طقوس الزار في مصر

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

صدر في القاهرة أخيراً كتاب (طقوس الزار)، للمؤلف محمد مهدي قناوي عن دار نشر مركز الحضارة العربية، والكتاب يتناول الزار كظاهرة مركبة، ومن هنا ينبع غموضها والتباسها في كثير من الأحيان، في البداية نشأت ظاهرة الزار كواقعة تاريخية يثير ظهورها في القرن التاسع عشر تفسيرات متباينة حول أصولها التاريخية.

لكنها أيضاً ظاهرة ثقافية تؤدي وظائف متعددة في المجتمع ضمن الإطار الثقافي، كما أن الزار طقس علاجي ترتبط فيه وظيفته العلاجية بالوظيفة الرمزية للطقس، وفاعليته العلاجية تنبثق من الفاعلية الرمزية، حيث تلعب الرمزية الطقسية دوراً أساسياً فى إعادة تشكيل شخصية الممسوسة.

بغض النظر عن التقنيات المستخدمة في المعالجة في طقوس الزار فإن أكثر التقنيات نجاحاً هي فترة الإثارة العاطفية للمريض التى تعقبها فترة التفريغ للشحنات التوترية. وتدلل الكثير من المعطيات التاريخية والأنثروبولوجية على سعي الإنسان منذ القدم لتطوير تقنيات وممارسات ذات طابع علاجي وترويحي، بهدف الوصول إلى حلول للضغوط النفسية التى تواجهه. يمكن عد ممارستين من هذا النوع لهما وجود تاريخي ومعاصر في مصر والسودان هما الزار والكجور.

وهما ممارستان تتناغمان مع الموروث الثقافي والاجتماعي وتجدان تقبلاً في اللاوعي الجماعي. ومن الأمور المتفق حولها أن جذور الاعتقاد تكمن في بنية الشخصية. الأمر كذلك فإن قناعة رسخت لديَّ بأنه وللقضاء على الخرافات التى تعشش في الذهنية الشعبية والممارسات المرتبطة بها.

والتي تجعل من اللجوء للمعالجات النفسية الحديثة أمراً لا يتقبله اللاوعي الجماعي، لا بدَّ من إخضاعها للدراسة العلمية الجادة، والتعرف على الجوانب الإيجابية فيها. من ثم تتمحور أهمية هذه الدراسة في أن نتائجها قد تؤدي إلى تطوير تقنية فنية ذات طابع شعبي يفي بالغرض بالنسبة لمثل هذه الممارسات وأمثالها طالما هي موجودة في مصروالسودان مع ملاحظة قلة عدد الأطباء النفسيين بالنسبة لعدد السكان.

ويقول المؤلف: سبق ليَّ أن قمت بدراسة وصفية ميدانية لظاهرة الإعياء والانفعالات المصاحبة في طقوس الزار وعلاقتها بالترويح النفسي، وكان من بين النتائج التي توصلت لها تلك الدراسة الآتي:

- يمكن عد ممارسة الزار ظاهرة سيكوفسيولوجية الطابع من حيث الأداء الحركي المميز لها، والانفعالات المصاحبة وما ينتج عنهما من تغيرات داخلية وخارجية للممارسة، وما يعقبهما من استرخاء وشعور بالترويح النفسي.

- يشتمل الانفعال الناتج عن ممارسة الزار على جانب معرفي، ويمكن وصفه شحنة انفعالية تزود الممارسة برغبة وتجاوب مع الجو الصاخب من جانب، ويؤدي من جانب آخر إلى إضعاف إرادة الممارسة، مما يجعلها عرضة للخضوع لشخصية الشيخة المعالجة.

من هاتين النتيجتين الرئيستين تولدت لديَّ فرضية ترى في ممارسة طقوس الزار أكثر من مجرد ترويح نفسي، حيث لاحظت احتواء تلك الطقوس على العديد من التقنيات المستخدمة في مختلف مدارس العلاج النفسي. ودافع آخر شجعني على القيام بهذه الدراسة ملاحظتي، من خلال متابعة الأدب الذي تناول ظاهرة الزار، تركيز جل الدراسات على مسائل تتعلق بأصل الزار، ووصفه وتحليله على ضوء العوامل الاجتماعية والثقافية.

إضافة إلى بعض الدراسات النفسية الوصفية التحليلية. على حد إطلاعي لم يتم إخضاع ظاهرة الزار لدراسة تجريبية بغرض استجلاء تأثيراتها العلاجية، رغم وجود ظواهر مماثلة في مجتمعات أخرى أخضعت للتجريب رغم الصعوبات الخاصة بالقياس.

وما من شك في أن الدراسة التجريبية التي أجريتها شددت على ضرورة الاستعانة بالمنهج الوصفي التحليلي من واقع المشاهدة المباشرة للممارسة الطقوسية، والمقابلات غير المقننة مع مريضات مدمنات لطقوس الزار وأخريات تتملكهن قناعة لكونهن قد تعافين بفعل المعالجة بالزار، إضافة إلى مقابلات غير مقننة مع شيخات زار تقليديات.

 

الطقوس وطبيعتها:

تمتلك كل الشعوب طقوساً تمثل نوعاً خاصاً من السلوك القابل للملاحظة، القائم على أحكام راسخة أو تقليدية. ويمكن النظر إليه بالتالي طريقةً لوصف الإنسان أو تعريفه، فالإنسان قد يعرف بأنه كائن عاقل أو كائن اقتصادي أو سياسي أو كنوع لاعب، كما أنه يمكن النظر إليه بوصفه كائناً طقسياً يُظهر توازناً أخاذاً ومدهشاً بين سلوكه الطقسي والفعلي.

فالطقس هو نوع من السلوك المعمم يمكن الاستناد عليه لفهم كنه الإنسان، تماماً مثله مثل اللغة التي تعد نظاماً رمزياً قائماً على قوانين راسخة، بالتالي يمكن النظر للطقوس بوصفها نظاماً رمزياً من الأفعال، ويمكن رؤية العلاقة الشائكة المعقدة بين الطقوس واللغة في تاريخ المحاولات العديدة لشرح السلوك الطقسي، ومن ثم نجد اهتمام أغلب التفسيرات بأهمية اللغة بوصفها عاملاً مهماً فى النظرية التى تهتم بطبيعة الطقوس

 

الكتاب: طقوس الزار.. رؤية سيكو ثقافية

المؤلف : محمد مهدي قناوي

الناشر: مركز الحضارة العربية

الطبعة: القاهرة يوليو 2012

الصفحات: 291

الحجم: المتوسط

Email