الفنـــون الشعبيــة تعـــدد ثقافـــي بخصــــوصيـــة محليـــتة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل الفنون الشعبية في دولة الإمارات جزءا من التراث الشعبي الإماراتي، وتمتلك خصوصيتها، حالها في هذا حال أي دولة أخرى تحتفي بموروثها الشعبي، فتنوع واختلاف الفنون الشعبية في الإمارات، يعكس التنوع الثقافي والاجتماعي للفرد والجماعة، ويكتسب ميزاته لارتباطه بعادات وتقاليد وقيم معينة، ترتبط بنوعية المناسبات، والأحداث الاجتماعية.

 تتعدد أوجه الفنون الشعبية، من فنون راقصة إلى فنون اجتماعية ووطنية، تتنوع وتختلف حركاتها، باختلاف المناسبة. حيث تعرض الرقصات في مناسبات الزواج، أو الأعياد الوطنية، أو قد تعرض كلها في المناسبة نفسها.

وللأهمية التي تكتسبها هذه الرقصات في الإمارات، وبالأخص رقصة »العيالة«، إلى جانب نوع آخر من الفنون وهو »التغرودة« قدمت الإمارات ملفا لليونسكو من أجل إدراج رقصات »العيالة« و»التغرودة« في قائمة التراث الثقافي غير المادي، في اليونسكو، وهو ما سيساهم في الحافظ عليهما وفق آلية وخطة معينة، مما يحميهما من خطر النسيان، بل، ويشكل وقفة لإعادة إحياء هذه الفنون العريقة.

 »العيالة« مزيج فني

من أهم الرقصات في الإمارات رقصة »العيالة«، وتحديداً »العيالة الساحلية أو البحرية«، وهي الأكثر شهرة والأوسع انتشارا في الإمارات كلها. وتمزج »العيالة« بين الطابع الإماراتي، إلى جانب الطابع العماني الذي ينفرد عن فنون منطقة الخليج رغم استعماله لبعض نصوص العروض القديمة، إلاّ أنها تؤدى بألحان إماراتية. أما »العيالة البرية«.

والتي يطلق عليها »عيالة العين« بسبب تميز مدينة العين بها، فهي ذات خصوصية إماراتية، بين أقرانها من دول الخليج التي تنتشر فيها تحت مسمى »العرضة«، وكانت القبائل تمارس هذا الفن تحديدا، حين تشعر بخطر الاعتداء عليها، فتقرع الطبول لحشد الناس للذود عن الوطن والعرض، وإنشاد الأغاني الحماسية خاصة عند رفع رايات النصر، وتمارس الآن هذه الرقصة، في المناسبات الوطنية والأعياد وأفراح الزواج، ويشارك في هذا الفن علية القوم ببنادقهم وسيوفهم، شحذا للهمم والنخوة أو فخرا وابتهاجا.

 فن جماعي غنائي

حول تاريخ طبيعة هذه الرقصة قال ناصر الجنيبي مدير فرقة أبوظبي للفنون الاستعراضية التابعة لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث: ان »العيالة« فن عربي أصيل بل عريق في أصالته، ويصعب تحديد تاريخه، وهو فن جماعي يتضمن رقصا وغناء جماعيا، وتؤدى رقصة »العيالة« في كل المناسبات الاجتماعية والوطنية، لأنها تجسد قيم الشجاعة والفروسية والبطولة والقوة العربية.

وفي شرحه التفصيلي عن توزيع الأدوار على الفرقة قال: تتكون فرقة العيالة من العازفين على الطبول طبل الكاسر، طبل الرحماني، والسماع أو»الطار«، والطوس أو»الطاسات«، وبعض المنشدين والراقصين. وتؤدى رقصة »العيالة« من خلال صفين متقابلين من الرجال، وكل صف يقف أفراده متلاصقين بشدة ومتشابكين والأيدي من الخلف، ويشبك كل رجل بيده حول خصر زميله حتى يبدو الصف الواحد متلاحما، مما يدل على التماسك والتآزر القبلي، وتتوسط الصفين الفرقة المحترفة التي تقوم بالضرب على الطبول المختلفة الأشكال والدفوف والطوس فتقدم اللحن والإيقاع الحماسي المناسب للنص المؤدي.

وأوضح الجنيبي:تبدأ الرقصة حين يعطي قائد الفرقة إشارة البدء، ففي هذه اللحظة يأخذ حملة الطبول بالضرب بشدة على طبولهم، ويبدأ الصفان بالرقص والحركة المستمرة لفترة طويلة، وفي أثناء الرقص يتحرك حملة الطبول في اتجاه الصف المواجه، بينما يتحرك حملة السيوف في الاتجاه المعاكس، وتتضمن »العيالة« فنونا حركية وغنائية متنوعة، فإضافة إلى العزف والرقص المصاحب للغناء الجماعي هناك إطلاق الأعيرة النارية والتلويح بالسيوف اللامعة والخناجر المعقوفة، وذلك في عرض بديع للقوة والرجولة والفروسية، تلك القيم المستمدة من حياة البداوة والصحراء.

