رائدات المسرح في الإمارات حكايات ومواقف وتحديات

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن من السائد في الإمارات قبل قيام الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971،دخول المرأة عالم الفن المسرحي، والذي شرع يحقق انتشارا لافتاً مع قيام الدولة الاتحادية. وفي هذه المرحلة، كانت فتيات عديدات على استعداد للإسهام، في عملية التغيير الجذري التي بدأت تظهر بوادرها في الحياة العامة، إذ مثّل المسرح، في هذا الخضم، وسيلة تنموية جوهرية، وبذا تحملت رائدات مبرزات، أمثال: موزة المزروعي وسميرة أحمد ومريم سلطان، أعباء المشاركة في إيقاد

جذوة تمدده وحيوية دوره المجتمعي الشامل ليطال مختلف القضايا، وليضم كافة الشرائح . اصبح المسرح في الإمارات ،بعد قيام الإتحاد مفتاحاً لحياة جديدة، تحمل فيها الفنانون الذكور، الكثير من المعاناة. إلا أن الرائدات المسرحيات، كن الأكثر تضرراً، كونهن قاسين متاعب متنوعة، تلك الآونة.

ووقفن بقوة وتصميم وتحدٍ، أمام جميع العقبات المجتمعية المكبلة، فلم يلن أو يتنازلن إلى أي من الضغوطات، لأنهن آمن بدور المسرح كرسالة فكرية وقيمة نبيلة. فصحيح أن قسوة المجتمع الذكوري، تلك الفترة، وإزاء هذه المسألة بشكل خاص، اتسمت بالقسوة، لكن اللافت أن إرادة رائدات المسرح الإماراتي وعزمهن، نقطتان جعلتاهن صاحبات مبدأ راسخ، ومتسلحات بإيمان قوي بالعمل يدفعه ويذكيه حبهن المسرح.

وكذا يقينهن بأهمية دوره التنموي والحضاري في المجتمع، خاصة وأنهن، حينذاك، يعشن بوادر سنوات الانفتاح في مختلف أشكاله، على عالم متنوع ورحب، أصبح بالنسبة إليهن (العالم)، ومع تلك الحال الجديدة، بمثابة قرية متاحة أمامهن، يستطعن التجريب فيها، وكذا التأثير وممارسة عملية الإغناء المتبادل.

 

موزة المزروعي.. إنجاز وأثمان

هناك ثمن، بل أثمان كبيرة، دفعتها رائدات الإبداع المسرحي في الإمارات، مثل : موزة المزروعي وسميرة أحمد ومريم سلطان، جراء الخوض في هذا المجال. فمهمتهن لم تك سهلة أو مفروشة بالرياحين، بل تلون مشوارهن بالمعاناة المضاعفة.

ولكن دواخلهن كانت تعتمل بإرادة التحدي والرغبة في إثبات ضرورات وجدوى حضور المرأة الإماراتية في المسرح، ذلك في ظل، وضمن، محيط عالم طفق يتغير ويتطور. وهكذا وجدت الفتاة موزة المزروعي، نفسها، أمام إغراء العمل في مسرحية "فرح زايد".

ولم تك قد سبقتها، حينذاك، أي من قريناتها في مثل هذه المغامرة. ولكن موزة وعت أهمية التحدي، فأقبلت على التمثيل في هذه المسرحية بكل حماس وثقة، محفزة، برؤى وتوجيهات قائد المسيرة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، إذ حرص، رحمه الله، على أن يتيح كافة الوسائل وأن يفتح الأبواب على مصراعيها، أمام مواطني الدولة، لتحقيق الاندماج والتفاعل النوعيين، مع العالم المتحضر. وذلك في شتى الحقول، وعبر كافة السبل.

هكذا كانت حكاية البداية، إذ سجلت موزة المزروعي اسمها كأول فتاة تعمل في حقل المسرح، وذلك في عرض قدم بمناسبة افتتاح المسرح القومي للشباب في دبي عام 1972. فأدت دورها في المسرحية، بنجاح، وكانت الفتاة الوحيدة فيها، وشاركها في العمل، عدد من الفنانين الرواد.

