الحاسوب والفنون البصرية علاقة ملتبــسـة نحو نتائج متحركة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يعد الحاسوب شيئاً كمالياً في حياتنا المعاصرة، يمكن تجاوزه، أو الإشاحة عنه، أو إهماله، أو الاستغناء عن خدماته، فقد صار هذا الاختراع المدهش والعجيب، الساعد الأيمن للإنسان المعاصر، في إنجاز شؤون وقضايا وأعمال ومهام أكثر من أن تحصى أو تُعد.

 

هذا الجهاز الساحر أصبح متكأً أساساً للإنسان في تصميم وتنفيذ وإنجاز العديد من العلوم والفنون والثقافة والإعلان والإعلام والتواصل والاتصال، وحتى الترويح عن النفس، بممارسة الكثير من الألعاب والتسالي والأحاجي والمفاجآت بالصورة والصوت!!.

من جانب آخر، أحال هذا الاختراع المدهش، أجهزةً ومهناً كثيرة على التقاعد، كالآلة الكاتبة، والبريد والبرق والهاتف، ومختبر التصوير الضوئي، وحرفة الخط، وآلة الطباعة أو النسخ التقليديّة، وبعض وظائف السينما والتلفاز وآلة التسجيل والراديو والأتاري والمحمول، والأرشيف، والمكتبات الورقيّة والموسيقيّة والفلميّة، وأنواع التوثيق كافة، وأشياء أخرى كثيرة، ويبدو أن الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت على هذا الصعيد!.

 

أشكال وألوان

مع التقدم التكنولوجي المتعاظم يوماً بعد يوم، يُمعن الحاسوب في تغلغله في حياة الإنسان المعاصر، لا سيما بعد أن أصبح أنواعاً وأشكالاً وحجوماً مختلفة، فمنه الجهاز الثابت الكبير والصغير والمتوسط، ومنه المحمول (لاب بتوب) و(الآيبود) و(الآي فون) و(الآي باد)، ما سهل عملية اصطحابه واستخدامه في كل زمان ومكان.

وتالياً ازدادت وتوطدت وتعاظمت حاجة الإنسان إليه، للأسباب الآنفة الذكر، ولازدياد المهام والوظائف التي يؤديها له، في حياته اليوميّة، بمجالاتها المختلفة، غير أن علاقة الحاسوب بالفنون الإبداعيّة البصريّة التقليديّة (لا سيما العمارة والفنون التشكيليّة والتطبيقيّة والخط) تثير أكثر من تساؤل، لناحية إيجابيتها أو عدمها.

 

التصميم بوساطة الحاسوب

(التصميم بوساطة الحاسوب) عبارة متداولة بكثرة في هذه الأيام، وتعني برمجيات الحاسوب من أجل تصميم وتطوير منتج، واختباره، أو محاكاة منتج آخر. يتألف نظام التصميم هذا من معالج ذاكرة مركزيّة من أجل تنفيذ البرامــــج وإجراء التحاليــــل، إضافة إلى نظام بيانــــي لإنشاء النمـــــاذج الرسوميّة وتعديلها على الشاشة وحفظها، كما توجد وحدات محيطه لإدخال المعلومات وأخرى للإخراج مثل الراسمة والطابعة.

ويضم الحاسوب عادةً مكتبات من أجل تسهيل عمليات الإدخال والتصميم. شهدت عملية التصميم بوساطة الحاسوب تغيرات عديدة، ويعود الفضل في وضع مبدأ التصميم إلى أعمال كونز Coons في عام 1958 التي اقترح فيهـــا الانتقال من الأداة المبرمجة آلياً إلى برامـــج تصميم تتضمــن وظائف بيانيّة تفاعليّة، أما أول إشهار رسمي للتصميم بوساطة الحاسوب فيعود إلى مؤتمر سبرينــــغ جوينـــت الذي نظمه الاتحاد الأميركي لجمعية معالجة المعلومات عام 1963، وقد شهدت برمجيات الرسم بوساطة الحاسوب تطــــوراً مذهلاً، خاصـــة مع انتشار الحواسيب الشخصيّة.

