توماس فولفارت، أكاديمي يتذوق الشعر من جميع ينابيعه ومشاربه، سواء كان يونانياً أو لاتينياً أو فرنسياً أو إنجليزياً أو صينياً أو عربياً. فهو يرى جمالياته في تجليات اللغة وانتقالاتها من عالم إلى آخر. منذ عام 1991، يسعى إلى جمع الشعراء من قارات الشعر وخرائطها في ورشته ببرلين، هذه البوتقة التي تنصهر فيها جميع اللغات لتنقل الأحاسيس والمشاعر.
ومن مسودات الترجمة، تظهر القصائد بحلتها الجديدة على الرغم من الرأي القائل ب(خيانة الترجمة). هذه الورشة حطت مؤخراً في عجمان بدولة الإمارات العربية المتحدة، وجمعت نخبة من الشعراء العرب، يقرأ بعضهم لبعض، نماذج من قصائده المترجمة إلى اللغتين العربية والألمانية ـ تجربة متفردة تنتظرها لغات أخرى. كيف أطلقتم تسمية (قافلة تهريب أبيات الشعر) على نشاطكم الحالي؟ أطلق هذا الاسم (قافلة تهريب أبيات الشعر) مجموعة من الشعراء الألمان والعرب في ورشة الأدب ببرلين في إطار مشروع للترجمة.
وستحط القافلة عند مؤسسات أهلية وخاصة، وتطرق أبواب الجامعات، في البحرين ودول خليجية، كمرحلة ثانية من المشروع الذي ولدت فكرته في مدينة برلين ضمن نشاط مؤسستنا (ورشة الأدب في برلين)، والذي أشرف على برامجه.
على أية حال، الاسم الذي أطلقناه هو مجرد استعارة لاستخدام الشعر الذي بات يعزف عنه الجمهور في مختلف أنحاء العالم وليس العالم العربي فحسب. أتمنى أن نجد جمهوراً يتذوق هذه (البضاعة الشعرية) التي نقوم بتهريبها، ويا ليت تهريب الشعر يستمر كوسيلة للتعرف إلى الآخر أيضاً، نسعى إلى أن نجعل منها جسوراً توثق بين ثقافتينا العربية والألمانية.
لغة تقارب
كيف تتم عملية الترجمة بين الشعراء أنفسهم؟ وهل يمكن أن تكون عدم معرفة اللغة عائقاً؟
تتكون الفكرة من تشكيل مجموعات تعمل على ترجمة شعرية جديدة لشعر الشريك الآخر بلغتهم الأم، كما حصل، على سبيل المثال، في ورشة أبريل، حيث شارك في القافلة:
علي الشرقاوي (البحرين)، محمد الدميني (السعودية)، نجوم الغانم (الإمارات)، محمد النبهان (الكويت)، ومحمد الحارثي (سلطنة عمان)، إضافة إلى كل من الشعراء الألمان: رون فينكلر، توم شولتس، نور بوسون، سليفيا غايست، وغيرهارد فالكنر. وهنا تتم الترجمة عبر مسودات تعتبر صيغة مرشحة للترجمة النهائية وقابلة للتغيير والتحويل. فيتم التعامل مع النص على أساس كونه كائناً حياً قابلًا للنمو والتطور.
إن الشعراء العرب والأجانب أو الشعراء من مختلف لغات العالم يتفاهمون من خلال مشاعرهم وأحاسيسهم التي عبّروا عنها من خلال قصائدهم. إنهم مالكو هذه النصوص وهم الذين يعطونها الصيغة النهائية.
إذاً إجادة لغة الآخر ليست شرطاً للترجمة؟
ليس بالضرورة كما أشرت، فالمهم هو لقاء شاعر، يعرف دقائق وتفاصيل عمله بشعراء آخرين، ويتم تبادل الحديث عن الشعر. وإذا كان الشعراء يتكلمون لغات مختلفة، فذلك يعني توفير فرص الترجمة والنشر بلغة الآخر. أما إذا تكررت اللقاءات والأحاديث بينهما، فغالباً ما تتأسس صداقة بينهما قد تستمر مدى الحياة، لأن شرطها موضوع كبير مشترك بينهما.