انطلقت موزة المزروعي، بعد "فرح زايد"، بثقة واقتدار، في مشوار تميزها، فتعاونت مع مسرح دبي الشعبي. ولكن ذلك المشوار كان محفوفاً بالمخاطر، وخلف إفرازات خطيرة، إذ راح بعض الأشخاص يتكالبون في تهديداتهم ووعيدهم لها، محتجين بأن هذا المسار لا يلائم المرأة في مجتمع محافظ.

ولكن رد موزة كان الأنجع في وجه جميع هؤلاء، إذ لم تعر بالاً إلى أي من كلام التخويف والتخوين، بل على العكس، قابلت تلك الحال، بالمزيد من العطاء، ومضاعفة العمل، إلى جانب التزامها بعزيمة أقوى وأرسخ. وبذا مضت تشارك في أعمال مسرحية متنوعة، وذلك بموازاة انتسابها إلى شرطة دبي، كأول شرطية.

وطبعاً لم يخضعها ذاك السيل من الاتهامات والتأكيدات بجدية التهديدات، لأنها كانت مصرة على طريق الإبداع المسرحي، وكذا العمل الشرطي. حتى ولو أن الضغوطات غدت تتواتر وتتضاعف، فطالت مستويات وأطر متعددة، ومنها: إطلاق أقاويل ونعوت تعتبر أن موزة المزروعي خرجت عن مجموعة القيم والأخلاق العامة..

ووصل الأمر، حينها، حد تهديدها بالقتل، وتحكي موزة في هذا الخصوص، عن تجربتها في العروض، خلال فترة تهديدها بالقتل، موضحة إنها لم تستسلم أو ترضخ فتغيب عن المسرح، وهكذا ذهبت إلى رأس الخيمة للمشاركة في عروض إحدى المسرحيات هناك، دون أن تبالي بواقع ومخاطر كون رأس الخيمة، تلك الفترة، لا تتضمن مسرحاً بالشكل المتعارف عليه حالياً.

وهو ما يجعل مخاطر التهديدات بالقتل الموجهة إليها، أكبر ومتاحة أكثر..إلا أنها، لم تتراجع أو ترهب، فغادرت إلى رأس الخيمة وقدمت العرض، وكانت الشرطة، خلالها، حريصة على المراقبة عن كثب، ومتابعة جميع الحضور عقب أن فتشتهم بدقة، خوفاً من حمل أحدهم أداة ما قد يستعملها في قتل موزة.

 

مرحلة مهمة

راكمت موزة المزروعي تجاربها، وأخذت تصقل موهبتها، يوما بعد آخر، فغدت حاضرة ومؤثرة في الساحة الإبداعية المسرحية الإماراتية، وهكذا عاصرت جملة أحداث تغيرات وتطورات، كان من بينها معايشتها ومواكبتها فترة التأسيس في مسرح دبي الشعبي. وربطتها، حينها، علاقة طيبة مع خادم سرور، والذي تقول عنه، في حديث لها : "كان خادم سرور عسكرياً، قبل أن يكون راعياً فنياً في جمعية دبي للفنون الشعبية والمسرح، وكان مقرها في المنامة".

كما عاصرت موزة مراحل البدايات التأسيسية، بالنسبة إلى مسرح الإماراتي، بوجه عام، تحديداً في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وعملت مع معظم المسرحيين الشباب الذين يمثلون المراحل المختلفة في نشوئه وتطوره، أمثال: يوسف يعقوب، أحمد الأنصاري، عبد الله صالح، جمعة غريب، محمد سعيد، المرحوم إسماعيل محمد، عادل إبراهيم، عبيد علي، سميرة أحمد. وأيضاً غيرهم الكثير من الذين يمثلون تلك المرحلة الصعبة في حياة المسرح.

موزة المزروعي امرأة عصامية، ورائدة مميزة، وذلك ليس في المسرح فحسب، بل في الحياة بشكل عام، إذ إنها أدت دورها ومهامها الوظيفية في شرطة دبي، على أكمل وجه وبكل إخلاص وتفان، رافضة أن تؤطرها أو تثنيها أية عقبات. ومارست تجربتها الإبداعية مع كافة الجهات، فتنقلت ما بين: المسرح القومي للشباب- 1975، مسرح الشارقة الوطني، المسرح العربي في الشارقة، مسرح الاتحاد، مسرح الإمارات، ثم مسرح دبي الشعبي.

