يوميات غير منشورة لصديقة أميركية 1940-1970

سان جون بيرس من الداخل

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد ما يزيد على ثلاثة عقود من وفاة الشاعرة والناقدة الأميركية "كاترين بيدل" يتم للمرّة الأولى نشر يومياتها عن فترة الصداقة الطويلة التي استمرت مع الشاعر سان جون بيرس في كتاب يحمل عنوان: "سان جون بيرس من الداخل". إن هذا الكتاب- اليوميات يكشف أيضا، للمرة الأولى، العديد من الأسرار عن سيرة حياة "اليكسيس ليجيه"، الاسم الحقيقي لسان جون بيرس المولود عام 1887 والذي توفي عام 1975. كذلك يقدم الكتاب الكثير من المعلومات عن الحياة الأدبية والسياسية والدولية خلال السنوات التي يغطيها أي ما بين عام 1940 وعام 1970. ومعلومات أيضا عن خبايا الحياة اليومية للشاعر الفرنسي خلال منفاه الأميركي والفترة التي أعقبته.

سان جون بيرس هو أولا اليكسيس ليجيه، الدبلوماسي الفرنسي لدى وزارة الخارجية الفرنسية والمعروف عنه "حدّة خطابه" و"حبه للسر". وتصفه المؤلفة أنه "رجل غامض" قادر على أن يُظهر "صورة مختلفة عنه" لكل متحدث. هذا على خلفية نوع من "التحليل النفساني" الذي يقوم به وقدرته على "جذب الآخرين وما يمتلكه من قوة سحرية". ويتوّج ذلك كله بمهارة عالية في "إخفاء ما يدور بداخله من أفكار".تشير المؤلفة أنها لعبت أدوارا عديدة حيال سان جون بيرس، إذ كانت بالوقت نفسه "عاشقة أفلاطونية"، أي بعيدا عن أية علاقة جسدية، و"عونا ماديا سخيا" و"أما حامية". من الملاحظ أن كاترين بيدل تولي في يومياتها اهتماما كبيرا لتوصيف تفاصيل الحياة اليومية لـ"بطلها" حيث تتحدث عن "نوبات الزكام" التي كان يصاب بها، و"ملاحظاته" حول الأشياء والأحداث البسيطة حوله و"بعض الرسائل" التي كان الشاعر يرسلها لزوجها "فرنسيس بيدل" الذي كان أحد القضاة في محاكمات "نورنبرغ" الشهيرة لرموز النظام النازي، كما أصبح وزيرا للعدل في أميركا بظل رئاسة روزفلت.ومن موقع الصديقة كانت المؤلفة "تسهر"، كما تقول، على أن لا يعاني الشاعر طيلة منفاه الأميركي من أية مشكلة يومية أو مالية. وكان جون بيرس الدبلوماسي قد دعا في سنوات العشرينات لـ"المصالحة الفرنسية- الألمانية من أجل ضمان فرنسا ثم أوروبا". لقد أمضى فترة ثماني سنوات بمنصب "الأمين العام لوزارة الخارجية". وما يُروى هو أن "ليون بلوم" عندما وصل إلى رئاسة الحكومة الفرنسية في عهد "الجبهة الشعبية" عام 1936 كان يسأل حول العديد من المواضيع. "ما هو رأي ليجيه"؟ أي جون بيرس لاحقا. وعندما جرّده "بول رينو" وزير خارجية فرنسا عام 1940 من مهامه في الوزارة اعتبر ذلك إهانة له ورفض الوظيفة المقترحة عليه وقرر أن يأخذ درب المنفى إلى الولايات المتحدة. وتشير المؤلفة أنها دوّنت خلال سنوات حياتها "الواعية" كل ما كان يجري حولها من أحداث في عالمي السياسة والأدب والثقافة على أربعين دفترا. من هذه الدفاتر بالتحديد أخذت مادة هذا الكتاب. وتكشف أنها، أي المؤلفة، كانت قد "عبأت شبكات معارفها"، كي يحصل سان جون بيرس على وظيفة "مستشار" في مكتبة الكونغرس الأميركي. كما كانت وراء منحه مساعدات من العديد من المؤسسات الأميركية، وهي التي قامت بتمويل المنزل الذي اشتراه الشاعر جنوب ف ما تؤكده المؤلفة أنها حملت عاطفة حب حقيقية للشاعر الذي كان "يكنّ لها أكثر من الصداقة"، لكن دون الذهاب أبعد من ذلك. وتفصح المؤلفة أنها "أسفت" في السنوات الأخيرة من حياتها لكون أنها "لم تتجاوز العتبة" التي كانت تفصلها عن الشاعر وحيث "منعتها تقاليد عصرها من فعل ذلك".

