المجاعة الكبرى في الصين 1958 ـ بلاطة قبر 1962

ت + ت - الحجم الطبيعي

قرر الزعيم الصيني الراحل، ماوتسي تونغ، في نهاية عام 1958، تنفيذ مشروع "الخطة أو( القفزة) الكبرى إلى الأمام". وتميّزت تلك الخطوة بممارسة قمع بربري وعنف دموي، ذهب ضحيتهما 36 مليون صيني .

والمفارقة هي أن تلك "الخطوة"، قامت تحت شعار مغرق في الرومانسية ::"دع مئة زهرة تتفتّح ومئة مدرسة تتنافس". وتلك الخطوة هي أيضا موضوع كتاب الصحافي والأستاذ الجامعي الصيني، يانغ جيشينغ، الذي يحمل عنوان "بلاطة قبر".

يعرّف المؤلف كتابه، أنه بمثابة بلاطة قبر من أجل أبي الذي مات جوعاً في عام 1959. وأيضا بلاطة قبر من أجل الـ 36 مليونا من الصينيين الذين قضوا كذلك، بفعل الجوع ، وبلاطة قبر من أجل النظام المسؤول عن الكارثة. ومن هنا يأتي عنوان هذا العمل .

ويشير المؤلف إلى أنه، ومع مجزرة ساحة تيننمن في بكين، عام 1989، شرع في تجميع المعطيات المتفرقة هنا وهناك، ومنكبا على البحث عن بعض الذين لا يزالون أحياء ممن كانوا قد عاصروا "القفزة الكبرى إلى الأمام"، وأخذ يحرص على توثيق شهاداتهم.

وبهذا المعنى يمثل كتاب "بلاطة قبر" رواية من داخل الصين، على أحداث جرت فيها، وليست رواية مصدرها الخارج. ولا تمثل كذلك، رواية معارض للنظام. ولكنها بكل بساطة، رواية رجل يعيش قناعة عميقة أن بلادا لا تستطيع النظر إلى تاريخها، لا مستقبل لها، كما نقرأ.

وما يشرحه المؤلف هو أن "الخطوة الكبرى إلى الأمام "، كانت كارثة اقتصادية حقيقية في الأرياف الصينية.

وذلك أن السياسة التي تمّ نهجها كانت تقوم على وسيلة بسيطة وخطيرة، مفادها أنه من أجل توفير الطعام المدن جرى تجويع الفلاحين. وفي كل الحالات ترافق ذلك، مع نوع من الإيمان المطلق بقيادة ماو. وينقل المؤلف عن أحد القادة الحزبيين قوله:"نحن نؤمن بالرئيس ماو إلى حد الخرافة.ومعجبون به حتى العمى".

ولكن لم تتفجّر الفضيحة مباشرة في حينها، إذ كانت تقدم معلومات كاذبة، عبر تضخيم نتائج المحاصيل وإخفاء ظاهرة أن كثُرا كانوا يموتون من الجوع. وذلك تحت غطاء استخدام الحماس الثوري . ويبين المؤلف أن "جنون الجموح نحو المبالغة في تطبيق نظام التعاونيات، دمّر المجتمع الريفي وصولا إلى تدمير الأسرة نفسها".

إن هذه الظواهر كلّها، يناقشها الكتاب في أقسامه الثلاثة، التي تحمل العناوين : القفزة الكبرى إلى الأمام..نحو النظام التعاوني قسرا، المناطق التي عرفت حالة مجاعة لا سابق لها، النتائج السكانية ـ الديموغرافية ـ وسياسات المجاعة. ويكتب المؤلف، انه بين عامي 1958 و 1962 ، اختفى عشرات الملايين من الصينيين، من دون ضجيج، او أن يطلقوا زفرة وفي جو من اللامبالاة والحماقة، لافتا إلى أنه كان في شبابه أحد المعجبين كثيرا بماوتسي تونغ، متأثرا بالدعايات التي شاعت عنه منذ وصوله إلى السلطة عام 1949 .

بل ويؤكّد أن موت والده بدا له بمثابة قدر شخصي، من غير أن يقيم أيّة علاقة بين وفاته و"القفزة الكبرى إلى الأمام ". . ولكن، بدأت الحقيقة تتكشّف للمؤلف، كما يقول، بعد أن عمل في مجال الصحافة، ما أتاح له الوصول إلى بعض المصادر السريّة . وأمّا شكوكه فتزامنت مع الثورة الثقافية التي شهدتها الصين (1966 ـ 1976 )، إذ برزت تساؤلاته عن سلوكية العديد من "الثوريين" .

ولكن أحداث ساحة تيننمن، في عام 1989 ، وضعت الحقيقة عارية أمام عينيه، ليبدأ بعد ذلك مباشرة، جمع المعلومات والتحقيقات من الشهود الأحياء، وأيضا من الأرشيف المنوع على العموم .

ولا يتردد المؤلف في القول ان ماوتسي تونغ لم يقم بتجويع ملايين الصينيين "عن عمد" . ولكن الحزب الشيوعي الصيني، قرر التضحية بالفلاحين "على مذبح حلمه بالعظمة". وكانت الزراعة آنذاك هي المورد الوحيد للبلاد.

مع ذلك كان لا بدّ من "انتزاع الخبز" من فمّ الفلاحين، من أجل تمويل الصناعة والجيش. ومع تبنّي نظام التعاونيات، غدا الفلاّحون مجرّد تابعين كـأقنان للهيئات الشعبية التي شكلت.

وأصبحت حياة كل منهم تحت رحمة الرؤساء الحزبيين الصغار . وفي محصلة ذلك المنطق، انتهى الأمر بالفلاحين إلى "الموت جوعا".

ويحدد المؤلف القول إن "المجاعة الكبرى" في الصين، كانت نتيجة مباشرة للنظام الشمولي ـ التوليتاري ـ الذي منح ماوتسي تونغ، سلطة متابعة أحلامه اللاعقلانية، بلا اكتراث ب "نواقيس الخطر" الواضحة والكثيرة. ويتحدث المؤلف عن وجود عشرات آلاف الحالات التي جرى توثيقها، عن عمليات أكل قشور النباتات وجثث الموتى. ويجد أنه في مطلع سنوات الستينيات من القرن الفائت، غدت الصين كلّها مجنونة.

ويضيف: "الضمير غاب.. والمعتقدات والروابط العائلية وعلاقات حسن الجوار، دُمّرت".

 

 

 

 

 

الكتاب: بلاطة قبر المجاعة الكبرى في الصين 1958 ـ 1962

تأليف: يانغ جيشينغ

الناشر: فارّار وشتراوس وجيرو

نيويورك 2012

الصفحات: 629 صفحة

القطع : المتوسط

 

 

 

Tombstone

Yang Jisheng

Farrar Straus Giroux / New York - 2012-11-22

629 .P

Email