للطعم لها مسلكة عريضة توضع أفقيا عبر مقعد خاص بها، وللبكرة مقبض يدور لإطلاق الخيط واستعادته وتدور المسلكة عدة دورات في كل مرة يدور فيها المقبض مرة واحدة. ويمكن أيضاً الاعتماد على القصبة العادية بدورة بكرة.

ويكون فيها الخيط مربوطا في طرف القصبة ويساوي في طوله طول القصبة نفسها. وعند استخدام الخيوط تختلف أساليب بالصيد، وتتكون الخيوط عادة من الألياف الاصطناعية مثل الهيلون أو الداكرون، ويصنع بعضها من ألياف كثيرة مجدولة أو مغزولة معاً، بينما تتكون الأخرى من خيوط ذات طاقة واحدة، وتتميز هذه الخيوط بالمتانة وخفة الوزن، وكثيرا ما تستخدم الخيوط المجدولة مع بكرات الذبابة الاصطناعية، وتعد أثقل وزنا من الخيوط ذات الطاقة الواحدة.

ويعد هذا الوزن الزائد أساسيا في إلقاء الذبابة الاصطناعية لأنه يساعد على حمل الخيط بخفة في الهواء. وتقدر الخيوط بالأرطال، وهو الوزن الذي يمكنها رفعه دون قطعها، ويتوقف وزن الخيط المستخدم وقوته على كل من حجم القصبة والبكرة، ونوع الأسماك المراد صيدها.

أما شراك الأسماك فهي وصلات خيطية مصنوعة من مادة اصطناعية أو معدنية، ويتصل الشرك بطرف الخيط، ويثبت فيه خطاف، وتستخدم الشراك الاصطناعية ذات الطاقة الواحدة مع الخيوط المجدولة لأنها تتيح اتصالا أقل ظهورا بين الخيط والخطاف، بينما تستخدم الشراك المعدنية عند صيد الأسماك، حادة الأسنان أو ذات القشور الصلبة، والتي يمكن أن تمزق الخيط، وتتراوح الشراك في طولها، بين أربعين سنتيمتراً وأربعة امتار، ويمكن تثبيت الشراك في الخيط بوساطة أداة تسمى الدوار. ويسمح الدوار للشراك بالدوران بحرية، ومن ثم يمنع التفاف كل من الخيط والشرك.

وربما تستخدم الأثقال الرصاصية، وتتصل بالخيوط أو الشراك، وتقوم بتغطيس الطعم والإبقاء عليه في الماء، ويختار الصائد بالصنارة، الثقل الرصاصي الذي يكفي وزنه للحفاظ على الطعم عند العمق المرغوب فيه، كما تعطي الأثقال الرصاصية أيضاً وزناً إضافياً للخيط، مما يساعد على إلقائها لمسافة أبعد، وتصنع الأثقال الرصاصية بعدة طرق مصممة للمياه ذات القيعان الصخرية، أو الطينية أو الرملية، ويتراوح وزنها ما بين 1.8 غرام و1.4 كيلوغرام.

ومن الطرق المتبعة في الصيد العوامات، والتي تحتفظ بالطعم معلقاً في الماء، وتصنع من الفلين، أو البلاستيك، أو من مادة أخرى يمكنها الطفو على سطح الماء. ويمكن أن تملأ بعض العوامات جزئياً بالماء، لتكتسب وزناً إضافياً عند إلقائها، ويتوقف تحديد المسافة المطلوبة من الخيط فيما بين العوامة والطعم، على العمق الذي يتعلق عنده الطعم، إذ تتذبذب العوامة لأعلى وأسفل، عندما تعضه سمكة الخطافر. أما الخطاطيف فتصنع بأحجام مختلفة وبمئات الأشكال. ويتوقف صنع الخطاطيف، وشكلها على عدة عوامل، منها : نوع أدوات الصيد المستخدمة، حجم الأسماك المرغوب صيدها. وأما الطعم فقد يكون طبيعياً أو اصطناعياً.