وإذا كانت كاترين بيدل تبدي الكثير من الحماس والإعجاب بسان جون بيرس، فإنها لا تتردد في توجيه النقد له. وإذا لم تكن قد تجرأت على التمرد "سوى بصمت" عليه عام 1944 فإنها أعلنت أسفها الصريح لاحقا لـ"ميله إلى الكذب". والحديث عن "الضيق" الذي كان يسبب سلوكه لها أحيانا. هكذا نقرأ مما كتبته عام 1951 ما مفاده: "لقد أرغمني على البقاء واقفة بجوار الهاتف 45 دقيقة". وتذكر أيضا "ميله الفرنسي للتحدث دون توقف".

وما تؤكده المؤلفة هو أن سان جون بيرس قد طبّق طيلة حياته إستراتيجية ترمي إلى صياغة "أسطورته" بدقة متناهية. لقد كان الشاعر "الرسمي" يرفض التكريم والدعوات ويشتكي من نشر أشعاره "دون موافقته" ويؤكد أنه لم يكن يسعى للحصول على جائزة نوبل. لكن المؤلفة التي تعرفه "من الداخل" تؤكّد أنه كان رجلا "مسكونا بخدمة مساره الأدبي وشديد الاهتمام بأبسط مقال يُكتب عنه وهدفه كان الشهرة". لقد كان يريد أن يعطي عن نفسه صورة شاعر لا يهمه سوى فنّه، وأنه لا يريد نشر أعماله بينما كان "يرسل مخطوطاته" سرا "لناشرين أو لمجلات أدبية مختصّة. باختصار "كان يسعى إلى النشر دون إعطاء الانطباع بذلك". أما حلمه الأكبر فقد كان نشر صورته على الصفحة الأولى من "النيويورك تايمز". وهذا ما حصل عام 1948.

بيرس وديغول

مرّ سان جون بيرس بطريقه إلى أميركا، بلندن ،حيث لم يتصل أبدا بالجنرال ديغول الذي كان يعتبره "فاقدا للشرعية" رغم أن نظام فيشي، المتعاون مع الألمان، جرّده من جنسيته الفرنسية وحذف اسمه من قائمة الحائزين على "ميدالية الشرف". حاول الجنرال ديغول كسب ليجيه إلى جانبه لكنه رفض تماما، الأمر الذي لم يغفره له الجنرال أبدا. هذا إلى درجة أنه رفض تهنئته عندما حصل عام 1960 على جائزة نوبل للأدب، الأمر الذي ردد ذكراه عدة مرات أمام مؤلفة هذا الكتاب.

المؤلفة في سطور

كاترين بيدل شاعرة وناقدة أدبية أميركية توفيت عام 1977. وكانت على مدى ثلاثين سنة صديقة وكاتمة أسرار أحد أهم شعراء القرن العشرين، سان جون بيرس.

الكتاب: سان جون

بيرس

من الداخل

يوميات غير

منشورة لصديقة

أميركية

1940 -1970

تأليف: كاترين بيدل

الناشر: غاليمار

باريس 2011

الصفحات: 407 صفحات

القطع : المتوسط

Saint John Perse intime

Katherine Biddle

Gallimard - Paris- 2011

407 p.

Email