مخرجون مسرحيون يستعيضون عن النص بسيناريو العرض

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

النص المسرحي هو أساس العرض والفلسفة التي يقوم عليها العمل الإخراجي، بل من دون النص الذي يعتبر الركن الأول في سيناريو العرض المسرحي قد لا نجد مسرحاً وإن جاءت بعض النظريات الحديثة في الإخراج لتلغي النص المكتوب وتستعيض عنه بسيناريو العرض أو ما إلى ذلك...

 

الواقع الذي ظل قائماً حتى هذه اللحظة، هو وجود النص المسرحي، وأهمية اختياره بما يتناسب أو بما يحمله من عناصر نجاح، إلا أن المعادلة ما بين النص والمخرج الكاتب للعرض ظلت جدلية، فالكثير من النصوص الجيدة فقدت أهميتها ونجاحها مع مخرج رديء، وهناك نصوص لا تحمل كل مؤشرات النجاح تجلت في العرض نتيجة توافر مخرج مبدع وممثلون رائعون، وفريق عمل متجانس وقادر على تقديم عرض متميز، إذن فجدلية المعادلة ظلت بين المخرج والمؤلف هي علاقة الجزر والمد.

 

قدسية النص

أذكر أن الدكتور جواد الأسدي في مسرحية "مقهى بو حمدة" ومن خلال معايشة يومية لبروفاته المسرحية التي امتدت حوالي 150 يوماً كان كعادة كل مخرج يعيش قلقه وترقبه وتحديه لنفسه، هو كاتب النص الذي يخرجه، لكنه لم يكن يقدس ما كتب، بل هو على استعداد ليغير النص كما تمليه عليه فكرة الإخراج ومنهجه وفلسفته في العمل، كذلك كان في عمله يفتش عن شكل يتناسب مع فكرة العرض وفلسفته ورغم ثقافة د. جواد الموسوعية ودراسته الأكاديمية الدقيقة للمسرح إلا أن المراقب يجد في تجاربه اليومية دليلاً على مدى ما يحمل الفنان من قلق، ومحاولة البحث على الجديد.

وأذكر مثلاً أن جواد طلب من إدارة الإنتاج أن تغطي كل جدران مسرح خالد الذي هدم والذي كان موقعه قرب مصلى العيد في الشارقة، طلب أن تغطي جدران الصالة والخشبة بالقماش الأسود وتم له ما أراد، إلا أن العتمة الشديدة التي أحدثها هذا السواد الذي غطى على الجدران والسقف معاً لم يستطع مصممو الإنارة والضوء كسر هذه العتمة التي انتقلت إلى المشهد المسرحي ثم إلى الممثل، إلا أن د. جواد ظل يتعايش مع هذا السواد الذي انتقل إلى نفوس كل عامل في المسرحية.

وحينما أدرك د. جواد صعوبة استمرار العمل مع هذ الستائر السوداء التي شملت حتى سقف الصالة وكأننا في علبة سوداء، أو مأتم حسيني في كربلاء، أمر برفع كل الستائر وإعادة الصالة كما كانت، ثم طلب أن يبنى لسان يمتد من الخشبة حتى منتصف الصالة، وبدأ يرسم خطوطه وحركات ممثليه ما بين الخشبة.

وهذا اللسان الذي جاء أشبه بطريق مستقيم داخل الصالة، فاضطر أن يهدم اللسان بعد أن تشبع به، ولم يقتنع بالعلاقة ما بين خطته الإخراجية ومدلولات هذا اللسان وإسقاطاته وهكذا كانت معاناة د. جواد الأسدي في البحث عن فلسفة العرض وشكله ومضمونه بين ركامات المسرح، وفي كل مرة كان يغير في كينونة النص.

 

فضاء للمسرح

ولعلي ما زلت أذكر الكثير مما كان يعانيه جواد الأسدي فالمخرج المبدع تصبح حياته كلها فضاء للمسرح، ويظل قلقاً طيلة فترة البروفات وحتى ما بعد افتتاح الستار، أذكر عنه أنه رغم أنه كاتب النص كما أسلفت فهو لم يقدس ما كتب إنما كان عرضه للكتابة مجدداً عندما يجد د. جواد أن ضرورة ما بتطوير النص في إطار تطوير البروفة فيعدل شطباً وإضافة، إلا أن الحدث الأكثر في هذه التجربة الفريدة وبعد نضوج العرض، واستكماله بنسبة 99%، جاء د.