 

الطُعم

يتغذى على الطعم الطبيعي، معظم أسماك الماء العذب والمالح، وبشكل أساسي الأسماك الصغيرة، ولذا فإن سمكة صغيرة حية مثبتة في خطاف صنارة ما، تعد من أفضل أنواع الطعم الطبيعي. ولأن الأسماك تتغذى أيضاً بحيوانات مثل الديدان وجراد البحر والجراد والضفادع، تستخدم هذه جميعها طعوماً حية في صيد الأسماك من الماء العذب. وقد يستخدم كل من سمك الانقليس والديدان الساكنة والجمبري في صيد الأسماك من المياه المالحة.

 

ويمكن صيد الأسماك بوساطة الطعم المقطوع الذي يتكون من قطع أسماك ميتة، وربما يستخدم الصيادون بالصنارات، الجبن وبيض الأسماك، وعجين الخبز. وأما الطعم الاصطناعي، فيتكون من مجموعة من الأشياء، تسمى الشراك.

وهي تشبه بعض الشراك الطبيعية، وخلافاً للطعوم الطبيعية، فإنه يمكن إعادة استخدام الشراك الاصطناعية، ويمكن رميها لمسافات بعيدة وبقوة شديدة، وتصمم أنواع أساسية من الشراك، تعتمد على الذباب والقراص والدوارة والملاعق، وتتميز شراك الذباب بأنها خفيفة الوزن، وتصنع من الريش أو الشعر، أو الغزل القطني أو الصوفي، أو من مواد أخرى تربط في الخطاف وتشبه الحشرات، أو الأسماك الصغيرة، وهي تجذب الأسماك بألوانها وأشكالها المختلفة.

أما شراك الأقراص الخشبية والبلاستيكية فهي مصممة لتشبه السمك الصغير أو الضفادع، وتنقسم إلى نوعين، فمنها ما يطفو على سطح الماء، والآخر الذي يغطس إلى أعماق متباينة. ويكون للشراك الدوارة نصول معدنية أو بلاستيكية، تدور حول نفسها عند استعادة الشرك الدوار من الماء، وتجذب الأسماك وحركتها والصوت الذي تصدره. ويمكن استخدامها في الماء العكر الذي لا ترى فيه الأسماك الشراك عادة.

 

روايات البحر

صيد السمك وما ينجم عن هذه المهنة من مخاطر، تمثل برمزيتها الصراع من أجل الحصول على الرزق، وبالتالي التمسك بأسباب البقاء، وجسد الأدباء هذا الموضوع في رواياتهم، ولعل أشهر رواية بهذا الصدد، على الإطلاق : "العجوز والبحر " للكاتب الأميركي آرنست همنغواي، الذي كان قد كتبها في كوبا في العام 1951، لتعد في ما بعد إحدى روائعه، إلى جانب "وداعا للسلاح"، و"ثلوج كليمنجارو".

وهذه الرواية أهلت همنغواي للحصول على جائزة نوبل للآداب. ويقال عنها بأنها من أعظم الروايات في أدب البحر، إذ صورت الصراع بين الإنسان وقوى الطبيعة، وجسده في قصة بطلها العجوز مع أسماك القرش المتوحشة، ويظهر قوة الإنسان وتصميمه وعزمه على نيل أهدافه، وإمكانية انتصاره على قوى الشر والطبيعة وفقا لمقولته الشهيرة "الإنسان يمكن هزيمته، لكن لا يمكن قهره".

وتتحدث الرواية عن سانتياغو الصياد العجوز، لكن رغم ذلك لا يزال متمتعاً بحيويته ونشاطه، وهكذا بقي رابضاً في زورقه وهو وحيد، واستمر يمارس الصيد في خليج غولد ستريم، ومضى أكثر من ثمانين يوماً ولم يظفر بسمكة واحدة، ورافقه في الأيام الأربعين الأولى.

