آمد.. مدينة الفخر

آمد.. مدينة الفخر

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يوضح المؤلف برهان حنا أيليا في مستهل بحثه بالكتاب، موقع هذه المدينة، مبينا أن آمد تتوضع في منطقة ما بين النهرين في الجنوب الشرقي من تركيا، وقد ظل الاسم متداولاً حتى عام 1869، فزال اسمها وحلّ محله اسم ديار بكر.

ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر 660 م، وتحيط بها سلسلة عالية ومنخفضة من الجبال، وتمر فيها الأنهار التالية: (نهر دجلة ؟ نهر عمبار ؟ نهر بطمان)، وهناك بعض الأنهار الصغيرة.وقد فتحت آمد عام 18 ه/639 م، على يد خالد بن الوليد، وذلك في عهد عمر بن الخطاب، وفي هذه الأثناء انفصلت منطقة الجزيرة إلى ثلاثة أقسام : ديار مضر، وديار بكر، وديار ربيعة. وانضمت مدن الجزيرة : (الرها، آمد، أرزان، ميافارقين، ماردين) إلى الدولة الأموية، ثم الدولة العباسية، ثم حكمها أولاد الشيخ، ولمّا «وصل الخبر إلى الخليفة المعتضد بموت أحمد بن عيسى بن الشيخ، تجهز ونازل آمد وحاصرها وهدم سورها ودخلها عنوة، وذلك سنة 286 ه/899 م.

وأستأمن إليه محمد بن أحمد بن الشيخ وأهل بيته، فأمنهم، ونفذ سرية إلى ميافارقين، فدخلوا تحت الطاعة وسلموها إليه، وأقام بآمد مدّة، وأقطع ديار ربيعة ولده المكتفي، وولّى ميافارقين وآمد الفضل بن عمران، وسلم إليه جميع الثغور».

ورأى المقتدر أن يضيف آمد إلى الأمير ناصر الدولة، مضافاً إلى ما كان بيده من ديار ربيعة، فتوجّه الأمير ناصر الدولة إلى الروم واستنقذ ملطية وحصونها من أيدي الروم، وعاد سالماً منصوراً، وفي سنة 323 ه/935 م سلّم الأمير ناصر الدولة ميّافارقين وآمد، إلى أخيه سيف الدولة نائباً عنه، فرمم أسوارها وعمّر بها مواضع كثيرة ظاهراً وباطناً.

حاول الروم الاستيلاء على آمد بحيلة، لكنهم فشلوا، وجرت مناوشات بين الروم وبين سيف الدولة، انتهت بهزيمة الروم، وبعد موت سيف الدولة، وانتقلت إلى حكم ولاته «وسار أبو الوفاء إلى آمد وحاصرها، إلى أن فتحها بعد جهد جهيد وقتال شديد، وهكذا دخلت آمد وأطرافها بمدّة قصيرة تحت حكم البويهيين».

وفي عام 372 ه/984 م، ضمّت منطقة آمد إلى المروانيين الأكراد، ولم يدوّن في سجلات آمد أي حدث مستحق في عهد البويهيي». وعلى إثر اغتيال أبي علي الحسن نودي بأخيه أبي سعيد المنصور ممهّد الدولة، ملكاً على المملكة المروانية، فملك ميافارقين واستقرّ بها، وملك آمد وقوي أمره وراسل الملوك، وكذلك خليفتي بغداد ومصر، وجاءته التوقيعات والتشريفات من الملوك، وعمرّ بسور ميافارقين مواضع عديدة. وكذلك النقود كانت تسك باسمه، وتلقى الخطب على المنابر باسمه.

وخضعت آمد للسلاجقة والتركمان وللأراتقة وللأيوبيين، وفي أيام تيمورلنك، حوصرت وأعلن أهلها العصيان، وتحصنوا في القلعة، لكنها في النهاية رضخت سلماً له.

وفي النهاية خضعت آمد لحكم العثمانيين، وضمت ولاية آمد أحد عشر سنجقاً عثمانياً، وثماني إمارات كردية وخمس حكومات، وكانت السناجق تدار مباشرة. وزارها بعض سلاطين بني عثمان، وبناء على ذلك فقد تمّ توسيع قلعتها الداخلية وجرّ المياه بواسطة قنوات، أثناء معاركهم مع الصفويين.

كانت آمد منذ القديم من المدن الرئيسة في الصناعة والتجارة، وبخاصة في القطنيات والحرير، وكانت مشهورة بالسجاد والبسط والعباءات، وتصنع أشياء مختلفة من النحاس والفولاذ (السيوف، التروس، الرماح، السهام، الخناجر، السكاكين، حياكة القطن والحرير، صناعة الأحذية)، ويدهش المرء من كثرة أسواقها ومحلاتها التجارية.

وتتمّ زراعة سبعة أنواع من القمح في آمد، وهي تزرع الشعير ثم الأرز والشوفان والشيلم والحمص والعدس والتبغ والقطن والفواكه والخضروات والكرمة، بالإضافة إلى تربية المواشي ودودة القز، وصناعة العسل وصياغة المجوهرات.

ويسكن آمد العرب والتركمان والأكراد والسريان والكلدان والأرمن واليهود، وقد ورد ذكرها في التواريخ السريانية والعربية، حتى سميت مدينة الفخر. كانت تشغل في بداية القرن الثاني عشر المركز الرابع ثقافياً في العالم الإسلامي، وكانت مركزاً دينياً هاماً، فقد برز فيها علماء سريان وعلماء عرب في القرن الخامس.

وفي آمد سور يعد ثاني أطول وأمتن سور، بعد سور الصين العظيم، وهو من الأسوار التي لا تزال قائمة إلى اليوم.

ويدخل إلى المدينة عبر سبعة أبواب، إلى القلعة الداخلية وهي شمال شرقي المدينة، ويقع برج الأخوة السبعة في القسم الجنوبي من أسوار المدينة، وبرج «أنا وأنت» يقع خارج أسوار المدينة في الجهة الجنوبية الغربية، وفوق البرج نسر برأسين وأسد مجنح، وعليه نقوش وكتابات، وهناك عدة أبراج أخرى.

ومن القصص الرائعة، قصة أهل الكهف المذكورة في القرآن الكريم وقد ورد ذكرها في آمد، بالإضافة إلى وجود الحمّامات والخانات والمتنزهات والمتاحف والكنائس والأديرة والجوامع، فمنها الجامع الكبير، وهو مبني من الحجر الأسود، متقن ومحكم، فيه أكثر من 200 عمود، وهذه الأعمدة كلها مقنطرة من الأعلى بالحجر، وعلى هذه الأعمدة كتابات ونقوش كثيرة وجميلة تعود إلى مختلف العصور.

الكتاب: آمد - مدينة الفخر

تأليف: برهان حنّا أيليا

الناشر: مطبعة الإحسان حلب 2009

الصفحات: 480 صفحة

القطع: الكبير

فيصل خرتش

Email