وبطبيعة الحال، لم تكن الأجواء التي عاشتها موزة، خلال مراحل تجربتها، سحرية حالمة. ولم يفرش السجاد الأحمر تحت قدميها، بل كانت الطريق في أحسن الأحوال، غير معبدة، وطالما اعترضت دربها، في الوصول إلى حلم، صعوبات جمة جعلت المشوار ممزوجاً بطعم المعاناة، إلا أنها ظلت تقاوم، وبقيت توقد جذوة الحماس والاندفاع في نفسها، شاحذة همة عطائها وتجددها لتحقيق هدف محوري في بنية الثقافة المجتمعية: المسرح الفاعل والمؤثر الذي تشكل المرأة جزءاً حيوياً فيه.

ونجحت في ترسيخ معالم الدرب، ومهدت الطرق فجعلتها سالكة. كما أنها أبت أن تقبع خلف الأضواء، وتنأى عن الساحة، فاختارت أن تواصل العطاء في هذه الفترات، حتى وإن كان ذلك بأشكال مغايرة، وربما رمزية أحياناً، إذ نجدها، وإلى الآن تحاول ترك بصماتها في مختلف الميادين، ولا تنقطع عن العمل الثقافي، كذلك تحرص على عدم الغياب، قدر المستطاع، عن التظاهرات الثقافية والمسرحية.

 

سميرة أحمد.. تشويق الإبداع

حكاية مؤثرة وفريدة وسمت وعنونت مشوار بروز وتألق إحدى أهم رائدات المسرح والدراما في الإمارات: سميرة أحمد.. تلك الفنانة التي حجزت مكانة رفيعة، ليس في ساحات المسرح والدراما المحليين فحسب، بل على صعيد العالم العربي أجمع، فلقيت مع تميز إبداعها، كبير التقدير من عدة جهات، ونالت إثرها، جوائز مسرحية عربية مرموقة.

مؤكدة ومرسخة حقيقة كونها من المميزات ضمن الصفوف الأولى لقامات الفنانات العربيات المبرزات. مزج المعاناة والألم بالتصميم، فتحويل العذابات وصفة تصميم على النجاح والوصول إلى الهدف المراد. هذا فعلياً، ما يلخص جوهر قصة إبداع سميرة أحمد وسطوع نجمها في عوالم المسرح والفن عموماً، فإذا كانت موزة المزروعي، قد تعرضت إلى التهديد بالقتل، فإن الفنانة التي عشقت المسرح منذ كانت صغيرة:

سميرة أحمد، عانت ما يفوق قدرة امرأة على الاحتمال، جراء تعلقها بالمسرح وإصرارها على خوض غمار مساره الإبداعي، منذ أن كانت في عمر الزهور.. إنه عشق صوفي للمسرح جعل سميرة تلتحم بروحيته ولا تبرم من الأعباء التي يرتبها، ومن ما يخلفه من ويلات كابدتها، ولكنها تصدت لها بشجاعة وإصرار كان يزيد في كل مرحلة.

وفي الأجواء تلك، احتملت في هذه السبيل، توبيخ عائلتها لها، وقيام أفرادها، بضربها ومن ثم تكبيلهم حريتها، فالحجر عليها ومنعها مغادرة المنزل.. ولكن ذلك جميعه ما كان يجعلها إلا شعلة عزم تتنامى لتتكامل وتتناسق في بوتقة حلمها الكبير في أن تصبح فنانة مشهورة..

هكذا وجدت سميرة في كل طور من عذاباتها هذه، ثمناً لا بد منه إزاء خطوات وأكلاف الثمن الباهظ لحلم النجاح وولوج باب المسرح متجاوزة أية عقبات مجتمعية واهية، وراضية بأية خسائر تتحملها نتيجة عنادها، مصيرها أن تنسحب على حياتها الأسرية وكذا علاقاتها الاجتماعية.

 

..لا رضوخ

حصار كبير استخدمت خلاله الأسرة جميع الأسلحة، لغرض ثني سميرة أحمد عن عزمها، وإطفاء شعلة ولعها في المسرح.. فكان من أوضح وأبرز ما قاسته أثناء فترة بدء حياتها المسرحية والفنية، أن فرضت عليها العائلة الإقامة الجبرية في المنزل، دون السماح لها بالخروج من البيت، لأي من الأسباب، وكانت إقامتها تلك، مصحوبة بالإهانات والضرب.. وتسرد سميرة جملة تفاصيل وحيثيات عن تلك المرحلة، فترسم لنا صورة لمكنون معاناتها، حينذاك. ومن بين ما تقوله في هذا الخصوص: "عمي تبرأ مني.