شرط ثقافي
هل تعتقدون أنكم تقومون بحوار عبر لغة وسيطة؟
إن التجارب المشتركة والأحاديث الشخصية والتبادل المباشر للأفكار ليست هي فقط الضامن لترجمة جيدة للشعر، بل إنها شرط أساسي لعلاقات ثقافية مستمرة، وغنية وقابلة لبلورة الحوار الإنساني.
وحسب برنامج المشروع، أن يقوم الشعراء الألمان بزيارة الشعراء العرب في بلدانهم بمنطقة الخليج، لذلك اخترنا شعراء من الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لإقامة أمسيات وندوات نقاشية.
ولكن كيف يتحاور شعراء لا يجيدون لغة الآخر؟
الفكرة الأساسية للمشروع هي حوار الشعراء المباشر باللغة التي يفكرون ويحسون ويكتبون بها، عبر لغة وسيطة أخرى. اللقاء هو المرحلة الأولى، أما المرحلة الثانية فهي الحصول على ثمار تجاربهم هذه. وقد أنجزنا مشروعات مشتركة عدة في (ورشة الأدب في برلين) مع شعراء من لغات أخرى.
شراكة الإبداع
الشعر من أقدم الفنون التي عرفتها البشرية، وهو أيضاً مرآة متجددة للزمن وللحضارة منذ أكثر من 5000 عام، لكن من الذي يستطيع أن يحكم على جودة الشعر وعلى جودة الترجمة؟
لدينا مستشارون في هذا المجال، وهم يعرفون جودة الشعر، وكذلك لدينا مترجمون مبدعون يعرفون جودة الترجمة. المهم في برنامجنا هو إنجاز هذا التبادل الشعري الألماني العربي، من خلال شركائنا:
وزارة الثقافة والإعلام البحرينية، وكذلك وزارة الخارجية الألمانية، ومعهد غوته، والسفارة الألمانية في البحرين، ودارا النشر في ألمانيا ولبنان. ونحن نتمنى أن تصل هذه الترجمات إلى جمهور واسع في العالم الناطق بالألمانية والعالم الناطق بالعربية.
هل ثمة رعاية حكومية لهذا المشروع؟
كلا، نحن مؤسسة غير حكومية، ولكننا نستقبل الدعم المالي بلا شك. في القافلة الحالية التي تم تنظيمها في بلدان الشعراء العرب، تقدمت وزارة الثقافة والإعلام في البحرين لاستضافته وتنظيم قافلة الشعراء المشاركين في دولة البحرين.
وكذلك المؤسسات الثقافية، الرسمية، وغير الحكومية، في الدول الشقيقة، التي تستقبل جانباً من الفعاليات في برنامجها مثل «دائرة عجمان للثقافة والإعلام» بالإمارات العربية المتحدة، و«النادي الأدبي في المنطقة الشرقية» بالمملكة العربية السعودية، و«ملتقى الثلاثاء» بدولة الكويت. المهم أننا نسعى إلى تحقيق تواصل الثقافات عبر وسيلة قديمة وعريقة هي الترجمة.
وهدف برنامجنا هو إتاحة الفرصة للمهتمين من الجمهور للانفتاح على الأدب العربي، وتشجيع التفاهم المتبادل بين الطرفين ودعم التواصل بين الفنانين والأدباء والكتاب.
روحية وثقافية
لماذا هذا الاهتمام بالشعر العربي في نظرك؟
أعتقد أنه بعد التطورات التي شهدتها السنوات الأخيرة، بدأ تفهم كبير للثقافة العربية في الغرب، وإذا جاز لي التبسيط هنا، فإن الاهتمام بالثقافة العربية أصبح ضرورة ملحة.
وهل يوجد أفضل من الأدب في إقامة هذا التواصل؟ إن النقطة الأساسية في مجهوداتنا هي إتاحة برلين إمكانية لضيوفنا من العالم العربي لاحتكاك حقيقي مع أدبهم ومواقفهم الروحية والثقافية والسياسية. إن تعميق الصداقات وتمتين البرامج مع العالم العربي، يدفع الزوار الألمان لزيارته والتعرف إليه بدلاً من تجاهله وعدم فهمه.