ولد صغير كان بمثابة مساعد له، لكن أهله أجبروه على قطع كل صلة بالصياد، فذهب الصغير يطلب العمل في زورق آخر. واستطاع أن يصطاد هناك بضع سمكات، منذ الأسبوع الأول. وبقي الصغير يشعر بألم كبير عند رؤية العجوز عائدا إلى الشاطئ في مساء كل يوم وزورقه خالٍ من السمك، ولهذا كان يسرع ويلملم حباله، ويحمل عدة الصيد ويطوي الشراع حول الصواري، والشراع في الرواية، والذي فسر على أنه علم أبيض، يرمز إلى الهزيمة التي طال أمدها.

وفي يوم خرج العجوز إلى البحر كي يصطاد، علقت بخيوطه سمكة كبيرة جدا، حجمها أكبر من حجم قاربه، وبدأ يصارعها عدة أيام وليال، فطفقت تأخذه بعيدا عن الشاطئ، ثم يفلح في أن يتمكن منها، ليربطها فيما بعد بالمركب ويبدأ رحلة العودة، حيث اعترضته أسماك القرش التي جذبتها رائحة الدم من السمكة، وشرع سانتياغو حينها، يصارع أسماك القرش .

والتي تنتصر في النهاية، فلا يبقى سوى هيكل عظمي ( هيكل سانياغو)، يتركه على الشاطئ، ليكون فرجة للناظرين ومتعة للسائحين. ومن الروايات العربية التي تعد الأشهر في أدب البحر، رواية حنا مينه "الشراع والعاصفة" التي صدرت عن دار الآداب في العام 2006 والتي تعد من أفضل 105 روايات عربية، حيث احتلت المرتبة 14. وتتحدث الرواية عن قصة مدينة سورية ساحلية أثناء الحرب العالمية الثانية، صور فيها مينه بطريقة مدهشة، أثر الحروب وما تركته من عواصف في البلاد التي يحتلها الفرنسيون، وأبرز التناقضات التي كانت تفترس مجتمعا غير متجانس.

ولكنها أولا قصة رجال البحر، وقصة الانتصار على الطبيعة القاسية وقصة الإرادة البشرية والمغامرة. وكان حنا مينه قد أكد في أكثر من مناسبة على علاقته الوطيدة بالبحر، إذ قال في إحدى المرات: "إن البحر مصدر إلهامي، حتى إن معظم أعمالي مبللة بموجه الصاخب، ولحمي سمك البحر، ودمي ماؤه المالح، وصراعي مع القروش كان صراع حياة. ولذلك كان بديهيا أن أطرح منذ وعيي الوجود أسئلتي على هذا الوجود، وأن أتعمد في البحر بماء العاصفة، وأن أعاني الموت كفاحا في البر وبغير انقطاع، لأن ذلك قانون من قوانين الطبيعة، أمنا جميعا".

 

صنارة السينما

ربما تعكس الأفلام السينمائية واقعا من قصص البحر وحكايا البحارة والصيادين، وحفلت السينما خلال تاريخها الطويل بهذا النمط من الأعمال، إذ تحولت الروايات إلى واقع يتحرك، مثل الفيلم القصير المستوحى من رواية "العجوز والبحر"، والذي يحمل العنوان ذاته، والذي نال الأوسكار في العام 1999. وكذلك الأمر بالنسبة لرواية حنا مينه "الشراع والعاصفة"، التي تحولت أيضا إلى فيلم سينمائي من إنتاج مؤسسة السينما في دمشق في العام 2012 .

ومن الأفلام المستوحاة من قصص الصيد فيلم "صيد السالمون"، وتدور أحداثه حول رجل يمني مهووس بسمك السلمون، يطلب منه عالم بريطاني، نقل سمك السالمون إلى صحراء اليمن، كي يتكاثر في إحدى المزارع الخاصة بتربية الأسماك أو البحيرات الموجودة في قلب الصحراء.

