الهدايا.. فن وثقافة شعوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

 

لغة هي من لغات الحب المتعددة، تعبير خاص جداً لكل معاني التواصل الإنساني، معبرة معطرة بطيب الاشتياق لأناس في البعيد نتوق لرؤيتهم ولو للحظات.. هي كل معاني الحالات الوجدانية المتعددة الهدايا.. عالم واسع، فن وحضارة وثقافة شعوب، انتقاؤها بدقة يعكس مدى ونسبة الحب والاهتمام بالآخر.

 

 

هي حكايات ومواقف وتعبير عن حالات خاصة جداً تنقلها الهدية في صمت ولكن بحب يفوق كل الحدود..

أنواعها متعددة يصعب حصرها، معاً ندخل عالم الهدايا واتيكيت تقديمها، والمناسبات التي لابد وأن تسبق الإنسان هدية تعبر عن الكثير..

 

تعبير عاطفي

الكلمة.. هدية، تعبير عن مشاعر الحب والتواصل لها لغة خاصة جداً لا يعرفها إلاّ عشاق المعاني الناعمة ومرهفو المشاعر.. كلمات يهديها المحبون لأنها مكتوبة بلغة القلوب فماذا يقولون على سبيل المثال؟

الشاعر الكبير رومانسي الكلمة والمعنى، كلماته هدايا في شكل حروف وكلمات، يقول:

«وفي عينيك ألقيت الأماني

وقلت: الآن أصفح عن زماني

مضيت العمر أبحث عنك حلماً

فرأيتك من سنين «في كياني»

الابتسامة في وجه كل من حولنا هدية، كل الأماني الحلوة التي نتمناها للآخر.. هدية..

ولكن هناك عمق خاص جداً بالشعوب في طريقة اختيار الهدايا وطريقة تقديمها وكيفية طرحها، لأنها يسبقها فن وثقافة وعادات وتقاليد مغلفة بأوراق في لون الطيف، ناعمة نعومة الحرير.. أيضاً تحمل الهدايا مؤخراً تطور المجتمعات المختلفة، لأنها جزء من منظومة التعامل الإنساني على كل المستويات.

في شرقنا الجميل، الاعتقاد السائد هو إنه لابد وأن تكون الهدية غالية الثمن، كبيرة الحجم، ربما يعكس هذه المعاني وتلك الثقافات، عادات وتقاليد الكرم الطائي الذي مازال يحكم العديد من سلوكياتنا في مناسبات مختلفة، ويعكس ثقافة التفاني التي تحكم العديد من المجتمعات العريقة، ربما يكون الهادي للهدية قد تكبد نقوداً كثيرة حتى يُظهر تقديره للآخرين، بينما يمكن أن يتواصل بكلمة.. ومعنى وهدية رمزية..

لمن تهدى الهدايا وفي أي المناسبات؟

الأم.. أول من تستحق هدية تعبر عن المعاني التي تصعب كل الكلمات والتعبيرات عن توصيل رسالة تقدير لمشوارها الطويل مع الأبناء والزوج، وهي في حالة نكران حقيقي لذاتها، والابتعاد التام عن تلبية احتياجاتها.

الزوجة، تقديم الزوج هدية من كلمات حب وتقدير وزهور وعطور، هي كافية للتعبير عن صفاء القلب والعرفان بالجميل..

للأبناء هداياهم أيضاً، ففي أعياد الميلاد ومناسبات التفوق، تقدم هدايا تتناسب مع أعمارهم والمناسبة التي تقدم فيها..

عادات وتقاليد الشعوب وثقافتها وحضارتها، تتحكم في اختيار الهدايا وطريقة تقديمها وكيفية تغليفها.. فكيف يكون ذلك؟

المصريون القدماء أول حضارة عرفت معنى الهدية، بناء الأهرامات، هو في حد ذاته هدية أبدية تعكس اعتزاز الإنسان بنفسه، فهو هدية في شكل مقبرة تعد من عجائب الدنيا السبع المذهلة، عاكسة فلسفة بأن الإنسان يمكن أن يكافئ نفسه بهدية أبدية يسكن فيها حتى يرث الله الأرض وما عليها.