جواد ذات مساء إلى المسرح وطلب من الممثل بسام عبد لله أن يلغي دوره كاملاً وأن يترك الخشبة، لأنه لا يرى ضرورة لدوره، إلا أن إشكالية أخرى ظهرت عند إلغاء دور بسام في الفراغ الحاصل في العلاقة التركيبية للمشهد ما كان يؤديه بسام، والممثلون الآخرون (منى واصف، أحمد الجسمي، حسن رجب، عبدالله المناعي، ناجي الحاي) .

وكذلك سميرة أحمد بديلة لمنى واصف، وإزاء هذه الإشكالية وقرب موعد العرض الذي لم يكن يبتعد أكثر من يومين أو ثلاثة على الأكثر، فقد قرر جواد وأسميها أنا شجاعة جواد في إلغاء حوار بسام عبدالله بالكامل وأن يغير بناء الشخصية من ناطقة إلى شخصية خرساء مع إبقاء الحركة والعلاقة مع الآخرين استكمالاً لمعمارية المشهد.

الفخ

في هذا الإطار أذكر تجربة أخرى مغايرة تماماً لما أسلفنا، خاضها الزميل المبدع عبدالله المناعي في إطار تجاربه المسرحية، والمعروف عن المناعي كونه مخرجاً مجتهداً ومثابراً وجريئاً وله رؤيته التي بناها عبر تجربة طويلة في مسرح الإمارات.

وبالتالي فالحديث عن تجربته بإيجابياتها وسلبياتها إنما يعني أننا أمام تجارب ناضجة مبنية على رؤية إخراجية قد حققها المناعي عبر أعماله المختلفة التي أصبحت جزءاً من التاريخ الإبداعي للمسرح في الإمارات ابتداءً من شمس النهار، ودياية طيروها، والرجل الذي صار كلباً، والسلطان، والغرباء لا يشربون القهوة، ربشة في البقعة، كوت بو مفتاح، والعديد من المسرحيات التي أخرجها لفرق الدولة، ولعلنا ذكرنا بعض تلك الأعمال الناجحة والتي سجلت في تاريخ مسرح الإمارات، لدليل على هذا النهج الطويل للمناعي.

 

رأي

في عام 1985، وكنت أعمل مديراً فنياً لمسرح الشارقة الوطني وفي إطار قراءات لجنة القراءة في المسرح عرض علي المناعي مسرحية الفخ من تأليف محفوظ عبدالرحمن ليخرجها في إطار أيام الشارقة المسرحية في دورته الثانية، وحينما قرأت النص شككت أن يكون هذا النص لمحفوظ عبدالرحمن.

واعتقدت أن الاسم منتحل لأن النص كان يعاني من كثير من الإشكالات الفنية في البناء والدراما وفي ثيمة المسرحية أيضاً، مما أعطاني الشك في أن يكون لمحفوظ الذي أعرف مدى متانة نصوصه وشفافيتها وجمالها والنجاحات التي تحققت في عروض نصوصه في المشرق والمغرب العربي، ولعل تجربة صقر الرشود في الكويت خير دليل على ذلك.

 

جلسة

وفي جلسة حميمة ضمتني وصديقي عبدالله المناعي وسمو الشيخ أحمد القاسمي وعدد من أعضاء مسرح الشارقة، نصحت الزميل عبدالله المناعي بأن يتراجع عن إخراج المسرحية رغم أنها قدمت في وقت سابق بإخراج إبراهيم جلال عام 1979، ولم تلاقي النجاح المناسب، إلا أن المناعي أصر على إخراجها وله الحق في الإصرار أو الاختيار ولم يكن دورنا سوى دور استشاري والقرار دائماً للمخرج صاحب القرار الأخير في مثل هذه الأمور.

