المال.. بلا مبادئ ولا قانون

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحقيقة الأولى التي يثبتها ميشيل ومونيك بانسون في كتابهما "المال لا مبادئ ولا قانون"، تتمثل في تأكيدهما أن الأثرياء في أوروبا، يزدادون ثراءً بينما هناك عشرات الملايين من الأوروبيين يعيشون في مستوى دون حافة الفقر. ثم يطرحان السؤال التالي: كيف يمكن للمال الذي جرى تصوره أصلاً من أجل تسهيل تبادل السلع وكان بالوقت نفسه أداة لتعزيز الروابط الاجتماعية أن يصبح رمزاً كونياً للنجاح الشخصي؟

تتوزع محتويات الكتاب، بين قسمين رئيسيين، يعبر عن كل منهما، سؤال: لماذا أصبح المال مجنوناً؟ هذا ما يقوله عنوان القسم الأول. أما القسم الثاني فيحمل توصيف حالة وتساؤل بالصيغة التالية: إن أصحاب المال يقودون العالم، لكن إلى متى؟

ويوضح المؤلفان انه يقال إن المال خادم جيد وسيد سيئ. وهذا القول هو ما يحاولا البرهنة عليه، على أساس أنه لم يكن صحيحاً في أي يوم من الأيام أكثر من ما هو في الوضع الحالي، ضمن إطار الليبرالية الجديدة واقتصاد السوق.

ويشرحان كيف أن المال فرض نفسه تدريجياً، في دائرة الحياة العامة باعتباره معياراً، أو ربما المعيار الوحيد، للنجاح. ولا يترددان في القول إن إيديولوجية المال تغلغلت في جميع شرائح المجتمع. والنتيجة الطبيعية لمثل هذا التغلغل يحددانها بـ"صعوبة التضامن بين الأفراد والمجموعات الاجتماعية".

وكون الموضوع المطروح هو "المال"، فإن المؤلفين يحاولان توخي الدقة، وطرح أسئلة مفيدة، ثم البحث عن إجابات شافية. وهما يشرحان كيف أن المال، غدا، وفي ما هو أبعد من المبادئ الأخلاقية والعقائدية، بمثابة القيمة الأعلى في المجتمعات الاستهلاكية، ذلك بالنسبة للأفراد كما للجماعات، على مختلف درجاتها.

ويرى المؤلفان أن العالم "منقسم" حالياً، إلى ثلاث فئات. الفئة الأولى تضم أولئك الذين يمثلون من يقومون بالعمل، بالمعنى العريض للكلمة، وهم يعانون من مختلف أشكال الاستغلال. والفئة الثانية تجسّدها "الطبقات الوسطى" المنقسمة على نفسها والتي "فقدت بوصلة التوجه" بسبب الأزمة المالية العالمية الكبرى. أما الفئة الثالثة والأخيرة فيمثلها أولئك الذين انتصروا في حرب الطبقات، أي الأثرياء.

ويحدد المؤلفان القول إن كل شيء بدأ في الولايات المتحدة الأميركية، عندما قرر الرئيس السابق ريتشارد نيكسون، وضع حد نهائي لعملية تقييم الدولار على أساس الذهب، هكذا فتحت العملة الأميركية الطريق أمام الهيمنة الأميركية على العالم. وفي الفترة نفسها، صدر في عام 1973 قرار في فرنسا، يمنع بنك فرنسا من إقراض الأموال إلى الدولة. وكانت النتيجة أن الأسواق المالية، احتكرت تماماً الفوائد على القروض العامة.

واعتباراً من صدور القانون الخاص باعتبار بنك فرنسا بمثابة "مؤسسة مستقلة" في الرابع من شهر أغسطس 1993، وبالتالي مؤسسة خاصة، غدا إصدار العملة مرتبطاً بالبنوك الخاصة، وبدورة التوزيع الكبرى.

وفي مثل ذلك السياق، "تضخّم" كثيراً حجم الأموال. وأصبحت تخلق الأموال بعيداً عن أي إنتاج فعلي للثروة. ومع اختراع آلات التوزيع التي تنفّذ الأوامر خلال ثوان فقط، لم يعد العنصر البشري يتدخل في العملية. هكذا أصبح تداول المال، وإلى حد كبير، يحدث خارج إطار الجسد الاجتماعي.

والنتيجة المباشرة لمثل هذا الواقع الجديد، يحددها المؤلفان بحدوث قطيعة بين الأغنياء والفقراء. ويبينان انه تقول الأرقام إن المعاملات المالية في مختلف أشكال المضاربات والعمليات المشتقة منها، بلغت في عام 2008، ما يعادل 74 ضعفاً مما حققه إجمالي الإنتاج الداخلي العالمي. ويشيران إلى أن البنوك الفرنسية، تكرّس اليوم 80 بالمائة من إمكاناتها للمضاربة، و20 بالمائة فقط لإدارة الودائع والمرتبات ولمعاملات زبائنها العاديين.

ويرى المؤلفان أن الحل يكمن في وجوب إعادة تأسيس النظام السائد. والخطوة الأولى هي استقلال البنوك المركزية وتبنّي إجراءات ضبط دورة المال العالمي. ولكن مؤشرات كثيرة تدل على أن السلطات السياسية المحلية والمجموعة الدولية، ليست على مستوى رفع التحدي..هذا فعلياً، ما يخلص إليه المؤلفان.

 

 

 

 

 

الكتاب: المال بلا مبادئ ولا قانون

تأليف: ميشيل بانسون

مونيك بانسون شارلو

الناشر: تيكستويل باريس 2012

الصفحات: 92 صفحة

القطع: الصغير

 

 

 

Lصargent sans foi ni loi

Michel Pinçon, Monique Pinçon-Charlot

Textuel- Paris- 2012

92.P

Email