مترو دبي فضاءات ثقافة منفتحة ونسيج تقارب حضاري

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في وسط المدينة، وتحديداً بقرب محطة تسمى (الخليج التجاري) التابعة لخط مترو دبي، القريبة من مقر العمل بصحيفة «البيان»، انطلقت رحلة "مسارات" بحثاً عن الألف قصة ومشهد، واستكشاف لم نجعل له مدة زمنية محددة، بل كان جنوحاً محكوماً برغبة ملحة، تسعى إلى توثيق تفاصيل عوالم الحياة الاجتماعية، في وسيلة مواصلات استثنائية، شكلت علامة فارقة في عناوين التعايش العالمي. وغدت نقطة محورية تبحث عن إجابات، في بحر من التساؤلات عن القيمة الإنسانية والحضارية لمترو دبي.

 

جميعنا يتذكر لحظة انطلاق مترو دبي، من خلال عرض حيّ للحدث على شاشة تلفزيون دبي، عندما أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، في التاسع من شهر سبتمبر من عام 2009، البدء عملياً بتفعيل خدمات المترو.

والتي طرحت معها تنبؤات وتحليلات لمستقبل مسار هذا الإنجاز، وطابع منهجية مؤسسة القطارات، الجهة المعنية بهذا المنجز، والتابعة لهيئة الطرق والمواصلات بدبي، في تمثيلها دوراً آخر، يهتم بصياغة حوار، للغة واحدة ذات معنى بانورامي الطابع، يسهم في تعزز مفهوم التواصل والتعايش الاجتماعي بين الركاب، أثناء انتظارهم للوصول إلى المحطة القادمة، مشكلاً ملتقى للحضارات، ومؤكداً ضرورة البحث العلمي في متغيرات الثقافة العامة، في مجتمع المترو.

 

سمة الانتظار

العديد من وسائل الإعلام العربية والعالمية، تحدث عن الخدمات التي يقدمها مترو دبي، وتناولت تلك الجهات، في موضوعاتها المطروحة، منهجية هذا المشروع وأهميته في تقليل الازدحام في دبي، وتوفير فرص أكبر لأفراد الجمهور ليحصلوا على خدمات التنقل بسهولة ووفرة ومجال أوسع للاختيار، وذلك بشكل مريح وسريع، وبوجهة تضمن حفظ الموارد وتدعيم جهود حماية البيئة.

ولكن السمة الحضارية التي يتفرد بها المترو، هي كونه يمدنا بإحساس مختلف، في سياق تقييمنا لهذه الوسيلة العصرية في المواصلات العامة. وتبرز هنا ميزة (الانتظار) المثمر، التي يعايشها ويختبرها مستخدمو المترو، إذ يجعلهم ينخرطوا في خضم حوارات فكرية، أو قراءات محددة، مفادها تحصيل معرفي بأوجه شتى. ولإبراز فرادة المترو كوسيلة مواصلات عامة، توفر راحة الركاب وتتيح مناخات تواصلهم وتفاعلهم، اخترنا التحرك في سيرورة البحث والتقصي، ضمن هذا السياق، وفق منظور أو محاور متنوعة، تعكسها وتلخصها جملة أسئلة:

ما الذي يفكر فيه أي شخص بينا يجلس في المترو منتظراً الوصول إلى وجهته الجديدة؟ وما الذي يتسنى له التعرف عليه أكثر، ويفهمه بشكل أعمق، خلال ذلك؟ وماذا عن القيمة الإنسانية التي يتحصل عليها أثناء جلوسه في المترو، مع أبناء جنسيات مختلفة ؟

وما طبيعة ما يحصل عليه مستخدم المترو من قيمة ثقافية، وكذا مخزون فكري من خلال استفادته من توفر التواصل الإلكتروني عبر شبكة لاسلكية، وذلك كأحد أبرز التسهيلات المقدمة في المترو؟ وماذا حقق واقع وجود التكنولوجيا نفسها في شأن تعزيز العلاقة بين المترو والمستخدم؟ وهل قدم مترو دبي، جانباً من الهوية الإماراتية، بشيء من التوضيح، بفعل اشتراك الإماراتيين والمقيمين معاً، في استخدامه؟

 

رحلة معرفية

الترحال المعرفي في عوالم مترو دبي، يحتاج منا اختيار مكان مناسب للجلوس، ويُفضل توسد إحدى النوافذ المطلة على الواجهة الخارجية، وتحديداً في فترة الظهيرة، لتتسنى الرؤية الواضحة لتفاصيل المكان والمواقع، وبصورة عميقة. وذلك دونما شرود ربما يقودنا الى التلهي والانشغال بما سيلفتنا من مناظر إنجاز وجماليات في الخارج..

وفي هذه الأجواء، ستدرك بحق، حين تنغمس في روحية معاني الرحلة عبر مترو دبي، أنك تلج كنه جوهر خاص، قد يبدو مغلفاً بالصمت، إلا أنه حقيقة، مغامرة رحلة فكرية تسافر بك إلى حواف مضامين حضارية متنوعة تتجلى عبر نماذج أفراد كثر من ثقافات ومشارب عديدة، وهنا تصبح غير محكوم باشتراطات غاية الرحلة، إذ تنسى قصة انتظار الوصول إلى المحطة القادمة، أو العودة السريعة.

ها هي الساعة تقترب من الثالثة بعد الظهر، بينما "مسارات" اختار أن يقرأ ميدانياً، في مضمون ثقافة التقارب والانفتاح المتأتية من خلال مترو دبي، وفي هذه الأثناء كانت وجهة المترو، محطة مول الإمارات الواقعة على شارع الشيخ زايد في دبي، التي تصدرت قائمة الركاب، خلال الفترة: من 9 سبتمبر وإلى غاية 9 نوفمبر- 2009، بواقع ( بـواقع 607 آلاف و 775 راكباً-بنسبة زيادة بلغت 17بالمائة).

 

ثقافة المواصلات العامة

تقدم الأرقام ضمن الإحصاءات العديدة للجهة المعنية، دراسة علمية عن حجم استيعاب المشروع ومدى تطوره، وهي تمد الباحثين والمراقبين في حقل دراسة جدوى وسيلة مواصلات عصرية كالمترو، بنمط سياق علمي حول آليات توظيف الرقم لقياس مستوى نجاحه، عاكساً ماهية الوعي بثقافة استخدام المواصلات العامة.

كان "مسارات"، على موعد خاص في بحثه وتفتيشه، ضمن الرحلة المعرفية عبر مترو دبي، فها نحن في مقعد جانبي في المترو، ونحاول قراءة مشهد التفاعل الداخلي فيه، وهناك من يجلس بهدوء في المقاعد المختلفة، بينما يوجد آخرون منشغلون بأمور كثيرة.

