صباح الأربيلي: ملتقى دبي لخط القرآن أعاد الألق للخط العربي

صباح الأربيلي: ملتقى دبي لخط القرآن أعاد الألق للخط العربي

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تولي دولة الإمارات اهتماماً خاصاً بالفنون الإسلامية عموما، وفن الخط العربي خصوصاً، الذي كرست له ملتقى سنوياً، حيث يجمع في شهر رمضان المبارك من كل عام، نخبة من الخطاطين من مختلف بقاع الأرض، ولقد باتت تشكل هذه الفعالية حدثاً لا يستقيم الحديث عن هذا الفن الإسلامي بدونه.

حيث استقبل ملتقى رمضان لخط القرآن الكريم بدبي، أخيرا، 4 خطاطين، قدموا من بلدان مختلفة، ومن بينهم الخطاط البريطاني العراقي الأصل، صباح الأربيلي، الذي فاز بإحدى أرفع جوائز هذا الملتقى.يعد الفنان البريطاني العراقي الأصل، صباح الأربيلي، سفيراً مبرزاً لفن الخط العربي في الدول الغربية، وبريطانيا بشكل خاص، في وقتنا الراهن. ويحرص الأربيلي الذي فاز في العام الجاري بإحدى أرفع جوائز ملتقى رمضان لخط القرآن الكريم بدبي، على الاشتراك في مختلف الفعاليات المتخصصة بهذا المجال في دبي، إيماناً منه بقيمة الدور الذي أصبحت تلعبه الإمارة في تعزيز انتشار وحضور هذا الفن عالمياً، وإسهامها في إعادة إحياء ألقه وتميزه.

وأكد الأربيلي في حوار خاص مع «مسارات» أن دبي باتت تمثل وجهة ومكاناً حيويين لرواد وعشاق جميع أشكال الفنون الإسلامية، وعلى رأسها فن الخط العربي، بفضل تركيزها على تنظيم مسابقات ومعارض ودورات وورش نوعية، مشيراً إلى أن التكنولوجيا الحديثة وتنوع الدراسات المعمقة حول فن الخط العربي، غدت تمثل عوامل إذكاء لسعة أفق شهرته وارتقائه، وأن الشعبية الكبيرة التي يحظى بها كفن مستقل في الغرب، وتحديداً بريطانيا، تعود إلى دوافع وعوامل انجذاب الناس هناك إلى قيمه الجمالية ومعايير دقته.على ضوء تجربتك الطويلة في ميدان فن الخط، أي الخطوط هي الأثيرة على قلبك ولماذا تميل إليه نوعا عن غيره، وما الفرق بين الخطوط؟أفضل، بالنسبة لتجربتي الشخصية كخطاط، أن أكتب في كل الخطوط ، لكني متخصص في كتابة خط النسخ، لأني قمت، منذ خمس سنوات خلت، بكتابة المصحف الشريف مرتين والحمد لله، فتعودت على كتابة المصاحف.

وكذلك قمت بإنجاز محدد في هذا الخصوص في هذا الملتقى: الدورة الثانية من ملتقى رمضان لخط القرآن الكريم بدبي، الذي يقوم على كتابة المصحف الشريف، حيث عهد إلى كل خطاط من الخطاطين بكتابة جزء منه، في حين كنت قد وفقت السنة الماضية والحمد لله، بالحصول على الجائزة الأولى، وهذه السنة رجعنا إلى دبي ونحاول أن نحصل على شيء .

أنت تكتب بخط النسخ عموما، وخط النسخ العثماني في هذه الدورة من الملتقى على وجه الخصوص، لماذا تم اعتماد هذا النوع من فن الخط دون غيره؟

يعتبر الرسم العثماني طريقة سلسة للكتابة، وذلك لسهولة القراءة التي توفرها نوعية الخط ، ونوعية الخط هذه هي خط النسخ الذي جاء من نسخ القرآن الكريم.

والذي هو عبارة عن كتابة الخط بأسهل ما يكون، أما الرسم العثماني هو الطريقة الإملائية، بمعنى أن جمالية الخط وفن الخط يختلفان عن الرسم العثماني من الناحية الفنية، لكن نحن كفنانين وخطاطين نحاول أن نجمع بين جمالية الحرف وجمالية الخط في الوقت نفسه، لسهولة القراءة بالنسبة للناس العاديين حتى يتمكنوا من قراءة الحرف مع التشكيل بأسهل ما يكون.

