القوافل الإماراتية تاريخ حكايات محفورة على حبات الرمال

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكن الطرق معبّدة أمام القوافل الإماراتية أيام زمان، بل كانت تشق مسالكها بين شعاب البوادي دون بوصلة، وسط الرمال للوصول إلى هدفها، كان أهلها يستعينون ببوصلاتهم الغريزية، وما تختزنه ذاكرتهم من خطوط الطرق التي كانت ترسمها الرياح والعواصف التي غالباً ما تغيّر من أشكالها، كثبان رملية تأخذ شكل أقدام الجمال التي تعلمت الصبر في سبر أغوار الصحراء.

 

يعتقد الكثيرون أن الصحراء خالية من الحياة، جافة وجامدة، وهو ليس بالأمر الصحيح، لأنها شكل من أشكال الحياة على الأرض، تحتوي على كائنات حيّة، من النباتات والحشرات والثدييات والطيور. إنها كالبحر، الذي يحتوي على كل أشكال الحياة. وليست عبارة الصحراء تنبض بالحياة، على خطأ، بل تصّب في جوهر الحياة. تستحوذ قصة طرق القوافل القديمة والمدقات الصحراوية التي كانت تدب بالحركة والحياة وسط الرمال في الإمارات على الكثير من الذكريات والشجن لا سيما من طرقها بقدميه جيئة وذهاباً بين أطراف الإمارات.

 

الترحال

كانت الصحراء في يوم من الأيام نبض حياة وسط الرمال المتحركة بحسب أهواء الرياح، غير أنها اليوم تحمل الكثير من الألم نظراً لما تسبب به غياب العناية بها من اختفاء الكثير منها والجزء البسيط المعلوم منها الآن معروف بالاسم فقط، بينما غاب المضمون والجوهر فلم تعد معروفة بداياتها ونهاياتها ولا الأماكن والمواقع التي تمر بها أو أسماء الأشجار التي كان يستظل بها المسافرون أو مواقع الآبار والطوايا التي تمر عليها وتعتبر محطات استراحة للعابرين.

الباحث ناصر العبودي يقول: "قبل منتصف القرن الماضي يعتبر مجتمع الإمارات نموذجاً صادقاً للمجتمع القبلي وهناك علاقة وثيقة بين القبيلة والترحال ويمتاز أهل البادية بالمعرفة الجيدة بالطرقات والدروب والمسارات الصحراوية فقد فرضت عليهم ظروف الحياة أن يتقنوا هذا الأمر من أجل البحث عن الماء والطعام لهم ولماشيتهم".

ويقترح أن تقوم الهيئات المتخصصة ومراكز البحوث في تنفيذ مشروع علمي عن «تحقيق مسارات طرق القوافل القديمة» الذي يرمي إلى دراسة مسارات طرق ودروب القوافل القديمة التي تخترق أراضي الإمارات على مر العصور لأنها ترسم ملامح عصر متميز، عاش أفراده حياة لا تتكرر في السجل الإنساني.

ويضيف العبودي إن: «قصة هذه الدروب والمسارات ليست قصة انتقال من مكان إلى مكان فحسب وإنما تختصر بتفاصيلها علاقة القبائل العربية الوثيقة مع المكان والزمان وتشكل بالنسبة لهم معالم تنبض بالحياة وسط الصحراء الموحشة وطرق النجاة الوحيدة من حياة بائسة ووسيلة لسد رمق الجوع وشراء الملابس والمؤن". كان الطريق الدولي من أبوظبي حتى السلع على حدود دولة الإمارات مع المملكة العربية السعودية عبارة عن درب صحراوي تسلكه القوافل والمسافرون والقادمون من أبوظبي.

تتحرك القوافل ومن في حكمها من الشارقة إلى الذيد ويمرون على مناطق الزبير وطوي راشد الغربية وطوي راشد الشرقية وطوي بن حليس مشياً على الأقدام والبعض يستعين بالإبل، أما المتجه من الذيد إلى الشارقة كان الطريق يأخذ منه يومين، مشياً على الأقدام وأمامهم ماشيتهم التي ينون بيعها ويصلون بعدها إلى منطقة تسمى «الصبخة أو أم لقرط» يتوزعون بعدها حسب وجهتهم منهم من يذهب إلى عجمان وبعضهم إلى دبي ومن أراد الشارقة استمر في نفس المسار.