وهنا بجانبنا، فتاة غارقة في النوم، وفي الجهة المقابلة، ضمن الجانب اليساري، يظهر أحدهم وهو منهمك بالاستماع الى الموسيقى عبر سماعات (الهتفون) خاصته. وبينا نحن في غمرة هذه العوالم، إذ بالصوت التنبيهي في المترو ينطلق منبئا بحالة التوقف، وبأن :" المحطة القادمة.. الجافلية". وهكذا فتحت الأبواب.. ثم أغلقت وانطلق المترو، ومن جديد أخذت تتالى تلك الحلقات، فتنطلق الجملة التنبيهية عند كل محطة، وتفتح الأبواب ثم تغلق، وتعود الرحلة إلى سيرورتها مجدداً.

وفي محطة (الجافلية) بالتحديد، ترى ازدحاما يغلب على المشهد فيه، وهناك خاصة، طلبة المدارس.. وتثير الاعجاب كثيرا قضية استخدام هؤلاء هذه النوعية من وسائل المواصلات. وهو أمر يجعلنا نخاطب أنفسنا: " مؤكد أن المترو بهذا، ساهم في تقليل عدد الحافلات المدرسية المستخدمة، في كل منطقة أو حيّ". خلال هذه الأثناء، التقينا بأحد الركاب، وعرفنا بنفسه، بدأ حديثه ان اسمه: طارق سعيد، وهو طالب في المرحلة الدراسية المتوسطة. وشرح طبيعة ميله إلى استخدام المترو.

موضحاً أنه يمثل وسيلته الأساسية للتنقل بين المدرسة والبيت. وأضاف سعيد: " استثمر وقتي بشكل كبير في المترو، عبر سماع الموسيقى، وعادةً ما ترافقني أختي أيضاً، إذ نذهب إلى المدرسة، سوياً، ولكن شقيقتي تحمل معها إلى المترو، مجموعة من الصحف لقراءتها، مفضلة ذلك على الاستماع إلى الأغاني عبر المسجل الإلكتروني". ولفت سعيد إلى أن عادة قراءة أخته الصحف في المترو، لم تكن موجودة من قبل، إلا أن حالة الانتظار ضمنه، دفعتها إلى هذا الاتجاه.

 

تصاميم

تشعر بحركة "موجية"، إذا سمح التوصيف في ذلك، أثناء حركة المترو بين محطاته المختلفة، وتشعرك بأنك على ظهر سفينة في عرض البحر، تسير بكل أريحة، حتى وهي تقبع بين تأثيرات ونوبات، موجة وأخرى. وهنا تنظر حولك، وفي شتى الاتجاهات، لتتعرف أكثر إلى ملامح تصميم هذه الوسيلة.

وكذا ما يمكن أن تحققه وتوفره هذه المساحة الجمالية (ضمن المترو) من إقبال غير متناهٍ، لمجموعات كبيرة من الأفراد، يتمخض عنه تعزيز مبدأ التقارب بينها، والتعايش بصيغة متزنة، وذلك خاصة، في ظل ما تفرزه مواصفات وميزات كل عربة في مترو دبي، إذ، وعبر جولة بسيطة في المترو، ستتبدى لأي منا، جماليات تصميمه، ودقة معاييره، إذ يتألف من خمس عربات، يمكنها استيعاب ما يصل إلى ما مجموعه 897 راكباً في ساعات الذروة، وهي موزعة على ثلاثة مستويات: الدرجة الذهبية، درجة السيدات والأطفال، الدرجة الفضية.

وتم استيحاء ألوان العربات من مشاهد ومفردات البيئة المحلية، ونجد أن جميع العربات ملونة بالأزرق الفاتح (زرقة البحر والسماء)، بينما يغلب على الألوان الخارجية للعربة، اللونان الأزرق والفضي. ويبلغ الطول الإجمالي لكل عربة حوالي 18 متراً بارتفاع قدره 4 أمتار، وعرض يصل الى 3 أمتار .

وفي سياق الحديث عن امتيازات البيئة الداخلية في المترو، توجهك حالة وقع فيها أن العديد من المستخدمين، إذ استخدموا، بالخطأ، القسم الخاص بالدرجة الذهبية، نتيجة عدم القدرة على التفريق بين ما هو عادي أو ممتاز، ذلك لأن التباين بين جميع الدرجات المختلفة، طفيف، وغير بارز بشكل لافت.

 

بعد إنساني

ها نحن، فريق "مسارات"، نجلس حالياً في عربة السيدات والأطفال، المخصصة بشكل حصري لاستخدام هذه الفئة، في محاولةً لتحديد امتيازات البيئة الداخلية لهذه العربة، وها هي تبدو لنا بتفاصيل جاذبة وبانورامية، ويظهر لنا ببروز ووضوح، نمط التشكيلات والرسومات لنقاط متناهية الصغر فيها تحاكي التصميم الخارجي للعربة، وتمتزج مع لون "تركوازي"، ممتد من أرضية العربة، مروراً بالجدران الجانبية، ووصولاً الى سقفها. ك

ما تم تخصيص مساحات كافية لإيواء عربات الأطفال والحقائب، لضمان رحلة آمنة ومريحة عبر مترو دبي. وأما الدرجة الفضية، فيجد المستخدم للمترو، عند الجلوس فيها، أنها الأكبر وأنها تشتمل على أربع عربات، كما أنها لونت من الداخل بـ: الأزرق والأخضر، وهنا أيضاً نجد تشكيلات ورسومات النقاط الزرقاء المتناهية الصغر، على نحو يحاكي نمط التصميم الخارجي للعربة. ويوجد خيارات عديدة لترتيب طريقة الجلوس.

وهو ما يعطي الركاب الفرصة للاختيار بين إطلالة خلابة عبر النوافذ، أو تجاذب أطراف الحديث مع الأصدقاء. كما تضم العربة مجموعة مقابض يدوية، لتوفير قدرة مستخدمي المترو، تحديداً من الذين هم في حالة الوقوف، على التمسك جيداً وتحقيق التوازن وضمان عدم السقوط بفعل حركة إقلاعه أو توقفه.

الخدمات المقدمة في مترو دبي، بينا تجلس منتظراً الوصول الى وجهتك، تعطيك براهين عديدة، على أن هذه الوسيلة المتجددة في دبي، لم تحمل فقط مفهوماً وقيمة استثمارية مادية، بل إنها تجسد رؤية وبعداً إنسانياً فريداً يواكب ويوازي أبرز وأهم مجالات خدمات النقل. ويبرز من بين تلك الخدمات:

توفر أماكن مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة في جميع العربات (تسمح باستخدامهم الكرسي المتحرك)، خدمات تعطي الأولوية في الجلوس بالمقاعد لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والنساء الحوامل. واللافت في هذا الجانب، أن خدمات مترو دبي، حظيت بشهادة وثناء عدد من وسائل الإعلام العربية التي قامت بزيارات ميدانية تعرفت فيها على نوعية الخدمات المقدمة ضمنه.