كما أنتجت الكثير من الأفلام الوثائقية، التي تظهر للمشاهد عالم الكائنات البحرية، وأكثرها الأسماك بأنواعها، مثل : سلسلة عالم البحار، عالم المحيطات.

 

للصيد ألوان

رسم الفنانون صيادي الأسماك في لوحاتهم، واقتصروا في رسومهم أحياناً، على السمك فقط، ويوجد الكثير من اللوحات القديمة التي تعكس مشاهد لا زلنا نراها في واقعنا المعاصر، مثل لوحة "بائع السمك" للفنان أدريان فان أوستاد، والتي رسمها ما بين عامي 1660 و1670، وتوجد اللوحة الزيتية المرسومة على قماش بقياس 26 29 سم في متحف الفنون الجميلة في هنغاريا، وكذا لوحة "زورق الصيد" للفنان آلان سيليتو.

ومن اللوحات الشهيرة التي رسمها الفنانون عن الصيد، لوحة صيد السمك للفنان المصري عبد الهادي الجزار، والتي بيعت خلال مزاد كريستيز الأخير الذي أقيم في دبي. ولم ينسَ السودانيون الرسم خلال مهرجان صيد السمك الذي يقام سنوياً في البلاد.

وربما يستغني الفنان عن فكرة الصيد ويبقى على السمكة التي تجسد أفكاراً مختلفة بالنسبة له، وبهذا الخصوص قال الفنان العراقي هادي ماهود، حول حضور السمكة في لوحاته بشكل مستمر، إنها تعني المرأة، وتحديداً الجنوبية، ففي الجنوب ينعتون المرأة بالسمكة.. وأضاف: " أنا كفنان بدت لي المرأة سمكة، ومع ازدياد الوعي لدي، والخبرة، أصبحت السمكة هي الإنسان المطلق، وأتصورها كونها المرأة حبيبة للرجل".

بينما اعتبر الفنان السوري يوسف عبدلكي رؤوس الأسماك المقطوعة التي رسمها، بأنها الكائن الوحيد الذي يشعر رغم موته، بأنه حي، من خلال حدقة عينيه، ذلك في نظرة فلسفية رائعة، وكأن السمكة ترفض موتها.

وقد يتجاوز الصيد والأسماك، فكرة الرسم إلى فكرة الاعتماد على البقايا في إنتاج عمل فني، كما فعلت الفنانة الأوكرانية إلينا زورافزكايا، التي صنعت لوحات مدهشة من عظام الاسماك وقشورها، ولم تقف عند هذا الحد، بل استخدمت عيونها في بعض الأحيان. ويقال انها أول فنانة تستخدم عظام السمك في صنع اللوحات الفنية، وقامت في هذا المجال بتطوير طرق خاصة لتسهل التعامل مع هذه العظام الرقيقة، وتصنع لوحات في غاية الاتقان.

وذهب الفنان التشكيلي اليمني شوقي محمد عبدو الى ابتكار لون جديد في الرسم، يعتمد على خامات جلد سمكة القرش، ليدخل في تكوين لوحاته الفنية، وقال عن هذا، إنه استخدم جلد القرش كفكرة جديدة في الرسم، بعد تمليحها وتجفيفها وتليينها وتشكيلها وفقاً لتعبيرات اللوحة، مع إضافة الألوان المناسبة لها.

 

السمكة الرمز

منذ زمن عشتار، ومنذ أن كانت تصدح الأغاني الفرعونية، كان هناك حضور دلالي للأسماك في الأشعار الغزلية والخصوبة، وهذا ما يفسره البعض بعيش الأسماك في طبيعة غامضة وخطرة بالنسبة للإنسان القديم. . وفي حضارة بلاد الرافدين دلت الأسماك على الخصوبة، وربما ظهر هذا في الأغنية التي تخاطب فيها المرأة حبيبها قائلة:

 دعه يهدي إلي سمكة شبوطة سمينة. وجاء في الأغنية الفرعونية:" قلبي يثب من مكانه مثل السمكة الحمراء". وفي قائمة الآلهة المصرية ظهر اسم "حات محيت": ربة الأسماك، على هيئة سمكة، او امرأة تحمل رمز السمكة فوق رأسها. وفي الثقافة السلتية واليونانية الشرقية، ظهرت الاسماك كرمز للحياة والخصوبة والتكاثر.