 

تأثير نفسي

الذهب والفضة والأحجار الكريمة التي تعكس معاني مختلفة هي هدايا تداولت في العصور والأسر الفرعونية المختلفة، فهم ــ الفراعنة ــ أول من اكتشفوا تأثير الأحجار الكريمة على نفسية الإنسان، وهو علم هم أول من اكتشفوه وأعيد اكتشافه في عصرنا الحديث تحت نظريات متعددة. فالعقيق، يقلل من مشاعر الضيق، به خاصية التفاعل مع بشرة الإنسان فيهدئ من روعه، وكان الفراعنة يقدمونه لكل من يشعر بضيق عابر أو مزمن، ويأتي العقيق في شكل مجوهرات ومصوغات يقدمها الزوج لزوجته ولكل من حوله في مناسبات الانتصارات الحربية، ومواسم الحصاد وفيضان النيل وشم النسيم الذي كان يقدم فيه حجر الفيروز المائل للاخضرار، رمز على تمني استمرار الخصب والنماء.

وكانت الهدايا الفرعونية تغلف بأوراق البردي، وتربط بأوراق الأشجار السنارية التي كانت تنبت على ضفاف النيل، وهي موجودة حتى الآن شاهدة على كل العصور.

الحضارة الصينية قديماً وحديثاً، من أكثر حضارات شُعوب الأرض اهتماماً بتقديم الهدايا بأشكال مختلفة عاكسة معاني كثيرة تضرب في عمق ثقافة شعب من أعرق شعوب الأرض.

 

اختلاف وتمايز

الهدايا الصينية غالباً ما تكون يدوية الصنع باتفاق وحنكة يشهد لها العالم، الفخاريات الصينية المعروفة عالمياً باسم «شينوا» Shinea من أغلى وأحلى ما يمكن تقديمه في شكل هدية، منحوتة ومرسومة يدوياً وتأخذ أشكالاً مختلفة كالمجوهرات والتحف والجداريات والسجاد والحرير بصفة خاصة، يغلف الصينيون هداياهم بأوراق الموز بعد معالجتها بطرق مختلفة، وتربط بخيوط الفضة الخالصة، وتقدم في مناسبات الزواج والإنجاب والنجاحات، ومناسبات خاصة بالشعب الصيني. وأحياناً، تكون الهدية في شكل قصيدة شعر تكتب بالطريقة الصينية على الحرير الطبيعي ويحدها إطار من الذهب الخالص.

اليابانيون، هداياهم تعكس رقي الحضارة القديمة والحديثة اللؤلؤ والحرير الطبيعي والمنمنمات جميعها يغلف بأوراق يدخل في صناعتها الحرير وخيوط الفضة، ويعتقدون أن الهدية هي تعبير عن كل مكنونات النفس، حتى السلبية منها كالغضب الذي له هدايا خاصة ترمز له، مثل صورة عاكسة لشكل بركان في حالة فوران وثورة، وهدايا أخرى تعكس الحب والتواصل كجداريات صغيرة تعكس بحيرات من الفضة بريشة أشهر التشكيليين في اليابان، الزهور وهدايا يابانية تعرف «بالأكينبا».

الزهور والعصور، هدايا تخرج من بلدان وسط أوروبا، عريقة كلاسيكية رومانسية الشكل والمعنى، ففي ألمانيا أسواق بأكملها متخصصة في بيع الزهور الطبيعية الخاصة لتقديمها كهدايا، وبداخل هذه الأسواق متخصصون في تنسيقها حسب المناسبة التي ستقدم فيها وحسب لمن تقدم، مع وضع العمر في الاعتبار.

تغلف في أوراق الشجر العريضة مع تداخل قماش الخيش المعالج والملون بألوان هادئة، ويراعى عدم تقديم الزهور ذات العبق النفاذ لمرضى الحساسية الصدرية ومرضى الأعصاب، هكذا وبكل العلم والفن والرقي يقدم الألمان هداياهم.

الهدايا المقدمة للصغار هي عالم من الدراسات النفسية والسلوكية التي تعين الطفل على التعلم وعلى أن تبدع منه طفلاً مثقفاً مميزاً، وغالباً ما تكون هدايا الأطفال في الغرب ناطقة كالحيوانات، والشخيات الكرتونية المحببة للطفل، والملابس التي ترتقي بذوقه، والكتب التي تدخله عالم الخيال والأساطير.

أنواع أخرى من الهدايا منزلية الصنع، كتقديم الحلويات بطريقة مختلفة في تغليفها، أيضاً توجد محلات متخصصة في الهدايا فقط في الغرب ولها فروع في العديد من العواصم العربية، ويمكن للأفراد الاشتراك في هذه المحلات عن طريق دفع مبلغ معين كل شهر وتوكيل هذه المحلات في إرسال الهدايا لكل مناسبة وحسب المراحل العمرية المختلفة، وهذه المحلات يمكنها إرسال الهدايا عبر العالم كله فيمكن أن نرسل هدية إلى الأهل في بلد المنشأ، أو المهجر أو أي مكان.