 

عالم القوافل

قوافل الجمال عالم يضّج بالحركة والتنقل للمسافرين والمواد الغذائية والمسافرين بين الوديان وواحات النّخيل والقرى الساحلية وأسواق المدن. وتشكّل تجارة القوافل المصدر الرّئيسي للدّخل لمعظم سكّانه، سواء لملاكها أو للمستأجرين على رعيها وتسييرها. وتمثّل الجِمال عصب حياتهم ومجال اهتمامات السكان اليومية، وهي، إذ ذاك، المركز الذي تدور في فلكه أنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية والثّقافية.

وهي علاوةً على كلّ ذلك، مدعاة للفخر وأساس لقوّة القبيلة ونفوذها! وتُشكّل المراعي الطبيعية أهمّ مصادر غذاء الجمال وقطعان الماعز. ويشكّل غزل خيوط الصّوف والشّعر مصدرًا مهمًا للعديد من الأسر، بينما يكون نسيج ألحفة وأغطية الشّتاء والشمائل والخروج والسّاحات والزرابيل أهمّ المُنتجات التي تنجزها النّساء. ويمثل إتقان مهارات العيش في منطقة تقوم في أشد المناطق في العالم قسوة ليس ضرورياً لحياة الفرد وحسب، بل يسوغ بمرور الوقت كيانه وقيمه الاجتماعية ومن ثم مواقفه وعلاقاته تجاه القبيلة التي هو عضو فيها.

ترتبط في ذاكرة الناس أن الحياة الاجتماعية في الصحراء جدباء كوحشة المكان الذي لا يجاوره غير الخواء الكامل على الأرض وفي السماء. وانعكس ذلك - حسب رأيهم - على الحياة الاجتماعية والإبداع الإنساني ونسوا أن الذاكرة العربية الخصبة بالشعر والحكايات والأساطير الشعبية هي نتاج الصحراء دون سواها وأن البادية هي مهد اللغة العربية وحاضنتها.

وعادة إرسال عرب مدن شمال الجزيرة والهلال الخصيب - حتى وقت قريب - أبناءهم للإقامة في البادية بين إحدى القبائل العربية الأصيلة لإتقان اللغة والتأدب بآداب البدو خير ما يدل على فضل البدو في ذلك المضمار. وثمة من يظن أنه لا مكان عند البدوي لإمتاع الروح في ظل صراعه الدائم مع البيئة. وهنا يخطئون أيضاً! فليالي الصحراء زاخرة بمشاهد الفرح وأطياف المرح ورواية الحكايات والأساطير الشعبية عن بطولات وأمجاد لا ينضب معينها. وعلى سفح كُثبان رمل ناصع البياض.

حيث يجتمع الصبيان والبنات للغناء وقرض الشعر والرّقص ولعبة السّاري على ضوء القمر. وهناك يصدح صوت شاعر الوادي ومُغنيه وهو ينظم الشّعر حماسياً، يصف فيه قوّة القبيلة وشجاعة رجالها، أو غزلياً يمدح الجميلات من النساء ويشيد بشرفهنّ، أو حزناً على ميتٍ، أو فرحاً في عيدٍ أو عرسٍ أو ختان. وكلّ ذلك حسبما يناسب المزاج السّائد في الوادي حينه! وعلى قرع الطّبل ترقص الفتيات ويشاركهن الصّبيان في حركاتٍ تعبيريّةٍ تعكس حياة الناس وأساليب عيشتهم ومعاناتهم من دون ابتذال، وليس في رقصهم ما يخلّ بالشرف أو يدعو لنقيصة.

وتتجمع النساء والأطفال مع معلمة القرآن لسماع الخراريف والقصص والأساطير التي تغرس في نفوس الأطفال الأخلاق النبيلة والسلوك السويّ وتحلّق بخيالهم إلى أماكن وبيئات لم يألفوها، وتشكّل في الذاكرة مدارك ومفاهيم تهيئهم، وهم في سنٍ مبكرةٍ لخوض الصراع من أجل البقاء، وأولها الولاء للقبيلة.

 

احتفالات

كما أنّ الأعياد والزواج والختان وعودة الغائب هي مناسبات لإقامة الاحتفالات، يخرج فيها النّاس بأفضل ثيابهم وزينتهم وحليهم. رّجال الصحراء يتمنطقون بالخناجر ويتشحّون أحزمة الرّصاص ويحملون البنادق والسيوف. وتتزين النساء بأفضل حليهن من الذهب والفضة، ويتبرجن بكريم عطريٍ يُصنَع محلياً ويُسمّى المحلب، كما يدهنّ شعورهن بمسحوق ورق السّدر لتثبيت تسريحةٍ تُسمّى العجفة.