وقدمت شهاداتها بناء على جملة مقارنات بمعايير دولية في هذا الخصوص، وأبرز ما شد انتباه تلك الجهات، وجود إعلانات إعلانات مرئية وصوتية في جميع العربات، لخدمة مختلف شرائح الركاب، لا سيما ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك خارطة واضحة تشير الى مسار المترو مع الإرشادات الأخرى للركاب، وأيضاً العديد من تجهيزات السلامة في جميع العربات، بما في ذلك الدوائر التلفزيونية المغلقة.

 

تفاعل

مع وصولنا إلى محطة مول الإمارات، قررنا الترجل، ومن ثم الجلوس في المحطة قليلاً، ثم استقلينا العربة العائدة باتجاه محطة الراشدية، وعمدنا هنا، مجددا، إلى الاستراحة في المحطة المزدوجة :(محطة خالد بن الوليد- محطة ميدان الاتحاد)، والمخصصة لانتقال مستخدمي العربتين، من الخط الأحمر(باتجاه بر دبي)، إلى الأخضر (ديرة)، وبالعكس. وفي هذه الأثناء، كنا نرقب المشهد عن كثب، حين استوقفنا منظر مجموعة من الشباب العشرين(تبين أنهم جامعيون) التقت هذا المكان، وشرع أفرادها يتحاورون بحرارة وحميمية، وبدا وكأن المكان جزء جوهري من سمة تشويق التقائهم آنذاك.

وهنا غلبت أحاديثهم عن آخر ما يحدث في يومياتهم وما اكتشفوه أخيراً في بحثهم المتواصل في الشبكة العنكبوتية. وكان هؤلاء من جنسيات مختلفة، إذ جمعهم المترو والعمر والاهتمامات، ذلك في مدينة واحدة اتخذوا منها مصدر إلهام متجدد.

ها هي إحدى عربات المترو، تحل من جديد في محطة الاتحاد، فتعيد روح الصخب إلى المكان.. إنها تتوقف لتنزل مجموعة من الركاب، ولتصعد إليها أخرى متوجهة إلى أماكن متعددة، وتجد كثافة الإقبال على "الخط الأخضر" في المترو، الذي افتتح في التاسع من شهر سبتمبر لعام 2011، ويبلغ طوله 23 كم، كما يضم 18 محطة. واللافت في المحطة وجود بعدين أساسين: الأول يتجلى في طبيعة هذا الحضور للمشهد التفاعلي للأشخاص ضمن دبي، من مختلف أنحاء العالم- وكيف أنهم يجتمعون ضمن مساحة المترو.

والتي تبدو قادرة على استيعابهم بشكل استثنائي خلاق. وأما البعد الثاني فيتمثل في التصميم النوعي للمحطة، عبر احتضانها مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية المعبرة عن مشهد تاريخ البلد وتراثه. والقارئ لمضمون وأبعاد مكونات هذه الصور، المعلقة بشكل يوحي للمشاهد بأنها جزء من تركيبة الجدار للواجهة الأمامية للمحطة، تتشكل لديه خلفية ثقافية معرفية متكاملة وشاملة حول طبيعة الحياة في دولة الإمارات، منذ القدم، بسماتها المتنوعة.

ونستشف ذلك من خلال جملة تفاصيل، من بينها ما تعكسه من لقطات منوعة، منها مشاهد لصيادي الأسماك وهم يشدون شباكهم أو يرمونها في البحر ليسافروا مع مجاديف الزمن الجميل، ويبدو فيها ومعها، وكأن النهام يعود ليظهر من عمق الصورة تلك، فيصدح بصوته ويترنم بموسيقاه على مسمع ومرأى مستخدمي المترو.. وهنا جال في الخاطر سؤال مقترن بمشاهد هذه التفاصيل، وهو عن مدى التواصل الحضاري الذي يحققه هذا الالتقاء، عبر المترو، بين شتى صنوف الثقافات الإنسانية، مستحضراً ثيم التراث، ومعرفاً بها..

وكذلك يلح تساؤل مهم حول مدى إمكانية الاستفادة من هذه الوسيلة( المترو) لسرد أقاصيص تراثنا وجمالياته، ووصفها للعالم أجمع.. وبينما نحن مشتغرقون في حيثيات هذه التساؤلات، كانت تتابع وتتوالى تفاصيل الصور واللوحات في جوانب محطة المترو، وذلك بألوان عديدة تزينها وتوشحها ألوان زرقة البحر والسماء، وكذا بمحيط إنارة لامعة كالجواهر المرصدة. ولكن ما بدا أنه يكمل رونق المشهد، واقع اتسام محطات مترو دبي، بتصميم فريد يجمع بين روح العصر وأصالة التراث. كما نجد ان هذه المحطات تنقسم الى مجموعتين رئيستين:

محطات تحت الأرض، محطات فوق الأرض، ويبلغ إجمالي عدد المحطات، في كلا الخطين (الأحمر والأخضر): 47 محطة، ومن بينها 10 محطات موجودة تحت الأرض، تقع في وسط دبي، بينما البقية، وعددها 37 محطة، هي محطات علوية.

 

قصة جديدة

نغادر مقعد الانتظار في محطة الاتحاد، لنصعد إلى عربة المترو من جديد، فتبدأ، حينها، ومنذ لحظة جلوسنا في المقعد ضمنه، قصص شيقة تسرد نفسها، ويقوم فيها أشخاص مختلفون، بأدوار البطولة، ليحتضنهم ويضمهم بين جناحيه خلال رحلة في المكان والزمان، تعيد إلى مخيلة المقيمين منهم، معالم خارطة الحنين وذكريات الأهل والأوطان. جلستُ في هذه اللحظة أفكر: هل نبالغ في طرحنا حول قيمة الانتظار في رحلة عبر المترو، أم أن ما نشهده من تفاعل انساني لهو جدير حقاً بالمتابعة والتدوين؟

وفي خضم متاهتي في التأمل والبحث حول هذه الحيثية، لفتنا حال شابة فلبينية في أحد المقاعد، كانت منهمكة وغارقة في الكتابة الإلكترونية على شاشه هاتفها (البلاك بيري)، بكل اهتمام وكأنها منشغلة في تدوين برقيات سريعة ومستعجلة، دققنا قليلاً في وجهها، فلمحنا ابتسامة وكثيرا من الجدية أيضاً.

وكان التوقع أنها تراسل أحدا ما بشكل مباشر عبر (التشات)، وهي ميزة يوفرها هذا الجهاز. وقبل نزولها عند إحدى المحطات التالية، استثمر "مسارات" وجودها، فبادرناها بالحديث، وسألناها عن رأيها في ما أصبح يضفيه المترو على حياتها. وبعد أن عرفتنا باسمها (آنا بسكوال)، أوضحت أنها تستثمر وقت انتظارها في المترو بمحادثة أقربائها وأصدقائها في الفلبين، عبر وسيلة الدردشة الإلكترونية.