. قال هذه (مو بنت أخوي ولا أعرفها).. ذلك لأن لديه مركزاً اجتماعياً كبيراً في المجتمع، آنذاك، وله مكانة كبيرة.. وافتعل المشاكل مع والدتي إذ كنت يتيمة، حيث توفي والدي حين كان عمري تسع سنوات، وكان المجتمع ينظر إلي نظرة دونية، بمعنى أني إنسانة لا قيمة لها، وعيب علي أن أدخل في مجال التمثيل".

لم تتقبل تلك الفتاة اليتيمة فكرة أن تثبطها او تفشلها المعيقات، مهما كان سببها، ومن أي الأنواع كانت.. وبذا أفلحت في تسطير صفحات نجاح، ممهورة بتميز بصمتها الفنية، ومعطرة بقيمة معاناتها وجهدها وتعبها طوال سنوات مؤلمة بقي خلالها التحدي والتصميم، محركاً ومحفزاً لخطوات سميرة، سعياً إلى أن تثبت للناس ولنفسها، بأن الفن هو من أرقى مكونات الرسالة الفكرية المجتمعية.

ولا بد للمرأة أن تكون حاضرة ومؤثرة فيه وعبره. وهكذا كان حقاً، إذ وصلت سميرة أحمد إلى ما ابتغت وعملت من أجله، ولكن مجموع الضغوطات التقليدية المجتمعية استمرت تجبهها فأدت إلى بعض العواقب في حياتها، ومنها إسهامها في تأخر زواجها.. وكذا عانت من ويلات وتقولات المجتمع.

والتي كانت تترادف بلا رحمة أو توقف، إلا أنها لم تيأس فتجعل للهزيمة والتقهقر طريقاً إلى نفسها، فطالما بقي ردها بالعمل المضاعف، حاضراً وراسخاً لا يتزحزح، فتابعت في كل محطة، ومع كل طارئ، تقديم منتج مسرحي غني، وتأكيد قيم التزامها وصحة ورزانة مسارها ومسلكها الحياتي، بالتوازي مع إمتاعها وإفادتها الناس من خلال أعمال هي غاية في اتسامها بغنى المضمون وجديته ورفعته.ها هي سميرة أحمد..

تلك الفنانة التي عانت الأمرين، ودفعت أثماناً باهظة، جراء إصرارها على الفن ورسالته، تشهد وتعيش المفارقة الكبيرة المحيرة، حالياً، في شأن أحكام المجتمع ذاته، ما بين تلك السنوات من التحدي ونظرة الناس إليها وإلى فنها خلالها، من جهة، وواقع الحال الآن، في هذا الخصوص حيث تكرم ويحتفى بها، من جهة أخرى. وأيضاً، حيث دخلت عالم التمثيل، عشرات الفتيات، من مختلف العوائل.

وعن هذه النقطة تحديداً، تقول سميرة: "لا أزال أقارن بين ذاك الزمان، الذي كنت في نظرهم خارجه عن مبادئ المجتمع وعاداته وتقاليده ومبادئه، ومسيئة لسمعة العائلة، وبين هذا الوقت الذي أكرم به من أعلى الجهات الحكومية، وأمنح الجوائز والتقدير، وأحاط بالمحبة والرعاية".

وكان اللافت، أن سميرة أحمد حظيت، منذ البدايات، بدعم وتشجيع بعض الجهات والأفراد، في تلك الأيام والسنوات العصيبة، وبذا لم تك تقف وحيدة في مواجهة محنتها. وكان في مقدمة هؤلاء، أعضاء مسرح دبي الشعبي، وعلى رأسهم خادم سرور، الذي كان له كبير الأثر على عائلة سميرة، في إقناعهم بنبل العمل الفني واقترانه بالقيمة والشرف والإخلاص، ذلك على عكس ماهية الصورة والفكرة الموجودة في الأذهان، حينذاك.