ويخضبن أياديهن وأرجلهن بالحنّاء على شكل تصاميم وأشكالٍ جميلةٍ تبهر النّظر وتزيد الجميلات منهنّ جمالاً. والفرح عند البدو من دون سباقٍ للجمال لا يُعَد فرحًا! فالأعياد والزّواج والختان وعودة الغائب مظاهر فرحٍ لا تكتمل إذا لم تصاحبها عروض للجِمال تُصاحبها التّغاريد.

ذلك كان نمط حياة بعض من البدو، حياة ارتضوها لأنفسهم! لكنّ رياح التّغيير التي هبّــت على دول الخليج العربي في العقود الأخيرة من القرن المُنصرم بسبب اكتشاف النّفط أنهت، إلى غير عودةٍ، أساليب حيـــاة البدو بأشكالها كافةً، وأخذت سماتها تتغيّر وطغت على حياتهم إفرازات النّمو الاقتصادي.

وكانت أكثر التّحولات هي تلك التي ترتّبت على إدخال أساليب النّقل الحديثة. فقد شُقَّت الطّرق المُسفَلتة الصحراء وحلّت السيارة محلّ الجمل. ولم يكن بوسعهم سوى التّخلي عن نمط حياةٍ لم يعـــد يلائـــم العصر، وتحوّلت التّجمعات السّكانية تلك إلى مدنٍ صغيرةٍ "تنعم" بالمساكن الإسمنتية الحديثة والكهربـــاء والميـــاه والخدمـــات الاجتماعية.

تحولت الصحراء الإماراتية القبلة الأولى لهواة الإثارة والمغامرة، فها هي الكثبان الرملية تلوح من بعيد لكل عاشق للحظة صفاء بعيدا عن صخب المدينة، تفتح أحضانها وتقص على ضيوفها قصص وحكايات لأناس مروا من هنا وكان ضوء القمر هو مؤنسهم الجميل. يقصد الإمارات في فصل الشتاء ومواسم الأعياد، عشرات الآلاف من السياح يحطون رحالهم للاستمتاع بكثبانها الذهبية التي تغري كل واحد على الخوض في غمارها، عبر رحلات السفاري التي تربط الحاضر والمعاصرة والتراث.

وتُعرّف السياح على تقاليد الحياة في الصحراء وتحدي الرمال الذهبية على الخوض فيها عبر سيارات الدفع الرباعي بعد أن كانت الجمال هي تتحدى صعاب الرمال. فالكثير يرغب بالاطلاع على حياة البدو التي تمتلئ بالكثير من القيم والعادات والطقوس. إن سفاري اليوم الكامل يتيح للسائح فرصة عبور قرى البدو ومزارع الجِمال ومناطق الإمارات الجبلية والتمتع بالسباحة في البحيرات الجبلية والاسترخاء في أجواء الطبيعة.

ان صحراء الامارات غنية بثقافتها، وعميقة بانسانها، ومصادرها ومخزونها من العادات والتقاليد، وحتى النباتات الطبية التي شكلت ثقافة خاصة للعلاج والطب الشعبي، وفي هذا الجانب يذكر الدكتور عبد الله الطابور عن الطب الشعبي أو (الطب التقليدي) في الامارات «تجارب شعبية متوارثة في طرق العلاج والشفاء.

وهو في مكوناته يرتبط ببيئة الامارات، والفكر الانساني الذي تشكلت ملامحه الحضارية وأصوله من الحضارة العربية والاسلامية العريقة، وهو جزء من الطب الشعبي العربي الذي مر بمراحل تاريخية عديدة حتى تبلورت فنونه وخصائصه». ويضيف الطابور في هذا السياق: «فمثلا لهجة البدو في الصحراء تختلف عن لهجة (البداة) في الجبل. وتلك اللهجتان تختلفان عن لهجة أهل المدن ـ الحضر».

ومن هذا التنوع في البيئة ونمط السكان نجد تنوعا كبيرا في التراث الشعبي والعادات والتقاليد، وكذلك في الطقوس العلاجية القديمة وفي مفردات اللهجة المحلية الدارجة سواء الشعبية بمفهومها العام وما تحتويه من ألفاظ ومصطلحات طبية، والتي هي أصلا لهجات عربية تشكلت نتيجة لعامل التفاعل والاحتكاك الانساني في المجتمعات القروية الصغيرة.

