«الحقيقة في الوقت غير المناسب، خطرة»، قول للروائي والشاعر والمخرج السينمائي الكندي الجنسية والسيرلانكي الأصل مايكل أونداتجي، الذي اشتهر من خلال روايته (المريض الانجليزي) التي فازت بجائزة بوكر للآداب عام 1992.

وحولت إلى فيلم سينمائي عام 1996 والذي يعتبر اليوم من روائع أفلام السينما الكلاسيكية. كما يعتبر أونداتجي أول كاتب يحصل على جائزة بوكر سواء في كندا أو سيرلانكا.حقق أونداتجي، الذي ولد في 12 سبتمبر عام 1943 في كولومبو بسيرلانكا، شهرته في عالم الأدب بصفته روائيا، علما أن ارتباطه الأساسي بالشعر إلى جانب كتابته لأدب السيرة الذاتية والسينما. ونشر في إطار الشعر 13 ديوانا وفاز بجائزة الأدب الكندية (المحافظ العام) مرتين، الأولى عن ديوانه (مجموعة أعمال بيلي الطفل) عام 1970، والثانية عن ديوانه (هناك خدعة بالسكين أتعلمها) عام 1979. كما قدمت أشعاره من المجموعة الأولى وروايته (القادم عبر المجزرة) على خشبة المسارح في شمال أميركا.

ويضم نتاجه على صعيد السينما ثلاثة أفلام منها، فيلم وثائقي عن الشاعر الكندي باري فيليب نيكول (1944 ? 1988) الذي برع في القصيدة البصرية التي تعتمد على الشكل والتكوين كعنصر لتعزيز المعنى، والتي ترجع أصولها إلى عهد الإغريق، وقد أخرج أونداتجي الفيلم عام 1970 وحمل عنوان (أبناء كابتن الشعر).

كما حقق فيلمه الوثائقي الدرامي (كلينتون المميز: فيلم عن عرض المزرعة) عام 1974، نقلة على صعيد مفهوم الفيلم، إذ جمع في عمله بين عرض الممثلين وتفاعل المزارعين مع العرض، خاصة وأن العرض مرتبط بحياة المزارع. كما نشر عام 2002 كتابا بعنوان (حوارات، وولتر مارش وفن مونتاج الفيلم)، والذي فاز بعدة جوائز منها جائزة (محرري السينما الأميركية).

وعلى صعيد نشاطه الأدبي، يشارك أونداتجي في دعم دار النشر الكندية (كوتش هاوس بوكس) التي تعنى بنشر التجارب الأدبية الإبداعية والمبتكرة سواء في إطار القصيدة أو أدب الخيال إلى جانب الأدب الواقعي، وتأتي مساهمته من خلال مشاركته في قراءة ومراجعة النصوص، وذلك منذ تأسيسها عام 1960.

ومن أشهر وأهم أعماله الروائية حسب ترتيبها الزمني، (القادم عبر المجزرة) عام 1976، و(في جلد الأسد) ويحكي فيها عن المهاجرين الأوائل الذي استقروا في تورنتو عام 2002، إلى جانب روايته (المريض الإنجليزي) عام 1992.

و(شبح أنيل) التي فازت بجائزة (غيلر) عام 2000، وثلاث جوائز أخرى، وروايته الأخيرة (ديفيساديرو) عام 2007، وعنوانها مستوحى من شارع في مدينة سان فرانسيسكو ويحكي فيها عن المزارعين في كاليفورنيا وعن جنوب فرنسا قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى.

تدور أحداث رواية (المريض الانجليزي) في نهاية الحرب العالمية الثانية، في فيلا مهجورة في قرية إيطالية، حيث تعتني ممرضة كندية في العشرين من عمرها بمريض انجليزي مصاب بحروق شوهت كامل جسده وملامح وجهه، حيث فضلت البقاء مع المريض والعناية به على مرافقة فريق المستشفى إلى المدينة. واختيارها مبني على خلفية الأحداث التي عاشتها خلال الحرب ابتداء من وفاة مرضاها وانتهاء بخبر مقتل والدها الذي كان أقرب الناس إليها.