وتعهد سرور للعائلة، بتحمل المسؤولية الكاملة عن سميرة أحمد وأعمالها ومسيرتها، وأعانه في مساعيه تلك، المخرج عبد اللطيف القرقاوي، والذي تعرض أيضاً، إلى تهديد من الأم. وتحكي سميرة عن هذا الموقف: "كانت هناك محاولة من الفنان عبد الله المناعي والأستاذ المخرج عبد اللطيف القرقاوي.. وأذكر مرة، من كثر ترددهم إلى البيت ومطالبتهم بعودتي إلى المسرح، أن خرجت لهم أمي بعصا. وقالت: (والله لو شفتكم مرة ثانية بباب بيتي راح أخبر الشرطة عليكم)، ومن يومها لم يأتيا".

 

مريم سلطان.. كرمى لعيون المسرح

لم تكسب شيئا من الفن، لكنها اختارت أن تكون الجذوة والشمعة، فمهدت الطريق أمام قريناتها من الأجيال اللاحقة، عقب أن ذللت كثير الصعاب وكبيرها.. ذاك هو التوصيف الحقيقي للرائدة المسرحية الإماراتية، الفنانة مريم سلطان، التي ذاقت الأمرين في حياتها كرمى لعيون المسرح، فرفضت أن تنصاع إلى أي من الظروف القاهرة المفروضة عليها لإرغامها على التراجع عن السير في هذه الطريق.

وهكذا اختارت أن تنخرط متطوعة في المسرح بداية، ومن ثم لم تتوان عن بذل كل ما لديها في سبيله ولأجله، حتى مع ما لاقته من اضطهاد وعذاب وتحدٍ مجتمعي، وذلك من قبل عدة جهات، بدءاً من الزوج، ومروراً بالعائلة، فالمحيط عموماً.

تحملت مريم مرارات وحسرات لا قبل لإحداهن بها، لكنها بقيت امرأة عصامية مهمومة برسالة الفن ودور المرأة فيه، ومع الأيام أثبتت أهمية حضورها وقيمة مسعاها، فتحقق لها ما أرادت وتجاوزت لمعيقات، إلى أن نجحت في الانخراط في الفن المسرحي بقوة، وتأكيد أهمية الرسالة الفنية والثقافية التي تؤديها المرأة عبر المسرح، مشرعة بذلك، كافة الأبواب، أمام بنات جنسها، ليستطعن، كما الحال راهنا، الوقوف بحرية أمام الجمهور أو عدسات الكاميرات.

ومن ثم يثبتن أنفسهن، ويقدمن منتجاً نوعياً.. تلك هي قصة أم عادل.. المرأة التي لم تعر كبير اهتمام للتكسب المادي، فبقيت أمينة لرسالتها، مخلصة للعمل في سبيل تجسيد رؤى هاجس بقي يقلقها ويحركها: الإبداع المسرحي والفني، وتحقيق الحضور النوعي الفاعل للمرأة الإماراتية فيهما.

استمرت مريم سلطان معلماً يشار إليه بالبنان حين يراد التدليل على المبدعة التي ظلت تعطي ولا تأخذ، شأنها في ذلك شأن بنات جيلها من المبدعات ضمن مختلف الحقول، اللواتي تحملن ما لم يتحمله غيرهن، فأصبحت تضرب بهن الأمثال لصراعهن مع المعوقات التي واجهنها في تلك الفترة المفصلية في التأسيس لركائز ومقومات العمل الإبداعي في المجالات كافة، وخاصة في المسرح.

إن مريم سلطان التي استحقت لقب أم المسرحيين، لهي نموذج نبيل للرائدات في مسرح الإمارات..إنها من النساء اللواتي قدمن من وقتهن وحياتهن ومواقفهن، خدمة للمسرح وتعزيزا لدوره، وذلك حتى ولو أنه لم يبادلها أعمالها بالفائدة المادية، إذ لم تحصل منه سوى على التعب والمعاناة، فدفعت من حياتها وشبابها من أجله دون أي مغنم مادي. هي رائدة حقيقية دخلت مع الرعيل الأول من الفنانات اللواتي طرزن المسرح في تلك الحقبة الصعبة من الزمن، ولا تزال، كما لا يزلن، صامدة في موقعها ومتحملة لعبء مسؤوليات أرادتها واختارتها، طريقاً ومصيراً.

 

كلمة وفاء...