 

رأي كاتب النص

إلا أن الصدفة كانت حين زارنا محفوظ عبدالرحمن وزوجته سميرة عبدالعزيز، بعد أيام قليلة من تلك الجلسة، واحتفينا بهما ككاتب متميز وصديق وزميل مهنة، إضافة إلى أن سميرة فنانة متميزة جداً، ومن خلال حوارنا مع محفوظ عرضنا عليه رغبة المناعي في إخراج مسرحية الفخ، فاستغرب محفوظ عبدالرحمن من هذا الاختيار وأعلن بجرأة ووضوح أنه أخطأ في كتابة هذا النص الذي يعتبر أضعف نص كتبه.

وأثنت زوجته سميرة عبدالعزيز على ذلك ونصحت هي الأخرى بعدم إخراجه لأنه لا يملك مقومات النجاح، ثم كرر محفوظ عبدالرحمن طلبه في عدم إخراج النص، وهو على استعداد لتقديم نص آخر ليخرجه عبدالله المناعي، وأكد ضعف النص من ناحية البناء الفني وما يعانيه من إشكالات لم يستطع حتى إبراهيم جلال تجاوزها.

إصرار المناعي

أصر عبدالله المناعي على رأيه، وعلى قدرته على تجاوز ما لم يتجاوزه إبراهيم جلال، وقال بما معناه إن المخرج المبدع هو الذي يستطيع أن يجعل من النصوص الرديئة والضعيفة عروضاً متميزة وأنه قادر على تجاوز كل ما يعانيه النص من خلال رؤيته المتميزة.

رغم ذلك أصر محفوظ عبدالرحمن على رأيه ونصح المناعي بالعدول عن رأيه وزاد المناعي إصراراً على إصراره، ووقف بموقف المتحدي الذي يثق من صحة رؤيته.

بدأ المناعي في إخراج نص الفخ لمحفوظ عبدالرحمن، وهيأ مسرح الشارقة الوطني كعادته كل مستلزمات العمل لعبدالله المناعي، حيث كان فريق العمل يتكون من: عبيد علي ومحمد شهيل وأحمد الأنصاري ورشا المالح، وتمام سمارة، وناصر علي طه، وعبدالله صالح، وبهنام وجيه، وعبدالعزيز شهيل، وأحمد بو سالم، ويوسف الغريب، وجاسم المخاوي، وعلي خميس.

أما الفريق الفني المساند فقد تشكل من محمد عبدالله وعبدالكريم عوض وعبدالرحمن أمين وصفوت زكي وعلي جوكة. وشاركت مسرحية الفخ من إخراج عبدالله المناعي بأيام الشارقة المسرحية في دورتها الثانية 27 مارس 4 أبريل عام 1985، ولم تحقق أي مركز من المراكز الثلاثة أو الجوائز الأخرى، بل ان المناعي لم يحقق ما وعد به في تحديه للنص وقدرته على منح النص روحاً جديدة خارج ما فشل به محفوظ عبدالرحمن وإبراهيم جلال.

 

 

 

رؤية

 

أذكر تجربة أخرى مغايرة تماماً لما أسلفنا، خاضها الزميل المبدع عبدالله المناعي في إطار تجاربه المسرحية، والمعروف عن المناعي كونه مخرجاً مجتهداً ومثابراً وجريئاً وله رؤيته التي بناها عبر تجربة طويلة في مسرح الإمارات، وبالتالي فالحديث عن تجربته بإيجابياتها وسلبياتها إنما يعني أننا أمام تجارب ناضجة مبنية على رؤية إخراجية

 

استشارة

 

في عام 1985، وكنت أعمل مديراً فنياً لمسرح الشارقة الوطني وفي إطار قراءات لجنة القراءة في المسرح عرض علي المناعي مسرحية الفخ من تأليف محفوظ عبدالرحمن ليخرجها في إطار أيام الشارقة المسرحية في دورته الثانية، وحينما قرأت النص شككت أن يكون هذا النص لمحفوظ عبدالرحمن، واعتقدت أن الاسم منتحل لأن النص كان يعاني من كثير من الإشكالات الفنية في البناء والدراما وفي ثيمة المسرحية أيضاً

Email