وتعتبر الحزمة البرامجيــــّة (أوتوكاد AUTO CAD) التي طورتها شركــــة أوتوديسك الحزمة البرامجيّة المفضلة منذ انطلاقتهـا العـــــام 1982. يمكن بوساطة الحاسوب تنفيذ رسم صناعي ثلاثي الأبعاد، والقيام بتصميم المنشآت المعدنيّة، والتصميم المعماري، وتصميم خدمات الأبنية، وتصميم الدارات الإلكترونيّة، ومع ذلك، يعتقد العلماء أن هذه الأنظمة لم تحل بعد كل احتياجات المصمم في عمله، لذلك تُجرى هذه الأيام أبحاث مكثفة لإيجاد تقانات معونة حاسوبيّة أكثر تطوراً وشمولاً، من بينها إدخال الذكاء الصنعي في التصميم، والنمذجة الوسيطيّة والمتغيرة، والنمذجة القائمة على الميزات وأنظمة المعلومات التصميميّة.

 

الحاسوب والفنون

كغيرها، استفادت الفنون التشكيليّة والخط العربي، من الحاسوب بأشكاله وأجناسه كافة، لا سيما فنون الإخراج الصحافي، والإعلان، والفنون الغرافيكيّة بشكل عام، حيث بات هذا الجهاز، الوسيلة الرئيسة في إخراج الصحف والمجلات والملصقات والإعلانات المتعددة الصيغ والمهام. كما استفاد منه الرسم التوضيحي (الموتيف) وتصميم أغلفة الكتب، والتصوير الزيتي والمائي والنحت والحفر المطبوع، كما قام الحاسوب بإنهاء دور الخطاطين العرب في وسائل الإعلام المختلفة، بعد أن كان الخطاطون قبله يركضون مع عجلة الطباعة، ويتبارون في تجويد خطوطهم فوق أغلفة الكتب، وفوق صفحات الصحف والمجلات والملصقات.

اليوم اختلف الأمر، فقد حل الحاسوب محلهم، وأصبحت العناوين والخطوط متشابهة ومكرورة ومميكنة. في الجانب الآخر، يرى البعض من الخطاطين، أن الحاسوب قدم خدمة كبيرة لهم، حيث أبعدهم عن العمل اليومي في حقول الإعلام والإعلان والنشر والدعاية المختلفة، عندما حل محلهم في هذه الميادين، ما جعلهم يتفرغون للبحث والتجريب والتطوير والابتكار في خطوطهم، لكن المعضلة الآن تكمن في أن أجهزة الحاسوب تشوّه كثيراً الخط العربي.

وتحطم نسبه الذهبيّة، وقواعده المتوارثة، الأمر الذي أفقد الحروف العربيّة توازنها، وتناسقها، وفنيتها، وجمالياتها، هذه الحروف التي قال عنها محي الدين بن عربي إنها أمة من الأمم. والغريب أن مصممي الحروف الكمبيوتريّة لم يكونوا عرباً، ولا علم لهم بالأبعاد الاجتماعيّة، والدلالات الروحيّة للحروف العربيّة، حيث أن أغلبهم كانوا من الهنود والفرس والهولنديين، ولم يتدخل عربي واحد لتصميم حروف أمته.

هذا بالنسبة للخط العربي، أما بالنسبة للفنـــون التشكيليــــّة، فقد قدم الحاسوب إمكانات تصميميّة كبيرة للرسامين ومصممي الإعلان ومخرجي الصحف والمجلات والرسوم المتحركة والتوضيحيّة، ومصممي الشارات والشعــارات والرموز، وغير ذلك الكثير. بل وقام بعض الفنانين التشكيليين، بإنجاز رسوم ولوحات ومحفورات بمساعدة الحاسوب، تتمتع بخصائص ومقومات بصريّة مدهشة، لكنها باردة الإيحاء والتعبير.

ومختلفة كإحساس، عن الأعمال الفنيّة التي ينجزها الفنانون بوسائل التعبير التقليديّة، وبالاحتكاك المباشر بين أصابع يد الفنان، وهذه الوسائل والأدوات، حيث الميازيب مفتوحة بين توقدات إحساس الفنان وعواطفه وانفعالاته المتجمعة في رؤوس أصابع يديه، وبين ألوانه وخطوطه وكتله وأشكاله، وهو ما لا يمكن للفنان تحقيقه، في علاقته مع الحاسوب البارد والأصم.