وكانت السمكة شعارا للديانة المسيحية، إذ تعني باليونانية القديمة سمكة.. وشكل السمكة استخدمه المسيحيون الأوائل كشعار سري ليتعرفوا على بعضهم، من دون التعرض للمضايقات من الوثنيين، ذلك قبل اعتماد المسيحية ديانة للامبراطورية الرومانية.

وفي الاسكندرية أيام الإغريق اقترح المسيحيون أن يكون لهم شعاراً يميز المؤمن من غير المؤمن المسيحي من غير المسيحي، وخيروهم بين شعار السمكة أو الصليب فوقع الاختيار على السمكة، ولم يستخدم الصليب كما اليوم، وكانوا مقتصرين على السمكة التي تمنحهم البساطة والسهولة عند الاستخدام، ولكن في القرن الرابع أصبح الصليب الشعار المفضل عند معتنقي الديانة المسيحية، وغدا الأكثر شهرة، ومن بعدها بدأ شعار السمكة يختفي بشكل تدريجي ليحل محله الصليب.

وذهب مفسرو الأحلام إلى إعطاء السمكة العديد من الدلالات، وتظهر في الحلم، كما يقولون، بعدة معان، فهي تدل على الرزق، وجاء في عدة كتب تفسير للأحلام بأنه إذا كان السمك في الحلم طرياً وكثيراً، يدل على الغنيمة والأموال، وأما صغار الأسماك فتدل على الأحزان، وصيد السمك من الماء الكدر يدل على الهم الشديد، أما صيده من الماء الصافي فيدل على الرزق، وغير ذلك من تأويلات ورموز.

 

 

 

« السمك في العيد »

 

ظهر عالم الصيد، بكل ما يحمل من رمزية أحياناً، ومن واقعية أحياناً أخرى في عالم الأدب والفن، وكما هو معتاد عند الاستعانة بالواقع، أن يعيد الكاتب أو الفنان تقديمه برؤية جديدة، وإنتاجه بطريقة جديدة ربما تقترب من خيال المستمع أو المشاهد، أو تبتعد عنه، ولكن لا يمكن تجاوزها كتجربة في عالم الإبداع تحتل أهميتها بالاستناد إلى أدوات وطريقة طرح المبدع نفسه. في الشعر كثيرا ما تردد مصطلح الصيد أو السمكة ومن تلك الأبيات الشهيرة ما كتبه الأديب السوري الراحل محمد الماغوط، واصفاً رغبته بأن يبتعد عن الواقع المؤلم إذ قال: "أريد أن أكون سمكة في مستنقع بعيد / سمكة في غيمة عالية تتحرك".

وفي ديوان "أنا أيضا نظرت إلى القمر" للشاعرة والروائية المغربية رشيدة مدني، والتي تكتب بالفرنسية، تقول:" أوه كم أود يا موسى/ مثل حصان مجنون/ أن أنغمس في الهياج/ دون عصي معجزة/ أن أصعد حتى حكمة/ السمك".

ونقرأ في قصيدة "عاشقة تخاف سمكة" للروائية غادة السمان : "ماذا أقول للسمكة والنورس والأزهار الصفر البرية/ واشتعال الأشواق في الأشواك الليلكية/ وكيف تصدق رمال بيروت".

ومثل ما احتلت السمكة كلمة في عنوان السمان، اختار أيضا الشاعر صادق الطريي لقصيدته عنوان "السمك في العيد".

Email