وبالنسبة لاستخدام الشعر قال ناصر الجنيبي: من أهم الأغراض في شعر »العيالة«، المدح، والغزل، والفخر، وتسجيل المعارك والإشادة بقوة القبيلة، وفي المدح تأخذ نصوص »العيالة« عدة صور منها »مدح الحاكم« ومن في مستواه مثل قصيدة: »حي شيخ يفعل اليود وأيماله، إن مشى ضو الحرايب يطفيها«. واختتم الجنيبي بالصورة الثانية من المدح، والتي كثيرا ما ترددت في الشعر العربي القديم، وهي الإشادة بالإبل الأصيلة والنجيبة وعراقة سلالتها. كما استحضر مثالاً على تسجيل المعارك والغزوات في القصيدة التي تقول:

»دارن ياللي سعد في الجومة جاها، طير عجلان شاقتني مظاريبه

عقب ماهي عيوز اتجدد صباها، زينها يا عرب قامت تماريب«.

ويوجد في الإمارات عدد من فرق »العيالة«، منها جمعية أبوظبي للفنون الشعبية، وجمعية العين للفنون الشعبية، وجمعية النادي البحري في الشارقة، وجمعية ابن ماجد للفنون الشعبية في رأس الخيمة، وجمعية أم القيوين للفنون الشعبية والتجديف، وجمعية رأس الخيمة للفنون والتراث الشعبي.

 »التغرودة« ترنيمة شعرية

»التغرودة« مفرد لتغاريد، وهي من فنون الشعر النبطي الشعبي، في دولة الإمارات، وكان البدو يرددونها وهم على ظهور »المطايا« أي الإبل، أو الأحصنة، وتعتبر التغرودة قصيدة قصيرة، تتناول موضوعا واحدا فقط، تبدأ مع بدايته، وتنتهي مع انتهائه، من خلال أبيات جميلة وقصيرة، وكل شطر فيها مستقل، كأنه بيت ينتهي بروي واحد، يلتزمه الشاعر في كل بيت.

ومن أشهر التغاريد تغرودة الشاعر حميد الهاله النعيمي التي قال فيها: »يا راكب شقرا ربيه بونها، ناخف وخليام اللحوم امتونها، سلم وبلغ رمستي مضمونها، بنت الدهر ألفت تسوق اظعونها«، إذا تعد »التغرودة« لحنا غنائيا تراثيا، ووزنا شعريا إماراتيا له وجود أيضا في مناطق سلطنة عمان، ويسمونها تغرودة الهجن وشلة التغرودة.

واستعرض الدكتور غسان الحسن الإرث الثقافي للتغرودة، وأهميتها في الموروث الشعبي، ومراحل تطورها، والأسس الفنية والأدبية المميزة لها من بين فنون الأداء في كل من الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، وذلك من خلال كتابه »التغرودة«، ومن خلال حضوره للورشات التي أقامتها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، بالتعاون مع »اليونسكو«.

وفي مجموعة فصول شملت البناء الموضوعي للتغرودة التقليدية، والأسس الفنية لها، وسياقها التاريخي أكد أن التغرودة الإماراتية جمعت بين فنين وهما الغناء والشعر، وهو ما أثرى أنماط الإبداع الشعبي في المجالين العلمي والنظري، كما يمكن تلمس أصولها في التراث العربي العريق، فجذورها ممتدة إلى الإبداعات الأصيلة التي تنتمي إليها ثقافتنا بجوانبها النخبوية والشعبية، التي كانت وما زالت تشكل ملامح الشخصية العربية ذات الطابع الإنساني الذي يميزها عن سواها من الثقافات البشرية، فتغايرها من جهة وتتكامل معها من جهة أخرى.

أما دوافع الحسن لهذه الدراسة فهي متعددة، وكشف عن ذلك قائلا: »نبع هذا من كون هذا الفن قد تأثر تأثرا جارفا بالتغيرات الشاملة التي طالت كل مناحي الحياة في الإمارات، وغيرت أساليب العيش ووسائله، وأدواته وغيرت الحياة الاجتماعية بصورة جذرية كاملة«.

وتحدث عن الوقت المفضل للتغني بالتغرودة الإماراتية، هذا الفن الذي يخص أبناء البادية دون الحضر، مؤكدا: »كانت التغرودة الإماراتية مرتبطة في أدائها وقولها ارتباطا وثيقا بممارسات منسقة مع نمط الحياة البدوية مثل ركوب الإبل، واتخاذها وسيلة للانتقال، ومثلاً للغزوات والحروب وسيادة القوانين العامة«.

وعبر الحسن عن خوفه من انزواء هذا الفن من الذاكرة الشعبية، وكيف أن التغرودة كادت تنسى إلا من بعض الشفاه والألسن، وبعض الكتب القليلة التي دونت هذا الفن، مطالبا بضرورة توثيق هذا النمط من أنماط التراث الشعبي الإماراتي، بجمع ما يمكن جمعه من نصوص وتدوينه، ودراسته دراسة علمية وتاريخية، ووظيفية، وأسلوبية، فنية، علمية تربط الماضي بالحاضر القريب، وتربط التراث الشعبي بتراث الأمة.

 

 

 

 

 

Email