وكذلك في مجتمع المدينة الكبير. أو الشعبية بمفرداتها الدخيلة على العربية والمحلية كالانجليزية والتركية والبرتغالية والهندية والفارسية والافريقية «السواحلية» حيث توجد في لهجة الامارات العامية الكثير من المفردات الاجنبية والتي أصبحت جزءا لا يتجزأ من اللهجة المحلية المتداولة في السنوات السابقة، حتى أننا نجد هنالك مفردات طبية غير عربية الا أن استخدامها المحلي أعطاها طابعا خاصا وميزة ولونا معينا له دلالاته ومفهومه.

 

الفروسية والصحراء

تُعد الفروسية إحدى أقدم وأعرق الرياضات التراثية، هي أيضاً الأكثر نمواً، فمن تزايد شعبية لعبة الباتو الأرجنتينية التي تستخدم فيها الخيول وتجمع بين عناصر من البولو وكرة السلة، إلى إعادة اكتشاف الخيول القزوينية وتربيتها في المزارع، وازدهار لعبة الإكروبات على الخيول، تزداد شعبية جميع النشاطات المتعلقة بالفروسية في جميع أنحاء العالم. كل هذه العناصر التي تتضافر لكي تشكل ما يمكن أن يسمى «ثقافة الصحراء» هي المعين الذي نهل منه العديد من أدباء الإمارات قصائدهم، وكذلك فعل الرواة في حكاياتهم المتوارثة، فضل عن الخبرات العريقة التي يتوارثها سكان هذا المكان الأصيل.

منذ عهد شعراء المعلقات، ومنذ أن أطلق طرفة ابن العبد الجاهلي قصيدته المشهورة:

لخولـــة أطـــــال ببرقـــــــة ثهمـــــــد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

وقوفا بها صحبي على مطيهـــم يقولــــون لا تهــــلك أسى وتجلـّـد

جــــــــــازت البيـــــد الى أرحلنـــــــــــــــا آخــــــــر الليــــــل بيعقـــــــــور خــــــــدر

 

في باب الفخر، متذكرا فضاءات الصحراء الجميلة التي تضم نسائم محبوبته، كانت الصحراء وما زالت احدى أهم مفردات المكان، بما يملكه من مخزون ثقافي وسحر وأفق رحب يتملكه الخيال والجمال والمشاعر الانسانية الرقيقة في خلق تلك الصلة الحميمية الجميلة مع أصحاب الكلمة الشعرية، بل ألقت الصحراء بظلالها وتجلياتها وروحها على انتاجهم، بموازاة ذلك لم يكن الشاعر الاماراتي بعيدا عن هذا المناخ الصحراوي البديع بما يضمه من رمال ومياه ونخيل ورياح وصيد، وبراري واسعة وجبال وعرة.

وصخور وطيور جارحة ونجوم وسماء صافية وقوافل ونيران تشتعل في ليالي السمر ونيران أخرى تشتعل في قلوب المحبين، تشكل بمجملها مخزونا ثقافيا يشكل حضوره اللافت في كل وقت، بل كان هذا الشاعر الذي يكتب قصيدته النبطية أو الفصيحة وثيق الصلة بصحرائه التي لم تكن كما تصورها البعض مجرد خيمة وناقة وقبيلة وبداوة وبندقية وغزوات ودماء لا تتوقف بفعل السيوف وجحافل الخيول، لقد كانت ثيمة الصحراء المتجددة في قصائد شعراء الامارات ثقافة صحراوية ومجالس أدبية تتسم بروح البداوة وصفاء الروح،.

وحكايات شعبية، وأصالة الانسان وتقاليده وموروثه الشعبي الذي لا ينفصل عن بيئته بكل حمولاتها. وبذلك نجحوا في الرسم على رمال الصحراء الذهبية معان نسجوا منها خيوطا وجدائل ومعان تفصح عن علاقة الانسان البدوي بارضه ووطنه، لتصبح الصحراء بذلك معادلا موضوعيا للوطنية الصافية، والارتباط الوثيق بالبيئة والمكان والحياة في شكلها الرحب الفسيح.

