حياة

القاشاني.. كسوة العمارة الإسلاميّة وزينتها الداخلية والخارجية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء اصطلاح «قاشاني» من مدينة «قاشان» في إيران، حيث ازدهرت فيها صناعة هذا الفن في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، ومن أبرز العاملين في هذا المجال أبو القاسم عبد الله بن علي بن أبي طاهر القاشاني، الذي كتب رسالة عام 1301 تحدث فيها عن صناعة القاشاني.

وتتكون أشكال ألواح القاشاني في العادة، من زخارف نباتيّة تجمع بين الزخارف ذات البريق المعدني الملون بالأزرق الفيروزي والأزرق الزهري والكتابة، وتكون الزخارف بارزة أحياناً. نتقلت صناعة القاشاني إلى آسيا الوسطى بوساطة الخزافين الإيرانيين، أما في سوريا فيرى الدكتور عفيف بهنسي أن ظهور الألواح الخزفيّة يعود للعهد العباسي، فقد تم العثور في قصر البنات في الرقة، على كسر جميلة من بلاطات القاشاني تعد شاهداً على بلاطات الخزف الشرقي، وفي العهد الأيوبي والمملوكي ازدهرت صناعة بلاطات الخزف (القاشاني) في بلاد الشام.

وقد برز الخزاف (غيبي الشامي) الذي ظهر في دمشق ومصر أيضاً، وترك في دمشق آثاراً رائعة في جامع (التوريزي) وتربته، ثم أصبحت بعد ذلك مدينة (ازنيك) في تركيا مركزاً هاماً لصناعة الخزف على الرسم تحت الطلاء مع استخدام اللون الأزرق الزهري والفيروزي الأخضر والأصفر والأحمر البندوري، وهو من مميزات الخزف التركي الذي ظهر في هذه المدينة. البدايات بالعودة قليلا إلى الوراء، نجد أن بداية ظهور القاشاني في الفن الإسلامي، كانت في العهد العباسي، فالخزف ـ كما يقول جورج مارسيه ـ من بين كل الفنون التطبيقيّة العباسيّة، هو الذي ترك لنا أكبر كمية ظاهرة من الخارج، وكانت سامراء والرقة والري، قد شهدت انبعاثاً للتقانات القديمة لصناعة الفخار المموه بالميناء .

والتي كانت من مفاخر فارس في عهد الملوك العظام، أما القاشاني المزين بالأزرق والأخضر والأصفر فشواهده وافرة على أنه من أبرز جميع تقانات صناعة الفخار التي كانت مزدهرة آنئذٍ. كما أنها أكثرها جمالاً وأكثرها غموضاً في تحديد أصوله، لاسيما منها القاشاني ذو البريق المعدني.

أما في فن إفريقيا الإسلاميّة، فيثير الخزف الذي نجده في محراب المسجد الكبير في القيروان فرضية أن يكون مصدره العراق، خاصة المجموعة الرائعة من القاشاني ذي البريق المعدني، أما الخزف الفارسي في القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر، فهو امتداد للخزف في عصر العباسيين، شأنه في ذلك شأن الزخرفة المعماريّة المنحوتة بالجص.

واستمرت مشاغل الري وجرجان في إنتاج القاشاني ذي البريق المعدني مزينة سطح الأواني أو صفحات الصحون بأشخاص وحيوانات عفويّة التخطيط.

ومن المؤكد أن الخزف كان مزدهراً جداً في مصر الفاطميّة، فمدينة الفسطاط التي كانت تنتج القطع الجميلة جداً في عهد الطولونيين، استمرت على إنتاجها، وقد أضيفت إلى هذه الصناعة المتمكنة الخاصة بالخزف البراق، أساليب أخرى كانت مصر أخذتها من العراق وإيران، كالخزف ذي المينا المعروف باسم (كوبر داسيكا) والخزف ذي الطلاء المنقوش تحت غطاء شفاف.