وشخصية المريض المحورية لاسزلو ألمانسي في الرواية، بمثابة النول الذي تنسج عليه بقية الشخصيات أفكارها وأحوالها قبل وخلال الحرب، فمن خلال الاعتناء به تجد الممرضة عزاء يعوضها عن ألم موت أبيها وحيداً، كما يكتشف كارافاغيو الكندي صديق والدها في المريض سرا معلقا، ويجد الجندي البريطاني الجنسية الهندي الأصل كيب في المريض صديقا وفي الممرضة حبيبة، مما يعيد له تواصله الإنساني مع المحيط إلى حين.

تبدأ الأحداث بعمل الممرضة في حديقة الفيلا واعتنائها بصحة المريض وغذائه وقراءتها له من كتابه التاريخي لهيروديت. وفي أحد الأيام تفاجأ بدخول رجل متقدم في السن لتكتشف أنه ليس إلا صديق والدها ومعلمها الذي قصدها بعد أن سمع عنها في المدينة، وبينما تغير له ضماد جراح يديه يحكي لها كيف بتر الألمان إبهاميه حينما كان يحاول سرقة كاميرا أحدهم خلال مهمة كلفه بها البريطانيون لخفة يده في السرقة.

وفي صباح يوم ماطر وخلال محاولتها العزف على البيانو الذي اكتشفت وجوده، يقاطعها جندي بريطاني أسمر تصادف مروره مع زميله، ويطلب منها التوقف فوراً لشكه بوجود قنبلة زرعها الألمان قبل مغادرتهم. يخيم الجندي كيم الأسمر برفقة زميله خارج الفيلا، ليقوما بتنظيف المبنى من الألغام.

وعلى الفور يشعر بالارتياح لتواصله مع المريض وينشأ بينهما تفاهم عميق، فالمريض، مثل كيب لا يعترف بحواجز الجنسية والعرق. وفي الوقت نفسه يشعر بالانجذاب إلى الممرضة التي تبادله الشعور، وتنشأ بينهما علاقة إنسانية جميلة، تعيد له مصداقيته مع الحياة، خاصة بعد فقدانه لرئيسه في الجيش اللورد سافلوك الذي رعاه في بريطانيا وعامله كفرد من عائلته.

نتعرف من خلال حوار المريض مع الشخصيات الثلاث، على حياته السابقة كمغامر خبير في جغرافية الصحراء الأفريقية وعلى علاقة الحب التي ربطته بكاثرين كليفتون المتزوجة حديثا.

والتي تقرر قطع علاقتها به بعد مضي عامين خوفا من غيرة زوجها، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية يقرر الفريق العودة إلى بريطانيا، ويقرر جيفري زوج كاثرين اصطحابه معهما. وعند هبوط جيفري بالطائرة لتقله من مقره يحاول صدم الطائرة بألماسي وقتل نفسه وزوجته.

ينجو ألماسي وتصاب كاثرين ويموت الزوج. ويتجلى من خلال الأحداث غموض شخصية كاثرين التي تأخذ من الحياة كل ما تريده وتعيش أهواءها تبعا لنبضها. يحاول ألماسي إنقاذها لكن الجيش البريطاني يقبض عليه ويشك بجنسيته بسبب اسمه الغريب، وعندما يطلق سراحه تكون كاثرين قد فارقت الحياة منذ زمن.

يساعد ألماسي جواسيس ألمان في عبور الصحراء فهو يتعامل مع الناس اعتماداً على الجانب الإنساني بعيداً عن الجنسية والعرقية، ثم يعود ليصطحب جثة كاثرين من الكهف، غير أن مركبته تتعطل، فيضع جثتها في طائرة كانت مدفونة بالرمال، ويحلق بها وبعد حين يحترق المحرك ويهبط بالمظلة وهو يحترق، لتنقذه مجموعة من البدو.

الكتاب: المريض الانجليزي

تأليف: مايكل أونداتجي

الناشر: كنوف، 1992

صفحات: 307 صفحات

The English Patient

Michael Ondaatje

Knopf - USA، 1992

P 307

رشا المالح

ralmaleh@albayan.ae