مخطوطات تومبوكتو

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت مدينة تومبوكتو، عاصمة مالي، في قلب إفريقيا جنوب الصحراء، مدينة ثقافية مزدهرة، وكان يؤمّها الطلبة من مصر والأندلس والمغرب. ووصل عددهم في القرن الخامس عشر، إلى 25000 طالب وباحث، ضمّتهم جامعة "سانكوري".

لكن تومبوكتو، التي اعتبرتها منظمة اليونسكو، منذ عام 1988، تراثا إنسانيا، تواجه اليوم الكثير من التحديات. وفي هذا السياق يقدم الصحافي، ورئيس تحرير مجلة "فرنسا الثقافية"، جان ميشيل دجيان، كتابا تحت عنوان: "مخطوطات تومبوكتو" الذي يتيح للقارئ التعرّف على المكانة الفريدة التي اكتسبتها تومبوكتو عبر التاريخ، وعلى ثراء وتنوع وجمال ما كان قد كُتب في تلك المدينة، منذ أكثر من ألف عام".

ومما يؤكده المؤلف، أن عدد مخطوطات تومبوكتو يصل، حسب التقديرات، إلى 100000 مخطوط، ويقفز هذا العدد إلى 900000 إذا ضمت منطقتا سيغو وغاو. هذه المخطوطات مكتوبة على أنواع ورق مختلفة، عرفتها حقبة كتابتها، مثل: الجلود وورق الشرق وكل ما كان صالحا للكتابة عليه.

ويشير إلى أن غالبية المخطوطات تحتوي على تعليقات وهوامش ومراج. كما يجد القارئ فيها أسعار الملح والتوابل ونصوص قرارات المحاكم وصكوك البيع والوصفات الدوائية واستخدام العقاقير. ويلفت المؤلف إلى أن أحد المخطوطات يحتوي على دراسة خاصة بأضرار التبغ.

إن مؤلف الكتاب يعيد اهتمامه بـتومبوكتو وثروتها الثقافية، إلى الصدفة المحضة، لافتا إلى انه يكفي أحيانا، لمجرّد صدفة، أن تغيير قدر الإنسان المعني بها. ويكتب عن الصدفة التي غيرت حياته: "كان ذلك عام 1987، عندما سألني برنار فيفر دارسييه، الذي كان يترأس آنذاك مهرجان افينيون للمسرح، إذا كنت أستطيع القيام، بدلاً عنه، بإلقاء دروس في التوغو حول السياسات الثقافية. فقبلت العرض ولم أكن أعرف شيئا عن إفريقيا؟ لكنها بهرتني. اكتشفت إشعاعا فكريا وغيابا كاملا للتبجح الغربي. هكذا استفاقت بداخلي إرادة التعرف أكثر".

ويقدّم المؤلف تأريخا لمدينة تومبوكتو، مبينا أنها غدت اعتبارا من القرن الخامس عشر، مركزا تجاريا مهما، ومركز إشعاع ثقافي. وهكذا أصبحت ملتقى للتبادل التجاري والثقافي بين مختلف ممالك إفريقيا السوداء، جنوب الصحراء وبين الغرب.

ويوضح أن القوافل التي كانت تنطلق وصولاً إلى مصر وحتى بلاد فارس، كانت تحمل معها أيضا "المعارف" و"الكتابة العربية" التي خدمت كوسيلة لـتدوين ما كان يتناقل حتى آنذاك، شفويا. وفي المحصلة استفادت تومبوكتو من موقعها الاستراتيجي. وعرفت ازدهارا كبيرا. ووصل عدد سكانها إلى مائة ألف نسمة.

ويذكر المؤلف عددا من حكايات الرحّالة الغربيين الأوائل، الذين زاروا في القرن التاسع عشر "المدينة الممنوعة"، حسب أحد التوصيفات الشائعة آنذاك عن تومبوكتو. ومما يقوله جان ميشيل دجيان: "في الفترة الأولى، مثل ما حصل لكايي الرحالة رونيه كايي- لم أكن متشجّعا. مع ذلك صممت على المتابعة متمسّكا بفكرة أن تلك المدينة لديها ما تقوله، هكذا توجهت إلى مركز أحمد بابا الشهير للتوثيق والبحوث".

ويوضح المؤلف أنه على رفوف ذلك المركز اكتشف مخطوطات في التاريخ والقانون والرياضيات وعلم الفلك والطب وفنون السحر. وتحتوي هذه المخطوطات أيضا على ذاكرة إفريقيا، وعلى معارف ممالكها السابقة، مثل مملكة مالي التي بناها سونجاتا كيتا، التي استمرت من عام 1230 وحتى عام 1545. ثم مملكة سونغاي التي أعقبتها حتى انهيارها مع الفتح المغربي عام 1591.

ولا يتردد المؤلف في القول ان مكتبات تومبوكتو تعرّضت للكثير من عمليات السلب الخارجي، خاصة من قبل المستعمرين الفرنسيين. ويشير في هذا السياق إلى أن متزعّمين محليين اعتبروا أن الكتابة تخدم المستعمرين، وأنها تهدد سلطتهم. وفي مواجهة ذلك، عمد أولئك الذين كانوا يمتلكون المخطوطات إلى إخفائها. ويشدد دجيان على أنه لقي مساعدة كبيرة لدى شخصيات فكرية مرموقة، مثل :

 محمود زبير- المؤرخ وأول مدير لمركز "أحمد بابا"، دولاي كوناتي- الدكتور في التاريخ وعلم الآثار. ويبين أن المخطوطات المعنية تضمّ نصوصا تنمّ عن نزعة إنسانية عميقة، مثل ذلك النص الذي يحمل عنوان "ميثاق ماندي" الذي أقرّه الإمبراطور سونجاتا كيتا، إذ يصفه الشيخ حميدو كان، كما ينقل عنه المؤلف: "

يعالج المسائل الأساسية نفسها، التي تتعلق بإنقاذ المكانة المدنية والأخلاقية للإنسان، وتحترم مجالات الحرية التي ينبغي على السلطات الحاكمة منحها له (...). وضمان قواعد التعايش بين الاثنيات والمعتقدات والأجيال والرجال والنساء والبشر والبيئة المحيطة".

 

 

 

الكتاب: مخطوطات تومبوكتو

تأليف: جان ميشيل دجيان

الناشر: ج. سي. لاتيس - باريس- 2012

الصفحات: 192 صفحة

القطع: الكبير

 

Les manuscrits de Tombouctou

Jean Michel Djian

JC Lattes - Paris- 2012

192 .p

Email