رسائل إلى أبنائه

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

من المعروف عن سيغموند فرويد أنه مؤسس التحليل النفساني والمداواة النفسانية. وكان قد كرّس للمجال، غالبية كتاباته. ومن المعروف عنه أنه تبادل الكثير من الرسائل مع زملائه وطلبته، ولكن لم يكن معروفا عن فرويد أنه كان رجل أسرة له علاقات وثيقة مع أفرادها. وكان أباً حريصاً على نسج أفضل الروابط مع أبنائه، على العكس من الصورة السائدة عنه.

وذلك ما أشار اليه أحد ورثته المقرّبين في مجال التحليل النفساني، جاك لاكان، عندما قال في محاضرة له في بروكسل، عام 1960، ما مفاده "في الحياة العامّة لا أرى فرويد أباً إلاّ بدرجة ضعيفة".

تجد تلك الفكرة عن سيغموند فرويد، ما يناقضها في الكتاب الصادر قبل أسابيع في فرنسا، مترجما بعد صدوره باللغة الألمانية، تحت عنوان "رسائل إلى أبنائه"، وتدل هذه الرسائل على أنه لم يكن بعيدا عن أبنائه وبناته.. ولم تكن علاقته بهم شكلية، بل كان، على العكس، نموذج الأب القريب، المتعلق بحياة أسرته.

ويشير الكتاب إلى انه كتب فرويد الكثير من الرسائل، المجموعة في أكثر من 600 صفحة في هذا الكتاب، إلى أبنائه: ماتيلدة ومارتن واوليفييه وارنست وصوفي وآنّا. كما كتب رسائل إلى أحفاده وإلى زوجات أبنائه وأزواج بناته، خلال الفترة الزمنية الواقعة بين عامي 1907 و 1937، وصولاً الى تاريخ وفاته.

وهذه الرسائل مكتوبة إلى أبنائه وبناته، بعد أن أصبحوا شباباً وتركوا المنزل العائلي للعيش مع شركاء وشريكات حياتهم في مدن أخرى، مثل فيينا أو برلين أو هامبورغ. ومما تدلّ عليه هذه الرسائل أنه كان يستقبل كل ولادة لأحد أحفاده، بكثير من البهجة، ذلك على خلفية أن شيئا من الإنسانية يتحقق عبر الولادة.

وما تنمّ عنه هذه الرسائل، أن مؤسس التحليل النفساني لم يكن مجرّد أب في الحياة اليومية فقط، حسب الصورة الشائعة عنه. ولكنه كان يتعامل معهم على أساس مبدأ واضح، وهو أنهم يستطيعون عند الضرورة، اللجوء إليه وطلب مساعدته.

وتركّز رسائله إلى ابنته الكبرى، ماتيلدة، التي كانت تعيش قلقا عميقا كونها لم تكن تمتلك من الجمال ما يمكن أن يجذب رجلاً إليها، على الحديث عن "جوانب السحر " لديها . والتأكيد على أن مصير الفتاة لا يتعلّق فقط بالجمال الجسدي، ولكن بالميزات التي تنمّ عنها شخصيتها. ونجده يكتب إلى ابنه مارتن، الذي كان قد اشتكى من فشله الدراسي، ومن عدم نجاحه في الحياة مثل أخويه، ليؤكّد له أن " له مكانه في الأسرة".

كما رد فرويد على "استي"، زوجة مارتن، التي أعربت عن اعتقادها بأن زوجها تخلّى عنها لأنها غدت أقل جمالًا، برسالة مضمونها أن التفاهم أو عدم التفاهم داخل الأسرة، لا يقومان على معيار الجمال، وأعرب عن أسفه حيال تخريب حظوظ العيش السعيد، بمثل هذه الأحكام المتعجّلة.

ونقرأ في رسالته إلى ابنته صوفي، التي تزوّجت وهي في العشرين من عمرها، وذهبت للعيش مع زوجها في هامبورغ، بعيدا عن أسرتها ( إذ شكت له حالة من التشوش كانت تعيشها ): "لا شك أنك تعيشين حالة من الحنين إلى مسقط رأسك، وهذا لا بدّ وأن يثير لدينا بعض المشاعر".

يشير المؤلف إلى أنه، وفي شأن كتابة فرويد ذات الطابع الفكري، نجدها في رسائله إلى "لوسي"، زوجة ابنه "ارنست". ومن رسالة لها ولارنست بعد لقائه مع عالم اللغات رولان بارت، أعرب عن فرحه: " ما يثير دهشتنا دائما، أن البشر ليسوا جميعهم أوغادا". وفي عام 1934 تمنّى فرويد في رسالة لابنه ارنست، أن "لا تتجاوز البربرية النازية الحدود"، بعد معرفته أن ارنست ربما يرشح نفسه "على قائمة النازيين".

ويلفت الكتاب إلى أنه تتميّز رسائل فرويد بالوضوح وحريّة التعبير، من دون البحث عن فرض السلطـة الشكلية للأب، ومن دون البحث عن معارضة خيارات أبنائه الشخصية. وبهذا، فإنه، وباختصار، كان يتعامل مع أبنائه بقدر كبير من الإنسانية العميقة، بعيداً عن فرض المواقف التعسفية، بل اعتماداً على الاستماع والتفهّم والمرونة..

وهكذا يبدو بوضوح، أنه دعمهم في لحظات الضيق المادي والقلق النفسي، وساعدهم على الوقوف والالتجاء إلى التضامن العائلي، كما تشير الرسائل المنشورة، تحت عنوان "رسائل الأزمة". ونتبين، بشكل لافت، أن الكثير من هذه الرسائل، فيها حديث عن تحويل مساعدة مالية إلى أحدهم، أو عن تقديم هديّة. كما نكتشف أن جميع حقوق المؤلف عن كتبه، منذ عمله الشهير "تفسير الأحلام"، يعود الى أبنائه.. إذ كان يرى في مساعدتهم، قدر المستطاع، واجباً ومسؤولية.

 

 

 

 

الكتاب: رسائل إلى أبنائه

تأليف: سيغموند فرويد

الناشر: اوبييه باريس 2012

الصفحات: 609 صفحات

القطع: المتوسط

 

 

 

 

Lettres à ses enfants

Sigmund Freud

Aubier - Paris- 2012

609 .P

Email