المياه في الصراع العربي الإسرائيلي

المياه في الصراع العربي الإسرائيلي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يمثل الكتاب توثيقاً علمياً يدرج بيانات وإحصاءات وأرقام قضية ومشكلة الصراع العربي الإسرائيلي على المياه، حيث يبين خطورة المخططات الإسرائيلية في هذا الصدد، إضافة إلى تصميم إسرائيل على الحصول على المياه العربية، بأي ثمن كان، لأنه يعد بالنسبة لها أساس وعماد استمرارها وتوسعها، فتعمد في ظل هذه الحقيقة إلى سرقة المياه العربية، واللجوء إلى العدوان إذا اقتضاها الأمر ذلك، علاوة على عدد من الأساليب الاحتيالية الأخرى، تحت مظلة مفاوضات ومخططات ومشروعات دولية. إسرائيل تعاني عجزاً مائياً يقدر وفقاً لبعض الدراسات بـ 800 مليون متر مربع، ما يعني حتمية عزمها على السطو على جميع مصادر المياه العربية.

يبحث كتاب «موقع المياه في الصراع العربي الإسرائيلي من منظور مستقبلي»، لمؤلفه حسام شحادة، والصادر عن مركز الجزيرة للدراسات والدار العربية للعلوم ناشرون -2009، في موضوع المياه العربية ضمن معطيات الصراع العربي الإسرائيلي، وذلك من خلال رؤى منهجية علمية مفصلة ومعمقة تعتمد على الوثائق والأرقام والتواريخ. ويبين شحادة في مقدمة كتابه تحول موضوعه المياه في المنطقة إلى قضية ساخنة ومركزية، حيث لم توفر إسرائيل جهداً في تقديم دراسات عملانية وإجراءات ميدانية، لتتمكن من إحكام قبضتها على منابع المياه وإخراجها هذه المسألة من بازار التفاوض باعتبارها خطاً أحمر، يهدد تجاوزه وجود الدولة وكيانها.

ويشير الكاتب في محاور بحثه اللاحقة إلى أن هذه النقطة بالتحديد، تكشف عنها المساجلات والوقائع والتقارير السابقة لإنشاء الكيان الصهيوني، وذلك عندما ألزم البريطانيون أنفسهم بتأسيس ما يسمى صندوق استكشاف فلسطين، بين العامين 1865 ـ 1866، بهدف إجراء دراسات تفصيلية توضح تركيزاً كبيراً على مصادر المياه، ليتوضع هذا بمثابة تمهيد حيوي لتوطين (5) ملايين يهودي في فلسطين، إذ نبه خبراء هذا الصندوق إلى أهمية المياه في تلبية حاجيات الاستيطان الزراعي، كونه مهماً ومركزياً لإقامة الكيان اليهودي المقترح.

ويتابع الباحث شحادة تطرقه إلى جوانب هذه القضية، ليطلعنا على حقيقة مبرهنة ومثبتة، مفادها أن ساسة إسرائيل لم يغفلوا بعدها أطراف هذه المعادلة، بفعل وعيهم للارتباط الوثيق بين قيام دولتهم وتأمين حاجياتها المائية، فأخذوا يجاهرون بمخططاتهم، ويعتبرون ما هم عازمين عليه، حقاً شرعياً لا جدال فيه، وهذا عملياً ما تؤكده التوصية التي أصدرها رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، آنذاك، إيهود باراك، عقب المفاوضات التي جرت في عام (1999)، والقاضية برفض أية تسوية تتضمن توزيعاً للمياه مع الفلسطينيين، وإعلان الموافقة، فقط، على قيام إدارة مشتركة لمصادر المياه في الضفة الغربية، وذلك في نهاية مرحلة انتقالية طويلة، ستنجح إسرائيل معها في السيطرة على مصادر المياه الجوفية الرئيسة ضمن السفوح الغربية من السلسلة الجبلية في الضفة الغربية.

ويسجل الباحث إثر هذا التحليل، رأياً خاصاً، يبنيه على أساس ربط ومناقشة مجموع تلك المخططات، حيث يشدد على أن الاستراتيجية الإسرائيلية ترمي إلى إبقاء السيطرة على مصادر المياه لتبقى تشكل تهديداً مباشراً للأمن المائي العربي، وبذا يستمر فتيل التوتر قائماً، في ظل التغييرات المناخية وانحسار المتساقطات، والنضوب التدريجي للمخزون المائي الجوفي.

ويختار شحادة أن يبين بالتفصيل، أهم مصادر المياه في فلسطين، مثبتاً بالأرقام والحقائق، تبعاً لإحصاءات إسرائيلية خاصة، حجم كميات المياه المتوافرة عام 1948، ونسبة تناقصها خلال العقود الثلاثة من عمر الكيان الصهيوني.

ونجد الكاتب يتعمد أن يفرد محوراً موسعاً لقضية الأطماع والمشروعات في مياه فلسطين، منبهاً ضمنه إلى إدراك إسرائيل المبكر لأهمية المياه، منذ بدايات ظهور الحركة الصهيونية في ثمانينات القرن التاسع عشر، ودأبها لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، مستغلة الحافز الديني لتهجير اليهود إلى فلسطين، ومستفيدة من ظروف الاضطهاد العنصري لليهود في أوروبا، وتقاطع الأطماع والمصالح الصهيونية مع المشروعات الغربية الاستعمارية، لتقسيم المنطقة وتجزئتها.

