الذاكرة في الرواية العربية المعاصرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقتفي جمال شحيد في كتابه (الذاكرة في الرواية العربية المعاصرة) وجوه وتعينات وأنواع الذاكرة في تفاصيل وأحداث الرواية العربية المعاصرة، مبرزاً الكيفية التي تعامل بها الروائيون العرب مع الذاكرة، وكيفية توظيفها في الكتابة الروائية، من خلال رصد ما استعصى على النسيان من الأحداث والأماكن والأسماء، ومستقياً ما أمكن من مطارح الذاكرة في التفاصيل الروائية .

كما جاءت على أقلام الروائيين، مع علمه أن الرواية تتفارق في احتضانها للذاكرة، أو في احتضان الذاكرة لها. وبالرغم من أن الذاكرة توحي بكل ما فارق الحاضر وارتحل، لكنها تبدو في الحالة الروائية رحماً دافئاً وجليلاً، أو بيتاً قديماً من بيوت الزمن والتاريخ التي حفرت عميقاً في الذاكرة، ولم يتمكن النسيان من محو صورها. يحاول المؤلف تلمّس الكيفية التي تعمل وفقها الذاكرة بشكل علمي، مع أن اهتمامه الرئيس ينحو إلى الأدب والفكر، لذلك يتوقف عند أشكال الذاكرة ووظائف كل شكل منها.

وعند تجليات الذاكرة في الفكر، منطلقاً من الشاعر «سيمونيذيس» وأفلاطون وأرسطور، مروراً بالفكرين الروماني والعربي، ومعرجاً على مقولة الذاكرة في العصور الوسطى، ليصل إلى العصر الحديث الذي درس الذاكرة دراسة علمية ونفسية واجتماعية. ومن خلال استعراض ما أورده، سيغموند فرويد وهنري بيرغسون وشارل بودلير ومارسيل بروست وجبرا إبراهيم جبرا، عن الذاكرة، ومقارنته بالأبحاث العلمية والطبية، التي تُجرى حالياً عن الذاكرة.

هناك من الباحثين من يميز ما بين الذاكرة الحديثة، التي تتذكر أحداث الماضي لشخصية من الشخصيات، وتضعها في إطارها الزماني والمكاني، ويمكن تسميتها بالذاكرة السيرذاتية، وبين الذاكرة الدلالية، التي تعنى بتذكر الكلمات والأفكار والمفاهيم والأشعار وسواها. وهناك، أيضاً، ذاكرة الحواس الخمس: الذاكرة البصرية، التي يعيرها الرسامون والنحاتون والسينمائيون والمصورون أهمية كبرى، والذاكرة السمعية المتطورة عند العميان والموسيقيين، والذاكرة التذوقية قديمة العهد، والذاكرة الشميّة متطورة عند الكتاب والشعراء. أما الذاكرة المرتبطة باللمس فمهمة جداً عند العميان.

يتوقف المؤلف عند النسيان، بوصفه يتعارض مع التذكر، متسائلاً عما إذا كان يمثل شراً لا بد منه أم أنه ظاهرة طبيعية وضرورية لتحفيز الذاكرة، فأشكال النسيان التي تعتور عملية التذكر، هي في غالب الأحيان قصدية، سواء تمت بشكل مباشر أم غير مباشر. إذ كلما أقصيت بعض الذكريات لكونها مزعجة أو يريد المرء تهميشها، فإنها تغرق في النسيان، ولكنها لا تموت. والمهم أن كل من الذاكرة والتذكر والنسيان تتأثر بالقصدية المحددة لها.

وفي الجانب التطبيقي، يتحرك المؤلف بين كتابات عدد من الروائيون العرب، ويبدأ مع نجيب محفوظ وذكريات ابن فطومة، حيث يرى أن خيال نجيب محوظ يشطح بصورة باذخة فيها، فيتصور رحالة اسمه قنديل، يسدي ذكريات لا تنسى، ويحفر أثره في شغاف القلب باسم الوطن، ولا ترتبط ذكرياته بمسقط رأسه أو بمكان ستعقبه أمكنة أخرى زارها ابن فطومة.

أما الطيب صالح فيقوم بمحاولة طمس الذاكرة في روايته «موسم الهجرة إلى الشمال»، التي يدور محورها حول لعبة التذكر والنسيان. وهي لعبة لعبها مصطفى سعيد، ومن خلفه الطيب صالح وأجادها بامتياز. وينتقل إلى رواية «عائد إلى حيفا» لغسان كنفاني، التي يسميها رواية العشرين سنة المستذكرة، فهي تتمحور حول الذاكرة الشقية. ويعج نصها بكلمات الذاكرة والتذكر وتذكر وذكر ونسي ونسيان، إن تصريحاً أو تلميحا، وتدور مقولة الذاكرة فيها حول مسارين أساسيين، هما مسارا الزمان ومالمكان، اللذان يتقاطعان باستمرار، ويشكلان مفتاحين رئيسيين لمكثفة والمأساوية.

يحاول المؤلف تلمّس ذاكرة المدينة عند عبد الرحمن منيف، من خلال كتابه «سيرة مدينة.. عمان الأربعينات»، معتبراً اياه كتاب استذكار بامتياز، نظراً لتوقف كاتبه عند مفهوم الذاكرة وسبر أعماقها، وتحديد طبيعتها ووظائفها عند إنسان عايش أحداثاً جرت في مدينة معينة وفي زمن محدد. ويعتبر «كتاب التجليات» لجمال الغيطاني ملحمة تدون للذاكرة والزمن والتاريخ، ثم يدرس تقنية التذكر في رواية «هشام أو الدوران في المكان»، لخيري الذهبي.

ولم ينس إبراز إسهام الروائيات الشابات في بلاد الشام، مثل سمر يزبك ولينا هويان حسن وزروا ياسين حسن، في إثراء. أما الذاكرة في السيرة الذاتية، فيتناولها في كتابي جبرا إبراهيم جبرا «البئر الأولى» وشارع الأميرات». ويخلص شحيد إلى أن عملية الكتابة الروائية هي ظاهرة من ظاهرات الذاكرة.

 

 

 

 

الكتاب: الذاكرة في الرواية العربية المعاصرة

تأليف: جمال شحيد

الناشر: المؤسسة العربية للدراسات بيروت 2011

الصفحات: 268 صفحة

القطع: الكبير

 

Email