لونان ومشابهات

وفي أسبانيا والمغرب العربي، كشفت التقنيات في مدينة الزهراء عن كمية من الزجاجيات والقاشاني، وثمة قاشاني معاصر للخلافة، ويمثل الخزف الأندلسي مشابهات أكيدة مع خزف أفريقيا، خاصة تونس، فالزخرفة الملونة على طلاء والمغشاة بالبريق، لم تستعمل إلا اللون الأخضر والبني المنغنيزي، أما عن المشابهات الحيوانيّة فهي كثيرة،.

وكذلك وجد الخزف المحجر والقاشاني ذي البريق المعدني في إيران، استعمل الخزف بنجاح مع العمارة،فقد كانت الكسوة الرئيسيّة في عدد كبير من الأبنية خلال القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.

وكان من أكثر الفنون التطبيقيّة أهمية خلال هذا العصر، ومن بين مراكز صناعة الخزف الهامة في إيران، مدينة (الري) الواقعة قرب طهران التي كانت تفخر بماضٍ امتد زهاء أربعة قرون على الأقل، وقد بقيت بصعوبة بعد اجتياح جنكيز خان وهولاكو، كما ظهرت مراكز أخرى لهذا الفن مثل: سلطان آباد، وصادة، وقاشان.

الزخرفة.. الفسيفساء

تابعت (الري) إنتاج الخزف ذي البريق المعدني من صفائح وألوان ذات خلفية بيضاء وزرقاء، وأجمل كسوة براقة مؤلفة من النجوم والصلبان، كانت من إنتاج (قاشان) في القرن الثالث عشر، وكانت الزخرفة الكثيفة تتضمن غالباً الأشكال الإنسانيّة والحيوانيّة، وتنتج (الري) و(قاشان) قطعاً ذات زخرفة ملونة تحت تغطية شفافة.

ويبدو القاشاني ذو الألوان المحلاة ببقع الذهب من خصائص (قاشان)، على أن (صادة) و(الري) تنتجان منه أيضاً، وترجع إلى (قاشان) كذلك الأشغال الرائعة النقوش البارزة أو المقلوبة، وكانت (سلطان آباد) تمارس إنتاج هذه الأنواع المختلفة من القاشاني الملون، والفخار ذي النقوش البارزة.

ومن جانب آخر يرى (دافيد تايلوت رايس) أن أعمال بلاط (قونيّة)، العاصمة الرئيسيّة للمنطقة السلجوقيّة، المنفذة من الخزف المزجج وصناعته، كانت متمركزة فيها، ومن المؤكد أن فن ترتيب البلاط، وصل أعلى درجات الكمال في هذه المدينة، وكانت الألوان مقتصرة على الأزرق والأبيض والأسود. والقاشاني الأرضي يرتب على شكل بلاطات ضخمة فسيفسائيّة ليشكل رسوماً متشابكة حادة الزوايا.

وفي الفن الإسلامي التركي، اختفت الفكرة القديمة التي كانت رائجة جداً عند السلاجقة، وهي فكرة الفسيفساء حيث كان البلاط، من لونين، يقطع ويوضع جنباً إلى جنب، مشكلاً رسماً معيناً، وكذلك اختفت فكرة تناوب البلاط النجمي الشكل والمثمن المزخرف بالطلاء اللماع، التي جاء بها السلاجقة من بلاد فارس.

كان أهم مركز لإنتاج القاشاني في تركيا بلدة (اسنك) وهي البلدة البيزنطيّة (تيكابا) نفسها، ويبدو أن المصانع هناك كانت مهتمة بإنتاج الأواني والبلاط اهتماماً كبيراً، إذ إن الأساليب الفنيّة في النوعين كانت متماثلة. وقسمت منتجات (اسنك) إلى ثلاث مجموعات رئيسيّة:

قديمة، متوسطة، متأخرة. وهذه الأخيرة أهمها على الإطلاق، وتدعى غالباً (الرودزة) وتتمتع بأسلوب فني جديد من الرسم تحت التزجيج، وبتنوع أكبر في الألوان، خاصة استعمال ما يسمى (الطينة الأرمنية) التي كانت تعطي لوناً أحمر براقاً كلون البندورة عند شيها، وكان لها نتوء خفيف تحت التزجيج، كذلك أصبحت أزهار الخزامى أحد الموضوعات المفضلة عن أية موضوعات أخرى.

محمود شاهين

Email