 

شيكات مزركشة

الهدايا في السينما والدراما لها مكان كبير ومساحة من الأحداث، وتأخذ أشكالاً مختلفة، فمثلاً الهدايا الريفية التي يأخذها النازحون من الريف إلى العاصمة تكون مكونة من الطيور والجبن والزبد والفطير المشلتت؟ وهي تظهر في الأفلام المصرية بصفة خاصة، أيضاً في فيلم «أم العروسة» الذي يعتبر من كلاسيكيات السينما المصرية، من بطولة تحية كاريوكا وعماد حمدي وسميرة أحمد، أرسل أهل العريس لأهل العروس هدية عبارة عن خروف العيد، يحيط بعنقه شريط حريري جميل، أما هدايا الماس والذهب، فغالباً ما يقدمها الزوج في الأفلام لزوجته خاصة إذا كان على علاقة بأخرى حتى يكسب ود الزوجة التي هي من آخر من يعلم! وهناك نوع من الهدايا يأخذ طابع الشكل المادي.

فمثلاً يمكن تقديم مبلغ من المال ــ حسب المقدرة ــ للمولود الجديد أو في مناسبة الأفراح، ويعتبر هذا النوع من الهدايا عملياً لإعانة المقدم إليه الهدية المادية على المتطلبات الكثيرة التي يحتاجها. وبعض البنوك حول العالم تطبع دفاتر شيكات خاصة جداً تصلح لأن تقدم كهدية بعد كتابة المبلغ الذي يستحق صرفه من قبل الهادي له إلى المهدى إليه.

وهذه الشيكات بألوان مختلفة ومزركشة ومرسومة حسب المناسبات المختلفة، وهي صرعة غربية لم تظهر بعد في عالمنا العربي. ولابد أن يحدث تطور في طريقة تقديم الهدايا ومفهومها في عالمنا العربي، فمثلاً لابد للمدعو على وليمة أن يصطحب معه هدية من الحلويات العربية الدسمة التي قد تضر بأصحاب الوليمة، فيمكن ان يتطور هذا المشهد إلى تقديم سلة ملونة أنيقة زاخرة بأنواع الفواكه الملونة الاستوائية وغيرها وتغليفها بأوراق شفافة وتحكم بربطة من أوراق الموز وغيرها.

أو شراء هدية تخاطب المهنة مثل شراء طقم من الصحون عليه كتابات مثل الصحف، تهدى للصحافيين (وهي متوافرة بالأسواق المحلية) وأيضاً هدية للأطباء مثل جهاز متطور لقياس الضغط منزلياً وقياس نسبة السكر والأكسجين في الدم، مثل هذا التطور مفيد، ويعكس ثقافة مجتمع بعيداً عن التقليدية المفرطة. للمرضى هدايا خاصة جداً، يحكمها البُعد الإنساني العالي ومعرفة المريض ومعاناته العضوية والنفسية، وعلى هذا الأساس يمكن اختيار الهدايا ذات الطابع الإنساني مصحوبة ببطاقة جميلة تتمنى له الشفاء والأمل بكلمات قلائل لعدم التأثر التام من قبل المريض، من الهدايا المعنوية للمريض زيارته على فترات متقاربة وإعانته على مرضه أياً كان وخاصة للمرضى المسنين، الابتهاج والأمل يمكن تقديمها في شكل الرعاية وتجميله وشراء ملابس مبهجة مريحة، مع مراعاة الابتعاد عن الزهور ذات العبق المكثف والعطور أيضاً لمرضى الجهاز التنفسي والربو.عبارات شعر تعكس الحب والتواصل وأهمية المريض إليك هما «روشتا» (وصفة) علاجية بكلمات من نور، مثلما قال شاعرنا فاروق جويدة:

لو أنساني يا عمري

حنايا القلب تنساني

إذا ما ضعت في درب

ففي عينيك عنواني

حب وكلمات تغلق جراحاً وتخفف آلاماً، انها هدية معنوية تفوق بكثير ما يدفع من مال في هدايا لا تخفف جراحاً. وماذا بعد؟ فالهدايا سمة التواصل الإنساني الذي لا يعرف الحدود، يعبر محيطات، ويتسلق جبالاً من أجل لحظة يكون فيها كل البشر.. إنسان!

Email