أنت تعيش في بريطانيا. فماذا عن البيئة والظروف التي يعيشها الخط العربي هناك، هل أن جهدك هو جهد فردي فقط؟ وأهناك مؤسسة تحتضن هذه التجربة؟ وهل يوجد تعاون مع خطاطين آخرين؟ وما طبيعة ما تواجهه من صعوبات أو تحديات خاصة كخطاط عربي يعيش في الغرب؟

لم أواجه أية صعوبات بل بالعكس، فمنذ وصولي إلى بريطانيا بدأت أهتم بالخط العربي أكثر من ما كنت أهتم به في بلدي الأصلي العراق، فالأجانب يعتبرون هذا الفن فنا روحيا يتأرجح بين الجمالية والدقة في الوقت نفسه، وذلك بغض النظر عن اللغة أو الدين أو أي شيء آخر.

ومن ناحية الصعوبة فليس لدينا أية مشكلة على هذا الصعيد، فمن الوقت الذي وصلت فيه إلى بريطانيا في نهاية التسعينيات، ولغاية الآن وأنا لا أعمل لصالح أي مؤسسة. فقط أعمل لصالح نفسي كخطاط، وأقيم معارض شخصية وندوات وورش عمل ودورات لتعليم الخط العربي للأجانب، لتعريفهم بالفن الإسلامي الجميل والذي هو فن الخط .

ولقد حصلت على الجائزة الأولى في الدورة الأولى من ملتقى دبي وذلك في خط النسخ بالرسم العثماني، عندنا نسخة من القرآن مكتوبة بالرسم غير العثماني لكن نوعية الخط الذي نكتبه هو خط النسخ.

هناك خصوصية للخط تتوزع حسب البلدان العربية أو البلدان الإسلامية، كيف تطابقت الخصوصية الجغرافية مع الفنية؟

هناك جمالية نسبية للخط. وفن الخط مثل باقي الفنون الأخرى، يقوم على التمتع والجمال، ونحن نرى جماليات الخط في العراق، على سبيل المثال، بشكل مختلف، مع العلم أن تعريف هذه الجماليات في سورية هو شيء مغاير وهو تعبير عن الألوان.

تعبير عن قوة مستمدة من شيء آخر، ولكن الخط وصل إلى القمة في مرحلة الدولة العثمانية في تركيا ونحن لا نزال نقلد ذلك الجانب الجميل في الخط الكلاسيكي، فنحن ليس لدينا القدرة على أن نغير من جمالية هذه الحرفة وليس لدينا النية في تغييرها. فالكلاسيكي يبقى كلاسيكيا، ونحن ننظر على مر العصور إلى مجموعة كبيرة من الخطاطين القدماء والذين نعتبرهم عباقرة الخط في ذاك الوقت قبل ثلاثمئة سنة ولغاية الآن، وصولا إلى السلسلة الأخيرة من الخطاطين العظماء، أمثال حامد الآمدي في تركيا، حيث كان الخط في ذروته، التي شهدت تراجعا في بداية الثمانينات وحتى التسعينات، لكن بفضل المسابقات والملتقيات القائمة، التي هي على غرار ملتقى دبي، عاد فن الخط ووصل إلى القمة من جديد، من حيث التقنية ومن حيث جمالية الحرف والأداء عند الخطاطين. فالخط العربي ذاهب صعوداً إلى حد يفوق التصور، والسبب في ذلك كما قلت سابقاً، المسابقات التي لها دور جداً ايجابي.

إن الخط العربي أصبح رائجا وله متذوقوه إلى حد كبير، حتى في الغرب عموما أو في بريطانيا بالتحديد، حيث يتم التعامل معه ضمن معايير جمالية صرفة، لأنهم لا يعرفون هناك قيمة الخط العربي وأساسياته التي ينطلق منها، فهم يلحقون الشكل الجمالي، وعندهم مثلاً خط معين هو خط ثلث الجلي.

وهو عبارة عن ديكور الحرف بالنسبة لهم النسخ كتابة عادية، أما بالنسبة لنا فالنسخ هو قوة يتمتع بها الخطاط، فالخطاط يبين قدراته بخط النسخ فإذا تمكن من السيطرة على قلم عرضه نصف مليمتر فهذا يعني أنه أصبح بإمكانه أن يكتب شيئا كبيرا لأنه أسهل من كتابة الشيء الصغير، لقدرته على التحكم بالأمر.