لا أظن انه بمقدورنا، ومهما حاولنا أن نلم في حبكة السرد، أن نوفي هاتي الرائدات المسرحيات في الإمارات، كامل حقهن.. فهن جديرات بكل ثناء وتقدير وتبجيل، لما حققنه من انجازات كانت تعد قصية ومستحيلة في المجتمع.. إن كل واحدة منهن سطرت بحروف من ذهب، قصة عذبة عبر مسيرتها الإبداعية، كان حبرها ذخر الإرادة والتصميم، وصفحاتها العزم على هزم المعاناة وتخطي المعوقات.

ولا بد لنا من الإشارة في هذا الصدد، إلى أسفنا حيال ترك بعضهن المسرح، إذ اخترن، إما الاستسلام والابتعاد، أو الانغماس في مجالات أخرى، تحت ظروف قاهرة أو يأس.

ولكن ما يعزي النفس قليلا في هذا الخضم، بقاء سميرة أحمد في الساحة، لتواصل دورها الفني المؤثر.

وكذا استمرار كل من موزة المزروعي ومريم سلطان، في رفد وإغناء ساحة الفن والمسرح، من خلال احتضانهما الشباب وتشجيعهما لهؤلاء، إذ أصبح جميع المسرحيين، بالنسبة لأم عادل (مريم)، مثلا، أولادها، شبانا وشابات.

 

تحية ...

ولا يفوتنا هنا، التذكير بمجموعة من الرائدات المسرحيات في الإمارات، إذ شهدت بدايات المسرح المحلي، في شتى المراحل، بروز العديد من النساء اللواتي أخلصن للفن وتحدين الظروف القاهرة، فانخرطن بأعمال الفرق المسرحية، في البواكير، وتصدين لجميع المحن والعذابات التي اعترضتهن، فقط بسبب المسرح.

فكن بذلك خير نماذج، وهؤلاء لهن حق علينا بالتنويه بدورهن، وتقدير إسهاماتهن وذكر تضحياتهن، من أمثال: موزة سعيد وابنتيها عايدة ومنى حمزة، نافعة جميل، رزيقة طارش، مريم الكعبي، أحلام سالم، غصن سالم، مريم سيف، إلهام حسن، معصومة ناصر، رئاسة عبد الرحمن، عائشة عبد الرحمن، هدى الخطيب. وطبعا غيرهن الكثيرات ممن قد تعجز ذاكرتي عن ذكرهن، فلي العذر.

تحية لكل واحدة من هاتي الرائدات.. وتحية لـ: سميرة أحمد وموزة المزروعي ومريم سلطان.

 

 

 

 

شرطية ومسرحية

 

انطلقت موزة المزروعي، بعد عملها الأول في مسرحية "فرح زايد"، بثقة واقتدار، في مشوار تميزها، فتعاونت مع مسرح دبي الشعبي. ولكن ذلك المشوار كان محفوفاً بالمخاطر، وخلف إفرازات خطيرة، إذ راح بعض الأشخاص يتكالبون في تهديداتهم ووعيدهم لها، محتجين بأن هذا المسار لا يلائم المرأة في مجتمع محافظ.

ولكن رد موزة كان الأنجع في وجه جميع هؤلاء، إذ لم تعر بالاً إلى أي من كلام التخويف والتخوين، بل على العكس، قابلت تلك الحال، بالمزيد من العطاء، ومضاعفة العمل، إلى جانب التزامها بعزيمة أقوى وأرسخ. وبذا مضت تشارك في أعمال مسرحية متنوعة، وذلك بموازاة انتسابها إلى شرطة دبي، كأول شرطية.

 

 

 

نهج ثابت

 

تعد مريم سلطان: أم عادل، رائدة مسرحية حقيقية دخلت مع الرعيل الأول من الفنانات اللواتي طرزن المسرح في تلك الحقبة الصعبة من الزمن، ولا تزال، كما لا يزلن، صامدة في موقعها ومتحملة لعبء مسؤوليات أرادتها واختارتها، طريقاً ومصيراً. وذلك طبعاً، دون أن تنتظر الحصول على المردود المادي، لما تقدمه من أعمال، وهي بقيت متسلحة بهذا النهج، منذ أن خطت أولى خطواتها في طريق الإبداع المسرحي.

 

 

 

 

Email