حرب الثلاثين سنة مأساة أوروبا

حرب الثلاثين سنة مأساة أوروبا

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عاشت أوروبا حربا استمرّت 30 عاما ما بين عام 1618 وعام 1648. كانت الحرب الأكثر تدميرا للقارّة القديمة قبل الحربين العالميتين في القرن الماضي، العشرين. والمؤرخ البريطاني بيتر ه. ويلسون، يخصها بكتاب يزيد عدد صفحاته عن الألف صفحة تحت عنوان: «حرب الثلاثين سنة، المأساة الأوروبية».

إن المؤلف-المؤرخ يشرح في هذا العمل الضخم أسباب ونتائج الحرب التي بدأت بقصف براغ، العاصمة التشيكية اليوم، عام 1618 وانتهت بمعاهدة «ويستفانلي» للسلام عام 1648. إن الفكرة الشائعة من تلك الحرب هي أنها كانت ذات طبيعة دينية. لكن مؤلف هذا الكتاب يركز بحثه، بالأحرى، على القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكافية وراء تلك الحرب. كذلك يقدّم المؤلف توصيفا دقيقا لسيرها ولدور بعض الشخصيات الأساسية فيها مثل الجنرال «والنشتاين» صاحب «الدهاء» الكبير، والملك السويدي «غوستاف ادولف» الذي استطاع حماية بلاده عبر سلسلة من الاتفاقيات السياسية والعمليات العسكرية، وسلالة «هابسبورغ» حيث لعب النزاع بين الأخّين رودلف وماتياس دورا أساسيا في مستقبل بوهيميا والنمسا وهنغاريا.

إن «حرب الثلاثين سنة» كانت، كما يصفها المؤلف، صراعا داخل الإمبراطورية الرومانية الجرمانية، التي كانت بمصاف الدولة الثانية في أوروبا بعد روسيا التي كان البعض يعتبرونها آنذاك جزءًا من القارّة.

وكانت الإمبراطورية المعنية تضمّ حينها ألمانيا ، بصيغتها الحالية- والنمسا والجمهورية التشيكية وبعض مناطق الدانمارك وفرنسا وبولندة وجزء من شمال إيطاليا.ويقدّر المؤلف عدد ضحايا حرب الثلاثين عاما في أوروبا ب8, 1 مليون من الجنود وما لا يقلّ عن 2, 3 ملايين من المدنيين وفقدت الإمبراطورية الجرمانية أكثر من خمس سكانها. عدد الضحايا هؤلاء يعادل «نسبيا» ما يزيد عن عدد ضحايا القارة الأوروبية في مجمل الحربين العالميتين، الأولى والثانية.

إن المؤلف يفنّد التفسيرات السائدة عن تلك الحرب، وخاصة تلك منها القائلة أنها كانت ذات طبيعة دينية بالدرجة الأولى بحيث أنها تجد جذورها في حركة «الإصلاح البروتستانتي» ببدايات القرن السادس عشر. ذلك على أساس أن ذلك الإصلاح «حطّم الوحدة التي كانت قائمة بين المعتقد والقانون».

كما ساعد ذلك الإصلاح، حسب التحليلات المقدّمة، على «استقطاب» الإمبراطورية بين معسكرين «مسلّحين» يلتف أحدهما حول «الاتحاد البروتستانتي» والثاني حول «الرابطة الكاثوليكية».

وعلى مثل تلك الخلفية «الطائفية» بدأت الحرب عام 1618 عندما قام بعض الأرستقراطيين «البوهيميين» ، من بوهيميا- بإلقاء اثنين من ممثلي الإمبراطور وسكرتيره من نافذة القصر في براغ.

إن مؤلف هذا الكتاب لا يعتبر ذلك الحدث كافيا لتفسير نشوب الحرب، بعد فترة سلام عرفتها الإمبراطورية لمدة 63 سنة سابقة، ولا يعادلها في التاريخ الألماني سوى الفترة الراهنة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم. بل يقدم العديد من الدلائل على أن «الرابطة الكاثوليكية» و»الاتحاد البروتستانتي» كانا في حالة تراجع عام 1618 وكانت الأغلبية داخل الإمبراطورية يميلون لحل الخلافات عن طريق التفاوض.

ويرى المؤلف أن أحد العوامل الهامة في نشوب تلك الحرب كان الضعف الكامن لسلالة «هابسبورغ» التي كانت في مركز السلطة بالنمسا. ذلك الضعف أجبرهم على منح الكثير من التنازلات للنبلاء في بوهيميا والذين كانت الأغلبية منهم قد تحوّلوا عن الكاثوليكية إلى البروتستانتية.

ما يؤكده المؤلف هو أنه لم يكن أي طرف قادر على الحرب عام 1618. والكل طلب المساعدة، ولكن ليس على خلفية عقائدية، بل بالتأكيد على حقوقه «الدستورية». كان الكل يبحثون عن صيانة مصالحهم السياسية والاقتصادية.

هنا تدخلت أيضا المصالح الخارجية في تحديد المواقف. اسبانيا دعمت الإمبراطور كي تقوم النمسا بدعمها ضد متمرديها. وتأمّلت الدانمارك والسويد وترنسلفانيا كسب بعض المناطق وتحسين أمنها. وكان لفرنسا مطامعها بالنفوذ.

ويخلص المؤلف إلى القول أن العنف على أساس دوافع عقائدية كما عرفته فرنسا وايرلندة كان بعيدا جدا عن أوروبا الوسطى آنذاك، وأن الفظائع التي عرفتها حرب الثلاثين سنة مثل نهب وتدمير ماغدبورغ عام 1631 تجد جذورها في ضعف التنظيم العسكري أكثر مما هو في التطرف العقائدي.

أما الفكرة المركزية التي يصل إليها المؤلف فمفادها أن «المأساة الحقيقية» لتلك الحرب أنه «كان يمكن تجنبها»، أو على الأقل تخفيفها واحتوائها. وتلك كانت المأساة الحقيقية لأوروبا.

الكتاب: حرب الثلاثين سنة، مأساة أوروبا

تأليف: بيتر ه. ويلسون

الناشر: بلكناب برس لندن 2009

الصفحات: 1040 صفحة

القطع: الصغير

The thirty years war : Europe's tragedy

Peter H. Wilson

Belknap Press- London - 2009

1040p.

Email