من المعروف أن الخط كان يعتبر في السابق حرفة والآن أصبح يعتبر حرفة ولجت ميدان الإبداع، كيف انتقل الخط من ساحة الحرفة إلى الإبداع في رأيك؟

أعتقد أن الدراسات هي التي أدت إلى توضيح أساسيات الخط العربي وجمالياته بحيث راح يتشكل نوعا جديدا من المفاهيم التي يتم تداولها حاليا بين جامعي اللوحات الفنية، والتي لها تأثير ايجابي جدا في عالم الخط.

عندما كنا ننجز لوحة خطية قبل خمس أو عشر سنوات، كان الإقبال جيدا وكان يدفع مقابل اقتنائها مبلغا ما، أما الآن فإنه يدفع مقابل ذلك ثلاثة أضعاف المبلغ نفسه بالرغم من أنها الكتابة ذاتها والخطاط الذي كان يكتبها هو ذاته، وذلك لأنه في ذاك الوقت كان الإقبال على هذه اللوحة من شخص واحد، وبالمقابل أصبح يقبل عليها في الوقت الحالي قرابة الـ 20 شخصاً.

وهذا يعني أن تأثير المتلقي على الخطاط ايجابي كثيرا. فالدراسات والمتلقي هما العاملان الأساسيان في انتقال الخط من ساحة الحرفة إلى ساحة الإبداع والتعامل معها كلوحة فنية .

إلى أي مدى تغذي الفنون البصرية الأخرى فن الخط العربي؟ وهل أنه يتأثر بالفنون البصرية الأخرى كالتشكيل والنحت والحفر؟

أنا شخصياً تركت الهندسة المدنية، ودخلت عالم الفن الإسلامي بشكل عام وبدأت بدراسة الماجستير عن فن السيراميك، أو المعروف بالعربية بفن الخزف والتذهيب، وفي الوقت نفسه الخط الذي يقوم على الطراز الكلاسيكي، ولكن هناك شيئاً مهماً جداً أحب أن أقوله.

وهو أنه في أوروبا مهما تحاول أن تشرح للناس العاديين عن معايير قوة الحرف وجمالية الحرف، إلا أن معظم الناس لن يرى تلك القوة، فالدراسات والمتلقي هما العاملان الأساسيان في انتقال الخط من ساحة الحرفة إلى ساحة الإبداع والتعامل معها كلوحة فنية .

وفي الوقت نفسه هناك قضية تلعب دورا في هذا الاتجاه، فمثلاً نحن كعراقيين لدينا الكثير من المسائل والقصص التي نريد أن نوصلها إلى الغرب عن وضعنا وحالنا، ما يدفعنا إلى التعبير عن كل ذلك عن طريق اللوحات التشكيلية لكن بحروف عربية تعبر عن معاناة بلدنا، وهذا التدخل الجميل، أي دخول الخط ميدان الفنون التشكيلية، ساعدنا بشكل ايجابي جداً.

لكن موضوع العراق والوطن والمعاناة ينقلنا إلى موضوع آخر، فنحن نسمع بين فترة وأخرى عن لغة تنقرض هنا أوهناك حول العالم، أما غالبية هذه اللغات فإنها تنقرض كونها غير مكتوبة، فما هو دور الخط في حفظ التراث والثقافة والحضارة واللغة؟

الأوروبيون ينبهرون عند رؤية لوحة فنية عمرها ألف سنة، وهذا بحد ذاته عبارة عن تاريخ عريق للإسلام وللتعاليم والمفاهيم الصحيحة المتعلقة بالدين وبالخط في الوقت نفسه، وأنا شخصيا أجد لذة ومتعة خاصة في هذا.

وإذا أردنا أن نتكلم عن اللغة العربية فسوف نحتاج إلى سنة أو أكثر كي نوفيها حقها، فعدا عن كونها لغة عريقة فإننا نأخذ الجانب الفني بعين الاعتبار كذلك. كما أن الذي ساعد الخط العربي هو الدين الإسلامي، وهناك مساعدة متبادلة بينهما.

باسل ابو حمدة

Email