الحرب الأهلية الأميركية
قيل عن الحرب الأهلية الأميركية أنها «حرب محاولة انفصال الشمال عن الجنوب»، وأنها كانت بمثابة الإعلان عن «الحروب الحديثة» التي شهدها القرن العشرون. والمؤرخ العسكري البريطاني جون كيغان الذي سبق له وقدّم عملين ضخمين عن «الحرب العالمية الأولى» و«الحرب العالمية الثانية» يكرّس كتابه الأخير للحرب الأهلية الأميركية، أو «حرب الانفصال» التي جرت خلال سنوات 1861-1865.
الفرضية الأساسية التي ينطلق منها مؤلف هذا الكتاب مفادها أن «حرب الانفصال» الأميركية كانت «قاسية وضرورية» على عكس الحرب العالمية الأولى التي يصفها أنها كانت «قاسية» أيضا ولكن «غير مفيدة».
هذا إلى جانب التأكيد على أن أحد سمات الحرب الأهلية الأميركية تمثّلت في «الانتقال» من المرحلة النابوليونية التي تركزت حسب توجهات نابليون على المعارك بين جيوش إلى «الحرب الشاملة» بما رافقها ونجم عنها من خسائر كبيرة وتعبئة للمدنيين وتجديد مستمر لآلات الحرب وخاصة المدرّعات والغوّاصات، وكذلك استخدام السكك الحديدية والخنادق كـ«أداة لمنع العدو من التقدم».
ويؤكد المؤلف القول أن الحرب الأهلية الأميركية كبّدت الولايات المتحدة من الخسائر البشرية والخسائر والمادية أكثر مما عرفته خلال تاريخها كله. لقد استمرت تلك الحرب أربع سنوات وشارك فيها 000 800 2 شخص وذهب ضحيتها 628000 من البشر ومئات الآلاف من الجرحى. ذلك من عدد سكان إجمالي كان حوالي 35 مليون نسمة.
كذلك كانت تلك الحرب، كما يصفها المؤلف، أحد أكثر الحروب شراسة والأكثر تعقيدا في جميع الأزمنة بحيث أنها كانت «صورة مصغّرة» عن الحرب العالمية الأولى التي قامت بعدها بخمسين سنة. مع ذلك يقول المؤلف:
«إذا كانت الحرب العالمية الأولى غير مفيدة وشرسة فإن الحرب الأهلية الأميركية كانت بنفس القدر من الشراسة لكنها لم تكن غير مفيدة». ذلك بالتحديد من حيث أن «أميركا الحديثة» خرجت من أتون تلك الحرب.
ولعل أكثر ما يثير انتباه في هذا التأريخ الجديد للولايات المتحدة الأميركية أن المؤلف يطرح الأسئلة حيال أفكار سائدة ومقبولة عامة مثل تلك التي نقول أن ولايات الجنوب الأميركي كان يقطنها مالكو العبيد.
هذه الفكرة يعتبرها المؤلف «هوليودية» عن حياة أهل جنوب أميركا آنذاك عبر تقديمهم كأصحاب مزارع أغنياء وليس كجمهور غفير من البيض الفقراء الذين كانت أغلبيتهم العظمى لا تملك عبيدا.
كذلك يناقش المؤلف الفكرة القائلة أن الحرب الأهلية الأميركية جرى التحضير لها منذ زمن طويل قبل وقوعها وأن المشاركين فيها كانوا عامة من الجنود المدرّبين.
ويناقش المؤلف على مدى العديد من الصفحات تأثير تلك الحرب الطويلة على الأوضاع الاقتصادية للبلاد وعلى المستوى النفسي وتطوّر السلوك بالنسبة للأفراد. يتم التركيز في هذا السياق على الدور الكبير الذي لعبته النساء في الحرب الأهلية الأميركية.
الأمر الذي ترتّب عليه تبدل كبير في «مكانة المرأة» بالمجتمع الأميركي بعد الحرب، وكذلك تبدل كبير في «نظرة المرأة إلى نفسها» في ولايات جنوب الولايات المتحدة وشمالها.
تجدر الإشارة إلى «تحذير» المؤلف بأشكال متعددة في هذا الكتاب حيال الأخذ بمقولة «تبسيطية» سائدة مفادها أن الأمر كان يتعلق بمواجهة بين «حملة مشاعر حريّة طيبون» وبين «مؤيدون أشرار لاستبعاد الآخرين».
ويقول المؤلف في تصحيحه لمثل هذه المقولة أن المواجهة كانت في الواقع بين «رؤيتين مختلفتين لأميركا. «رؤية» يقول بها «الجنوبيون» وتقوم على علاقات ملكية الأرض على الأسس السائدة منذ وصول الموجات الأولى من المهاجرين البيض إلى العالم الجديد.
و«رؤية» يقول بها الشماليون التي تؤكد على أهمية ولوج دروب التصنيع والحداثة والتوسع العمراني «المديني». يشير المؤلف في هذا السياق إلى الأهمية «التاريخية» للتوصيف الذي احتوت عليه رواية «ذهب مع الريح» لمؤلفتها مرغريت ميتشل.
ويشرح المؤلف أن أهل ولايات الشمال الذين «صدمتهم» مفاهيم العبودية لم يكونوا «أقل مناعة» من الجنوبيين بـ«الدونية الطبيعية للسود» ابتداء من الرئيس ابراهام لنكولن نفسه. كما يؤكد أن مالكي العبيد في الجنوب لم يكونوا يسيئون دائما معاملة عبيدهم.
ويؤكد المؤلف في المحصلة أن تلك الحرب كانت ذات أهمية كبيرة بالنسبة لمسألة المساواة في الحقوق بين البيض والسود وكذلك حول العلاقات بين الرجل والمرأة باتجاه «قدر أكبر من المساواة»، والتأكيد أن «الهرب من المعركة» كان يجلب العار لصاحبه «من الجانبين».
يكتب المؤلف: «لقد شارك الجميع من الطرفين في الحرب على خلفية قناعاتهم بالأسباب التي دعت لها. ذلك بالنسبة لمن آمنوا بضرورة التوحيد وبالدفاع عن حقوق الولايات واستقلالها الذاتي.
الكتاب: الحرب الأهلية الأميركية تاريخ عسكري
تأليف: جون كيغان
الناشر: فنتاج بوك نيويورك 2010
الصفحات: 432 صفحة
القطع: المتوسط
The american civil war: a military history
John Keegan
Vintage Book- New York- 2010
432p.