وتابعت: "رحلتي اليومية عبر المترو، لا تتعدى الـ 20 دقيقة، وكونها قصيرة، أعمد إلى استثمارها في حقل سريع ومجد.. وبالتأكيد فإن التكنولوجيا هي الأقدر على تحقيق هذا الأساس، وتحديدا الدردشة الإلكترونية.. وهكذا أكون منشغلة وأنا في وجهتي إلى العمل ومنه، باستخدام المترو، بما هو مفيد في عملية تواصلي مع أهلي وأحبائي، وذلك بشكل يومي، ومجانا. وبهذا أجد أن قسوة الغربة تكون خفيفة الوطء علي، كوني أبقى، وبفضل الوقت المتاح برحلة المترو، والإنترنت المجاني ضمنه، على تواصل يومي مع ذوي وأصدقائي في الفلبين".

كما أشارت بسكوال أثناء حديثها، إلى قراءتها المجلة الأسبوعية الصادرة عن هيئة الطرق والمواصلات في دبي: ( read )، معتبرة أن فعل القراءة سمة أساسية يتحلى بها أكثر المستخدمين من الجالية الفلبينية. وأضافت: "أثناء استخدامكم للمترو بشكل دائم، ستلحظون أن قراءة الصحف الخفيفة والمجلات السريعة، أكثر أنواع القراءات الرائجة والمتداولة ضمنه".

 

مزيج تصاميم المحطات

غنية هي ملامح الرحلة المعرفية في عوالم مترو دبي، إذ تبدي لنا مشاهد حياتية مفعمة بروحية تلاقح الثقافات العالمية، وكذلك هي، في الوقت نفسه، بمثابة رحلة في عمق جماليات التصميم، وفرادة التشكيل الفني، وتظهر في ماهية تكوين تصاميم محطات مترو دبي، مفردات جاذبة، إذ تتبدى سقوفها في شكل الصدَفة، وبينما ينبض التصميم بملامح تنم من الداخل، عن تناغم مع مدلولاتها التاريخية.

يتجلى تناسبه مع أحد العناصر الأربعة في الطبيعة: الماء والهواء والنار والأرض. ونجد أنه يحاكي التصميم الداخلي الخاص بتصميم 12 محطة، معالم وطابع الأرض، بينما تتناسب الـ 13 محطة مع سمات ومظهر الماء.

و كذلك يعد الهواء بسماته وطبيعته، طابعا مميزا لـ 11 محطة أخرى، وكذا تبدو 11 محطة غيرها، تحمل ميزات وطابع النار. وتنقسم المحطات العلوية في مترو دبي، الى ثلاثة أنواع، تتفاوت من حيث المميزات الأرضية، وذلك بما يتناسب مع المتطلبات العملية.

وأما بالنسبة للمحطات، فنجد أن النوع الأول منها يتضمن مدخلا يقع في المستوى الأرضي مع رصيف علوي، ويهدف نمط تصميمه إلى الحفاظ على تواصل بصري مع البيئة الخارجية للمحطة، وذلك من خلال تصميم السقوف الزجاجية، أو من خلال وضع جدار زجاجي يسمح بتواصل بصري مع المحيط الخارجي لدى توجه الركاب الى المحطة. وفي النوع الثاني، نجد أن المحطات تحتوي على أعمدة موزعة في الصالة والرصيف الخاص بها.

وذلك ضمن المستوى العلوي، ونظرا لوقوع هذه المحطات بمحاذاة طرق سريعة مزدحمة، فبالإمكان الوصول اليها من جانبي الطريق كليهما، عبر المداخل الموجودة في المستوى الأرضي، ومنها ينتقل الركاب من خلال جسر للمشاة، لعبور تلك الطرقات، والتوجه الى داخل صالة الركاب التي يتاح الدخول إليها من دون شراء التذاكر. ونجد في النوع الثالث أن المحطات تشتمل على مسار إضافي لمتطلبات التشغيل.

كما يظهر جلياً لمتتبع تفاصيل التصميم المعماري للمحطات، أن الهدف الرئيس منها، مراعاة محوري السلامة والأمن للجمهور، مرسخة بذلك مبدأ الوضوح والبساطة، مع تقليل مسافات التنقل، الى أدنى مستوى ممكن، وذلك بالنظر إلى مداخل المحطات على المستوى الأرضي، فهي متكاملة مع وسائط المواصلات الأخرى، وتوفر الربط مع حركة المشاة، والتواصل مع البيئة المحيطة بالمحطة.

 

سائق المترو

ها هي رحلتنا عبر مترو دبي، توشك على النهاية، وذلك بينما تشير الساعة إلى قرابة الخامسة عصراً، وفي هذه الأثناء، ترصد أسطر "مسارات"، العديد من مفردات وتفاصيل المشهد في مترو دبي، تحديداً ضمن عربة الخط الأخضر. وفي هذه الأثناء، استدركت نقطة مهمة يجدر إلقاء الضوء عليها، وذلك عقب أن تناهى إلى مسامعي، حديث طفلة هندية كانت تسأل والدتها عن من يقود المترو، وأيضاً عن السرعة الحقيقية التي يسير بها المترو، وتذكرت حينها، خبراً نُشر في الصحف المحلية، عن سرعة المترو، وكذا عن أنه يسير من دون سائق.

وشمل الخبر الصحافي التالي: أفاد المدير التنفيذي لمؤسسة القطارات في هيئة الطرق والمواصلات في دبي، المهندس عبد المجيد الخاجة، بأن «أقصر مدة زمنية يقطعها مترو دبي في الخط الأحمر، لن تتجاوز دقيقة إلى دقيقتين، بين محطتي بنك الخليج الأول ومول الإمارات، فيما تبلغ أطول مدة زمنية للرحلة التي يمكن أن يقطعها المترو من محطة الراشدية إلى محطة جبل علي الصناعية (بداية ونهاية الخط الأحمر) 55 دقيقة، بمسافة إجمالية تقدر بـ47 كيلومتراً، حيث ستمر العربة على 27 محطة".

وأضاف:" يتوقع أن تمتد الرحلة على الخط الأخضر من بدايته عند محطة القصيص، وحتى نهايته عند محطة الخور، لتستغرق 26 دقيقة". ولا تفوتنا الإشارة هنا، إلى أن الخط الأخضر، لمترو دبي، يغطي المسافة ما بين شارع النهدة ومدينة دبي الطبية، بطول يبلغ نحو 23 كم، ويضم في غالبيته، أنفاقاً تحت الأرض، خصوصاً في مناطق الاختناقات المرورية في المدينة، ويشتمل على ست محطات، منها: محطة صلاح الدين، ميدان بني ياس، نخلة ديرة، محطة الرأس، الغبيبة، السعيدية. وهذا إضافة إلى 12 محطة موجودة فوق السطح، ومنها: محطة الخور واتصالات وأبوهيل والقيادة والجداف وعود ميثاء ومحطة مدينة دبي الطبية والمنطقة الحرة لمطار دبي.