 

 

فن التقنيات

 

فن الحاسوب هو فن يكون للكمبيوتر فيه دور في إنتاج أو عرض العمل الفني. هذا الفن يمكن أن يكون صورة او صوتا او صورا متحركة أو تثبيت معرض رسوم. العديد من التخصصات التقليدية الآن تقوم بدمج التقنيات الرقمية ونتيجة لذلك فالعلاقة بين العمل التقليدي للفن وعمل الوسائل الجديدة التي تم إنشاؤها باستخدام أجهزة الكمبيوتر كانت غير واضحة.

على سبيل المثال، الفنان قد يجمع بين الرسم التقليدي مع الفن الحسابي وغيرها من التقنيات الرقمية ومع ذلك، هذا النوع من الفن قد بدأ بالظهور في المتاحف والمعارض الفنية، على الرغم من أنه لم تثبت شرعيتها بعد بوصفها شكلا قائما بذاته وهذه التكنولوجيا على نطاق واسع في الفن المعاصر تعتبر أداة أكثر من أنها شكل من أشكال الفن كما هو الحال مع التصوير الزيتي.

إن استخدام الحاسوب حجب التميز الى حد ما بين الرسامين والمصورين، وفناني الحرف اليدوية وأدى إلى تعدد مهاراتهم وقد اصبح المصور فنانا رقميا وصانع رسوم متحركة. والحرف اليدوية قد تصبح بمساعدة الحاسوب الى توليد الصور كقالب وان استخدام مقاطع الكمبيوتر الفنية جعلت التمييز الواضح بين الفنون البصرية ومخطط الصفحة أقل وضوحا بفضل سهولة الوصول وتحرير المقاطع الفنية في عملية ترقيم صفحات الوثيقة.

وخاصة للمراقبين الذين يفتقرون للبراعة، لذلك يصنف الحاسوب بانه المارد الراكض في معلبات العصر الحديث والرابض فوق منصة المكتب والمحمول يدويا كمفكرة والذي أصبح مدينة ألعاب متسعة للأطفال ومكتبة معرفية مكتظة ووسيلة اتصال فاعلة تختصر العالم في قرية صغيرة ...

يؤكد بعض النقاد أن الفنان التشكيلي المعاصر انحاز مع العصرنة إلى محاكاة التجربة الآلية العصرية وتطويعها وانقاد إلى التلاحم مع الآلة العلمية الفنية المثيرة للعقل المحفزة له لخوض التجارب العلمية المتعددة والفنية المختلفة من خلال تعامله الآلي مع العديد من البرامج الفنية العالية الدقة ...

والتي من خلالها أعطى العديد من التجارب المبدعة والخلاقة في عالم الرؤية الفنية المعاصرة من خلال اختصاره للزمن الضائع في مهارة وتقنية، إن على صعيد الرسم الفني التشكيلي وان على صعيد الرسم الهندسي أو على صعيد الرسم التجاري أو الرسم الصناعي أو على صعيد التحديث وإعادة توقيع المشهد مرورا بعملية الإخراج الشاملة وصولا إلى المزج بين معالم عدد من اللوحات في مشهد واحد ناهيك عن التقنية المتطورة في التعاطي مع أنواع لا حصر لها من الحروفيات الخطوطية العربية والأجنبية ...

 وقد لعبت المخرجات الحديثة من طابعات وراسمات إن بالقلم أو بالحبر السائل أو بالحبر الجاف على أنواع من الورق العادي ورق التصوير العالي الجودة أو أنواع الجلد الصناعي المختلفة ... مما رفد السوق بثورة أخرى من المعطيات الفنية المتداولة بشكل واسع والتي اختصرت الكثير من الوقت... ولكنها أثرت سلبا على اليد الفنية العاملة مما اضطرها إلى التوقف أو مجاراة الحدث الصناعي الجديد واعتماد الوافد المعلب ما يسمى بالحاسوب...

الحاسوب هو الآلة التي يكتشف الانسان من خلالها كل يوم رؤية جديدة في عالم الفن وما زالت اكتشافاته المتلاحقة والمثيرة تتوالى وترسم معالم الغد في تشكيل فني عصري متطور ومتقدم بتقنية جد عالية. وهذا ما برز جليا وواضحا على يد بعض الفنانين العرب في الكثير من المعارض الفنية للوحات التشكيلية التي أنتجت بواسطة الحاسوب بمحاكاة البرامج العلمية الفنية التي انتشرت وعمت العالم.

Email