ثم ينتقل الباحث ليطلعنا على المخططات الصهيونية، التي تهدف إلى توسيع الدولة بناء على هذه القاعدة، لتبلغ الشمال والشمال الشرقي لفلسطين، وصولاً إلى منابع نهر الأردن وإلى جبل الشيخ واليرموك ومجرى نهر الليطاني في لبنان، ويشرح في هذا السياق، نقلاً عن مصادر إسرائيلية، كيفية تطور استهلاك المياه في إسرائيل منذ عام 1948 حتى اليوم، لافتاً إلى أن إسرائيل واقعة عملياً في حالة من العجز المائي، قدر، وفقاً لبعض الدراسات عام 2000 بـ 800 مليون متر مربع، وهذا ما سيجبرها على استنفاد جميع الوسائل لإبقاء مياه الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام (1967) تحت سيطرتها، لتتوجه في الوقت نفسه، نحو سرقة المياه اللبنانية واستغلال مياه نهر الأردن.

ويورد شحادة إحصاءات ووثائق محققة تبين المشروعات الإسرائيلية خلال الفترة الممتدة بين (1948-1967)، تنفيذاً لمخططاتهم الهادفة إلى السيطرة على مصادر المياه، والتي تعود إلى بدايات القرن الماضي، فيحدد على سبيل المثال مشروع خطة أعدت ما بين 1953-0691، ترمي إلى زيادة كميات المياه من جهة، وزيادة الإنتاج الغذائي من جهة أخرى، وكذلك المشروعات في الجليل والأردن والنقب، وإقامة السدود والجسور وحفر القنوات واستثمار مياه الفيضانات والسهول، من أجل توفير مياه كافية للاستخدام والري.

ويتوسع الباحث ضمن الفصل الرابع في كتابه، في حصر مصادر المياه في الضفة الغربية وفي قطاع غزه، ثم يدلل بالأرقام على كمية المياه المستهلكة للأغراض المنزلية والصناعية، من قبل الفلسطينيين في الضفة وفي القطاع، ويخلص هنا إلى أن استهلاك الفرد من المياه في إسرائيل، يشكل خمسة أضعاف ما يستهلكه الفرد العربي، وأن إسرائيل تسيطر على نحو 86% من مياه الضفة والقطاع، وهي باعتداءاتها المتكررة، ونهبها المنظم لقطاع المياه في الأراضي الفلسطينية، تهدد الواقع المائي الفلسطيني. وبناء على هذه الحقائق يلح شحادة في دعوته إلى انتفاضات داعمة لصمود الفلسطينيين وتشبثهم بالأرض، ليكون هذا هو الحصن المنيع في مواجهة مخططات التوسيع والهجرة الصهيونية.

ويبرز الباحث في مضامين مناقشات وأبحاث الفصل الخامس في الكتاب، أشكال أطماع إسرائيل في مياه الدول العربية، وخاصة في مياه حوض النيل وهضبة الجولان والمياه اللبنانية ونهر النيل ونهر الفرات.

ويصل شحادة في خلاصة بحثه إلى تناول إشكالية حيوية ركيزية في ماهية الصراع العربي الإسرائيلي على المياه، يبادر معه إلى السؤال حول إمكانية حصول التسوية السياسية لمشكلات المياه بين إسرائيل والعرب، ليقرأ مع معطيات ودلائل إجابته، الوقائع والمستجدات، فيستعيد بعضاً من تصريحات قادة إسرائيل، ويقف على أبعادها، محللاً ومستنتجاً، فيحيلنا نهاية إلى أهمية أن نعي مسلمة جوهرية في هذا الشأن.

فحواها أن مسألة المياه شكلت عامل قلق لدى الإسرائيليين، دفعهم بعيد حرب الخليج، وعقب انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، إلى إعادة صياغة التحالفات السياسية في الشرق الأوسط، ليمهدوا بذلك لإجراء مباحثات تسوية بينهم وبين العرب، أصرت فيها إسرائيل على إدراج مسألة المياه ضمن الموضوعات الإقليمية، بالتوازي مع مشكلات التنمية الاقتصادية والتسلح واللاجئين، وهذا فعلياً ما تكشف عنه المفاوضات المتعثرة مع السوريين. ويرسم الباحث في الفصل الأخير من كتابه، سيناريوهات عدة لمستقبل الصراعات المائية المحتمل أن تتحول إلى صراع مسلح، تؤججه جملة عوامل، يذكرها بالتفصيل.

بيار شلهوب

المؤلف في سطور

ـ حسام محمود شحادة، كاتب وباحث فلسطيني من مواليد دمشق 1954، حاصل على إجازة في الكيمياء الحيوية من جامعة دمشق. لديه العديد من المؤلفات والدراسات والأبحاث المتخصصة في شؤون الصراع العربي الإسرائيلي.

الكتاب: موقع المياه في الصراع العربي الإسرائيلي من منظور مستقبلي

تأليف: حسام شحادة

الناشر: مركز الجزيرة للدراسات والدار العربية للعلوم ناشرون 2009

الصفحات: 115 صفحة

القطع: الكبير

Email