تاريخ سوريا القديم

ت + ت - الحجم الطبيعي

تركز أبحاث كتاب" تاريخ سورية القديم "، لمؤلفه الدكتور عيد مرعي، على إبراز طبيعة الأهمية التاريخية والحضارية لسورية، لافتا إلى انه، وعلى الرغم من أن سورية لم تشهد نشوء إمبراطوريات وممالك على أرضها، فإن موقعها المتوسط في قلب الشرق القديم وغناها بالموارد الطبيعية، جعلها أرضاً للصراعات الحربية

 

. ولم يفقدها ذلك، هويتها الحضارية، بانتماء سكانها إلى أصل واحد، وهو ما يتوضح بجلاء من خلال اللغات التي استخدمها السكان، إذ انها تظهر تطابقاً في بنيتها النحوية والقواعدية والصرفية والمفردات وغيرها. وتعبّر عن ذلك الانتماء أيضاً المعتقدات الدينية والعادات.

ويبين الدكتور عيد مرعي، في فصول كتابه، أن سورية لم تستطع أن تحقق وحدتها السياسية الكاملة، لكن، وعلى الرغم من نشوء العديد من الممالك فيها، مثل : ( إبلا، بمحاض، قطنة، ماري، وأوغاريت، وغيرها )، فإنها حققت وحدة حضارية وثقافية متكاملة، امتدت خارج حدودها الطبيعية.

ويدرس المؤلف حضارة تل حلف والعبيد وتل براك، ويعتبرهما بداية التمدن نظراً لحدوث ابتكارات حضارية حاسمة في تاريخ البشرية، ويأتي في مقدمها ظهور المدن الأولى وابتكار الكتابة، ومارس سكانها الزراعة وتربية الحيوان والصيد النهري .

 وأيضا شهدت سورية في الألف الثالث قبل الميلاد، نشوء مملكة قوية في قسمها الشمالي، وهي مملكة "إبلا" التي دخلت في صراع مع الإمبراطورية الأكادية، ووسعت سيطرتها لتشمل أجزاء واسعة من سورية، وعثر في مكتبتها على 17 ألف لوح طيني، وهي تضم نصوصاً اقتصادية وإدارية وأدبية ومعجمية.

ويؤكد مرعي أنه أظهرت نتائج الحفريات في " ماري "، أن بدايات الاستيطان البشري فيها تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد . وقد ساعدها موقعها الجغرافي الممتاز على أن تصبح قوة سياسية واقتصادية مهمة، وعثر المنقبون فيها على 25 ألف لوح مكتوبة بالخط المسماري، وتتألف المحفوظات الملكية من وثائق اقتصادية وإدارية تضم منطقة الشرق القديم كلها.

وكان مركز مملكة قطنة الأمورية، تل المشرفة الحالي في منطقة حمص، وهي ازدهرت ما بين 1800 1600 ق.م. وتمّ العثور على 73 لوحاً مسمارياً، تحوي معلومات عن الوضع السياسي في شمال سورية، وكتبت بخليط من اللغتين الأكادية والحورية.

وكانت مدينة (قطنة ) تشكل قوّة مهمة تسيطر على الطرق التجارية الواصلة ما بين الفرات في الشرق والبحر الأبيض المتوسط في الغرب، وتتحكم في مساحات واسعة من المراعي التي كانت ضرورية لقطعان حاكم ماري .

ويخصص مرعي، بحثا خاصا للتعريف بموقع أوغاريت الحالي، تحت اسم " رأس الشمرة "، مشيرا إلى انه أظهرت الحفريات الأثرية أن الموقع كان مسكوناً منذ منتصف الألف السابع قبل الميلاد، ويتضح من خلال النصوص التي ظهرت أنه كانت توجد علاقات بين أوغارت وإبلا وماري وألالاخ . كما يبدو أن جبيل( لبنان) كانت ذات شأن، فقد قامت بينها وبين مملكة " أور " في بلاد الرافدين علاقات طيبة.

وهناك، بالإضافة إلى النقوش الكنعانية الفينيقية، حوليات الملوك الآشوريين الذين قاموا بحملات متعددة على المدن والمناطق السورية المختلفة، التي تعطي معلومات متنوعة عن أحوال تلك المدن والمناطق، كما أن بعض المؤرخين الإغريق والرومان، كتب عن الكنعانيين الفينيقيين. ولكن كتاباتهم تأتي في زمن متأخر، وفيها شيء من الخيال والأسطورة.

وينتقل المؤلف ليوضح انه بدأ الآراميون بالظهور كقوة سياسية، انطلاقا من القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وذلك بعد تخليهم عن حياة التنقل والترحال، وانتشرت اللغة الآرامية نتيجة للنشاط التجاري البري الواسع الذي مارسه الآراميون في أواخر الألف الثانية قبل الميلاد، وأصبحت اللغة الآرامية اللغة الرسمية في الإدارة والمراسلات في مقاطعات الإمبراطورية، ولغة التجارة والدبلوماسية في الشرق القديم .

وفي خصوص بلاد آشور، يلفت المؤلف الى انها عانت من ضعف كبير تمثّل على نحو أساسي بظهور ممالك آرامية متعددة في أعالي بلاد الرافدين، وفي منطقة الخابور والفرات الأوسط ، لكن ملوك آشور استطاعوا إخضاع هذه الممالك لسيطرتهم، ثم توجهوا بأنظارهم نحو الغرب لتحقيق الحلم القديم بالوصول إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط .

ويبين ايضا انه نشأت الإمبراطورية الفارسية الأخمينية في العام 555 ق.م. على يد قورش الثاني، الذي أوصل حدودها إلى السواحل الغربية لآسيا الصغرى، وقد عامل قورش الثاني السكان معاملة حسنة، ووعد بإعادة المعابد المهدّمة، ونتيجة لهذه السياسة المتسامحة استلمت الفرس معظم مدن سورية ومناطقها دون قتال، وازدهرت المدن الكنعانية الفينيقية الساحلية مثل ( جُبيل وصيدا وصور ) التي تمتعت باستقلال ذاتي، وضربت نقوداً خاصّة بها .

وبقيت سورية تحت الحكم الفارسي الاخميني حتى العام 333 ق.م. وهو العام الذي انتصر فيه الإسكندر الكبير الملك المقدوني على داريوس الثالث ملك الفرس، في معركة إسّوس المشهورة، فدخلت منطقة الشرق القديم كلّها في حقبة تاريخية جديدة .

 

 

 

 

 

الكتاب: تاريخ سورية القديم

تأليف: د. عيد مرعي

الناشر: وزارة الثقافة الهيئة العامّة السورية للكتاب دمشق 2011

الصفحات: 312 صفحة

القطع: المتوسط

Email