وفي إجابة عملية حول موضوع سائق المترو، قادني الفضول إلى النهوض من مقعد في المترو، ومن ثم التحرك بين المقاعد المختلفة، المزدحمة بالركاب حينها، متجهة إلى مقدمة المترو، وأخذت أرقب المشهد علني أرى شخصاً يمسك مقوداً، يحركه يميناً أو يساراً، كما اعتدنا مشاهدته دائماً في مختلف الأفلام السينمائية، ولكنني لم أصل إلي نتيجة في هذا المسعى، فلا أحد هناك يقود عربة المترو. وإلا أنني لم أقتنع أو أستسلم، فعاودت الكرة مجددا.

ولكن هذه المرة عبر البحث علني أجد ما يشفي غليلي ويجيب عن سؤال تلك الطفلة، قررت حينها أن أستعين بما يوفره هاتفي المحمول، مستفيدة من خدمة اتصاله عبر الاتصال اللاسلكي المستخدم في المترو، ومن ثم لأقوم بالتفتيش في محركات البحث، عن تقارير نشرتها الصحف لإدارة مؤسسة القطارات في هيئة الطرق والمواصلات، تبين لي حقيقة إذا كان هناك من يقود مترو دبي.

ولكن جميع الإجابات والمقالات كانت تطالعني، بجملة واحدة وجازمة، مفادها أن مترو دبي، هو أول مشروع مترو بدون سائق في العالم ، تم تنفيذه على مسار 75 كم، مرة واحدة، واعتمد أحدث الأنظمة التقنية في ما توصلت إليه التكنولوجيا في تقنيات تصميم القطارات، وتعمل كافة العربات ضمنه، وفق نظام إلكتروني متكامل، الأمر الذي يتيح المجال لتعزيز التحكم وضبط مواعيد الرحلات بشكل دقيق. ولم أتوقف عند هذه النقطة في بحثي، وخلال الرحلة، حول سمات مترو دبي وميزاته، فاستكملت البحث في الموقع الإلكتروني الخاص بـ"الطرق والمواصلات" في دبي. فقرأت في تقرير القسم المتخصص بالأمن والسلامة، أن الهيئة.

وعند تنفيذها مشروع مترو دبي، سعت إلى لتطبيق أعلى معايير الأمن والسلامة العالمية، معتمدة في ذلك على نظام تتولى بموجبه "إدارة تنظيم وتخطيط السلامة والمخاطر"، في قطاع الاستراتيجية والحوكمة المؤسسية في الهيئة، مهام الإشراف على سلامة مترو دبي باعتبارها الجهة التنظيمية المسؤولة عن الإشراف على سلامة عربات المترو وذلك بهدف ضمان سلامة جميع مستخدمي المترو وموظفيها ضمن إمارة دبي.

 

واجهة للعراقة

تنقُل محطات الرحلة عبر مترو دبي، جميع المستخدمين، إلى مطارح تعبق بقيم وثيم المكان وجمالياته، سواء بثراء مكونها العصري أو التراثي. فعند النزول في محطة ميدان بني ياس، يصبح الراكب في واحة من عوالم تاريخية خاصة، بمجرد تنقله إلى الأجواء الخارجية المحيطة حول هذه المحطة الفريدة، إذ يستشف هنا، عبق معالم ومراكز ثقافية مهمة ومحورية في دبي، كالبستكية، ومؤسسة سلطان العويس الثقافية.

فالوقوف عند تلك المنطقة يقدم لك لمحة تاريخية غنية حولها، لما تملكه من بعد يفوح برائحة أصالة المكان، وبطبيعة تفاصيلها المعنية بدبي قديماً وحديثاً. كما أن الصورة التي ترتسم لمستخدم المترو في مروره عبر منطقة ديرة تقدم له تعريفاً وافياً عن ماهية التطور التجاري والتنوع السكاني في المنطقة.

إضافة إلى الحركة المستمرة التي لا تهدأ، في تلك البقعة الجميلة المطلة على خور دبي، وكذلك على سوق السمك، إضافة إلى مشاهدتك إلى نفق الشندغة، الفائح برائحة العراقة، والمنطقة التاريخية في دبي، حيث يوجد بيت الشيخ سعيد بن راشد آل مكتوم، وأيضاً مشهد (العبّارة) وهي لا تزال حاضرة ومستعدة إلى نقل الركاب بحرياً إلى الجانب الآخر من الخور.

وحينذاك، قررت النزول من المترو، وذلك عند أول محطة قريبة من الخور في ديرة، كي اسير باتجاه أقدم المطاعم التي لا تزال صامدة إلي يومنا هذا، ومنها ما هو قريب من البنك البريطاني، حباً في مقاربة الصورة بين عصرية مشهد المترو والتقائه بالعبّارة في دبي.

 

ركاب إماراتيون

لم تكن رحلة "مسارات" لتنتهي عند هذا الحد، إذ لا بد من استيفاء محور رئيس في موضوع مترو دبي، وهكذا كان الخيار بالعودة باتجاه محطة الراشدية، والتي يتحدث عنها الجميع، على أنها تمثل أبرز أوجه الاستخدام التفاعلي للمترو من قبل الإماراتيين، وذلك لما تشكله، انطلاقا من كونها مركزا ومحطة للانطلاق إلي بيئات عملهم المختلفة، خصوصا أنها تمثل الخط الأحمر لمترو دبي.

ويمر فيها محطة مطار دبي، وهنا كانت وقفة موسعة مع البحث في مكنون حقيقة وطبيعة التواصل بين الهوية الإماراتية وواقع الاستخدام اليومي والتعاطي التفاعلي الحياتي، في ما بينهم، وأيضا بينهم وبين الأفراد من جنسيات أخرى. التقى "مسارات"، في محطة الراشدية لمترو، الراكبة الإماراتية سامية أهلي، بحثاً في مضامين هذا الشأن، وأطلعتنا في حديثها عن استخدامها المترو، على جملة تفاصيل شيقة: "

بصراحة تامة، أريد القول في البداية، اننا بتنا نلحظ زيادة كبيرة في عدد مستخدمي مترو دبي، من المواطنين والعرب، وهكذا فإن مقولة كون استخدام مترو دبي، محصورا فقط بالأخوة العرب المقيمين، وغيرهم من أبناء الجنسيات الأخرى، باتت نوعاً من المغالطة وبذا لا بد أن تتلاشى. وبينت سامية أن ثقافة استخدام المواصلات العامة غدت رائجة لدى الإماراتيين، وخاصة مع المترو، والدليل، كما تقول، تثبته حقائق المشهد يوميا، إذ نجد جميع شرائح المجتمع الإماراتي مقبلين على استخدامه، بلا تردد أو عوائق.