ما هي المعايير التي اعتمدتموها في اختيار المشاركين؟
بداية، أود أن أشير إلى مسألة الاختيار، لأننا نبذل كل عام جهداً لمعرفة التضاريس الأدبية في المنطقة التي نريد الاحتفاء بها. وهنا لا بد من التركيز على الجودة الأدبية.
وفي هذا الخصوص، استشرنا ضيوفنا السابقين من العالم العربي، وبعض المترجمين من اللغة العربية، وبعض الناشرين، ومعهد غوته. كل هذه المؤسسات رشحت لنا الشعراء.
متى بدأ الاهتمام الفعلي بالشعراء العرب؟
بدأ هذا الاهتمام من خلال العديد من المشروعات الثقافية التي أسست لحوار بين أوروبا الغربية والعالم العربي. ولقد تزايد الاهتمام بآداب البلدان العربية وثقافاتها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وربما لذلك، اهتم بها في معرض الكتاب في فرانكفورت عام 2004 الذي كان فيه العالم العربي ضيف شرف.
هل تهتمون بشعر الأمم الأخرى؟
بالتأكيد. وذلك يتجسد من خلال المهرجانات الأدبية التي نقيمها في أوربا من أجل تقديم القصائد المترجمة. ليس لدينا أي تركيز على لغة معينة أو بلد معين، وإنما نحن منفتحون على جميع لغات العالم.
أود أن أعود إلى مسألة قديمة تتجدد، وهي: هل تؤمنون بترجمة الشعر؟
الرأي القائل أن الشعر لا يترجم رأي قديم، منذ أن خُلق الشعر في تاريخ البشرية. الناس يترجمون الشعر أو يترجمون الذي لا يترجم، هكذا كنا نقول.
ومن خلال ترجمة الشعر، نحتاج إلى ترجمة مجالات الحياة بكاملها. وهناك اختلافات لغوية من خلال الترجمة المبنية على أسس اللغة. أحد أهم عناصر الشعر هو الموسيقى الشعرية أو المضمون، لذا يجب أن نختار ما نترجمه.
وفي ورشتنا، نعتمد على تقنية الترجمة الحرفية في بادئ الأمر. ومن ثم، نعتمد على تفسير الشاعر لشعره، فيتحول الشاعر إلى وسيط. واهتمامنا بترجمة الشعر يمتد قديماً في الثقافة الألمانية، إذ إن الألمان هم أول من ترجموا الشعر الجاهلي.
هل تتلقون الدعم من الحكومة الألمانية؟
كلا. خاصة بوجد بند في الدستور الألماني يقول بأن الفن يجب أن يكون حراً، وأي دعم حكومي من شأنه أن يخرب هذا المفهوم.
إضافة إلى أننا مؤسسة غير حكومية، ولكنها لا تمانع تلقي المساعدات من قبل الحكومة على أساس أننا مؤسسة مدنية غير حكومية، ويحق لها استقبال المساعدات المالية، لكن الحكومة الألمانية لا تتدخل في شؤون الثقافة.
الشعر المعاصر
ما هو عدد الكتب التي قمتم بنشرها؟
أصدرنا إلى حد الآن عشرين كتاباً، وتحتوي جميعها على النصوص الأصلية مع ترجماتها في اللغات الأخرى.
هل ترجمتم الأدب الصيني على سبيل المثال، باعتبار أن اللغة الصينية تختلف جذرياً عن اللغات الأوروبية، لأنها تشكيل وصور وليست مكونة من حروف؟
طبعاً، فالشعر الصيني مهم للغاية، وهو يعكس ثقافة وحضارة متميزتين.
من هم أبرز الشعراء العرب الذين ترجمتم لهم؟
أدونيس، ومحمود درويش وعباس بيضون ومحمد بنيس وقاسم حداد، وغيرهم.
لماذا لا تترجمون من الشعر الكلاسيكي العربي؟
نحن نركز على الشعر المعاصر. ويهمنا أن يكون الشعراء حاضرون معنا في الورش الأدبية التي نقيمها. كما نحاول الاستفادة من المناسبات، مثل ولادة الشعراء ووفاتهم، من أجل إلقاء الضوء على إبداعهم الشعري. كما نحاول الاستفادة من التقنيات الحديثة في عرض هذه الأشعار مثل التسجيل الصوتي وتسجيل الفيديو واليوتيوب، وغيرها.
شاكر نوري

