المجتمع المدني.. دراسة نقدية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبحث كتاب "المجتمع المدني.. دراسة نقدية"، لمؤلفه، المفكر الدكتور عزمي بشارة، في مفهوم ووظائف المجتمع المدني المؤدية إلى الديمقراطية، بعد أن غاب المفهوم وعاد إلى الظهور من جديد بمعنى مختلف، إذ رجع متطابقاً مع ما ليس سياسياً، غير أن "السياسي" عاد بقوة إلى الحراك الاجتماعي، وعبر الثورات العربية التي تداعت أحداثها بسرعة من تونس إلى مصر إلى اليمن وليبيا وسوريا.

ويتساءل بشارة، في هذه الطبعة الجديدة من الكتاب: أين يقع المجتمع المدني في ظل موجة الثورات الشعبية التي لا تزال مفاعيلها قائمة في العديد من البلدان العربية؟ خاصة وأن الكتاب - منذ طبعته الأولى - لا يزال يحتفظ بأهميّته النظريّة والمرجعية، في الوقت الذي يؤمل أن يُعاد فيه الاعتبار إلى مفهوم المجتمع المدني وفاعليّته ودوره، في تحقيق التحول الديمقراطي المنشود في الدول العربية بعد الثورات.

يقع الكتاب في خمسة فصول، الأول منها حول "حدود المفهوم وتاريخه"، بينما يتناول الثاني تاريخ المفهوم وتطوراته غربياً، بعنوان: "من "الليفيتان" إلى يد السوق الخفية". ويناقش ثالث الفصول، علاقة المجتمع المدني بالدولة تحت عنوان: "انفصال المجتمع المدني عن الدولة لكي يعود إليها". وجاء الفصل الرابع بعنوان: "الأمة والقومية والمجتمع المدني".

أما الخامس، والأخير، فهو قالب بحثي ختامي: "واقع المجتمع المدني وفكرة حوار عربي". يعنى الفصلان، الأول والثاني، في الكتاب، بدرس وتبين الشروط التاريخيّة لظهور فكرة المجتمع المدني الحداثي، وانفصال المجتمع المدنيّ عن الدولة. وفي الفصلين الثالث والرابع، نقرأ حول التطورات التي شهدتها الدول الغربية، وعن مكانة المجتمع المدني من الدولة، انفصالاً وعودة، إضافة إلى معالجة مفاهيم الأمّة والقوميّة والمواطنة والديمقراطيّة.

ويعالج بشارة، في الفصل الأخير، واقع المجتمع المدني في الوطن العربي في ظل الدولة التسلطية وانسحاب المثقف والسياسي من العمل السياسي، تحت خيمة الدولة الاستبدادية المتحكمة بمنسوب الإصلاح الذي تهبه للمجتمع، إذ توضح أنه وصل نقطة انسداد أدت إلى تفجر الثورات في بعض البلدان العربية.

وفي المجال العياني والمرئي، نجد مؤلف الكتاب، محذراً من تحول الصراع ضد النظم السياسيّة في المشرق العربي، إلى صراع على الهويّات، ومبيناً أن هذا الأمر من شأنه أن يفتِّت "المشترك القومي"، ويمنع تشكل أمة مواطنيّة كحالات العراق وسوريا ولبنان. ويلاحظ، على سبيل المثال، أن المجتمع المدني في اليمن، يشق طريقه بأمل، لكن بصعوبة بالغة، عبر التمايز عن الدولة والقبيلة والعسكر معاً. وأما في ليبيا فيبدو أن المواطنة تخوض صراعاً على جبهتين: ضد التدخل الخارجي الذي يمتهن السياسة الوطنيّة، ضد إحياء القبيلة والجهويّة.

وينتقد بشارة كيل المديح، بلا حساب، للشبان العرب؛ هذا المديح الذي يشبه مدائح المثقفين العرب للمجتمع المدني حين اكتشفوه للمرة الأولى. ولا يغفل بشارة، أن يؤشر في كتابه، وبشكل مباشر، إلى أن النقاشات التي كانت دائرة حتى قبل قيام الثورات العربية، حول تعثر التحولات الديمقراطية في الوطن العربي، حقنت قسرياً، بمفهوم المجتمع المدني، ذلك لأن إعادة اكتشاف هذا المفهوم عربياً.

في أوائل تسعينات القرن الماضي، لم يكن متصلاً بإعادة إنتاج المجتمع لذاته، مادياً وروحياً، مقابل الدولة، وهي العملية التي تتم عبر المؤسسات الأهلية من جهة، والانتفاضات الشعبية من جهة ثانية، وبالتالي فإن ظهور مؤسسات المجتمع المدنية في البلدان العربي وارتباطها بمشروعات ممولة من مؤسسات أو حكومات غربية في الأغلب، جعلها غير قادرة على إعادة إنتاج ذاتها اجتماعياً، ومنفصلة عن عمليات الإنتاج الاقتصادية.

وفي المقابل أيضاً، وإن وجدت هذه المؤسسات تحت ضغط المطالب الديمقراطية النخبوية، ونشطت في مجالات احترافية سياسية متعددة، فذاك لأنها لم تكن نتيجة مخاض تحول ديمقراطي، بقدر ما كانت دليلاً على مخاض التحول في الدولة السلطوية التي احتفظت بالقدرة على قمع أو احتواء الاحتجاجات الشعبية، وتقديم حزمة من الإصلاحات المنضبطة، من دون القيام بإصلاحات جوهرية لتحقيق التحول الديمقراطي.

ويوضح المؤلف أن هناك نقطة ثالثة أسهمت في طفرة المنظمات المدنية في العالم العربي، تتمثل في إفلاس العمل الحزبي وافتقاره إلى القدرة على التأثير في الشارع في مقابل السلطة الحاكمة، فجاءت المنظمات المدنية لتحل محل الأحزاب.وينتقد بشارة منظمات المجتمع المدني والمقولات التي تثار حول صيغة المجتمع المدني في الوطن العربي، معتبراً أنها جاءت نتيجة عملية استيراد جاهزة لنماذج من عمل المنظمات الغربية.

ولم تتشكل داخلياً لتكون العلاقة الوسيطة بين الفرد والدولة، كما أنها جاءت كمحاولة أخرى في اللاتسييس، وتوجت البنى التقليدية على عرش المجتمع المدني، وبالتالي تحولت النقاشات الديمقراطية التي كان من المفترض أن تقودها، إلى مجرد نقاشات ثقافية تحت سقف الدولة، وبدلاً من أن يكون النقاش العلني حول التحول الديمقراطي، بات مجرد نقاشات حول تعريف المجتمع المدني.

 

 

 

 

الكتاب: المجتمع المدني.. دراسة نقدية

تأليف: د.عزمي بشارة

الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدوحة 2012 الطبعة السادسة توزيع الدار العربية للعلوم ناشرون

الصفحات:400 صفحة

القطع: الكبير

Email