الموسيقى مثل كيمياء خفيّة

ت + ت - الحجم الطبيعي

من هو قائد الفرق الموسيقية، "المايسترو"؟ الإجابة عن مثل هذا السؤال يقدمها الناقد الموسيقي البريطاني توم سرفيس في كتاب يحمل عنوان "الموسيقى مثل كيمياء خفية".

المعروف هو أن عالم الموسيقى لا يزال يحتفظ بحروف من ذهب أسماء عدد من قادة الفرق الموسيقية الكبار منذ قرون حتى الوقت الراهن ومن "توسكانيني" إلى "كارايان". هؤلاء القادة "الصامتون يديرون بواسطة عصا سحرية مجموعة من الموسيقيين الموهوبين الذين قد يزيد عددهم على المائة عازف"، كما يكتب المؤلف.

ويضيف مؤكدا أن هؤلاء "القادة" يسمون أحيانا بالموسيقى إلى درجة أنها تعطي "أقصى وأسمى ما لديها"، وبالتالي يرفعهم الجمهور إلى مصاف مخلوقات "أسمى من صنف البشر العاديين".

وهذا الكتاب عن "الموسيقى مثل كيمياء خفية" هو نادر، إن لم يكن الأول من نوعه، حيث إن مؤلفه يدخل إلى صالات التدريب الموسيقي الأكثر شهرة في العالم اليوم. وهو أول من يشهد بـ"عين المراقب العارف" كيف عمل سيمون راتل قائد اوركسترا برلين للموسيقى الكلاسيكية، وكيف يتعامل "ماريس" قائد اوركسترا امستردام مع موسيقيي فرقته.

كذلك يتنقّل المؤلف من لندن إلى بودابست ومن بامبيرغ إلى فيينا ليرى ويراقب ويكتب عن الكيفية التي تعمل فيها فرق "الاوركسترا" الموسيقية لتعيد وتستعيد أعظم الموسيقى التي عرفتها الإنسانية خلال قرون عديدة وكان وراءها أسماء مبدعين مثل بيتهوفن وموزارت وشوبان وغيرهم.

وما يؤكده المؤلف "هو أنه منذ أن بدأ البشر بعزف الموسيقى في جماعات كان هناك "قادة" يؤمنون انسجام الأداء وبحيث أن عملية "القيادة" نفسها لم تتغيّر سوى قليل منذ القديم حتى اليوم. وتدل وثائق تعود إلى 3000 عام قبل العصر الميلادي، أنه كانت توجد في بلاد سومر بمنطقة ما بين النهرين التي شهدت أول حضارات العالم جوقة من "64" امرأة كانت تعزف الموسيقى وتمارس الغناء مع فتاة "مكلفة بالإشراف على الجوقة وتنسيق الغناء. وفي العصور الوسطى عُرف نوع فني لممارسة "قيادة الموسيقى" عبر حركات باليدين للدلالة على "طبقة صوتية" بالنسبة للمغنين.

وبالتدريج تطورت مهنة "قائد" الجوقة الموسيقية وجوقة الغناء والإنشاد عبر استخدام "أدوات للتواصل" مثل لفافة من الورق وعصا المايسترو" تتم الإشارة أن المؤلف الموسيقي الفرنسي جان باتيست لوللي كان أشهر قادة "الاوركسترا" في القرن السابع عشر. ومما يذكر بخصوصه هو أن "ثقب" ذات يوم حذاءه وجرحت قدمه بـ"عصا قيادة الفرقة الموسيقية". وقد ترتب على ذلك إصابته بمرض "الغرغرينا" ثم وفاته إثر ذلك .

وفي بدايات القرن التاسع عشر غدت مهنة "قيادة الفرقة الموسيقية" مدخلاً إلى الشهرة وعلامة على التميّز والموهبة الكبيرة. من هنا غدا مبدعون موسيقيون كبار، ليس أقلهم شأنا بيتهوفن، لا يكتفون بقيادة الاوكسترا من وراء آلة البيانو. وشيئا فشيئا أصبح قائدو "الاوركسترا" يتمتعون بـ"سلطة كاملة" في قيادة الموسيقيين الذين يعملون معهم. "لقد كان قائد الاوركسترا ملكا"، كما يكتب المؤلف الكتاب.

ويتمثل أحد الأهداف الكبرى التي يسعى إليها المؤلف في إظهار الكيفية التي يتوصل فيها قادة الاوركسترا والموسيقيون العاملون معهم إلى "نسج صورتهم الخاصة بهم في عالم الموسيقى وسحره". ويتحدث توم سرفيس بكثير من الانفعال عن المرة الأولى التي حضر فيها عزفا موسيقيا من قبل "اوركسترا" يقودها "مايسترو". كان عمره آنذاك سبع سنوات فقط.

ومنذ ذلك اليوم بدأت "قصة حب" بينه وبين الموسيقى. من هنا يمكن اعتبار هذا الكتاب بمثابة ثمرة معرفة عميقة وتحليل موسيقي نقدي. ويعترف سرفيس أنه "لم ينجح" في أن يحقق طموحه بـ"قيادة اوركسترا" لكنه يحمل إعجابا عميقا بهذا الفن، وأنه حاول "عند مراهقته" أن يقلّد قادة اوركسترا مثل توسكانيني وكارايان "أمام المرآة".

تتم الإشارة في هذا الإطار إلى أن قادة اوركسترا مشاهير حاولوا "على سبيل التجريب" قيادة موسيقيين لم يلتقوا بهم سابقا، لكن "النجاح" ظل مفقودا. هكذا أيضا عانى سيمون راتل الذي جرى اختياره لقيادة اوركسترا برلين عام 2002، كثيرا في ألمانيا من موقعه كفنلندي- من أجل "إقناع" الموسيقيين الذين عليه "قيادتهم" به. ولكن شيئا فشيئا قامت "العلاقة" بينهم على قاعدة "هامش من حرية التعبير الموسيقي"، وكان "النجاح".

 

 

الكتاب: الموسيقى مثل كيمياء خفية

تأليف: توم سرفيس

الناشر: فابر وفابر- لندن 2012

الصفحات: 304

القطع: المتوسط

 

Music as alchemy

Tom Service

Fabre and Faber- London- 2012

304 .p

Email