وتلفت إلى رؤيتها، وفي كل صباح، مجموعات من الشبان والشابات والرجال والنساء، من الإمارات، تتوجه إلى مقار عملها ووجهات مقاصدها، مستخدمة وسيلة مواصلات هي مترو دبي. وأكدت سامية أنها تستخدم المترو في الذهاب إلى العمل، يومياً، منذ ثمانية أشهر، موضحة أنها تستغرق 20 دقيقة في الوصول إلى المحطة التالية، وتستخدم خلالها جهاز الـ"بلاك بيري" خاصتها، لقراءة بعض الأدعية الصباحية أو في حاجات أخرى مفيدة.

 

الأمن والسلامة

استوقفني مشهد مفاجئ، بينا كنت اتابع قراءاتي حول التقارير المقدمة عن معايير السلامة والخدمة المميزة في مترو دبي، إذ وقفت أمامي فتاة إماراتية، وبادرتني بطلب بطاقة الـ" نول " خاصتي (هي بطاقة تؤهل الاشخاص لاستخدام المترو)، فابتسمت وخاطبتني فورا، بعد أن استشفت ملامح عنصري المفاجأة والدهشة على وجهي.

ولما رأيتها تطلب مني، مشيرة إلى أنها مفتش التذاكر، وهي تقوم بالتفتيش الدوري في عربات المترو، للتأكد من استخدام البطاقات بشكل سليم، وتطبيق قانون استخدام التذاكر وإصدار المخالفات للمخالفين حسب القانون، وكذلك تقديم المعلومات والإرشادات إلى العملاء.

ولفتت أيضاً، إلى أنها تود فقط الكشف عن فعالية البطاقة المستخدمة لدي. وعدت بعدها، إلى استكمال قراءتي عبر الهاتف المحمول، فطالعت نقطة مهمة تبين ان إدارة المترو لديها مذكرة تفاهم موقعة مع القيادة العامة لشرطة دبي، بشأن خدمات الأمن في مترو دبي، والمتعلقة بتطبيق القانون وحفظ النظام، ومن بنودها: استلام البلاغات والتحقيق فيها، كشف الجريمة والضبط والتوقيف والتحري عن المشتبه فيهم، منع وقوع الجريمة، الإخلاء في حالة الطوارئ والحوادث بالتعاون مع المشغل، دراسة وإعداد تقارير دورية عن الوضع في العربة والمحطات.

وفي هذا الخصوص، أكد مطر الطاير، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لهيئة الطرق والمواصلات، أن هذه الخطوة أتت في إطار المبادرات المستمرة للهيئة لجعل مرافق البنية التحتية لإمارة دبي وعلى رأسها مترو دبي على أعلى مستوى من السلامة .

وقال:" إن النظام الجديد يضع مترو دبي في إطار التخطيط الفعال والمتكامل لنظام النقل والمواصلات بالإمارة، مشمولاً بنظام لوضع المعايير الفنية وتقييم السلامة لعربات المترو في إمارة دبي، بالإضافة إلى وضع وتقييم قوانين السلامة الخاصة بمشغلي العربات، والتحقيق في الحوادث المتعلقة بالعربات.

 

عالم فريد

لا جدال في ان رحلة معرفية من هذا القبيل، ضمن عوالم مترو دبي، تجعلك تصل إلى خلاصة أكيدة، مفادها أن البحث عن مكنون التواصل والتفاعل بين مختلف الأفراد، من عدة ثقافات، في هذا المحيط، يكشف الكثير من التوصيفات العامة حول غنى الحياة الإنسانية، وأهمية مساق حيوي للانفتاح والتلاقح الفكري والمجتمعي، بين الناس، عبر صيغ غير رسمية، بل حيوية ومباشرة، مثل حال مترو دبي.

وربما أننا أصبحنا نحتاج فعلياً، إلى دراسات علمية يقوم بها متخصصون، تكشف لنا مدى البعد الحضاري الذي أخذ يسوغه ويشكله هذا المشروع، ذلك عبر أنماط انفتاح تدريجي تتيح للأشخاص معرفة لثقافة جديدة للحياة ضمن دبي، عبر دراسات وتقارير سنوية.

أصداء أحاديث في عواصم العالم تتنقل مع الركاب فوق الأرض وتحتها

لوحة بانورامية جمالية، ترسمها حكايات المترو وقصصه الشيقة، على امتداد عواصم العالم، مجسدة مشاهد كثيرة في تلافيف حياة الناس، اليومية، تبقى نابضة متوهجة في عمق الذاكرة، بتأثير منحاها الإيجابي وزخمها الشعوري البناء، لما ينسجه تأثير التنقل عبر المترو واحتكاك الأفراد، من ألفة مجتمعية، باتت تتجذر أكثر، فتتزين معها نكهات عراقة المترو في لندن وباريس والقاهرة وبرلين، بمضامين ثقافة المكان ومفاهيمه الجمالية.

 

ومضة حنين

لا يمكن ان تنسى أبداً مشهد الشوارع والطرقات والسيارات التي يزيد عددها على الثلاث، ضمن الشارع الواحد، في عواصم عديدة في العالم. إذ كانت تبدو هادئة تحافظ على البيئة ولا يصدر منها أي تلوث صوتي. ولكن هذا المشهد الذي برز في بداية القرن الماضي، ربما كان يعكس معاني كثيرة مقترنة بطبيعة الحياة، آنذاك، اكتملت وتكللت مشهديته مع رونق المترو.

وهو يتهادى في أنفاقه وممراته، فوق الأرض وتحتها، فكان يتجسد بحيويته في السينما، ضمن مزيج جاذب لمسناه وخبرناه مع أفلام الأبيض والأسود في السينما المصرية، فضحكنا وعشنا الهدوء وأدب سلوكيات الشارع مع مختلف حكايات المترو وأدواره، الى جانب ملامح جماليات الشوارع والطرقات التي كانت تغسل ليلاً بسيارات مياه خاصة، ومن ثم تجفف، الأرصفة للمارة فقط.. وما كان يحكم سيرورة ذلك، قوانين من نوع خاص، راسخة في الضمير وفي آداب الطريق، طالما حثت أيضاً على الحفاظ على جماليات «ذهبت مع الريح»، حاليا.

 

مترو مصر

يبرز لنا في مخزون قصص المترو وحكايات نشوئه، الكثير من المواقف التي تحكي عن وظيفته ومروياته وأساطيره. ويبرز ذلك، مترو مصر الجديدة، العريق جدا، على المستوى العربي والعالمي، حيث تأسس في العام 1910، وذلك طبعاً بعد المترو الإنجليزي الشهير، والذي يشق الأرض:"مترو الأنفاق".