ان خصوصية متخيل الصحراء كمكان يشكل بمجمله، صيغة وصفية لنصوص وثيقة الصلة بروح المكان وعمق فهم الشعراء لهذه الخاصية التي هي أصل المدنية وانطلاقتها. ان لثقافة وثيمة الصحراء في الشعر أدب وجمال خاص.

واذا اردنا التحدث عن هذا المجال الواسع لا يمكننا الا الوقوف عند استخدام المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، الذي فتّش عن ذاته في مجتمع الصحراء، فتعلم الفروسية والقنص، مستمدا من قسوة الصحراء شجاعة وقوة انعكست على العديد من قصائده التي اتسمت مفرداتها ومعانيها بابراز القيم الرفيعة، وأصالة المجتمع البدوي وتقاليده وثقافته المتشكلة أساسا من مدرسة الصحراء، ومن جملة القصائد الشهيرة التي نظمها الشيخ زايد مستفيدا فيها من أجواء «القنص» في الصحراء، قصيدة بعنوان «يا طير وضبتك بتدريب»، يقول فيها:

يا طـير وضبتـك بتدريـــب أبغــى أصـاوع بــك هــــدادي

لي طــارن الربد المهاريـب لي ذايـــــــرات مــن العــــوادي

خل الهبـوب تروح وتييـب ريش شعيع عقب المصادي

 

بمقابل ذلك نجد أن كثرة من الشعراء قد استفادوا من قيمة وأهمية الصحراء في وصف الأشخاص ومدحهم ومن بينهم الشاعرة «بسيمة سليم عرب» التي مدحت الشيخ زايد «رحمه الله» بقصيدة بعنوان «قائد الفرسان» ومما جاء في الوصف:

يا قاهر الصحراء حسبك رفعة جوّلتهـــا تزهـو على البستــان

أمست امارات يباهــي شأنهـا مجدا تتيه بـــه على البلــــــدان

 

وربما يكون الشاعر الدكتور مانع سعيد العتيبة من أكثر شعراء الامارات غزارة في نظم القصائد التي نهلت من فضاءات الصحراء الكثير، وبخاصة تلك الفنون التي اتسمت بها رياضة القنص بالصقور، ورياضة الفروسية، والابل وما تحفل به من تقاليد شعبية وروح انسانية تكشف عن ثقافة خاصة يتمتع بها محبو هذا اللون من الرياضات، ومن ذلك قوله:

وسيسمع الليل الطويل قصائدي وتعيد لي الصحراء رجع حذائــــي

فـاذا قبّلـت شهيــد حبـك فلتكــــن هذي القصائد في الغداة رثــائي

 

شجرة الغاف .. رمز الصحراء

 

من الدروس المستفادة من ثقافة الصحراء، ذلك الارتباط الوثيق بين أهل البداوة وشجرة الغاف التي تسجل اليوم رمزا للصمود الصحراوي، بما جعلها موضعا للتقدير والتكريم والاحترام باعتبارها رمزا وطنيا، له مكانة عظيمة في التراث المحلي، والحياة العامة، وقد حظيت هذه الشجرة العظيمة بوصف نادر من قبل الدكتور خليفة عبيد بن دلموك الكتبي الباحث من المنطقة الوسطى بالشارقة، اذ وصفها بالشجرة الديموقراطية في الامارات إذ درجت العادة في المساء أن يتوسط كل شيخ من شيوخ القبائل مجلسا تحت أشجار الغاف، ويعتبر بمثابة منتدى حر لأبناء القبيلة، يتناقلون الأخبار ويناقشون أمورهم المهمة، وتروى في جلسة الحضور الحكايات والطرائف.

 

 

 

الكوني والصحراء

 

اتخذت الصحراء في الأدب العربي المعاصر، موضوعاً روائياً بما تحويه من دلالات مكانية وتاريخية وحكائية وفضاء يتسع للحكاية الأسطورية والخرافية وهذا ما نجده واضحاً عند الروائي الليبي إبراهيم الكوني الذي اتخذ من الصحراء عالماً لتسطير رواياته الكثيرة وحتى قصصه القصيرة، فالصحراء صور تخيلية خصبة تعزز قدرة الكتابة والاستمرارية كونها مليئة بالحكايات والخرافات والصور الشعرية، والشيء المميز الذي قدمه الكوني هو قدرته المتفردة في نقل الأسطورة والحكاية الشعبية والشفوية والخرافية وقصص الطوارق والخرافة إلى رواياته.

Email