دراسة لمستشرق فرنسي تشير إلى أن الإسلام يُظهر أعلى قدر من الاهتمام بالحيوانات من بين الأديانالسماوية المنزلة أجد صعوبة في قراءة اللغة الفرنسية، لكن شيئا ما دفعني منذ سنوات لقراءة مقاطع من دراسة لمستشرق فرنسي، تشير إلى أن الإسلام يُظهر أعلى قدر من الاهتمام بالحيوانات من بين الأديان السماوية المنزلة.

والحقيقة أنه لم تجر دراسة وافية عن الموضوع حتى الآن. وبناء على ذلك، شرعت أبحث في تلك الآيات الكريمة من القرآن لأجد ما لديها لتقوله عن الموضوع، علما أن خمس آيات على أقل تقدير، تندرج تحت أسماء حيوانات، ثم انطلقت بعدها إلى البحث في الحديث أو السنة، ولقد سعدت برؤية ان أحاديث الرسول الكريم(ص) تحوي عددا كبيرا من القصص التي توصي بالمعاملة الحسنة للحيوانات التي لا حول لها ولا قوة.

ثم وجدت أن الكاتب العظيم الجاحظ ألف كتابا يدعى كتاب الحيوان وأن شخصا يدعى الضامري له أيضا كتاب شامل عن الموضوع. وكنت على علم طبعا بالقصص المسلية المشمولة في أعمال كليلة ودمنة، وهو كتاب مروي على لسان الحيوانات، وقد تمت ترجمته من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية وجرت إضافة قصص عليه، حيث اصبح من كلاسيكيات الأدب العربي، ومن ثم اطلعت على كتاب لإخوان الصفا كتب في بغداد في القرن العاشر، بعنوان تداعي الحيوانات على الإنسان.

وينبع اهتمامي بالحيوانات منذ الطفولة، فقد لعبت الحيوانات دورا هاما في حياتي أكثر مما لعبته في حياة الأطفال الآخرين. فخلال إقامتي لمدة عامين في وادي حلفا في السودان، كنت فخورا بامتلاك حمار، وكنت أرى والديّ وهما يركبان الأحصنة والجمال، وأذكر أنني كنت أملك أرنبا ونربي حماما.

ولاحقا، في أوغندا، كان أبي يملك كلبا من فصيلة بول دوغ وكانت أمي تعتني بببغاء، وكان لدينا أيضا قردا مربوطا بسلسلة طويلة أردنا التخلص منه بسبب عاداته السيئة المتمثلة بعض كل من يحاول مداعبته. أما خادمي الشخصي، شريف، فقد صنع لي سلسلة من المقالع التي كنت استخدمها ضد الطيور التي أصادفها، ومن ثم تدرجت بالتسلسل إلى استخدام بندقية هواء، ومن ثم بندقية عيار 2.2، إلى أن انتهى بي المطاف باستخدام بندقية صيد.

وقد علمني شريف أيضا كيف أكمن للعصافير، كنت أحجزها في أقفاص مصنوعة باليد وهي ترفرف بأجنحتها مستغيثة إلى أن تستسلم، وتلك الطيور كانت دون شك تتطلع إلى الإفلات من الحجز اكثر مما تكترث بالطعام الذي كنت أحاول أن أغريها لتناوله.

وفي المدرسة التي ذهبت إليها في كينيا، كان يمكن الاستدلال على الحيوانات أيضا في كل مكان، واذكر مشاعر التشويق التي غمرتني لسماعي زئير الأسد في ملعب المدرسة، لا سيما بعد إبلاغي بذهاب أحد الأساتذة لإطلاق النار عليه، وأذكر انه عندما كنا نمارس ألعابا فرنسية أو إنجليزية، كنا كثيرا ما نفاجأ بوجود غزال بين الشجيرات، وتقافزه.

وكان صيد الفراشات الهواية المفضلة للفتيان، وقد توسع هذا الاهتمام ليشمل الحشرات المختلفة، بما في ذلك العناكب الكبيرة الشريرة والتي كانت بيوتها منثورة على الأرض هنا وهناك. وكان من السهل إخراجها من جحرها بدغدغتها ببعض العشب، فنسرع للفها بمنديل ووضعها في الزجاجة القاتلة.

وهناك ذكرى من تلك الأيام لا زالت تسكن كياني، ففي إحدى الأمسيات، وفيما كان بعض الصبية مجتمع حول مجموعة من الحشرات المختلفة المعلقة على لوحة خشبية، وبشكل يثير الذعر، رأيت عنكبوتا كبيرا، لم يكن قد قضى وقتا كافيا في الزجاجة القاتلة، ينفصل عن اللوحة ويسير على الطبقة أمامي، ولا زال جسمه مثقوبا بدبوس كبير ذي طرف معدني لامع.

ولطالما كنت أخاف العناكب وحتى أكثر مما أخاف من الثعابين، ولا زال هذا المنظر بالتحديد حيا في وجداني، إلى جانب مشهد العصافير التي قتلتها لمجرد التسلية. وهذا الذبح العشوائي للطيور الذي كنت مسؤولا عنه وانا صبي يافع، يعيد إلى أذهاني الأحاديث النبوية التي تتحدث عن محاسبة قتلة الحيوان والطيور.

ولقد انتابني نوع من الشعور بالذنب تجاه الحيوانات وربما يخفف منه جزئيا محاولتي القيام بشي ما لصالح قضية الحيوانات في الكبر عندما يتسنى لي ذلك، وأذكر أيضـــا أنه في فــــترة من الفترات أثناء وجودي في لندن، تحولت إلى أكل النبات وامتنعت عن أكل اللحــوم، مما سبب إحراجا للعديد من حولي.

وقررت الغوص في الأدب الكلاسيكي للبحث عما يمكن ترجمته من هذا الأدب إلى اللغة الإنجليزية. هكذا كتبت معالجة لكتاب تداعي الحيوانات على الإنسان باللغة الإنجليزية تحت عنوان جزيرة الحيوانات، وأصدرتها مع مقدمة عن تعاليم الإسلام فيما يخص مسؤولية الإنسان تجاه الحيوانات، بمجموعة من أربع أجزاء، وكانت طباعتها رائعة وقد اتصفت رسوماتها للفنانة التونسية صبيحة خمير بالجمالية.

وعلى الرغم من نشرها منذ اكثر من 10 سنوات في طبعة محدودة، لا زالت هناك نسخ من الكتاب. لكن، جرى نشر نسخة ورقية عنها في الولايات المتحدة من قبل مطبعة جامعية، وشكل هذا الأمر بالنسبة لي مثالا آخر عن عبثية إصدار أي شيء عن دار نشر صغير يفتقر إلى النفوذ لدى وسائل الإعلام.

لاحقا، عندما بدأت بنشر كتب الأطفال تحت منشورات مؤسسة هوبو بوكس في القاهرة، أصدرت كتابا صغيرا للأطفال بعنوان حكايات حيوانات من العالم العربي وتضمن الكتاب قصصا من كتاب ألف ليلة وليلة، وكذلك من كتاب كليلة ودمنة ومن مجموعة القصص الصغيرة بعنوانها اللطيف تفوق الكلاب على عدد كبير ممن يرتدي الثياب. وفيما بعد، عندما تخلى أندي سمارت عن مؤسسة هوبو بوكس وبدأت دار نشر الشروق بنشر كتب الأطفال الخاصة بي تحت طبعة سن فلور بوكس، وأصدرت العديد من الكتب التي تبرز الحيوانات، وهي مستمدة أساسا من المصادر الكلاسيكية.