حكايات فريدة تختلط بقصص مترو مصر الجديدة، تلك الضاحية الأرستقراطية الهادئة المتميزة بجماليات شوارعها وعراقة مبانيها التي تعكس طراز المعمار الإيطالي «الباروك»، وأيضاً الطراز المعماري الإسلامي، وذلك في تناغم هادئ وجميل.. فهو يجوب مصر الجديدة، بلونيه، الأبيض والأخضر، مخترقا شوارع تلك المنطقة، وناشراً جماليات وقصصاً ممتعة.

ويرجع تاريخه إلى العام نفسه الذي شهد تسيير أول خط لمترو مصر الجديدة أو "هيليوبوليس"(1919)، وهو الاسم المتداول لهذا الحي الوديع والرائع، والأرستقراطي الملامح. أنشأ هذا المترو، مؤسس حي مصر الجديدة، البارون أمبان، بعد رحلة له في الهند، جاء بعدها الى مصر، واختار مكاناً صحراوياً بالقرب من القاهرة، لتأسيس حي مصر الجديدة وقصره الشهير.

 

بدايات

كان أول خط لمترو مصر الجديدة، يربط منطقة روكسي بمنطقة كوبري الليمون، وكان لا يزيد عدد الركاب خلال العام الواحد، على الـ 4800 راكب. ومن ثم أسست الخطوط المتشابكة لمترو مصر الجديدة، تباعاً، حتى أصبح يربط مصر الجديدة مع جميع أماكن القاهرة وضواحيها، وكان المترو في بداياته، يقوم بنقل الموظفين محدودي الدخل، وأصحاب المعاشات.

وأما اليوم، فبات يستخدم من قبل جميع الناس، ليصل عدد من يقلهم الى أماكن مختلفة، في اليوم الواحد، الى نصف مليون راكب، وذلك خلال كافة فترات النهار، من الساعة الرابعة والنصف صباحاً، وحتى الثانية بعد منتصف الليل.

 

مشهد راسخ

إن الناظر من أي نافذة أو شرفة تطل على المترو المتشعب، يتخيل للوهلة الأولى، أن هناك حادثاً مرورياً وتلتف حول موقعه مئات البشر، ولكن في الواقع هؤلاء ليسوا إلا أناساً يتحلقون في سلام نسبي على محطات المترو، وذلك فقط للذهاب إلى أعمالهم. ويستخدم المترو في المجتمع، حالياً، من شتى الفئات، بدءاً من الطبقات العادية، ووصولاً إلى ما تحت الوسطى.

 

سينما المترو

لمترو مصر الجديدة، مشاهد كثيرة في الفن السابع المصري، ومن أشهر الأفلام في هذا الصدد: «الوسادة الخالية» للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ولبنى عبد العزيز، إذ يبرز فيه المشهد الخاص حين كان يسير عبد الحليم حافظ، بجوار مترو مصر الجديدة، في شارع السباق الأشهر في مصر الجديدة، في الخمسينيات من القرن الماضي، وذلك فقط ليرى صبية يطلون من شرفة بناية من طراز الباروك.

والذي اشتهر به هذا الحي. كما يعد فيلم «أحلام هند وكاميليا»، من بطولة الفنان الراحل أحمد زكي ونجلاء فتحي وعايدة رياض، أحد الأعمال الخالدة في هذا المجال، ويعكس جملة حالات وحكايـــات اجتماعية، تتفاعل وتتناغم بين مجموعة أفـراد كان يستخدمــون المترو كونه وسيلـــــة مواصلات متواضعـــــة التكلفة المادية. وفـــــي هذا الخضـــــم، نجد في سيناريو الفيلم، كيف اشتعلت، ضمن المترو، قصة حب في ما بين عايدة رياض وأحمد زكـــي.

 

مترو أنفاق القاهرة

هناك الآن، تحديث آخر يتمثل في مترو الأنفاق الذي يشق الأرض ليجوب بسرعة فائقة، جميع أحياء القاهرة. ويعد مترو الأنفاق في القاهرة، نظام مترو متكاملا تحت الأرض، فريدا من نوعه في إفريقيا والعالم العربي، وتم افتتاحه في العام 1987، ويعمل فيه ما يقارب 10 آلاف وموظف.

ويقدم للركاب ميزات خدمات اجتماعية متنوعة، مثل التذاكر التي تدعمها الحكومة للطلاب وأفراد الشرطة والجيش، وكبار السن الذين لهم مقاعد خاصة ومقاعد مزودة بعجلات: «ويل تشير» لتسهيل عملية تنقلهم. كما توجد وحدات منه مخصصة للسيدات فقط. ويمثل مترو الأنفاق في مصر، أحد أهم وسائل المواصلات، إذ يربط أنحاء القاهرة جميعها، وينقل ما يقرب من 60 ألف راكب في الساعة، وبواقع زمني، هو مرور مترو خلال كل خمس دقائق، وبسرعة قصوى تبلغ 150 كم/ساعة.

 

محطات عالمية

يقودنا الحديث عن مترو الأنفاق، وبالضرورة، الى إلقاء الضوء على مترو الأنفاق الإنجليزي الكلاسيكي، والذي يطل من خلال التاريخ البريطاني الحديث، فهو يعتبر الأطول والأقدم والأبرز في العالم كله، وهو بمثابة الشريان الحي النابض لقلب وأطراف العاصمة البريطانية لندن، ولا يمكن لسكانها أن يستغنوا عنه فقط، فهو نظام مواصلات جبار في هندسته وعريق في تاريخه.

بدأت خدمات مترو أنفاق لندن في العام 1863، ويبلغ طول أنفاقه تحت الأرض، 408 كم تقريباً، ويستفيد من مترو أنفاق لندن ما يقرب من ثلاثة ملايين راكب يومياً. وتكمن آلية استخدامه في تقسيم هذا النظام إلى خطوط محددة ومعروفة بألوان واضحة، ولكل خط لون محدد، ويستطيع الركاب تغيير مسارهم للانتقال من مترو الى آخر.

ويسهم مترو الأنفاق اللندني، في رفد اقتصادات البلد، إذ يدر يومياً مليار جنيه استرليني، سواء من قيمة التذاكر أو الإعلانات الموجودة فيه، أو تلك الإعلانات الموجودة على جدران محطات، وكذا الخدمات التي يقدمها، خاصة في المحطات، وذلك مثل بيع الكتب والمجلات والصحف والتسجيلات المختلفة للأغاني والأفلام. وكذلك المقاهي الصغيرة والصيدليات وخدمات الإسعافات الطبية.

 

.. في مدينة الأنوار

جميل وحديث كالعاصمة باريس نفسها. وكذا عريق كفنها وثقافتها ويشكل جزءا من منظومة الأناقة فيها.. هذه هي حال مترو الأنفاق في العاصمة الفرنسية باريس، الذي يعد جميل الشكل من الخارج والداخل، ويجد الراكب فيه، لذة في الاستماع الى الموسيقى الهادئة التي تنساب في أجواء عرباته، والتي تمثل مضمون فلسفة غير مباشرة مرماها تهدئة الراكبين المتوجهين لأعمالهم ومنحهم فرصة الاسترخاء. والهدف من ذلك زيادة انتاجية الفرد، وأيضاً الحفاظ على إنسانيته.

 

ألق مترو برلين

استعادت برلين، كعاصمة لألمانيا، ألقها بالنسبة لدور وقدم المترو فيها، وذلك بعد توحيد الألمانيتين في العام 1990، حيث تشتمل على واحد من أعرق خطوط مترو الأنفاق في العالم وفي أوروبا خاصة، وتم تحديثه بشكل مميز. ويرتاده يومياً قرابة المليون راكب، خلال الفترة الصباحية، وهو يمتاز بجمالياته وهندسته الفائقة فيما يخص سلامة الركاب.

 

470 محطة في نيويورك

يعد مترو الأنفاق في نيويورك، من أقدم نظم المواصلات في الولايات المتحدة الأميركية والعالم، وأكبرها، وله 470 محطة، وتمتد خطوطه تحت الأرض لمسافة 230 ميلا، ويخدم يومياً 6 ملايين راكب؛ ويؤمن سلامة الركاب بشكل تام، وهو مزود بكاميرات تحسبا لوقوع أي جرائم.

 

مترو كلاسيكي

لا يمكن لنا أن نفعل مكانة المترو العريق في مدينة الإسكندرية في مصر، الذي بمثل واحدا من أعرق نظم المواصلات وأكثرها كلاسيكية في العالم العربي. ويسير مترو الاسكندرية فوق الأرض، ويتميز بأنه بطابقين، وأزرق اللون، وكذلك يتضمن لوني :

الأبيض والأصفر، وهو يشق مدينة الإسكندرية طولاً، بدءا من منطقة المصايف المعروفة إجمالاً بـ «رمل الإسكندرية»، وحتى وسط المدينة حيث أشهر الفنادق الإيطالية والفرنسية، وكذلك أماكن الترفيه ومراكز التسوق ودور العرض.

 

«إقرأ أكثر»

 

يعد مشروع "اقرأ أكثر"، الذي استهدف طلبة المدارس بمختلف الفئات العمرية، أحد أبرز المبادرات التي قامت بها هيئة الطرق والمواصلات في دبي ضمن هذا المجال ( مترو دبي). وعمدت مؤسسة القطارات ضمن الهيئة، الى إطلاق مبادرات متنوعة ترمي إلى تشجيع القراءة بكل اشكالها، عبر مختلف أوجه الدعم، كما أنها تستقبل المقترحات في المجال، وذلك من خلال برنامج "فكرتي"، عبر موقعها الإلكتروني، حيث تدرس الفكرة، ويتم تكريم اصحاب الافكار الخلاقة.

 

 

صديق للبيئة

 

اعتمدت هيئة الطرق والمواصلات في انجاز مشروع مترو دبي، خطة ورؤى عمل دقيقة تجعله صديقا للبيئة، من خلال سيره بالاعتماد على الطاقة الكهربائية، ذلك بصفتها طاقة نظيفة مائة بالمائة. وتقدر الهيئة التكلفة التشغيلية للمشروع ما بين 550 إلى 630 مليون درهم سنوياً، إذ تغطى من إيرادات المترو.

 

 

«المترو الأبيض»

 

المترو الأبيض فوق الأرض في القاهرة، هو واحد من الأقدم في العالم، حيث أنشئ في العام 1786، وكان مقتصراً على وسط القاهرة القديمة المعروفة باسم العتبة الخضراء، وكان مخصصاً لنقل الموظفين من أماكن أبعد قليلاً، ليصل الجميع تلك المنطقة الحيوية المعروفة باسم «العتبة الخضراء» الموجود بها واحد من أكبر مراكز البريد في العالم «بريد العتبة»، وهو الأعرق، وظهر المترو الأبيض في ما بعد، في العديد من الأفلام المصرية القديمة، ومنها فيلم «العتبة الخضراء» من بطولة إسماعيل يس.

 

 

الخط الأحمر

 

يضم الخط الأحمر لمترو دبي، مرآبين. يقع الأول في الراشدية، والثاني موجود في جبل علي. ويضم كل مرآب مركزا للتحكم بتشغيل أنظمة العربات والتأكد من سلامة الأبواب والمكابح والمحركات، في كل عربة على حدة، إضافة إلى سلامة مكيفات الهواء وبقية الأنظمة الإلكترونية الفرعية المتطورة.

كما يضم مجموعة ورش لتنفيذ أعمال الصيانة، واخرى لغسيل العربات وتنظيفها. ويحتوي مرآب الراشدية مواقف مكيفة تتسع لـ 64 عربة. كما ويقع مرآب المترو في جبل علي، على مساحة 110 آلاف متر مربع. ويضم مواقف للعربات، وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمرآب 40 عربة.

 

 

خطة أمنية محكمة

 

اتخذت شرطة دبي، الإجراءات اللازمة لتغطية مترو دبي أمنياً، خصوصاً في ما يتعلق بمنع ارتكاب الجرائم المختلفة، مثل السرقات أو غيرها من الظواهر التي ربما تحدث في مثل هذه المرافق. ورصدت مبلغ 90 مليون درهم كميزانية خاصة بأمن مترو دبي، وهي تتضمن الرواتب والمعدات وكافة المستلزمات الأمنية التي يتطلبها تأمين المترو.

وشملت المرحلة الأولى وضع المبادئ الأساسية للتطبيق، وتحديد وتجهيز الفريق المطلوب للعمل في أمن المترو، حيث حُدد العدد المطلوب للمهمة بـ 800 فرد من الضباط، تم تقسيمهم على أربع مجموعات تتضمن كل مجموعة 200 فرد.

 

 

المترو «الروسي»

 

يعكس المترو وقصصه، أحداث رعب، ضمن فيلم روسي باسم «المترو»، وهو من نوع أفلام الرعب، ومن إنتاج العام 2011. إذ لعب فيه دور البطولة: آرتم مينليك وفلاديمير أولمان. وتدور أحداثه في أجواء من الرعب والجريمة والخيال العلمي، حيث يركز الفيلم على قصة 40 ألف شخص استقروا، داخل مترو الأنفاق في أماكن متعددة من موسكو، بعد علمهم بوجود قنبلة وشبكة الانفجار في أحد الأماكن فوق الأرض في موسكو. وينتهي الفيلم بعد أحداث تحبس لها الأنفاس، بخروج قلة من الركاب من مترو الأنفاق لإبطال مفعول القنبلة وشبكة الانفجار.

 

Email